سكان جبل شدا الأعلى

سكان جبل شدا الأعلى في الباحة يتمسكون بالمنازل الصخرية ويتفننون في بنائها

استطاع السكان في قمة جبل شدا الأعلى بمنطقة الباحة تطويع صخور الجرانيت وخلق الجديد المبتكر من الأشكال الفنية لهذه التشكيلات الصخرية الطبيعية وجعلها للسكن والانتفاع بأشكالها المحفورة ليس فقط كلوحات فنية معبرة بل ان أكثر من ثلاثين منزلاً داخل الكهوف مأهولة بالسكان حتى اليوم.




إلا أن ذلك التباين للأشكال الصخرية في جبل شدا يبعث للنفس الارتياح والحيوية ومزيدا من النشاط والبحث المستمر عن أشكال أخرى معبرة توحي للمتأمل بقصة أو عبرة وربما تكون أسطورة. وتلك الأشكال الصخرية التي تمثل جانبا من المتحف الطبيعي الذي يضمه جبل شدا، ذلك الجبل الشاهق الذي يقف شامخا كالرمح في وسط صفحة صفراء من الرمال تحيطها الكثبان الرملية في سهول تهامة ليقف ذلك العملاق منفردا وندا مساويا للجبال الشاهقة في سراة هذه المنطقة بارتفاع 2400متر عن سطح البحر الأحمر.فهو يحمل العديد من المجسمات التي أبدعتها يد الخالق سبحانه وتعالى بأنامل التعرية التي جعلت من هذا النحت صورا توحي بذلك الجمال المعبر عن حقيقة تتحدث مباشرة مع الوجدان قلبا لقلب، فشكلا يوحي بالخوف وقدوم الأشباح وما خلدته ذاكرة الأجيال من أساطير وطقوس لتلك الأشكال التي عرفها أبناء منطقة الباحة قديما وتحولت الى نسج من الخيال المبدع ولدت من خلالها الأسطورة الشعبية، ومنها ما كان ملهما للشاعر بقصيدة حب، أو رثاء، وشكلا آخر كان مخاطبا للعقول والأبصار أن هذه قدرة الخالق تتجلى في مخلوقاته عبر هذا الكون الفسيح المتسع الآفاق.
وسكان محمية جبل شدا لا يزالون متشبثين بمسقط رؤوس آبائهم وأجدادهم في موطن النمر العربي متحدين وعورة التضاريس والوحوش المفترسة والثعابين التي قال عنها أهالي شدا أنها عملاقة تنفرد عن غيرها بضخامة الأجسام والطول والقتال الشرس، وإذا بدأت الصعود إلى قمة شدا ابتداء من وادي يحر بمحافظة قلوة ستجد عبر هذه العقبة الصخرية الخطرة العديد من المفاجآت ومنها التنوع الكبير في غطائها الشجري والنباتي وطيورها المتعددة الأشكال وعند الصعود للقمة يفاجئ الزائر بالمنازل الصخرية حيث تم استغلال الصخور المقببة والتي تزن مئات الأطنان بالبناء عليها واستخدامها للسكن والنحت فيها من الداخل لمحاولة استغلالها لمختلف المنافع وتم تقسيم الكهوف إلى منافع متعددة الأغراض، فمنها قسم للطبخ وآخر للجلوس وقسم للنوم، وقسم للأغنام من الماعز. وقد التقت الرياض بعدد من أهالي شدا الذين استقبلونا ببالغ الكرم والترحيب في كهوفهم المشيدة، حيث يقول مطر الشدوي: السكن بداخل الكهوف عادة قديمة لسكان شدا وقد تزوجت وقضيت أجمل حياتي في هذه الكهوف وكثيرون من أقربائي لا يزالون يسكنون بهذه الكهوف لأنهم لا يمتلكون أراض في المناطق السهلة أو في السهول وولدوا وعاشوا في هذا الجبل في عزلة عن العالم، وربما لو عرض على البعض منهم التخلي عن هذه الكهوف لضاقت به الدنيا وتذمر وقد يرفض كل العروض، فهو يرى أنها فيلا وأجود من أي منزل حديث، ويضيف الشدوي أنه بالرغم من تشبث الأهالي بهذه المناطق الوعرة فقد وصلتهم الكهرباء والهاتف وبالإضافة إلى المدارس والمستشفيات وفي شدا مركزاً للأمارة والشرطة والدفاع المدني، وكافة الخدمات وصلت وتم البدء في سفلتة شدا لتذليل الطريق أثناء الصعود للأهالي ولله الحمد وهذا دليل على إرضاء المواطنين والوقوف عند رغباتهم وعدم إكراههم على غير ما يريدونه لحياتهم.
أما علي بن محمد الشدوي 69 عاماً يقول: نتمنى أن نمنح مخططاً من الأراضي في محافظة قلوة وسوف نتخلى عن شدا لأنه لم يعد جيداً للسكن خصوصاً بعد إعلانه محمية ولو أننا نمتلك أراض في غير هذا الجبل أو تعويضات لنزع الملكية فلن نبقى فيه ساعة واحدة وسوف يكون منتجعاً وطنياً ومحمية في جزئه الذي حددته الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية، وعن وجود النمر العربي يقول الشدوي أذكر قبل خمسين عاماً أن أحد الأهالي قتل عشرة من النمور ببندقيته وذلك أنها فتكت بأغنامه فهي لم تكن تأكل واحدة وتكتفي، بل أن النمر يقتل خمس أو ست من الماعز ولا يأكل منها سوى الكبد، فإذا وجدنا الماعز مبقورة بطونها نعرف أنه النمر. وقتل النمر كان من الصعب جداً لأنه إذا لم يصوب جيداً يعود للرامي ويقفز إلى حيث انطلاق صوت البندقية وينتقم من صاحب البندقية، وحدث من ذلك الكثير، أما في العهد القريب فلم نعد نرى النمر في شدا منذ أكثر من عشر سنوات، ولكنه انتقل إلى جبل نيس ويبعد عنا ما يقارب 10كيلو متر من الجهة الشمالية الشرقية من محافظة قلوة وكذلك يوجد النمر والوشق والضباع والكثير من الذئاب في جبل رَبَا في الجهة الشمالية الغربية من جبل نيس المذكور أي في المقابل له ويفصل بين الجبلين مدينة قلوة. الجدير بالذكر أن بجبل شدا عدداً من الكهوف مليئة بالرسوم الملونة والتي يعتقد أنها تعود للعصر الحجري وإنسان الكهوف وهي لأشكال آدمية وحيوانات مثل كهف يسميه الأهالي كهف الهريته وفي سقفه رسوم ملونة باللونين الأحمر والأسود لغزلان وأسود ونمور ولعدد من الرؤوس الآدمية والتي يظهر فيها الشعر مستقيماً للأعلى كأسنان المشط وغير ذلك يوجد أربعة كهوف أخرى كسابقها. ويشتهر جبل شدا بزراعة البن والكادي والرعي والمناحل حيث يعد العسل الشدوي من أغلى وأجود أنواع العسل وأكثرها ندرة لامتلاء الجبل بأنواع الزهور وأصناف النباتات العطرية المتعددة.

ذكرتني بقصيدة للشاعر الكبير عبد الله الفقيه يقول فيها
نيس لو ينطح شدى من يفارع بينها