شاعر ينحت من صخر

شاعر ينحت من صخر
( الفرزدق)

قديما قيل : » البحتري يغرف من بحر , والفرزدق ينحت من صخر « والمتتبع لشعر كلا الشاعرين يجد أن الاول امتاز برقة شعره , وسلاسة الفاظه , وحلاوة ديباجته بينما غلب على شعر الثاني الصلابة والقسوة وقد قال الفرزدق عن نفسه : » انا عند الناس اشعر العرب , وربما كان نزع ضرس أيسر عليّ من ان اقول بيت شعر « .

فمن هو الفرزدق وفي اي عصر عاش وكيف كانت حياته ?.‏

الفرزدق هو همام بن غالب بن صعصعة من دارم ثم من تميم ويكنى بأبي فراس وهي من كنى الاسد ... ولقب بالفرزدق لجهومة وجهه واثر الجدري المنطبع فيه .. وقد اختلف الدارسون في معنى كلمة الفرزدق فقيل هو الرغيف الساقط من التنور , وقيل القطعة من العجين , وقيل فتات الخبز ... كما قيل انه الخبزة الغليظة التي تتخذ منها النساء الفتوت فتشربه لتسمن ..‏

أما نسبه فيعود الى دارم ثم تميم التي اورثت شاعرنا طباعه البدوية القاسية اذ كان جافا« في تعامله جريئا« في تطاوله وفي هجائه , صحراويا في لغته , وبدويا في معانيه , أما جده صعصعة فقد كان عظيما« في قومه حصد الشهرة لنفسه عن طريق شرائه اربعمائة موءودة انقذها من الموت المحتم وهذا ما فخر به الفرزدق في شعره ... ولشدة اعجابه بقومه وبأبيه واجداده فقد تفاخر بهم كثيرا ... بل أطنب في هذا الفخر الذي وصل الى درجة المباهاة امام الملوك والامراء الذين لم يكن له عندهم حظوة كبعض الشعراء الاخرين الذين اذا مدحوا كان مديحهم خالصا« لا يبتغي صاحبه سوى مرضاة الملك ليغدق عليه عطاياه ... أما الفرزدق اذا مدح فخر بنفسه وقومه وهذا امر لا يرضي الممدوح.‏

وبما ان الشعر كان وسيلة تكسب وربح للشعراء فقد قصد شاعرنا ابواب الملوك الا ان عنجهيته البدوية القاسية وارستقراطيته التي ليس فيها لين او استقامة لم تجعله قريبا من قلوب الملوك لان الفخر غلب على مديحه لهم وهو القائل مفاخرا .‏

أما الملوك فإنا لا نلين لهم‏

حتى يلين لضرس الماضغ الحجر‏

ولو عرجنا على طفولته لم نجد عنها الا نتفا« صغيرة لا تفي بالغرض ولا تعطي صورة واضحة لكن كما ذكر ان والده قدم به الى علي بن ابي طالب كرم الله وجهه عام الجمل /36/ للهجرة وقال ان ابني هذا يقول الشعر ويوشك ان يكون شاعرا مجيدا فقال له علي : علمه القرآن فهذا خيرله‏

وكثيرون شككوا في هذه الرواية مستندين الى بيت شعري قاله في اول شبابه كنى فيه نفسه بأبي مكية ... ومكية هي بالفعل ابنة الشاعر لكن هذه الحجة غير دامغة لان العرب كانت تكني ابناءها منذ الصغر بأبي فلان وقد يكون شاعرنا الفرزدق من هؤلاء .‏

وهذا يعني اننا لا نستطيع ان ننفي مجيئه مع ابيه على علي بن ابي طالب خصوصا انه قيد نفسه وعزم على ألا يفك القيد حتى يحفظ القرآن الكريم .‏

أما نشأته فقد كانت في البصرة ... والبصرة كانت سوق العرب بعد الاسلام يؤمها الناس للتجارة والمفاخرة والمنافرة وطلب اللغة والادب والشعر ... وقد تأثر شاعرنا بهذا الجو المشحون بالمفاخرة وهجاء كل من لم يعجبه هجاء مقذعا« لهذا فقد خشي الكثيرون من سلاطة لسانه« كما كثر عدد زوجاته وهو الذي لم يكن يرى في المرأة سوى المتعة الحسية المادية ... وكثيرا« ما فعل اشياء لم يخجل منها حتى ان جريرا قال عنه :‏

وكنت اذا نزلت بدار قوم رحلت بخزية وتركت عارا‏

وهكذا أمضى شبابه شربا« ومجونا« وفسقا« ومن زوجاته النوار ابنة عمه وجهيمة الازدية , ورهيمة النمرية , وأم مكية وهي زنجية , وجارية بني نهشل والتي تم الشك بشرعية زواجه منها وتذكر كتب الادب انه كان سيء العشرة مع زوجاته وقد احتمله بعضهن على مضض أمثال النوار وجهيمة الازدية .‏

اما اولاده فقد قيل كان للفرزدق خمس بنات او ست ... وقيل ايضا انه مات في خلافة هشام وله فيه قصيدة يمدحه بها ويهنئه بالخلافة وقد ذكر في قصيدته تلك انه اصبح في الثمانين من عمره .‏

رمتني بالثمانين الدواهي وسهم الدهر اصوب سهم دارم‏

وخلال عمره المديد كان يتذبذب ما بين الزهد والفجور والفسوق فمرة نراه زاهدا« حقيقيا ومرة فاجرا فاسقا رغم شيخوخته التي لم يعترف بها فتزوج وقد أسن وكبر .‏

أما مصادر ثقافته فهي عديدة وغنية بمضمونها وأولى هذه المصادر اسرة الشاعر التي ورثته المجد والرفعة حيث عرف رجالها الحنكة الناضجة واصابة الرأي وجودة الحكم وسعة المعرفة بأخبار العرب ... كما ان البصرة التي كان يقيم فيها وتنقله في الاقطار العربية الكوفة والمدينة ومكة واجناد الشام والتي كانت مراكز لتفتح العقل العربي زودته بالمعرفة التي كان يطلبها فكانت حلقات العلم ومجالس الجدل والمناظرة في كل جامع وناد وبما ان الفرزدق كان مفطورا على حب المعرفة فقد سعى وراد العلم ليروي ظمأه ... ولأنه عرف الكثير من شعر العرب واخبارها ومعارفها التي وسعت دائرة ثقافته فقد قيل عنه : » لولا الفرزدق لذهب ثلث اللغة «.‏

وفي القصيدة التالية يعدد الفرزدق اسماء بعض الشعراء الذين وهبوا له قصائدهم :‏

وهب القصائد لي النوابغ اذ مضوا‏

وابو يزيد وذو القروح وجرول‏

والفحل علقمة الذي كانت له‏

حلل الملوك , كلامه لا ينحل‏

وأخو بني قيس وهنّ قتلنه‏

ومهلهل الشعراء ذاك الاول‏

والأعشيان كلاهما , ومرقش‏

وأخو قضاعة قوله يتمثل‏

هذا النص - وهناك ابيات اخرى لم اذكرها تؤكد ما عرفناه عن سعة محفوظ الشاعر وثقافته الكبيرة ... وهذا ان دلّ علي شيء فإنما يدل على سعة اطلاعه وتوقه الى معرفة كل ما هو جديد .‏

بقي ان نذكر ان الفرزدق مات عام 110 او 114 ه¯ بعد ان خلد للتاريخ ديوانا « متميزا« يمد الدارسين بشعر غني في مضمونه وألفاظه ومعانيه.‏

المصادر‏

1- الفرزدق د . ممدوح حقي‏

2- الفرزدق د . شاكر الفحام‏

اما وقد بأت بالفرزدق فسأحاول اكمال بقية الشعراء.شكرا لكل جهد تبذله .ياصقر

شكرا اخ صقر

تحياتي