الوسام .. الاكاديمي ابن الجنوب ..حسن القرشي ... لؤلؤة زهران كل الحكاية قسم المحاورة


 
 عدد الضغطات  : 5725


إهداءات




تهميش الوالدين في حياتنا

فضيلة الشيخ موسى محمد هجاد الزهراني


إضافة رد
#1  
قديم 02/11/2009, 12:01 PM
المؤسس والمشـــرف العــــام
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه
 عضويتي » 2
 تسجيلي » Aug 2004
 آخر حضور » اليوم (11:14 AM)
مشآركاتي » 64,141
 نقآطي » 16605
 معدل التقييم » صقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond repute
دولتي » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
 
 MMS ~
MMS ~
افتراضي تهميش الوالدين في حياتنا



( تهميش الوالدين في حياتنا )





إعداد
موسى بن محمد بن هجاد الزهراني
الإهداء
إلى شيخي الفاضل ، والمربي الصادق ، وصاحب الخُلق الجمَّ ، والإخلاص البادي على صفحات المحيا ، ودرر الكلام ، وجميل الفعال ، إلى من أسَر القلوب بتمثُّله أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، إلى أول من كلّفَني بإلقاء أول درسٍ في حياتي قبل ما يزيد على اثني عشر عاماً .. إليك أهدي أوّلَ نتاج تلميذك الذي يرجو أن يجعله الله بارَّاً بك .. ووفياً لك .
إلى فضيلة الشيخ المهندس / طريف بن محمد رشيد أبي عبدالرحمن ، متعنا الله بعلمكم وحياتكم ، وبارك فيكم ، ورزقكم الدرجات العلى في جنات عدن.
محبكم
موسى بن محمد بن هجاد الزهراني






بسم الله الرحمن الرحيم

شكر وتقدير

قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يشكر الله من لا يشكر الناس )[1] ‌.‌ إني لأُسَرُّ في هذا المقام أن أشكر – بعد شكر الله تعالى حق شكره على ما امتن به عليّ وتفضل من نعمه التي لا تعد ولا تحصى – الإخوة الذين ساعدوا في إخراج هذا الكتاب ، وعلى رأسهم أخي الحبيب الشيخ / عبدالله بن سعيد آل خالد الذي لم يبخل عليّ بالنصح والتشجيع وأمور أخرى لا يرضى أن أذكرها ، ولكن الله تعالى يجزيه عليها خير الجزاء . وابني ! الفاضل / سلمان بن أسعد حريصي ، الحريص على الخير ! وقد تعب معي كثيراً .
وشكرٌ خاص جزيلاً جزيلاً ! لأخي الفاضل صاحب الأيادي البيضاء ، سعادة الدكتور / مصلح بن مهل الردادي ، أبي عبد الرحمن ، استشاري ورئيس قسم الأشعة ، بمستشفى الملك فهد بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجزاهم الله خير الجزاء وجعل ما بذلوه في موازين حسناتهم (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) الشعراء . (89) والحمد لله رب العالمين .





بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
إنِ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ‏:‏
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) [آل عمران:102].
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) [النساء:1].

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )) [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ ‏:‏ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ .[2]أما بعد :
فمهما تحدث الدعاة عن قضية برِّ أو عقوق الوالدين ، سيبقى الموضوع بحاجة إلى إعادة وتذكير وكثرة الحديث حوله ؛ لأنه موضوع جديد قديم ، باقٍ ما بقي النوع الإنساني المكون من أبٍ وأمٍ وأبناء على وجه الأرض .. وهذه كلمات يسيرة حول هذه القضية ، حاولت جاهداً أن أستفيد من كلام وتجارب الأفاضل الذين سبقوا في هذا المضمار ، وأسأل الله تعالى أن يثيبني على ذلك ؛ وأن يغفر لوالدي ويجزيهما عني خير الجزاء ، فاللهم ارزقهما الدرجات العلى في جنات عدن (رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) .. واغفر لي تقصيري معهما ، وارزقني برهما أحياء وأمواتاً ، واجعل هذا العمل اليسير كفارة لما بدر مني تجاههما ، وارزقني برّ أبنائي وبناتي وجنبهم العقوق ، يا أرحم الراحمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
موسى بن محمد بن هجاد الزهراني
الظهران ـ أذان الفجر يوم الخميس الموافق
5 /ربيع الأول‏/ 1426 هـ

العنوان : ص. ب . 946 الرمز البريدي : 31932 . المنطقة الشرقية . مجمع الملك فهد الطبي العسكري بالظهران . الشؤون الدينية . mhajjad@islamway.net
ظاهرة تهميش الوالدين !

يقول الله تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } الإسراء (24).
يتعجب الإنسان _المسلم_ الذي مُنح ولو أقل القليل من العقل _ كيف أن الله تعالى لم يقرن شيئاً من العبادات في الإسلام .. بطاعته كما قَرَن طاعة الوالدين ، وفي ذلك إشارة خفيفة إلى أن المرء المؤمن إذا أحسن إلى والديه كما يليق بكونهما سبباً لوجوده في هذه الحياة ، فإنه من باب أولى أن يحسن في عبادة ربه لأن الله عز وجل هو السبب في وجوده هو وهم في هذه الحياة ..
كم نحن بحاجة إلى إيقاظ ضمائرنا من سباتها ، فنعرف للوالدين حقهَّما علينا ، فنجلّهما ونبجّلهُما ، ونُقدّرهما حق التقدير .
كم تحدَّث الأفاضل عن هذه القضية ، وكم خطب الخطباء ، وقال الشعراء ، وكنت أظن أنني لست بحاجة إلى طرق مثل هذا الموضوع لكثرة من تحدَّث فيه .. لكنني رأيت أن أتناوله من طرفٍ آخر .. من زاوية " قضية تهميش الوالدين في حياتنا "[3] ..
وعمدتي في هذه القضية هي تلك الآية الكريمة التي صدّرت بها هذا المقال ..
* * *



نحن والوالدان :

الوالدان، اللذان هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان.. الوالدبالإنفاق.. والوالدة بالولادة والإشفاق.. فاللّه سبحانه نعمة الخلق والإيجاد، ومن بعد ذلك للوالدين نعمة التربية والإيلاد.
يقول حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آياتمقرونات بثلاث، ولا تقبل واحدة بغير قرينتها..
1- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ{التغابن:12}، فمن أطاع اللهولم يطع الرسول لم يقبل منه.
2- وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ{البقرة:43}، فمن صلى ولم يزكِّلم يقبل منه.
3- أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ{لقمان:14}، فمن شكر لله ولميشكر لوالديه لم يقبل منه.
ولأجل ذلك تكررت الوصايا في كتاب الله تعالى والإلزام ببرهما والإحسان إليهما،والتحذير من عقوقهما أو الإساءة إليهما، بأي أسلوب كان، قال الله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً{النساء:36}، وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً{العنكبوت:8}.
وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُأُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِيوَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ{لقمان: 14} .
فوضحت هذه الآيات ما للوالدين من جميل عظيم، وفضل كبير على أولادهما، خاصة الأم،التي قاست الصعاب والمكاره بسبب المشقة والتعب، من وحامٍ وغثيان وثقل وكرب، إلى غيرذلك مما ينال الحوامل من التعب والمشقة، وأما الوضع: فذلك إشراف على الموت، لا يعلمشدته إلا من قاساه من الأمهات.
وفي سنة رسول اللهصلى الله عليه وسلم جاء التأكيد على وجوب بِرّ الوالدين والترغيب فيه، والترهيب من عقوقهما.
ومن ذلك: ما صح عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم أنه قال: (رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطهفي سخطهم)رواه الطبراني في الكبير، وصححه العلامة الألباني.
وروى أهل السنن إلا الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاصرضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول اللهصلى الله عليه وسلم فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبويّ يبكيان، فقالرسول اللهصلى الله عليه وسلم: (ارجعإليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما.)
وروى الإمام أحمد في المسند وابن ماجة - واللفظ له - عن معاوية بن جاهمة السلمي: (أنه استأذن الرسولصلى الله عليه وسلم في الجهاد معه، فأمره أن يرجع ويَبرَ أُمَّه، ولما كررعليه، قالصلى الله عليه وسلم: "ويحك.. الزم رجلها... فثمّ الجنة).
وفي الصحيحين عن أبي هريرةرضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول اللهصلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! من أحقُّالناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمّـك"، قال: ثم من؟ قال: "أمّك"، قال: ثم من؟ قال "أمّـك"، قال ثم من؟ قال: "أبوك). وهذا الحديث مقتضاه أن يكون للأمثلاثة أمثال ما للأب من البر، وذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، فهذه تنفردبها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية، وجاءت الإشارة إلى هذا في قولهتعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناًعَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) (لقمان:14.)
وصح عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم أنه قال: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث. وثلاثة لا يدخلونالجنة: العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنّان بما أعطى}رواهالنسائي وأحمد والحاكم.
وروى الإمام أحمد بسند حسن عن معاذ بن جبلقال : (أوصاني رسول اللهبعشر كلمات قال: "لاتشرك بالله شيئاً، وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنَّ والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلكومالك.." )إلى آخر الحديث.
وكما أن بر الوالدين هو هديُ نبينا محمدصلى الله عليه وسلم فهو كذلك هدي الأنبياء قبله قولاً وفعلاً، وقد سبق بيانهدي نبينا محمدصلى الله عليه وسلم في ذلكمن قوله. أما من فعلهصلى الله عليه وسلم فإنه لما مرّ على قبر والدته آمنة بنت وهب بالأبواء حيث دفنت - وهو مكان بين مكةوالمدينة - ومعه أصحابه وجيشه وعددهم ألف فارس، وذلك عام الحديبية، فتوقف وذهب يزورقبر أمه، فبكى رسول اللهصلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي - وأبكى من حوله، وقال: (استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزورواالقبور فإنها تذكركم الآخرة)رواه البغوي في شرح السنة، واصله فيصحيح مسلم.
وهذا إبراهيم خليل الرحمن أبو الأنبياء وإمام الحنفاء عليه السلام يخاطب أباهبالرفق واللطف واللين - مع أنه كان كافراً - إذ قال: (يا أبت) وهو يدعوه لعبادةالله وحده، وترك الشرك، ولما أعرض أبوه وهدده بالضرب والطرد، لم يزد على قوله: سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً(مريم:47).
وأثنى الله على يحيى بن زكريا عليهما السلام فقال تعالى: وَبَرّاًبِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً(مريم:14).[4]
* * *
فالله تعالى يقول : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } الإسراء (24).
نحن المخاطبون بهذه الآية ! مع أنها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم إلاَّ أن المعني بها بالدرجة الأولى هو نحن! لأن وقت نزولها لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم أبٌ ولا أمٌ ، ولكن الله تعالى قد خاطبنا في شخص قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم .. فخاطب الأمة جميعاً بهذا الخطاب .
فالله تعالى يقول للولد _ في هذه الآية _{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }...أيها الولد .. يا من جعل الله والديك سبباً في وجودك في هذه الحياة .. هل قدَّرت هذه النعمة حق قدرها ؟ هل خطر على بالك _ وأنت اليوم تسرح وتمرح وأصبح لك اسمٌ لامعٌ _ هل خطر على بالك أنك كنت يوماً من الدهر نسياً منسياً ! فأخذ والداك بيديك نحو آفاق الحياة ، تعِبا عليك تعباً لا يعلمه إلاَّ الله ! . سهرا لتنام أنت ، وبكيا لتضحك ، وجاعا لتشبع ، كانا يتلذذان بضمّك وشمّك ! بل لم يكونا يتضجران من كثرة إزعاجك أو أمورٍ تتعلق بنظافتك . كانت أمُّك تزيل عنك الأذى وهي فَرحةٌ مسرورة ، فلم تكن تتأفّف من رائحتك .. وكان أبوك .. لربما أخرج اللقمة من فيه ليطعمك إياها .. ويشعر ببالغ السعادة .. هل تعلم بذلك الآن أم أنك لا تريد أن تعلم ؟! ..
* * *
وحول قوله تعالى : ({ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ }الإسراء23 .. قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في كلام له نفيس – حذفت منه أسانيد الأحاديث عمداً خشية الإطالة -(خَصَّ حَالَة الْكِبَر لِأَنَّهَا الْحَالَة الَّتِي يَحْتَاجَانِ فِيهَا إِلَى بِرّه لِتَغَيُّرِ الْحَال عَلَيْهِمَا بِالضَّعْفِ وَالْكِبَر ; فَأَلْزَمَ فِي هَذِهِ الْحَالَة مِنْ مُرَاعَاة أَحْوَالهمَا أَكْثَر مِمَّا أَلْزَمَهُ مِنْ قَبْل , لِأَنَّهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَة قَدْ صَارَا كَلًّا عَلَيْهِ , فَيَحْتَاجَانِ أَنْ يَلِي مِنْهُمَا فِي الْكِبَر مَا كَانَ يَحْتَاج فِي صِغَره أَنْ يَلِيَا مِنْهُ ; فَلِذَلِكَ خَصَّ هَذِهِ الْحَالَة بِالذِّكْرِ . وَأَيْضًا فَطُول الْمُكْث لِلْمَرْءِ يُوجِب الِاسْتِثْقَال لِلْمَرْءِ عَادَة وَيَحْصُل الْمَلَل وَيَكْثُر الضَّجَر فَيَظْهَر غَضَبه عَلَى أَبَوَيْهِ وَتَنْتَفِخ لَهُمَا أَوْدَاجه , وَيَسْتَطِيل عَلَيْهِمَا بِدَالَّةِ الْبُنُوَّة وَقِلَّة الدِّيَانَة , وَأَقَلّ الْمَكْرُوه مَا يُظَهِّرهُ بِتَنَفُّسِهِ الْمُتَرَدِّد مِنْ الضَّجَر . وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يُقَابِلهُمَا بِالْقَوْلِ الْمَوْصُوف بِالْكَرَامَةِ , وَهُوَ السَّالِم عَنْ كُلّ عَيْب فَقَالَ : " فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ وَلَا تَنْهَرهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا " . رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَغِمَ أَنْفه رَغِمَ أَنْفه رَغِمَ أَنْفه ) قِيلَ : مَنْ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : ( مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْد الْكِبَر أَحَدهمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُل الْجَنَّة ) . وَقَالَ الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الْوَالِدَيْنِ : ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( رَغِمَ أَنْف رَجُل ذُكِرْت عِنْده فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ . رَغِمَ أَنْف رَجُل أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْد الْكِبَر أَوْ أَحَدهمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّة . وَرَغِمَ أَنْف رَجُل دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَان ثُمَّ اِنْسَلَخَ قَبْل أَنْ يُغْفَر لَهُ ) . ....وعَنْ سَعْد بْن إِسْحَاق بْن كَعْب بْن عُجْرَة السَّالِمِيّ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : إِنَّ كَعْب بْن عُجْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَحْضِرُوا الْمِنْبَر ) فَلَمَّا خَرَجَ رَقِيَ إِلَى الْمِنْبَر , فَرَقِيَ فِي أَوَّل دَرَجَة مِنْهُ قَالَ آمِينَ ثُمَّ رَقِيَ فِي الثَّانِيَة فَقَالَ آمِينَ ثُمَّ لَمَّا رَقِيَ فِي الثَّالِثَة قَالَ آمِينَ , فَلَمَّا فَرَغَ وَنَزَلَ مِنْ الْمِنْبَر قُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه , لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْك الْيَوْم شَيْئًا مَا كُنَّا نَسْمَعهُ مِنْك ؟ قَالَ : ( وَسَمِعْتُمُوهُ ) ؟ قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ : ( إِنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام اِعْتَرَضَ قَالَ : بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَان فَلَمْ يُغْفَر لَهُ فَقُلْت آمِينَ فَلَمَّا رَقِيت فِي الثَّانِيَة قَالَ بَعُدَ مَنْ ذُكِرْت عِنْده فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك فَقُلْت آمِينَ فَلَمَّا رَقِيت فِي الثَّالِثَة قَالَ بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ عِنْده أَبَوَاهُ الْكِبَر أَوْ أَحَدهمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّة قُلْت آمِينَ ) . ....وعن سَلَمَة بْن وَرْدَان سَمِعْت أَنَسًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : اِرْتَقَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَر دَرَجَة فَقَالَ آمِينَ ثُمَّ اِرْتَقَى دَرَجَة فَقَالَ آمِينَ ثُمَّ اِرْتَقَى الدَّرَجَة الثَّالِثَة فَقَالَ آمِينَ , ثُمَّ اِسْتَوَى وَجَلَسَ فَقَالَ أَصْحَابه : يَا رَسُول اللَّه , عَلَامَ أَمَّنْت ؟ قَالَ : ( أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ رَغِمَ أَنْف مَنْ ذُكِرْت عِنْده فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك فَقُلْت آمِينَ وَرَغِمَ أَنْف مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدهمَا فَلَمْ يَدْخُل الْجَنَّة فَقُلْت آمِينَ ) الْحَدِيث . فَالسَّعِيد الَّذِي يُبَادِر اِغْتِنَام فُرْصَة بِرّهمَا لِئَلَّا تَفُوتهُ بِمَوْتِهِمَا فَيَنْدَم عَلَى ذَلِكَ . وَالشَّقِيّ مَنْ عَقَّهُمَا , لَا سِيَّمَا مَنْ بَلَغَهُ الْأَمْر بِبِرِّهِمَا )[5] .

* * *

.. فالله تعالى يقول { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ }الإسراء23 .. أليس الولد مُطالبَاً ببرَّ والديه على كل حال ؟ فلماذا إذن خصَّ الله تعالى حالة الكبر بالذكر ؟! ..
إن الإنسان _ أيها الأفاضل _ إذا تقدم في السنّ كَثُرتْ همومُه وغمومُه ، وزفيره وآلامه .. ويشتد حنينه إلى الماضي ، وتعتمل الذكريات في مخيلته كالضباب الذي يكسو أعالي الجبال ، فتراه يأتي تارةً ويذهب أخرى، يشعر بأسفٍ شديدٍ على أيامه الخوالي عندما كان بكامل صحته وقد امتلأ شباباً ،ونشاطاً ، وقوةً .. واليوم ! اليوم لم يبق له من ذلك كله إلاَّ الذكريات والحسرات ! ، فمن يشعرُ به ؟ ومن يواسيه ؟ .
يجلس في المجالس فيحف به الناس فيحلو له الحديث عن ماضيه ، وتجاربه في الحياة ، فلا يحضر مجلسه ويسمعه إلاّ شبابٌ لا يفقهون من حديثه إلاَّ أنه عاش في حِقبٍ مضت في الجوع والفقر ! ، لا يعنيهم ذلك في شيء ! أما هو فيتألم أشدَّ الألم ؛ لأنَّ الذين كانوا يُعظِّمون كلامَه _ من أقرانه وأترابه _ قد ذهبوا إلى الله وسبقوه .. وتركوه في قومٍ لا يحَفَلون به وبكلامه وذكرياته ، بل قد يعتبرونه كلاماً على هامش الحياة ، أمراً قد عفى عليه الزمن ! .

* * *

.. ومن المعلوم أيضاً .. أن الإنسان إذا تقدم في السنّ ، وبلغ من الكبر عتياً .. فإنه تكثر أمراضه وأوجاعه ، فيعاني آلآم مرض الشيخوخة ، ولربما أُصيبَ بمرض ارتفاع ضغط الدم ، و" السكري " .. وانحناء الظهر ، وترهّل الجِلْد ... فيحتاج إلى من يهتم به ؛ ويراعي مشاعره وأحاسيسه ، فقد يغضب لأِْتفَهِ الأسباب ، وتستفزُّ مشاعره أبسط التصرفات .. فهو بحاجةٍ إلى مزيدٍ من العنايةِ والرعايةِ ،والأخذ بخاطره كما يقال .
وإذا تقدم به السنُّ ، فإنه يكثر اشتغاله بمن حوله ، وبما لايعنيه ، وتكثر أسئلته ، ولربما إذا سمعته – أيها الولد – قلتَ ما جدوى كثرة هذه الأسئلة ؟ فهو يسأل من حوله :
من هذا الذي طرق الباب ؟!
من الذي جاءكم ؟
فيماذا كنتم تتحدثون ؟
لماذا لا تسمعونني كلامكم ؟
من أعطيت سيارتك ؟
لماذا تأخذ سيارة فلان ؟
أراك تلبس ثوبك ! أين تريد أن تذهب ؟
لماذا لا تستأذن إذا أردت الخروج من المنزل ؟
لماذا لا تقبّل رأسي ويدي كما يفعل أولاد فلانٍ بأبيهم ؟
لماذا تجلس في غرفتك وتتركني لوحدي ؟
لماذا لا تتحدث معي ! وتخبرني بأمورك أو تأخذ رأيي ؟ ..
ولماذا .. ولماذا .. ولماذا ..
أسئلة كثيرة .. لربما لو سمعها الابن ولم يكن لديه إيمانٌ قوي ، أو رجولة وشهامة ، أو بقية من عطف وحنان وشفقة ... لربما نهر هذا الوالد ، أو الوالدة ، أو رفع يده وهزها في وجهه ، أو ارتكب أعمالاً لا تليق ، وكان الواجب عليه أن يصبر .. ويتحمّل أسئلته، بل ويجيب عنها بكل ارتياح ، و يريه ابتسامة الرضى والسرور ، ويشعره بعدم التبرّم والتضجر ، فإذا فعل هذا ؛ فإنَّ والده بلا شكٍ سيُكبر منه هذا الفعل .. ومع مرور الزمن سينقلب الحال ، وسيكون قربه من والده كفيلاً بعلاج أمورٍ كان يظن أنها مستعصيةٌ على العلاج ..
* * *
ومن المعلوم أيضاً .. أن الوالد إذا تقدم به العُمُر ..فإنه سيعجز عن إثبات وجوده _ كما يقال _ في بيته .. كما كان يفعل قبل أن يصل إلى ما وصل إليه . كان كالملكِ في بيته ، يقوم بما يقوم به كرماء الرجال وذوو الشهامة والمروءة .. من إكرامٍ ضيفٍ ، أومواساة قريب أو صديق .. أو زيارة مريض .. أو السفر لأداء ما يرى أنه واجبٌ القيامُ به .. من تعزية قومٍ أو مشاركتهم في أفراحهم ، أو صلة رحم ، أو زيارة قريب ، .. يقوم بذلك كله دون أن يستشير أحداً ، أو يلتفت إلى أحدٍ ، وكان هو المنفق المتكفل بأمور المنزل ، ومعلوم أن السيادة والريادة تكون غالباً في الناس لمن كان باذلاً ، ولهذا يقول الله تعالى عن هذه القضية- أعني الإنفاق - : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } النساء (34) فالرجل إنما ساد المرأة بهذه الأمور ، بسبب فضل الرجال على النساء وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد والأعياد والجمع. وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله. وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء.
ولعل هذا سر قوله: { وَبِمَا أَنْفَقُوا } وحذف المفعول ليدل على عموم النفقة. فعلم من هذا كله أن الرجل كالوالي والسيد لامرأته، وهي عنده عانية أسيرة خادمة،فوظيفته أن يقوم بما استرعاه الله به .[6]
هذا حال الرجل مع المرأة في أمور النفقة ، ولكن المنفق عند الناس في كل ما من شأنه التسابق في الإنفاق فإنه يكون هو المقدم والمعظم والذي تشرأب إليه الأعناق بالإكبار والإجلال ، وليس هذا بالأمر الهين ، فقديما قال المتنبي :
لولا المشقة ساد الناس كلهم * * * الجود يفقر والإقدام قتّال[7]
فلا يقدم على الجود والإنفاق إلاّ كرماء الرجال ، فالأب كان يعيش بهذه النفسية العظيمة التي تجعله متربعاً على عرش الكرم ، ينفق على البيت وأهله وغيرهم كيف يشاء .
واليوم .. قد وصل إلى حالٍ .. يرى نفسه فيها عاجزاً عن القيام بأي أمرٍ دون أن يساعده أحد .. فهو يأمل من أبنائه أن يتفطَّن أحدُهم لهذا الأمر فتأتي المبادرة منه قبل أن يسمعها من الوالد ؛ ليحفظ الأب مكانته وماءَ وجهه ، فإذا غفل الأبناء عن هذا فإن أعراضَ الاكتئاب ، والهمَّ ، والغمَّ ،وطول التفكير وإشغال البال ، ستعتري قلب هذا الأب ، ولربما كان حييّاً ، ذا وقار ، وأدبٍ .. فيستحيي من أبنائه أن يعرض عليهم الأمر .. فيعيش منزوياً ، معزولاً ، مهمشاً في منزلٍ كان هو سيده في يوم من الأيام ، وقد يريد أحد الأبناء البِرَّ به ، فيخطيء التصرف ، ويسيء العرض ، فقد يقول لأبيه :
يا والدي ! لماذا تشغل نفسك بمن طرق الباب ؟ ومن جاء ومن ذهب ؟! لو كنتُ أنا مكانك لما اشتغلتُ بهذه الأمور .. ولعمدتُ إلى العبادة ؛ فأشتغل بها وأدعُ ما سواها .. وقد يقول له ما هو أقسى من هذا .. كأن يقول :_ لو كنتُ أنا مكانك وتقدم بي السنُّ .. لقمتُ إلى سجادة الصلاة فأفرشها على الأرض وأدقّ عليها مسماراً ، أربط به حبلاً ثم أربطه في رجلي ، فأعبد الله تعالى وأتفرغ للعبادة .. وأريح بالي ! ..
فإذا سمع الوالد هذه العبارات فإنه سيتألم ، وتنجرحُ مشاعره ، ويشعر أنه أصبح عالةً على أهل البيت .. وأنهم إنما يتنظرون أن يأخذ الله أمانته _ كما يعبرّون _ كناية عن الموت! .. فتنهار نفسيته .. ويدب الوهن إلى جسده .. ونحن بعدها نذهبُ بهذا الأب إلى الطبيب .. ونذهب بتلك الأُمَّ إلى الطبيبة ! أو إلى من يرقيهما الرقية الشرعّية! وفي واقع الأمر ليس بهما علةٌ تحتاج إلى علاج ! وإنما أمراضهما نحن سببها بهذا التهميش الذي هو في كثير من الأحيان ليس مقصوداً لذاته .. وإنما نروم به البرَّ بالوالد أو الوالدة ..
وكما قال الشاعر :_
رام نفعاً فضرَّ من غير قصدٍ *** ومن البِِرِّ ما يكون عقوقاً[8] .

* * *



[1] - (‌صحيح‌)‌ انظر حديث رقم‌:‌ 7719 في صحيح الجامع‌.‌



[2] - ـ هذه خطبه الحاجة رواها الترمذي وحسنه ( 1105)، والنسائي (6/89)، وابن ماجه ( 1892)، انظر تخريجها مبسوطاً في كتاب ( خطبة الحاجة ) للشيخ : محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - .

[3] - وقد استفدت كثيراً من مجالس الشيخ الدكتور / خالد بن عثمان السبت ، بجامع القادسية الذي كنت إمامه بمجمع الملك فهد الطبي العسكري بالظهران . وفقه الله وبارك في علمه .

[4] - وجوب بر الوالدين والتحذير من عقوقهما . الشيخ / خالد بن عبدالرحمن الشايع . دار الوطن . بالرياض .

[5] - تفسير القرطبي ( الجامع لأحكام القرءان ) سورة الإسراء آية رقم 23.

[6] - تفسير الشيخ / عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله . سورة النساء .

[7] - ديوان المتنبي 490 .

[8] - ينسب للإمام الشافعي رحمه الله والله أعلم .



مواضيع : صقر الجنوب


رد مع اقتباس

اخر 5 مواضيع التي كتبها صقر الجنوب
المواضيع المنتدى اخر مشاركة عدد الردود عدد المشاهدات تاريخ اخر مشاركة
الشعراء بن حوقان وعبدالواحد منتدى القصائد الجنوبية ( المنقولة) 0 2494 04/01/2024 11:35 AM
القصة (مورد المثل) منتدى القصص و الروايات المتنوعة 0 2386 02/01/2024 09:28 AM
الله لايجزي الغنادير بالخير منتدى القصائد النبطية والقلطة ( المنقولة) 1 1781 28/12/2023 05:06 PM
قصة وسيرة صدام حسين منتدى القصص و الروايات المتنوعة 2 2534 28/12/2023 04:58 PM
مت شهيدا قصة فكاهية منتدى القصص و الروايات المتنوعة 0 2045 28/12/2023 04:54 PM

قديم 02/11/2009, 12:03 PM   #2
المؤسس والمشـــرف العــــام


صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



الطريقة المثلى في التعامل الصحيح مع الوالدين :

والطريقة الصحيحة التي يجب اتباعها للتعامل مع الوالدين إذا بلغا هذه الحالة من الكبر والضعف .. أن نبحث عن رغباتهما فنلبّيها لهما ، حتى ولو لم نعقل معناها !! إليك أمثلة وقس عليها:
· تريد أن تتزوجَ .. فما المانع أن تأتي إلى هذا الأب أو هذه الأمّ .. بأدب وخفض جناح .. وتقبل رأسه _ أو رأسهما _ ثم تستشيرهما في هذا الأمر .. قل له _ ولنجعل كلامنا عن الوالد كمثال ويقاس عليه الأمُّ _:
يا أبتِ : هذه امرأة صفتها كذا وكذا ، وأهلها هم أولئك القوم .. من ذلك البلد .. أو تلك القبيلة .. ما رأيك ؟ أأتزوجها أم أن لك رأياً آخر ! ..
· تريد .. أن تشتري سيارة _ مثلاً _ استشره ، واعرض عليه هذا الأمر .. قد لا يُحسن المشورة في مثل هذه الأمور ..وقد لا يعرف أنواع السيارات ، ولا الغالي منها من الرخيص ! ، وقد يكون شيخاً هرماً لا يحسن إبداء الرأي ، لكن هذا التصرف منك يجعله يشعر أن قيمته في البيت _ بصفته أباً _ لا زالت قائمة ويؤخذ رأيه ..وقد لا تعمل بمشورته أخيراً ! لكن عرضك عليك الأمر قبل أن تتخذ أي قرار يجعله يوافق على رغباتك دون عناء .. ولربما ظن أنك إنما أخذت برأيه فاشتريت أو بعت أو تزوجت .. فتبعث فيه الروح ، والأمل ، وترتقي بنفسيته إلى مستوى ترى آثارها تلوح على صفحة محياه وعلى شفتيه !.
· تريد أن تبني بيتاً ، اسأله :
كم نجعل الغرف ؟
أين نجعل غرفتك الخاصة ؟
أين نجعل مجلس الرجال ؟ ومجلس النساء ؟
هل لك رأي في تخطيط المنزل ؟
· تريد أن تسافر لأداء العمرة ، أو الحج ، أو غير ذلك ، حتى انتدابات عملك الخاص .. فإنه لا مانع أن تستأذنه وتأخذ رأيه ... أشعره أنه صاحب الكلمة الأخيرة .
وهكذا الأمُّ .. اجعلها تشعر بأنك تقيم لها أعظم وزنٍ .. تجعلها تشترك معك في كل أمر وتبدي رأيها .. وأنت تتقبل ذلك كل من دون غضاضة .. ثم انظر بعدها كيف سيكون الحال ، وكيف أنك استطعت الوصول إلى قلب الأب والأم بأيسر السبل .
ألم أقل لك إن هذا يحتاج إلى فنٍ ، ولا يتقنه كل أحد ؟! .
* * *

فالوالد يجب أن تكون له الكلمة النافذة في البيت ، لا أن نذهب ونأتي ونسافر ونفعل ونفعل .. وهو كأنه قطعةٌ من أثاث المنزل .. لا يستشار .. ولا يؤخذ رأيه بحجة أننا لا نريد أن نشغله أو نقحمه في أمور لا شأن له بها ، أو نهمشه قصداً بُغية إراحته وعدم إزعاجه .. وقديما قال الشاعر _ يصف ضعف قبيلة _ :
ويقضى الأمرُ حين تغيب تيمٌ
ولا يُستأذنون وهم شهود !

هذه قبيلة لا وزن لها عند القبائل الأخرى .. فحضورها وغيابها سيان ! . والوالد يشعر بأعظم مما تشعر به هذه القبيلة من الألم والحسرات ! لأن الذي يمارس عليه هذا التهميش هو أحب الناس إلى قلبه .. ولده الذي _ ربما _ مكث سنوات طويلة ينتظر ولادته وكم كان يدعو الله كثيراً في حجه وصلاته { رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ } الأنبياء(89) " .. فجاء الولد بعد لأيٍ ! فإذا به يُسمع أباه تلك الكلمات التي لم يكن والده يتوقع سماعها منه يوماً !.
ويعجبني أحد الإخوة الذي زاملتهم سنوات ، وهو اليوم برتبة ( عقيد )[1] .. قال لي :_
أتعلم أنني لم أتسلم مرتبي كاملاً إلاّ بعد أن وصلت إلى رتبه ( رائد ) ؟
قلت:_ لماذا ؟
قال :_ لأننا _ ونحن أربعة إخوة _ كنا نعطي رواتبنا لوالدي الذي أُحيل على التقاعد ، فكان هو الذي يُصرّف أمورنا .. فقام ببناء بيوتٍ لنا ، وتزويجنا .. بل كان هو الذي يقوم على شؤون بيوتنا وزوجاتنا ! حتى إذا كان يومٌ ، جمعنا فيه .. فأعطى كل واحدٍ منا مبلغاً ليس بالقليل .. ثم قال :_
يا أولادي .. أنا قد كبرت ، ولم أعد استطع القيام بما كنت أقوم به من رعاية بيوتكم .. وهذا المال هو ما تبقى لكل واحدٍ منكم من مرتباتكم التي كنت أخذها منكم .. بنيتُ لكم بيوتاً .. وزوجتكم ولم أُقصرَّ معكم ! ، والآن دعوني أتفرغ لربي !
قلت له ( لصاحبي ) :_ لا شك أنكم ستفرحون بهذا ؟
قال لي :_ من قال هذا ؟.. بل لقد سالت دموعنا على خدودنا من الحزن .. فقد أحسسنا بأنه يودعنا . لم تمض سنوات طويلة على هذا الموقف حتى توفاه الله وهو راضٍ عنهم وهم راضون عنه فيما أعلم.
* * *
ومن المعلوم أيضاً .. أن كبير السنَّ قد يحتاج من أولاده _ الذكور والإناث _ إلى أمور تتعلق بنظافته ، والعنايِة به .. كما كان يفعل بهم وهم صغار ! فهذا يحتاج من الولد إلى صبر عظيم .. وتحملَّ واحتساب أجر وطول دعاء .. قد يحتاج الأبُ _ أو الأم _ إلى من يُدخله ( دورة المياه ) فيزيل عنه الأذى بيده .. فمن يستطيع ذلك ؟ إلاَّ من آتاه الله إيماناً ورحمة ! .
أثناء كتابتي هذه الأسطر ، ألقيت كلمة حول هذا الموضوع[2] وعلق عليها فضيلة الشيخ : حمد المرشد القاضي بمحكمة الخبر ، وذكر هذه القصة :
إني لأعرف شاباً ابتلي ابتلاءات عظيمة في بره بوالديه ، ذلك أن أمّه كانت عمياء ، فمشت يوماً في المنزل فسقطت على وجهها في تنور مليء بالجمر ، فأقعدت عن المشي سنوات طويلة ، فكان يغسل لها ثيابها ويصنع طعامها ، وينظفها ، حتى توفاها الله ، ثم قام بخدمة أبيه ، خمسة عشر عاماً بعد وفاة أمّه حتى أصابه الخرف ، فكان لا يميز ما حوله ، فإذا غضب على أحد بشدّة على وجهه ، إلاّ هذا الشاب فقد كان والله يرفع يده ليضربه فلا يستطيع ، فيعود يبكي ، وكأنه يعلم أن هذا فلان ابنه البار . فقلت في نفسي هذا والله من ثمرات البرّ في الدنيا قبل الآخرة . ثم صبر عليه حتى توفاه الله ، فوالله لا أعرف أحداً موفقاً مثل هذا الرجل اليوم .
* * *


من أعجب قصص البر التي سمعتها في هذا الزمن :
وإنه ليحلو لي الآن أن أجعلكم تعيشون معي أحداث قصة لا أذكر أنني سمعت أجمل منها في حياتي _ حدثني بها رجلٌ من أحبابي[3] من لا أشك في صدقه طرفة عين _:_
أبٌ كبير في السنَّ .. كان يعاني من آلآمٍ تعصره عصراً ، في المسالك البولية إذ كان يشكو من جود حصاة سدّت مجرى البول حتى جَعلته يتلوى من الألم ، ومن جرب عرف ، فهذا بشهادة الأطباء من أقسى الآلآم التي يشعر بها من ابتلي بها .. حتى إذا اشتد عليه الألم في إحدى الليالي .. طلب من أبنه أن ينقله إلى المستشفى في مدينة الخبر _ وكانوا يسكنون في منطقة رأس تنورة بالمنطقة الشرقية من المملكة _ .. ، أي ما يقارب من 60 كيلومتراً .. قال .. فأركبه الابن سيارته ثم انطلق في منتصف الليل .. فلما انتصف الطريق اشتد أنين الأب ، فكان يطلب من ابنه أن يعطيه سكيناً كي يشق بها أسفل بطنه ليخرج البول ليستريح ! .. فما كان من هذا الولد إلاَّ أن وقف[4] سيارته بجانب الطريق ثم نزل وفتح باب السيارة من جهة أبيه .. ثم كشف عن ثياب أبيه والأب لا يعلم ماذا يريد أن يفعل به ابنُه .. ماذا تتوقعون ؟! لقد أخذ الولد ( يمصُّ ) ( ذكرَ )[5] أبيه حتى خَرجتْ تلك الحصاة من الحالب .. وخرج معها الدَّم والبول ..
فلما رأى الوالد ما صنع به ابنُه .. رفع يديه إلى السماء وقال بصوت متهدج باكٍ _ ودموعه تتقافز من عينيه _ : أسأل الله يا ولدي أن يرزقك رزقاً لا ينقطع ! .
قال محدثي :_ فوالله إن هذا الابن .. من أغنى الناس لدينا اليوم ..
* * *
علمتَ الآن _ بعضاً _ من الحِكم حول : لماذا خص الله تعالى حالة الكبر بالذكر مع أن الإنسان مطالب ببرَّ والديه على كل حال حتى لو كان الأب شاباً والأم شابة ؟.
بقي أن تعلم أن البحث عن رغبات الوالد وتلبيتها _ كما أشرنا إليها من قبل _ هي جزء من علاج هذه القضية. أعني _ تهميش الوالدين بحجة إراحتهما _ ..
إذا كانت رغبة هذا الوالد أن يذهب فيشتري حوائج المنزل .. فلُنتح له الفرصة ولنجعله يذهب إلى السوق .. فإن في ذلك راحةً له .. ولا تمنعه بحجة أن هذا يتعبه ويرهقه ، ولا تمارس عليه ضغطاً نفسياً وتظن بذلك أنك تريحه .
وإذا كانت رغبته أن يُستشار في الأمور التي نفعلها فإننا نستشيره ولا ينبغي أن نشعر بغضاضة في هذا الأمر ، وقد لا تعمل برأيه في نهاية المطاف لكن هذا يحتاج إلى ذكاء .. وهكذا أمور أخرى يطول بنا المقام في ذكرها .. المقصود أن نعرف كيف نتصرف مع الوالد أو الوالدة في المواقف ، وكيف نتلمس أحاسيسهما ونراعي مشاعرهما .. ولا نلجأ إلى التهميش بقصد عدم إتعابهما .
وانظر في نفسك أنت الآن .. لو صدر قرارٌ ممن يرأسك في عملك بنقلك إلى منطقة أخرى .. فقدمت على قومٍ لا عهد لك بهم ، ولا يعلمون ما تتمتع من خبرات وثقافات ، وشهادات ، فرأيتهم لا يهتمون بك ! ولا يقدرون ما تحمله من تلك المؤهلات .. فترى مَن هم أقلُّ منك علماً ، وخبرة ، وعملاً ، هم الذين يستشارون وهم الذين يُقدمَّون ويؤخذ رأيهم ، وأنت تعيش مهمشاً ، وكأنك قطعةُ أثاثٍ في مكتبك ! ألا تشعر بالألم ، والحسرة ؟! إن قلت : بلى ! قلنا لك : إن الوالد يشعر _ في حالة تهميشه _ بأعظم مما تشعر به ؛ لأن أمرك له أمدٌ ينتهي إليه ، لربما سنوات أو أشهر ثم تعود ، وتتلقى تلك التصرفات من أناسٍ لا تعرفهم وقد لا تعتب عليهم كثيراً لجهلهم بحالك ! ، لكن الأبَّ يعلم أن الذي يمارس عليه هذه الضغوط النفسية والتهميش هو ابنه الحبيب ، ثم يعلم أنه لا نهاية لهذه التصرفات والتهميشات إلاَّ أن يموت .. فيعيش في زفرات وتنهداتٍ تكاد تحرق فؤاده ..ولا يستطيع الشكوى إلى أحد ، فتنهار قواه .
ولعل من المناسب الآن أن أعرض لك بعض مَا جَاءَ فِي الْعُقُوقِ وَجُرْمِهِ وَعَظِيمِ قُبْحِهِ وَإِثْمِهِ . وشيئاً من الأسباب المؤدية إلى العقوق ، حتى تتجنبها وتعمل بضدها :


بعض مَا جَاءَ فِي الْعُقُوقِ وَجُرْمِهِ وَعَظِيمِ قُبْحِهِ وَإِثْمِهِ .

فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ , وَمَنْعًا وَهَاتِ , وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ : وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ } .
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا ؟ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ , وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ : أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ , فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ } .
وَالْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ , وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ , وَقَتْلُ النَّفْسِ , وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : { ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَبَائِرَ فَقَالَ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ , وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ } , الْحَدِيثَ .
{ وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَتَبَهُ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَأَنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ , وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ الْحَقِّ , وَالْفِرَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ الزَّحْفِ , وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ , وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ , وَتَعَلُّمُ السِّحْرِ , وَأَكْلُ الرِّبَا , وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ , } الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ .
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَاللَّفْظُ لَهُ بِإِسْنَادَيْنِ جَيِّدَيْنِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ { ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ , وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ, وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ. وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ, وَالدَّيُّوثُ, وَالرَّجِلَةُ مِنْ النِّسَاءِ} .
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ شَطْرَهُ الْأَوَّلَ . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : الدَّيُّوثُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ هُوَ الَّذِي يُقِرُّ أَهْلَهُ عَلَى الزِّنَا مَعَ عِلْمِهِ بِهِمْ . وَالرَّجِلَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ هِيَ الْمُتَرَجِّلَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيِّ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ { ثَلَاثَةٌ حَرَّمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ , وَالْعَاقُّ , وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ الْخَبَثَ فِي أَهْلِهِ } .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ { يُرَاحُ رِيحُ الْجَنَّةِ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَلَا يَجِدُ رِيحَهَا مَنَّانٌ بِعَمَلِهِ , وَلَا عَاقٌّ , وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ } حَدِيثٌ ضَعِيفٌ .
وَرَوَى ابْنُ عَاصِمٍ بِإِسْنَادِ عَاصِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا { ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا : عَاقٌّ , وَمَنَّانٌ , وَمُكَذِّبٌ بِقَدَرٍ } .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أَرْبَعٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُدْخِلَهُمْ الْجَنَّةَ وَلَا يُذِيقَهُمْ نَعِيمَهَا : مُدْمِنُ الْخَمْرِ , وَآكِلُ الرِّبَا , وَآكِلُ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ , وَالْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا { ثَلَاثَةٌ لَا يَنْفَعُ مَعَهُنَّ عَمَلٌ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ , وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ , وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ } .
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { مِنْ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ , وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ { أَنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ . قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ , وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ } .
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَهِدْت أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ , وَصَلَّيْت الْخَمْسَ , وَأَدَّيْت زَكَاةَ مَالِي , وَصُمْت رَمَضَانَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا , وَنَصَبَ أُصْبُعَيْهِ مَا لَمْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ } .
وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِاخْتِصَارٍ . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ { أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ قَالَ لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْت وَحُرِّقْت , وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْك وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ } الْحَدِيثَ .
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ { خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ مُجْتَمِعُونَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اتَّقُوا اللَّهَ وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ثَوَابٍ أَسْرَعَ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ , إيَّاكُمْ وَالْبَغْيَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُقُوبَةٍ أَسْرَعُ مِنْ عُقُوبَةِ بَغْيٍ , إيَّاكُمْ وَعُقُوبَةَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَاَللَّهِ لَا يَجِدُهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلَا شَيْخٌ زَانٍ وَلَا جَارٍّ إزَارَهُ خُيَلَاءَ . إنَّمَا الْكِبْرِيَاءُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَالْكَذِبُ كَلِمَةُ إثْمٍ إلَّا مَا نَفَعْت بِهِ مُؤْمِنًا أَوْ دَفَعْت بِهِ عَنْ دِينٍ . وَأَنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا مَا يُبَاعُ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَى لَيْسَ فِيهَا إلَّا الصُّوَرُ فَمَنْ أَحَبَّ صُورَةً مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ دَخَلَ فِيهَا } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ. وَفِي مَرْفُوعِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَالْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ{ مَلْعُونٌ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ } .
وَفِي مَرْفُوعِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ { وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ وَالِدَيْهِ } .
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْأَصْبَهَانِيّ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا{كُلُّ الذُّنُوبِ يُؤَخِّرُ اللَّهُ مِنْهَا مَا شَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ اللَّهَ يُعَجِّلُهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَمَاتِ } .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ : { كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ شَابٌّ يَجُودُ بِنَفْسِهِ قِيلَ لَهُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ , فَقَالَ كَانَ يُصَلِّي ؟ فَقَالَ نَعَمْ , فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَهَضْنَا مَعَهُ فَدَخَلَ عَلَى الشَّابِّ فَقَالَ لَهُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ , فَقَالَ لَا أَسْتَطِيعُ , فَقَالَ لِمَ ؟ قَالَ كَانَ يَعُقُّ وَالِدَتَهُ , فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحَيَّةٌ وَالِدَتُهُ ؟ قَالُوا نَعَمْ , قَالَ اُدْعُوهَا , فَدَعَوْهَا فَجَاءَتْ , فَقَالَ هَذَا ابْنُك ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ . فَقَالَ لَهَا أَرَأَيْت لَوْ أُجِّجَتْ نَارٌ ضَخْمَةٌ فَقِيلَ لَك إنْ شَفَعْت لَهُ خَلَّيْنَا عَنْهُ وَإِلَّا حَرَقْنَاهُ بِهَذِهِ النَّارِ أَكُنْت تَشْفَعِينَ لَهُ ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَنْ أَشْفَعُ , قَالَ فَأَشْهِدِي اللَّهَ وَأَشْهِدِينِي أَنَّك قَدْ رَضِيت عَنْهُ , قَالَتْ اللَّهُمَّ إنِّي أُشْهِدُك وَأُشْهِدُ رَسُولَك أَنِّي قَدْ رَضِيت عَنْ ابْنِي , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا غُلَامُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَاشْهَدْ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , فَقَالَهَا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّارِ } وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مُخْتَصَرًا .. وَرَوَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ : نَزَلْت مَرَّةً حَيًّا وَإِلَى جَانِبِ ذَلِكَ الْحَيِّ مَقْبَرَةٌ , فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ انْشَقَّتْ مِنْهَا قَبْرٌ فَخَرَجَ مِنْهُ رَجُلٌ رَأْسُهُ رَأْسُ حِمَارٍ وَجَسَدُهُ جَسَدُ إنْسَانٍ فَنَهَقَ ثَلَاثَ نَهْقَاتٍ ثُمَّ انْطَبَقَ عَلَيْهِ الْقَبْرُ فَإِذَا عَجُوزٌ تَغْزِلُ شَعْرًا أَوْ صُوفًا , فَقَالَتْ امْرَأَةٌ تَرَى تِلْكَ الْعَجُوزَ ؟ قُلْت مَالَهَا ؟ قَالَتْ تِلْكَ أُمُّ هَذَا . قُلْت وَمَا كَانَ قِصَّتُهُ ؟ قَالَتْ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَإِذَا رَاحَ تَقُولُ لَهُ أُمُّهُ يَا بُنَيَّ اتَّقِ اللَّهَ إلَى مَتَى تَشْرَبُ هَذَا الْخَمْرَ ؟ فَيَقُولُ لَهَا أَنْتِ تَنْهَقِينَ كَمَا يَنْهَقُ الْحِمَارُ . قَالَتْ فَمَاتَ بَعْدَ الْعَصْرِ . قَالَتْ فَهُوَ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ بَعْدَ الْعَصْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَيَنْهَقُ ثَلَاثَ نَهْقَاتٍ ثُمَّ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ . قَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ إمْلَاءً بِنَيْسَابُورَ بِمَشْهَدٍ مِنْ الْحَافِظِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .[6]
* * *


أسباب عقوق الوالدين
لعقوق الوالدين أسباب كثيرة منها:
1 - الجهل فالجهل داء قاتل، والجاهل عدو لنفسه، فإذا جهل المرء عواقب العقوق العاجلة والآجلة، وجهل ثمرات البر العاجلة والآجلة - قاده ذلك إلى العقوق، وصرفه عن البر.
2 - سوء التربية: فالوالدان إذا لم يربيا أولادهما على التقوى، والبر والصلة، وتطلب المعالي - فإن ذلك سيقودهم إلى التمرد والعقوق.
3 - التناقض: وذلك إذا كان الوالدان يعلمان الأولاد، وهما لا يعملان بما يعلمان، بل ربما يعملان نقيض ذلك، فهذا الأمر مدعاة للتمرد والعقوق. فإذا سمع الولد أباه يتكلم عن البرّ بينما يمكث الأيام الطوال لا يعرف عن والديه شيئاً ، ولا يتصل بهما ، ولا يأمر أبناءه بذلك ، فإن هذا سيكون له انعكاسات نفسية على الأبناء ولا بد .
4 - الصحبة السيئة للأولاد: فهي مما يفسد الأولاد، ومما يجرؤهم على العقوق كما أنها ترهق الوالدين، وتضعف أثرهم في تربية الأولاد.
5 - عقوق الوالدين لوالديهم: فهذا من جملة الأسباب الموجبة للعقوق؛ فإذا كان الوالدان عاقين لوالديهم عوقبا بعقوق أولادهما - في الغالب - وذلك من جهتين:
أولاهما: أن الأولاد يقتدون بآبائهم في العقوق.
وآخرهما: أن الجزاء من جنس العمل.
6 - قلة تقوى الله في حالة الطلاق: فبعض الوالدين إذا حصل بينهما طلاق لا يتقيان الله في ذلك، ولا يحصل الطلاق بينهما بإحسان. بل تجد كل واحد منهما يغري الأولاد بالآخر، فإذا ذهبوا للأم قامت بذكر مثالب والدهم، وبدأت توصيهم بصرمه وهجره، وهكذا إذا ذهبوا إلى الوالد فعل كفعل الوالدة.
والنتيجة أن الأولاد سيعقون الوالدين جميعا، والوالدان هما السبب كما قال أبو ذؤيب الهذلي:
فلا تغضبن في سيرة أنت سرتها

وأول راض سنة من يسيرها
7 - التفرقة بين الأولاد: فهذا العمل يورث لدى الأولاد الشحناء والبغضاء، فتسود بينهم روح الكراهية، ويقودهم ذلك إلى بغض الوالدين وقطيعتهما. ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (اتقوا الله و اعدلوا في أولادكم )[7]
8 - إيثار الراحة والدعة: فبعض الناس إذا كان لديه والدان كبيران أو مريضان - رغب في التخلص منهما، إما بإيداعهما دور العجزة، أو بترك المنزل والسكنى خارجه، أو غير ذلك؛ إيثارا للراحة وهذا هو عين التهميش ، وما علم أن راحته إنما هي بلزوم والديه، وبرهما.
9 - ضيق العطن: فبعض الأبناء ضيق العطن، فلا يريد لأحد في المنزل أن يخطئ أبدا، فإذا كسرت زجاجة، أو أفسد أثاث المنزل - غضب لذلك أشد الغضب؛ وقلب المنزل رأسا على عقب.
فهذا مما يزعج الوالدين، ويكدر صفوهما ، وقد لا يستطيعان الكلام والشكوى احتراماً لابنهما وتحفياً به وعدم جرح مشاعره ، أو اتقاء لشرّه ، فيعيشان في همٍ ونكد . كذلك قد تجد بعض الأبناء يأنف من أوامر والديه، خصوصا إذا كان الوالدان أو أحدهما فظا غليظا، فتجد الولد يضيق ذرعا، ولا يتسع صدره لهما.
10 - قلة إعانة الوالدين لأولادهما على البر: فبعض الوالدين لا يعين أولاده على البر، ولا يشجعهم على الإحسان إذا أحسنوا. فحق الوالدين عظيم، وهو واجب بكل حال.
لكن الأولاد إذا لم يجدوا التشجيع، والدعاء، والإعانة من الوالدين - ربما ملوا، وتركوا بر الوالدين، أو قصروا في ذلك.
11 - سوء خلق الزوجة: فقد يبتلى الإنسان بزوجة سيئة الخلق، لا تخاف الله، ولا ترعى الحقوق، فتكون شجى في حلقه، فتجدها تغري الزوج، بأن يتمرد على والديه، أو يخرجهما من المنزل، أو يقطع إحسانه عنهما؛ ليخلو لها الجو بزوجها، وتستأثر به دون غيره [8].
12 - قلة الإحساس بمصاب الوالدين: فبعض الأبناء لم يجرب الأبوة، وبعض البنات لم تجرب الأمومة، فتجد من هذه حاله لا يأبه بوالديه؛ سواء إذا تأخر بالليل، أو إذا ابتعد عنهما، أو أساء إليهما[9].

[1]- الأخ العزيز / عبد الرحمن بن محمد الشهراني .

[2] - بجامع خادم الحرمين الشريفين بالخبر .

[3] - الأخ الفاضل / فهد المهيشير وفقه الله .

[4] - هذا نطقها الصحيح في اللغة ومنها قوله تعالى " وقفوهم إنهم مسؤلون " .

[5] - اعتذر هنا عن هذا اللفظ لكنه هو المعبّر هنا عن صميم الواقعة وقد رويته بالنص عمن حدثني .


[6]- موقع إسلام أون لاين ( بتصرف ) ..

[7] - ‌(صحيح‌)‌ انظر حديث رقم‌:‌ 107 في صحيح الجامع‌.‌

[8] - سأذكر بعد قليل قصة واقعية ، حدثت في الرياض تتجلى فيها الأخلاق الدنئية لزوجة لا تخاف الله .

[9]- من موقع الإسلام ، تحت إشراف الشيخ العلامة الفاضل / صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ، وزير الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية ( بتصرف ).


 
مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 02/11/2009, 12:04 PM   #3
المؤسس والمشـــرف العــــام


صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



من مظاهر عقوق الوالدين
عقوق الوالدين يأخذ مظاهر عديدة، وصورا شتى، منها ما يلي :
1 - إبكاء الوالدين وتحزينهما سواء بالقول أو الفعل، أو بالتسبب في ذلك.
2 - نهرهما وزجرهما وذلك برفع الصوت؛ والإغلاظ عليهما بالقول. قال - تعالى -: (وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا )[ الإسراء: 23 ].
3 - التأفف، والتضجر من أوامرهما وهذا مما أدبنا الله - عز وجل - بتركه؛ فكم من الناس من إذا أمر عليه والداه - صدر كلامه بكلمة " أف " ولو كان سيطيعهما، قال - تعالى -: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ )[ الإسراء: 23 ].
4 - العبوس، وتقطيب الجبين أمامهما فبعض الناس تجده في المجالس بشوشا، مبتسما، حسن الخلق، ينتقي من الكلام أطايبه، ومن الحديث أعذبه؛ فإذا ما دخل المنزل، وجلس بحضرة الوالدين انقلب ليثا هصورا لا يلوي على شيء، فتبدلت حاله، وذهبت وداعته، وتولت سماحته، وحلت غلظته وفظاظته وبذاءته، يصدق على هذا قول القائل:
من الناس من يصل الأبعدين

ويشقى به الأقرب الأقربُ
5 - النظر إلى الوالدين شزرا وذلك برمقهما بحنق، والنظر إليهما بازدراء واحتقار.
قال معاوية بن إسحاق عن عروة بن الزبير قال: " ما بر والده من شد الطرف إليه "
6 - الأمر عليهما كمن يأمر والدته بكنس المنزل، أو غسل الثياب، أو إعداد الطعام؛ فهذا العمل لا يليق خصوصا إذا كانت الأم عاجزة، أو كبيرة، أو مريضة.
أما إذا قامت الأم بذلك بطوعها، وبرغبة منها وهي نشطة غير عاجزة - فلا بأس في ذلك، مع مراعاة شكرها، والدعاء لها.
7 - انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة وهذا العمل فيه محذوران، أحدهما: عيب الطعام، وهذا لا يجوز؛ فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما عاب طعاما قط، إن أعجبه أكل، وإلا تركه.
والثاني: أن فيه قلة أدب مع الأم، وتكديرا عليها.
8 - ترك مساعدتهما في عمل المنزل: سواء في الترتيب والتنظيم، أو في إعداد الطعام، أو غير ذلك.
بل إن بعض الأبناء - هداهم الله - يعد ذلك نقصا في حقه وهضما لرجولته.
وبعض البنات - هداهن الله - ترى أنها تعاني وتكابد العمل داخل المنزل - فلا تعينها.
بل إن بعضهن تقضي الأوقات الطويلة في محادثة زميلاتها عبر الهاتف، تاركة أمها تعاني الأمرين.
9 - الإشاحة بالوجه عنهما إذا تحدثا: وذلك بترك الإصغاء إليهما، أو المبادرة إلى مقاطعتهما أو تكذيبهما، أو مجادلتهما، والاشتداد في الخصومة والملاحاة معهما.
فكم في هذا العمل من تحقير لشأن الوالدين، وكم فيه من إشعار لهما بقلة قدرهما.
10 - قلة الاعتداد برأيهما: فبعض الناس لا يستشير والديه، ولا يستأذنهما في أي أمر من أموره، سواء في زواجه، أو طلاقه، أو خروجه من المنزل والسكنى خارجه، أو ذهابه مع زملائه لمكان معين، أو نحو ذلك.
11 - ترك الاستئذان حال الدخول عليهما: وهذا مما ينافي الأدب معهما، فربما كانا أو أحدهما في حالة لا يرضى أن يراه أحد عليها.
12 - إثارة المشكلات أمامهما: سواء مع الإخوان أو الزوجة، أو الأولاد أو غيرهم.
فبعض الناس لا يطيب له معاتبة أحد من أهل البيت على خطأ ما - إلا أمام والديه، ولا شك أن هذا الصنيع مما يقلقهما، ويقض مضجعهما.
13 - ذم الوالدين عند الناس والقدح فيهما، وذكر معايبهما: فبعض الناس إذا أخفق في عمل ما - كأن يخفق في دراسته مثلا - ألقى باللائمة والتبعة على والديه، ويبدأ يسوغ إخفاقه ويلتمس المعاذير لنفسه بأن والديه أهملاه، ولم يربياه كما ينبغي، فأفسدا عليه حياته، وحطما مستقبله، إلى غير ذلك من ألوان القدح والعيب.
14 - شتمهما، ولعنهما: إما مباشرة، أو بالتسبب في ذلك؛ كأن يشتم الابن أبا أحد من الناس أو أمه، فيرد عليه بشتم أبيه وأمه.
فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من الكبائر شتم الرجل والديه ). قيل: وهل يشتم الرجل والديه ؟ ! قال: (نعم ! يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه ) .
15 - إدخال المنكرات للمنزل: كإدخال آلات اللهو والفساد للبيت، مما يتسبب في فساد الشخص نفسه، وربما تعدى ذلك إلى فساد إخوته وأهل بيته عموما، فيشقى الوالدان بفساد الأولاد، وانحراف الأسرة.
16 - مزاولة المنكرات أمام الوالدين: كشرب الدخان أمامهما، أو استماع آلات اللهو بحضرتهما، أو النوم عن الصلاة المكتوبة، ورفض الاستيقاظ لها إذا أوقظاه، وكذلك إدخال رفقة السوء للمنزل؛ فهذا كله دليل على التمادي في قلة الحياء مع الوالدين.
17 - تشويه سمعة الوالدين: وذلك باقتراف الأعمال السيئة، والأفعال الدنيئة، التي تخل بالشرف، وتخرم المروءة، وربما قادت إلى السجن والفضيحة، فلا شك أن هذا من عقوق الوالدين؛ لأنه يجلب لهما الهم، والغم، والخزي، والعار.
18 - إيقاعهما في الحرج: كحال من يستدين أموالا، ثم لا يسددها، أو يقوم بالتفحيط، أو يسيء الأدب في المدرسة؛ فتضطر الجهات المسؤولة إلى إحضار الوالد في حالة فقدان الولد، أو إساءته للأدب.
وربما أوقف الوالد ريثما يسدد الولد دينه، أو يحضر ويسلم نفسه.
19 - المكث طويلا خارج المنزل: وهذا مما يقلق الوالدين ويزعجهما على الولد، ثم إنهما قد يحتاجان للخدمة، فإذا كان الولد خارج المنزل لم يجدا من يقوم على خدمتهما.
20 - الإثقال عليهما بكثرة الطلبات: فمن الناس من يثقل على والديه بكثرة طلباته، مع أن الوالدين قد يكونان قليلي ذات اليد، ومع ذلك ترى الولد يلح عليهما بشراء سيارة له، وبأن يزوجاه، ويوفرا له مسكنا جديدا، أو بأن يطلب منهما مالا كثيرا؛ كي يساير زملاءه وأترابه.
21 - إيثار الزوجة على الوالدين: فبعض الناس يقدم طاعة زوجته على طاعة والديه، ويؤثرها عليهما، فلو طلبت منه أن يطرد والديه لطردهما ولو كانا بلا مأوى.
وترى بعض الأبناء يبالغ في إظهار المودة للزوجة أمام والديه، وتراه في الوقت نفسه يغلظ على والديه، ولا يرعى حقهما.
وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة في الصفحات التالية.
22 - التخلي عنهما وقت الحاجة أو الكبر: فبعض الأولاد إذا كبر وصار له عمل يتقاضى مقابله مالا تخلى عن والديه، واشتغل بخاصة نفسه.
23 - التبرؤ منهما، والحياء من ذكرهما، ونسبته إليهما: وهذا من أقبح مظاهر العقوق، فبعض الأولاد ما إن يرتفع مستواه الاجتماعي، أو يترقى في الوظائف الكبيرة إلا ويتنكر لوالديه، ويتبرأ منهما، ويخجل من وجودهما في بيته بأزيائهما القديمة.وربما لو سئل عنهما لقال: هؤلاء خدم عندنا[1] !.
وبعضهم يرفض أن يذكر اسم والده في الولائم والمناسبات العامة؛ خجلا من ذلك ! وهذا العمل - بلا ريب - دليل على ضعة النفس، وصغر العقل، وحقارة الشأن، وضيق العطن.
وإلا فالنفس الكريمة الأبية تعتز بمنبتها، وأرومتها، وأصلها، والكرام لا ينسون الجميل.
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا

من كان يألفهم في المنزل الخشن
24 - التعدي عليهما بالضرب: وهذا العمل لا يصدر إلا من غلاظ الأكباد، وقساة القلوب، الذين خلت قلوبهم من الرحمة والحياء، وخوت نفوسهم من أدنى مراتب المروءة والنخوة والشهامة.
25 - إيداعهم دور العجزة والملاحظة: وهذا الفعل غاية في البشاعة، ونهاية في القبح والشناعة، يقشعر لهوله البدن، ويقف لخطبه شعر الرأس، والذي يفعله لا خير فيه البتة.
26 - هجرهما، وترك برهما ونصحهما إذا كانا متلبسين ببعض المعاصي: وهذا خلل وخطل؛ فبر الوالدين واجب ولو كانا كافرين، فكيف إذا كانا مسلمين، وعندهما بعض التقصير ؟ !
27 - البخل والتقتير عليهما: فمن الناس من يبخل على والديه، ويقتر عليهما في النفقة. وربما اشتدت حاجتهما إلى المال، ومع ذلك لا يعبأ ولا يبالي بهما.
28 - المنة وتعداد الأيادي على الوالدين: فمن الناس من قد يبر والديه، ولكنه يفسد ذلك بالمن والأذى، وتعداد الأيادي، وذكر ذلك البر بمناسبة وبدون مناسبة.
29 - السرقة من الوالدين: وهذا الأمر جمع بين محذروين، السرقة والعقوق؛ فتجد من الناس من يحتاج للمال، فيقوده ذلك إلى السرقة من والديه إما لكبرهما، أو لغفلتهما.
ومن صور السرقة أن يخدع أحد والديه، فيطلب منه أن يوقع على إعطائه كذا وكذا من المال أو الأرض أو نحو ذلك. وقد يستدين منهما، وهو مبيت النية على ألا يسدد.
30 - الأنين وإظهار التوجع أمامهما: وهذا الأمر من أدس صور العقوق؛ ذلك أن الوالدين - وخصوصا الأم - يقلقان لمصاب الولد، ويتألمان لألمه؛ بل ربما يتألمان أكثر منه.
31 - التغرب عن الوالدين دون إذنهما، ودون الحاجة إلى ذلك: فبعض الأبناء لا يدرك أثر بعده عن والديه؛ فتراه يسعى للغربة والبعد عن الوالدين دون أن يستأذنهما، ودون أن يحتاج إلى الغربة؛ فربما ترك البلد الذي يقطن فيه والداه دون سبب، وربما تغرب للدراسة في بلد آخر مع أن تلك الدراسة ممكنة في البلد الذي يسكن فيه والداه إلى غير ذلك من الأسباب التي لا تسوغ غربته.
وما علم أن اغترابه عن والديه يسبب حسرتهما، وقلقهما عليه، وما علم أنه ربما مات والداه أو أحدهما وهو بعيد عنهما باختياره؛ فيخسر بذلك برهما، والقيام عليهما.
أما إذا احتاج الابن إلى الغربة، واستأذن والديه فيها - فلا حرج عليه.
32 - تمني زوالهما: فبعض الأولاد يتمنى زوال والديه؛ ليرثهما إن كانا غنيين، أو يتخلص منهما إن كانا مريضين أو فقيرين، أو لينجو من مراقبتهما ووقوفهما في وجهه كي يتمادى في غيه وجهله.
33 - قتلهما والتخلص منهما: فقد يحصل أن يشقى الولد، فيقدم على قتل أحد والديه؛ إما لسورة جهل، أو ثورة غضب، أو أن يكون في حال سكر، أو طمعا في الميراث، أو غير ذلك.
فيا لشؤم هذا، ويا لسواد وجهه، ويا لسوء مصيره وعاقبته، إن لم يتداركه الله برحمته.
هذه بعض المظاهر والصور لعقوق الوالدين، ذلك العمل القبيح، والمسلك الشائن، الذي لا يليق بأولي الألباب، ولا يصدر من أهل التقى والصلاح والرشاد.
فما أبعد الخير عن عاق والديه، وما أقرب العقوبة منه، وما أسرع الشر إليه.
وهذا أمر مشاهد محسوس، يعرفه كثير من الناس، ويرون بأم أعينهم، ويسمعون قصصا متواترة لأناس خذلوا وعوقبوا؛ بسبب عقوقهم لوالديهم[2].

* * *


بر الوالدين بين الماضي والحاضر :
كيف حالنا الآن,, لقد ذهبت السنون بالكثير من المحاسن الإنسانية التي كانت مقدسات يتباهى بها الإنسان المسلم ومن أعظم تلك المقدسات طاعة الآباء والأمهات.قد كان إنسان الماضي يتفانى ويذهب فداء لأبويه بل تذهب روحه ولا تصيب أحد والديه شوكة,, والآن وبعد هذا التقدم الكبير وهذه الحضارة الزائلة صار بر الوالدين شيئاً من الماضي الذي يجب أن ينسى, إن ما نسمعه بين فينة وأخرى من تعرض أحد الوالدين لعقوق وتجاهل لم يعد من الأمور الشاذة والنادرة الحصول بل صرنا نسمع ونقرأ عن مثل ذلك يومياً (بدون مبالغة) حتى إن بر الوالدين واحترامهما أصبح في أحيان كثيرة من النوادر,, وإن التجاوزات التي تحدث بحقهما تجاوزت حدها ولم تقف عند حدود كلمة (أُفٍ) والتي نهانا عنها الحق سبحانه وعن التفوه بها بل تجاوزتها.هل سمعتم بالفتاة التي تطالب والديها بتعويض مقابل قيامها بتنظيف غرفتهما, وبالرجل الذي قتل والدته المسنة وأكل لحمها,, هذا ما يحدث في الغرب فماذا يحدث عندنا ؟ ابن يحرق أباه, وشقي يطرد أمه من المنزل، وآخر يضع القمامة على رأس أبيه,, وانتهى المطاف ببعض والدينا إلى دور المسنين هرباً من جور الأبناء وظلمهم لآبائهم تلك الدور التي بدأت في الغرب ثم وبكل أسف زحفت لا إلى عالمنا العربي والإسلامي فحسب بل وإلى ديارنا أي والله ديارنا حينما يضيق أبناء الأب الطاعن في السن أو الأم الطاعنة في السن فينقل الأب إلى بيت يؤويه وأمثاله وتنقل الأم إلى بيت يؤويها وأمثالها حتى يرحمهما الموت,, فهل كان عندنا قبل ثلاثة عقود من الزمن بل عقدين بيوت مسنين أو مجرد سمعنا بها,, الذي نعرفه ويعرفه كل واحد منا أن البيت الواحد يعيش فيه ثلاثة أجيال ينظم الأذان نومها ويقظتها !! وكنا نحس بمعنى الحديث الشريف (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه)[3],,!كان بر الوالدين يلي عبادة الله! وكان التماس دعائهما أملاً كبيراً، أما في هذا العصر الذي انقلبت فيه الموازين والعياذ بالله فخير للوالدين أو أحدهما ترك البيت للابن العاق يسعد فيه وزوجه وقضاء بقية العمر في دور المسنين.
ولعل من المناسب في ختام كلمتي هذه أن أسوق قصة واقعية حدثت منذ خمس سنوت في عاصمة مملكتنا الحبيبة ملخصها أن أحد الإخوان متزوج ولديه أطفال أكبرهم عمره سبع سنوات ويعيش معه والده الطاعن في السن وأمام إلحاح زوجته وكلامها المعسول بوضع والده في إحدى غرف المسجد المجاور لمنزلهم حتى لا يشق عليه الذهاب والإياب من وإلى البيت تيسيراً عليه مع تعهدها بالاهتمام بكل متطلباته, طرح الرجل المغلوب على أمره الفكرة على والده الذي لم يكن له من خيار إلا الموافقة على مضض وفعلاً ذهب الرجل إلى السوق ومعه ابنه البكر (سبع سنوات) ليشتري لوالده مستلزمات الغرفة التي في المسجد من فرش وسرير ودولاب ونحوه,, وكان من عناية الله به أن سأله ابنه الصغير المرافق له عما يشتريه ولماذا؟ فكان يجيبه إن ذلك لجده حيث إنه سوف يقيم في إحدى غرف المسجد المجاور لمنزلهم فسأله هذا الطفل الصغير بمنتهى البراءة ومتى نشتري لك مثل ذلك يا أبي!! فنزل السؤال على الأب كالصاعقة وزلزل الأرض من تحت قدميه وأفاق من غيبوبته فأعاد كل ما اشتراه على صاحب المحل ولم ينتظر أن يعيد له صاحب المحل فلوسه وعاد مهرولاً خجلاً إلى والده يقبله ويعتذر له، ويؤكد له أن له أقصى البيت ولهم أدناه أما الزوجة العاقة فقد خيرها بين والده وأبنائه أو بيت أهلها وهكذا عاد الرجل إلى صوابه وفتح الله على قلبه وكما تدين تدان والجزاء من جنس العمل وجزاء سيئة سيئة مثلها[4].

تجربة شخصية في بر الوالدين : ( تطبيق عملي لآيات القرءان الكريم ) :
سنتكلم عن تجربة حية واقعية اشتركت فيها مجموعة من النساء تم توجيههن وتدريبهن على كيفية التطبيق العملي لآيات القرآن الكريم، وكانت نتائج هذه التجربة ناجحة جداً وذلك من واقع روايات النساء أنفسهن وكيفية تعاملهن مع الآيات.
من السهل واليسير أن نتكلم عن بر الوالدين، وتعقد من أجل ذلك الدروس والدورات، ولكن تنفيذ ذلك بشكل عملي حركي ليس له نفس السهولة ولا نفس اليسر، فهو أمر يحتاج إلى إيمان عميق بالله يتبعه صبر وعذوبة لسان المرأة، وإن التعامل الدائم البار مع الوالدين كما أمر الله الذي لا يطلع أحد على أسراره هو من الأعمال الصالحة التي تفوح منها رائحة الإخلاص وهو دليل على إصرار العبد على طاعة الله ودوام هذه الطاعة، لذا فقد وجدنا أن من الركائز المهمة والأساسية التي تدرب الإنسان على صدق النوايا وحُسن العمل بر الوالدين، برهما كما أمر سبحانه وتعالى وكما أرشدنا إلى كيفية تنفيذ هذا الأمر رسولنا { وقد حاولنا أن نتدرج في أمر الله خطوة خطوة لذا فقد اتفقنا سوياً أن يكون تحركنا بداية بقوله تعالى (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ) (الإسراء:23).بعد أن تم شرح الآية والحديث عنها كالمعتاد، كان الاتفاق المبدئي ألا نؤذي الوالدين بكلمة أو فعل مهما قالا أو فعلا، وبدأنا في خوض التجربة، ثم التقينا بعد فترة لتسرد أخت تجربتها العملية في التحرك بهذا الشق الكريم من الآية الكريمة.
بدأت الأولى حكايتها، فقد جاءت والدتها لزيارتها وكان يبدو عليها الوجوم والحزن. وعندما سألتها مستفسرة قالت لها: إن أختك قد تأخر زواجها كثيراً، وقد قالوا لي إنها "أكيد مسحورة، أو أن عليها جاناً يمنع زواجها" وعليه فلا بد وأن تساعديني وتذهبي معي لرجل دلوني عليه لكي يساعدني في زواج أختك. تسمرت عيناها وانساب من بين شفتيها قوله تعالى: (
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنعام 17).

احتدت الأم في حديثها وقالت لها إني سأرفع مكروهاً عن ابنتي وماذا في ذلك؟ فإني لن أؤذي أحداً بما أفعل؟ ولكنك لا تريدين مساعدة أختك!! احتد بينهما النقاش وصور الشيطان لأختنا صاحبة القصة أنها على حق وبالفعل هي على حق ولكن زين لها أن تدافع عن هذا الحق بباطل فبدأ صوتها تحت إلحاح هذه الحجة يعلو على صوت أمها، ولكنها تذكرت الاتفاق وتذكرت الآية، فغشيها الهدوء، وبدأت فوراً تغير من أسلوب معالجتها لهذا الموقف، فانكبت على يد والدتها تقبلها وتعتذر لها وتحاول أن تستجلب رضاها عنها، وبعد أن هدأت الأم قالت لها: متى تأتين معي إذن؟ فهذا الرجل قد ذاع صيته في كل مكان ولابد وأنه سيساعدني على زواج ابنتي فإني سأجزل له العطاء.
قالت لها ابنتها بعطف ورجاء: ولكن هناك من يقدر على مساعدتك ولا يأخذ منك مالاً، ونتائجه مضمونة، بل إنه سيساعدك أنت شخصياً على الطمأنينة وراحة النفس إلى أن نجتاز هذه المحنة.
قالت لها الأم: سبحان الله، ولكن لم تخبرني صديقاتي به، ولكن ليس هناك أية مشكلة فلنذهب إليه ما دمت تعلمين قدرته. قالت الابنة: نعم إن قدرته تفوق الحدود، فقط إن أراد الشيء يأمره أن يكون فيكون فوراً، كما أنه لا يأخذ منك مالاً فهو الغني، ما عليك يا أماه إلا أن تقابليه وتسأليه.
استراحت الأم لحديث ابنتها كثيراً وقالت: والله إني قد استرحت له من حديثك عنه..فليتك تسرعين بأخذ موعد عاجل معه قالت الابنة: سنقابله الآن فهو معنا، التفتت الأم يمنة ويسرة بارتباك شديد وقد التفتت الابنة ناحية القبلة وبدأت تناديه وتناجيه... "ربي.. إلهي.. يا من بيدك كل شيء.. يا من قدرتك تفوق كل قدرة، بل ليس لأحد قدرة إلا بك، يا من تجيب دعوة المضطر إذا دعاك وتكشف السوء، أتيتك وأمي ووقفنا ببابك وليس لنا سواك، رباً قادراً مالكاً مسيطراً وأنت الواحد الأحد لن نبرح بابك.. فعندك سبحانك سؤلنا، ووحدك تستطيع فك كربنا" واسترسلت في تضرع وذلة واستعانة به سبحانه.
أجهشت والدتها بالبكاء وسجدت لله مستغفرة تائبة متوسلة سائلة، وانسابت دموع الأخت الفاضلة تأثراً بمناداة والدتها لله. فلأول مرة تراها بهذا التسليم المطلق وهذا الخضوع المزلزل للقلوب، انتهت من سرد تجربتها وقد انسابت دموعنا، وقد بدأت كل منا تسأل الله سبحانه ما ترجو وما تتمنى فهو بالفعل الوحيد القادر على إجابة الدعاء وتلبية الرجاء.هل يمكن أن أشارك معكم وتسمعوا تجربتي مع قوله سبحانه: ( فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا
اتجهت أنظارنا إليها فهي فتاة لم تتعد العشرين، قالت: "إني وحيدة أمي وأبي ولذا فهما يقومان برعايتي على أفضل ما يكون ويلبيان لي كل ما أطلب. وكانت الأمور تسير على ما يرام. ونحن نعيش الدنيا بكل ما فيها حرامها وحلالها، حتى أكرمني الله بلقائكن، فكأن الدنيا أرادت أن تطلعني على أحلى ما فيها وهو القرآن، وبمعنى آخر أصبحت هناك متعة كبيرة أن أستسلم للآية فتتحرك من خلالي ويتعرف الناس عليها من تصرفاتي وأفعالي، وبدأت المشكلات الكبيرة بيني وبين والديَّ، فهما يريدانني أن آخذ من الدنيا ما يتصوران أن فيه سعادتي، فلا بد من مصاحبتهما إلى النادي وليس هناك مانع من مصادقة الفتيان ويطلبان مني ممارسة الألعاب الرياضية وارتداء الثياب غير اللائقة لأحوز إعجاب الجميع، ولابد من مشاركتي في الألعاب الرياضية وكأنني أؤدي هذه الألعاب وهذه الحركات ليراني الفتيان بكل أوضاعي وقد ظهر من جسمي بسبب تلك الملابس أكثر مما خفي، لابد لي من مصاحبتهما إلى المسرحيات مهما كانت مبتذلة وهابطة، بالطبع بعض ما ذكرت لكم يتنافى تماماً مع ما تدعونا إليه هذه الآيات الكريمة. في بداية الأمر صرخت في وجههما، وكنت أدخل حجرتي وقد أغلقت بابي دونهما، وألقاهما بوجه متجهم عابس، وكنت متصورة أن ما أفعله هو قمة الطاعة لله، فهو جهاد كما كنت أتصور، ولكني عندما أردت أن أتحرك بقول الرحمن (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا )تغير الوضع تماماً فقد حلت الابتسامة بدلاً من العبوس، وفتحت بابي وجلست معهما أتكلم بلطف وود ظاهر لهما، بل وأحاول تقديم العون لهما برحمة، بل بدأت أشكرهما على ما بذلا من أجلي طوال هذه السنوات، وأحاول أن أعرض عن اندهاشهما وكأني لا أرى إلا تطبيق الآية الكريمة، ورويداً رويداً بدأت أطلعهما على صديقاتي وأصدقائي الجدد: فهذا الفعل يرضي الله في قوله تعالى كذا، وهذا التحرك يرضي الله في قوله تعالى كذا.
وجدت أمي وقد تأثرت كثيراً بقولي بل وطلبت مني المزيد، وقد لاحظت على قسمات وجهها مدى التأثر والندم على ما فاتها، وهذه هي أمي معنا الآن". وقامت الفتاة وقد ضمتها أمها إلى حضنها وأغرقت وجهها بالقبلات. وقد تأثرنا كثيراً بقدرة الله سبحانه على تحويل القلوب وإسباغ النعم على عباده.
تحركت أخت من مكانها ونظرت إلى الفتاة ووالدتها وقالت: سبحان الله كيف حدث ذلك؟، فإن والدتي لم تتقبل مني أي شيء.. أي شيء، وحاولت طوال هذه الفترة السابقة أن أرضيها بلا جدوى، قلنا لها: وأين الصبر يا حبيبتي؟ فعلينا بالعمل الذي يُرضي الله وعليك بتحقيق الآيات الكريمة في أفعالك وتصرفاتك مع الدعاء لله سبحانه، فالقلوب بيده وحده يتصرف فيها كيفما شاء وكيفما أراد، المهم أن تستمري في تطبيق القول الكريم في نفسك ولا تيأسي أبداً من روْح الله. وتعاهدنا جميعاً أن ندعو لها في جوف الليل إلهاً قديراً مقتدراً سبحانه، وتعاهدنا في نهاية اللقاء على الاستمرار في التحرك بقوله سبحانه(
فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) ونزيد عليها: ( وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ) الإسراء (23).نتعايش مع الآية.. نرددها حتى تسكن في قلوبنا ثم تتحرك بها جوارحنا وحواسنا ولنا لقاء لنشهد هذه التجارب العملية.
(
وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ) الإسراء (23) .

يبدو الأمر كما لو كان سهلاً ولكن لكل إنسان عادات يتربى عليها ويصبح من الصعب تغييرها، فطريقة التحدث مع الوالدين تختلف من شخص لآخر، فبينما نجد شخصاً دائم العبوس في وجه والديه وبالكاد يرد على حديثهما، نجد آخر يتكلم معهما بشكل تقليدي عادي، ونجد آخر جافاً في تعامله معهما بدون أن يشعر هو بذلك، ونجد أخرى لا تتذكر أنها في مرة قد قامت بتقبيل والدها أو والدتها، ولنعرض التجارب الشخصية فسيكون فيها التوضيح الكافي.فها هي أخت تسرد لنا التجربة الخاصة بها قالت:حينما كنت أردد قوله تعالى: (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً )(23).
قلت: إن الأمر لا يتعدى بضع كلمات منمقة مختارة وكفى.. وبدأت بعيداً عن التصورات بشكل جدي في تطبيق هذا القول الكريم بشكل عملي، وكانت المفاجأة: دخلت على والدتي ورتبت الكلام في ذاكرتي وأردت أن أجهر به ولكن عُقد لساني، فقد انتابني الحرج الشديد حيث إني لم أتعود على مثل هذه الأقوال مع أمي وفشلت في المحاولة الأولى ثم استجمعت شجاعتي في مرة أخرى وأردت أن أبث لأبي مدى احترامي وحبي له وتعلقي به وبأمي ولكن للمرة الثانية تخونني العبارات، قلت في نفسي: لن أهزم بمشيئة الله.. فالأمر هين فماذا بي؟، قلت: لابد وأن والديّ عندما يسمعانني سيندهشان وسأضحك وسأكون محط استهزاء إخواني وأخواتي، سألت الله سبحانه أن يعينني أن يكون لي شرف تحرك الآية الكريمة وتطبيقها من خلالي ثم هداني التفكير أن أذهب إلى محل الورود، وبالفعل أحضرت وردة لأمي وأخرى لأبي وقلت لأمي وأنا أعطيها إياها: لك يا أحلى أم، ابتسمت حبيبتي ابتسامة لن أنساها ما حييت وكأنها تقول: هل أنا عندك كذلك بالفعل؟ وكأنها قالت ذلك، حيث كان ردي بل أنت أغلى عندي من كل الدنيا، حيث إن الدنيا بأسرها تكون سراباً من دونها، قلت ذلك ولم أنتظر رد فعلها بل خطوت خطوات واثقة من والدي وقلت له: مني وردة في الدنيا ومن الله سبحانه لك الجزاء الأكبر، فإني كثيرة الدعاء له، داعبني والدي قائلاً: خير.. لعله خير.. سعيدة اليوم أنت؟ قلت له: نعم سعيدة بكما واتجهت سريعاً إلى حجرتي وقد زاد خفقان قلبي وقلت لنفسي: هل رأيت؟ لقد كان الأمر سهلاً وكم أنا سعيدة الآن فقد زادت كلمات الامتنان مني لوالدي وزاد تقبلهما لما أقول بل إني أقبل قبل خروجي رأسيْ أبي وأمي، وكم أصبح لحياتي معنى وطعم للسعادة لم أتذوقه من قبل، وأنا أدعوكن جميعاً إلى تطبيق هذا القول الكريم والتحرك به.
وقالت أخرى: أنت أحسن حظاً مني فإني قد بخلت على والدي بكلمات الحب والتكريم.وبدلاً من أن أفعل أنا ذلك فعلها أخي الشاب فإنه ينتظر وصولي إلى المنزل بعد اللقاء معكن لأحكي له أي آيات الله سنتحرك بها بعد شرحها له وتفسير معانيها ومناسبة نزولها كما نفعل، وقد أخذ مني قول الله سبحانه: وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23).
وكأن الآية وقد أصبحت كساءً للسانه وأفعاله.. فقد سمعته على غير عادته وهو يكرم والدي أيما إكرام في أقواله ومداعباته الرحيمة بهما ودغدغة مشاعرهما بكلماته الطيبة حتى كأني تصورت أنه يقوم بحفظها قبل أن يحيط والدي حناناً بسماع هذه الكلمات منه، حتى إني في دخولي وخروجي أسمع والدي وهما يدعوان له بل إني سمعت والدتي تقول لعل الله يكرمني بدخول الجنة بسبب إنجاب هذا الولد (تقصد أخي) لا أدري ماذا أفعل الآن وقد سبقني أخي إلى هذا الخير الوفير؟
قالت لها ثالثة: حاولي مرة ومرات حبيبتي، فنحن نتنافس جميعاً من أجل التحرك بالقرآن التحرك الأمثل[5].

* * *




[1] - والله لقد حدث هذا مع رجل أعرفه معرفة تامة فتح الله عليه الدنيا وحرمه الدين، سئل عن أبيه الطاعن في السن وكان يسكن معه في المنزل : أهذا أبوك ؟ فقال : لا ! هذا خادم عندنا نتصدق عليه عندما كبر .. ولا أعلم رجلاً منكوباً كهذا الرجل .. نسأل الله السلامة .

[2] - السابق .

[3] - تحقيق الألباني ‌(‌حسن‌)‌ انظر حديث رقم‌:‌ 5443 في صحيح الجامع‌.‌


[4] - من مقال للدكتور / سليمان بن عبدالرحمن العنقري ، جريدة الجزيرة 12 رمضان 1421. عدد 10298.

[5] - من مقال لسمية رمضان . مجلة المجتمع عدد 1625 بتاريخ : 30-10-2004 م


 
مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 02/11/2009, 12:04 PM   #4
المؤسس والمشـــرف العــــام


صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



نماذج تحمل صور العقوق :_

لو أنك كنت مسؤولاً في إحدى المؤسسات الحكومية أو غير الحكومية ، فرأيت مَن يخرج من مقر العمل دون أن يستأذنك ، مرة وثانية وعاشرة ، كيف سيكون تصرفك تجاهه ؟ ألا تغضب وتتخذ القرارات الرادعة ، التي تضمن رد اعتبارك بصفتك المسؤول الأول عنهم ..
لكنني هنا يعنني بالدرجة الأولى شعورك النفسي من جراء هذه التصرفات التي لا تليق .. فما هو شعورك يومئذ ؟. خذ هذه الصور الواقعية .. ثم .. أنت الحكم بعدها ..
الصورة الأولى :_أبٌ يتحدث في مجلس بحرقة ممزوجة بأدب جمًّ :
أن لست أفهم تصرفات بعض هؤلاء الشباب _ هداهم الله _ الذين يقولون نحن ملتزمون بالدين .. بذهب أحدهم ويأتي .. دون أن يكلّف نفسه عناء الاتصال بأبيه أو أمه ليخبرهما عن ذهابه أو إيابه .. هذا ابني _ هداه الله _ يذهب لأداء العمرة ويمكث العشر الأواخر من رمضان كلها في المسجد الحرام وأنا آخر من يعلم ، ولم أعلم به إلاَّ من أحد الجيران ! أين الالتزام بالله عليكم .. والذي أفهمه أن الجهاد لا يجوز الذهاب إليه إلاَّ بعد استئذان الوالدين .. فما الفرق بينه وبين الحج والعمرة .. ما لفرق بينهما .. هذا سفر وهذا سفر .. هذه عبادة وهذه عبادة ! .. لماذا لم يخبرني بمذهابه فلن أصده عن عبادةٍ ؟ هداه الله .. الله يهديهم .. ( صورة طبق الأصل ) .
الصورة الثانية :_ معاناة أمٍ :
أمُّ تخاطب أبناءها :_ يا أبنائي الخمسة .. أني أحمد الله تعالى أن رزقنيكم في حين حرم غيري من هذه النعمة .. يا أبنائي .. ربيتكم وتعبت عليكم .. حتى بلغتم مبلغ الرجال .. لكنني ألحـظ منكم بعض التصرفات التي لا أعرف كيف أفسرها ؟! .. فأنت يـا ( فلان ) .. تأخذ زوجتك وأولادك وتسافرون إلى جده لقضاء إجازة الربيع .. ولم أعلم بكم إلاَّ من أحد إخوتك .. ولم تستشرني أو تستأذنّي أو تعرض علىَّ أن أذهب معكم .. ولو عرضت عليَّ لمَا ذهبت معكم لكن هذا يريحني ..أم أنـك خشيت ألاَّ أدخـل عليـكم السرور في سفركم لأنني أصبحت كبيرة في السن ، وكبيرات السن لا يحتجن إلى ( التمشية ) والنزهة ؟! .
0 وأنت يا ( فلان ) .. تسافر مع إخوة زوجتك إلى المنطقة الشرقية .. دون أن أعلم ..
0 ولا أذكر أن أحدكم مدَّ إليَّ يده بمبلغٍ من المال ولو يسيراً .. أم أنكم تظنون أننا _ نحن العجائز _ لا نحتاج إلى المال .. وفي الحقيقة أننا نحتاج إلى المال .. لأتصدق منه ، وأقضي بعض الحقوق عليَّ التي لا تعلمونها .. وأحتاج إلى المال لأفرح به الصَّغار .. وأدخل عليهم السرور .. ( طبق الأصل ) ..

* * *
الصورة الثالثة :
يا لفرحة (أم نديم) وهي ترى عروس ابـنـهـــا الجميلة (سها) تزف له ، إنها فرحة طالما انتظرتها لتجبر قلبها الكسير ، ولتأسو جراح نفـسـها المكلومة ، ويا لسرورها وهنائها! ها هو ابنها تكتمل رجولته إذ يعمر بيت والده (الـمرحوم- إن شاء الله - خالد) فتسعد بذلك كما سعدت يوم تخرج من كلية الهندسة وعين في إحدى الشركات الكبرى ، فتركت مهنة الخياطة التي ما كانت لتعمل بها لولا الحاجة ، كانت تمضي سـحـابــة يومها في استقبال زبائنها من الراغبات في الأناقة ، وتسهر جل ليلها خلف ماكينة الـخـيـاطـــة لتـؤمـن لعيالها الحياة الهانئة الكريمة بعيداً عن الحاجة ، تتطلع إلى أملها الكبير (نديم) ليحمل عـنـهـا أعـبــاء أضـحـت تـنـوء بحملها ، وهي على أبواب شيخوخة مبكرة جلبها كدح النهار وهمِّ الليالي لإعالة أيتام ، وتأمين الحياة الكريمة لهم بعيداً عن العوز والفاقة.
لكن صاحـبـاتها ممن يـعـرفن (سـها) المعرفة الحقة كان يحدوهن تفاؤل حذر إلى تحفظ في الفرح والسرور ، وما منعهن الإقدام عـلـى نصيحتها إلا الخوف من أن يتهمن بالغيرة ذلك أن جمال (سها) البارع قد ملك على (أم نديم) قـلـبـها بل وعقلها أيضاً ، ولم تدر أن هذا الجمال لم يورث (سها) إلا غطرسة وكبراً بل وتسلطاً في الرأي يلمسه كل من يعاشرها..
ومنذ أن اقترنت بـ (الأستاذ نديم) أضافت إلى سلطانها وجبروتها عش الزوجية الجديد. فأضحت رغباتها أوامر عند أفراد الأسرة جميعاً وأصبح زوجـها لا يتوانى عن تنفيذ ما تحب أياً كان ذلك… وإن حدث التواني أو التأجيل .. فلا اعتذار يقبل ، بل ينطلق السخط من فمها فيحول المنزل إلى جحيم لا يطاق.
وكان الجميع يطلب لنفسه السلامة برضاها ، وعمل ما يروق لها ، فهل ترضى؟! لا زلت أذكر يوم كانت (سها) تشكو حب ابنتها (سلوى) لجدتها وعماتها وبرها لهم وتعلقها بهم.
وعندما قلت لها سائلة ومقربة بين وجهات النظر :
- وماذا في برها بجدتها وقربها من عماتها؟! أوليـس ذلك ممـا يـفـــرح الأم؟ إن من يبر جدته ويحسن إلى عمته قادر أن يكون أكثر إحساناً إلى أمه... ولكن هيـهـــات أن تقـتـنـع (سها) أو ترضى بهذه الأقوال..
لقد حجب هواها الجامح جمال الحقيقة ، فما وجدت منه إلا النفور ، لقد امتقع وجهها وهي تقول :
- لا ليس كل الناس سواء ، هؤلاء كالثعابين التي تقذف بالسم ، إنهم أعداء بثياب الأهل والأقارب.
ويجمح بها الانفعال فتتابع الكلمات تتدفق من فمها:
- يكفي المرارة التي جرعوني إياها عن طريق ابنهم ووساوسهم له ، أيريدون أن يذيقوني الويل من أولادي أيضاً ؟!
وأرادت أن تختصر الحديث فهبت واقفة وهي تتوعد بأمر لا ترعوي عن إظهاره .
- والله لن أدع لهم مكاناً في بيتي… فإما أنا أو هم ، وليعمل ابنهم ما يشاء ، فمنزل أهلي يسعني...
ويأتي الزوج.. ويحتدم النقاش ، ويخونه بيانه ومنطقه ، ولم تسعفه أية حجة حتى قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم"[1].
لامس حسها الغليظ فما وجد منها غير التبلد واللامبالاة والإصرار على موقفها المشين. فما كـــان مــن الزوج الذي اعتاد الانصياع لزوجته المتسلطة إلا أن رضخ لرغبتها ، ورأى أن والدته برحابة صدرها ، أكثر تقديراً للأمور من زوجته.
فقرر مفاتحة الأم الروؤم ، وقال لها بصوت كسير حزين :
- عزيز علي أن أقول لك يا خير أم،أنني ابنك البار بك، والذي يفديك بالغالي والرخيص ... ويسود صمت ثقيل ، فالموقف الجلل يمنع الكلمات المتعثرة من أن تظهر ، فتغوص في أعماق حنجرته.
ونظýرات الأم الحائرة ترمقه في دهشة وتساؤل.
ثم يكمل وقد غلبت عليه الأثرة قائلاً:
- إن (سها) قد أتعبتني ، وتجد أن لا حق لأحد في زوجها وبيتها ، فماذا أعمل؟! وبين دهشة الأم وحسرتها ، سالت دمعة أسـيـفـــة من عينيها ، وفي بساطة تعسة قالت بتسليم حزين :
- اعمل ما تريد ، أما أنا وأخواتك فنفوض أمرنا إلى الله ..
ثم خرجت وبناتها من البيت... وفي نفسها تعتلج المشاعر الأليمة ، والضيق المكتوم و(سها) تشيعها بابتسامة تحكي قسوتها وفظاعتها ، وتخلو من كل معاني الإنسانية.
.. وعاشت الأم حياة بائسة قد لا تصل إلى حد الكفاف ... وهي التي لا تـفـتــأ تسمع عن حفلات ابنها وولائمه ، ونفسها تتوق إلى لقمة طعام من كده وسعيه ، فلا تلقى إلا صدقات بعض المحسنين الذي يرجون ثواب الله في إعطاء الصدقة للمتعففين من ذوي الحاجات ، أمثالها!
فما أشق ذلك على النفس التي ما اعتادت الاستخذاء ، لكنه السن والحاجة!!
وأما (سها) فهل وجدت السعادة التي كانت تنشدها؟!
أم هل أصبحت التطلعات المبتذلة هي مقياس السعادة؟!
ها هو البيت قد فرغ لها ، ففرحت وفرح أهلها ، إذ خلا المنزل فما ينغصهم أحد ، كما سول لهم عقلهم القاصر ، وما دروا أن البر وصلة الرحم توسع الرزق وتسعد العيش !!
ويتحامل (نديم) على نفسه ويرحب بهم فيزيد ذلك من غبطتهم.. ثم لا يلبث أن ينـقـلـب الترحيب إلى تجهم وكدر ، ويبلغ الأمر حدة عندما أعلن موقفه بوضوح ، وقـــد شعر أنه الذلـيـل في بيته ، الجريح في رجولته ، وأصر على عودة أهله (والدته وأخواته) الذين لا معيل لهم غيره ، ليشاركوه النعم التي أنعم الله بها عليه.
ولكن أنى توافق (سها) على ذلك؟! وهي التي ترفض حتى الكلمة الطيبة من ابنتها لهم… إن الغيرة قـد أكلت قـلبها. والهواجس الخبيثة قد أفسدت عيشها ، فما تطيق أن ترى زوجها يسر لهم بحديث، أو يبادلهم الابتسام أو حتى الهموم، وتـصـر علـى الـرفـض… وتـضـحـي بأهلها عندما أعلنتها بعنجهية بعد جدل طويل :
-إن كان يروق لك بعدي عن أهلي فمن الآن فصاعداً لن أجعل أحد منهم يأتي لبيتك ، فلا أهلي ولا أهلك ، هل أعجبك ذلك؟!
فيرد وقد تخاذل أمامها كعادته :
- نعم أعجبني.
ويوصد بيت العقوق أبوابه أمام أهل كل من الزوجين ، ويكتفيان بأنفسهما وقرنائهما ...
وتمر الأيام والسنون ... ويـحـين موعد زفاف ابنتهم (سلوى) ويجد الأستاذ (نديم) أن هذه فرصته كي يشعر بحقه الطبـيـعـي فـي القوامة على المنزل ورئاسة الأسرة. وأن يظهر أمام أصهاره بالمظهر اللائق كرجل يحترم نفسه.
ودون استشارة حرمه (سها) دعا أهله لحضور الفرح كما دعا أهل زوجته أيضاً .. وهكذا .. أصبح عرس (سلوى) الفرح الذي وارى جراح أقاربها ولمَّ شعث أهلها ..
وسادت الحياة طبيعية ، لولا نذر الانتكاس التي كانت تظهر بين الحين والآخر فيعالجها نديم بصبره الدءوب وإصراره العنيد على عدم التفريط بوشائج القربى وصلة الأرحام.
وأنــا اليوم وبعد سنوات قليلة من هذا الزواج ، أرى (سها) - ولأول مرة - في انهيار مريع تبكي بـمـرارة وحرقة ما أسبغته على ابنتها (سلوى) من رفاه وما تلقى منها من الجحود.
فيبلغ بها الانـهـيار مداه وقد أسقط في يدها فتغطي وجهها بكلتا يديها وتنشج كالطفلة الصغيرة وهي تكوم جسدها الكليل على إحدى الأرائك، تنتحب من أعماق فؤادها المكلوم، وكلمات لا تكاد تبين تخرج من بين شهقاتها:
- آه من سلوى! قد صار لزوجها بيت ولا يأذن لي بدخوله!!
يا لها من عاقة ، عاقة لا خير فيها ، جحودة منكرة للجميل! ويزداد تشنجها ، عندما يمر أمام مخيلتها، شريط جحودها هي لفضل أهلها وحقوق زوجها وأهله... وكأنها تقول: ألا ما أشبه الليلة بالبارحة ، ومن جرع غيره كأس العلقم احتساه بما قدمت يداه .[2]
* * *




من أعظم صور العقوق :_
طرد أم : قصة من صميم الحياة ..
.. كانت ترى فيه السعادة كل السعادة ، ترى فيه الدنيا كلها ولا ترى في الدنيا سواه ، وكذلك كان ؛ لأنه وحيدها ؛ وهي كذلك ! كانت وحيدته ؛ إذ أنهما كما يقول أهل هذا الزمان ( مقطوعان من شجرة ) ! وترجمتها : أنهما لا قريب لهما ولا نسيب ولا صهر لا حبيب !.
مات زوجها ولم يترك وراءه لها سواه ، وكذلك كان ؛ لأنه وحيدها ؛ وهي كذلك ! كانت وحيدته ؛ إذ أنهما كما يقول أهل هذا الزمان ( مقطوعان من شجرة ) ! وترجمتها : أنهما لا قريب لهما ولا نسيب ولا صهر لا حبيب !. مات زوجها ولم يترك وراءه لها سوى بيت من الطين ؛ يقبع في زاوية خجولة من حيٍّ قديم من أحياء الرياض ! ؛ ليس في بيتها ما يرد العين إلاَّ أثاثٌ إذا رأيته عرفت من أول نظرة أنه لم يعد يصلح إلاَّ لزمن ولَّى أصحابه قبل عشرين عاماً ؛ أما أصحاب زماننا فيأنفون أن يجلسوا على مثله ؛ لأن ثيابهم أنظف من قلوبهم ! أما أولئك السابقون فبعكسنا تماماً كانت قلوبهم أنظف من ثيابهم !. .. وترك لها في هذا البيت طفلاً رضيعاً في أشهره الأولى .. فكان كل متاعها في الدنيا : بيتاً من الطين ؛ وطفلاً كوجه الصبح الحزين ؛ وحفنةً تأتيها كل عام لا تملأ الكفَّ من مال يسمى ( الضمان الاجتماعي) تُقيم به صُلْبها وصُلب صغيرها وتدخر ما بقي منه للأيام السود في حياتهما وما أكثرها . رعته حتى أدخلته المدرسة ؛ وفي أول يوم غدا فيه إلى مدرسته يحمل على رأسه حقيبة صغيرة ينوء بحملها ! ليس فيها إلاَّ (..جزء عم .. والهجاء .. والحساب .. وقلم الرصاص .. و ! كسرة من خبز يابس هي إفطاره )! يجر خلفه طرف ( شماغه ) وطاقيته تتوسط رأسه الصغير . رأته ففاضت عيناها فرحاً بصغيرها الذي يستقبل أول أيام المستقبل . كان ديدنها أن تغدو معه كل صباح إلى مدرسته سيراً على الأقدام ؛ وتنتظره في حر الشمس ظهراً حتى يعود فتتلقاه بالقُبل .. تطبعها على خديه وتحمل عنه حقيبته ويعودان للبيت . .. فرحةٌ غامرة .. عمرت قلبها عندما سمعت بنبأ نجاحه في المرحلة الابتدائية .. بل كانت تخبر كل من تلقاه في طريقها أنَّ ابنها حمل الشهادة (الصفراء )! .
* * *
مرت السنون ؛ وإذ به يحمل الشهادة الجامعية ! من أعرق جامعات المملكة في قلب العاصمة ! ولا يزال مع وحيدته الحبيبة في بيت الطين ! وكانت فرحة ممزوجة بالألم والأمل معاً ؛ تلك التي كان سببها .. استئذانه حبيبته أن يفارقها ويفارق بلاده للسفر في بعثة لمواصلة دراسته العليا في بلاد الغرب ؛ يأتي بعدها حاملاً أعلى الشهادات . كاد قلبها ينخلع من البكاء عندما أغلقت عليه باب سيارة الأجرة التي ستوصله إلى مطار الرياض ليغيب بعدها عن حبيبته الغالية ست سنوات كاملات ! لا يعرف من أخبارها شيئاً إلاَّ بواسطة رسائل الجيران الأخيار ؛ الذين تطلب منهم جارتهم العجوز كتابتها لابنها الذي سافر بقلبها معه. .. كانت تضم صورته التي تزّين شهاداته السابقة على صدرها كل ليلة وتبلها بالدموع حتى يغلبها النوم .. فتنام لتراه يترآى لها في المنام ! هكذا هي طوال سنواتها العجاف ؛ كان الله في عونها .
* * *
مرت السنوات .. وإذ بها تتلقى رسالة من ابنها ( الدكتور ) .. يخبرها فيها أنه قاب قوسين أو أدنى من رحلة العودة ..لم تسعها صحراء نجدٍ كلها من فرحها . دعت الله كثيراً أن يبقيها حتى تراه .. وودعت النوم .. ترقباً لمجيئه . .. في يوم .. غلبتها عيناها ضحوةً ؛ فإذا باب بيت الطين الذي لم يكن ليغلق كما تُغلق أبوابنا اليوم يُفتح وتظهر منه مقدمة حقيبتين كبيرتين .. يدخل بعدها رجل قارب الثلاثين من عمره يلبس ملابساً لم يكن لبسها معتاداً في ذلك الوقت إلاَّ قليلاً .. (جاكيت .. وملحقاته من كرافته ..وحذاء يلمع لمعان البرق ) .. حضنته بين يديها الضعيفتين وغابت عن الدنيا ! ؛ بكاءٌ متبادل أزعج الجيران الواقفين في (..حوش ) المنزل الذين أتوا للترحيب والتهنئة بقدوم الابن الضيف(.. الدكتور ). * * *
وتمر السنون ! وينتقل بها إلى منزل اشتراه .. يليق به وبمنصبه ؛ أما هي فلا يليق بها ! ؛ ويودعان بيت الطين إلى غير رجعة ؛ ذلك أنه باعه بثمن بخس دراهم معدودة وكان فيه من أزهد الزاهدين ! .. أما هي ! فكأنها قطعت قطعةً من قلبها وألقتها .. وترآى لها منظر الجيران الطيبين ..لكنها صبرت ابتغاء رضاه ! بعد رضا الله تعالى .
* * *
أتته في يومٍ ؛ تعرض عليه الزواج من بنت (فلان ) .. امرأة ديّنة ..صالحة .. عفيفة .. محتشمة .. مطيعة ...تخدم في بيتها بنشاط بنات ذلك الزمان .. وهي مع ذلك .......! - ضحك وربت بيده على كتفها وقال : لم يحن الوقت بعد ...
* * *
حان الوقت ! وتزوج امرأة من طبقته هو ! ذات منصب وجمال .. لكنها كانت أنموذجاً من النساء بارعاً في التكبر والغرور والازدراء لأُمّه والاحتقار لها ولكلامها .. ولبسها .. و ..
* * *
صبرت الأم صبر أيوب !! ولم تشأ أن تجرح مشاعر ابنها ؛ فلم تخبره بشيء مما يقع لها معها . كانت تلك المرأة تسومها سوء العذاب كل يوم !. حتى إذا قدم الدكتور من عمله انفردت به في غرفتها .. وسردت له أحداث النهار كله ؛ وكيف أنها عانت من أمه وعانت وعانت و... هكذا كان الحال كل يومٍ!!!. كان يعجب أشد العجب إذا سأل أمه عن زوجته : كيف هي ؟ فتثني عليها خيراً ما استطاعت ؛ كل ذلك اتقاء ما يجرح شعوره ويسبب غضبه !. .. نفد صبره .. ونفد (بالدال) إيمانه .. ونفد ما كان في قلبه من بقايا رحمة عاد بها معه من بلاد الغرب على استحياء .. فوقف على رأس أُمّه وهي تغسل ثيابها في (..حوش ) المنزل ! – وتلك الأفعى وراءه بشعرها الطويل المنثور على ظهرها - وقال لها بصوت الآمر : - يا أمي .. إما أن تراعي منصب زوجتي وتستقبلي زميلاتها بثياب حسنة وكلام زين ولا تجلسي معهم في الصالة .. وإلاَّ .... التفتت الأم العجوز ! خلفها وظنت أنه يخاطب أحداً غيرها ؛ فلما لم تجد إلاَّ نفسها في فناء المنزل ؛ علمت أنها هي المقصودة بالكلام لوحدها فأظلمت الدنيا في عينيها .. واتكأت على ما بقي في جسمها من قوة . ودخلت ملحقها الصغير ورمت بنفسها على فراشها ؛ وخبأت رأسها في مخدتها وبكت حتى كاد أن ينشق قلبها ..
* * *
زادت الأفعى في خبثها ؛ وزادت أُذُن الدكتور في سماعها ! . حتى كانت الطامة الكبرى وقاصمة الظهر : - كم مرة قلت لك أن عقلية العجائز هذه لم تعد تناسبنا .. صارت قديمة. . تفهمين؟..حتى التلفون تردين عليه ؟ ..ما بقي شيء ما تدخلتي فيه في هذا البيت النكد ؟! الله يستر عليك نحن لم نعد نصلح لك ؛ ولا أنتِ تصلحين لنا .. - (حملت الأم في يدها كيساً من القماش أودعته ما لديها من ثياب .. وخرجت حتى إذا وقفت بباب القصر المنيف ! التفتت إليه ودموعها تسطع على خديها في ظهيرة تشوي الوجوه) ؛ وقالت : - سامحك الله يا ولدي .. والله ما عملت لكم إلاَّ كل خير أنت وزوجتك .. ووالله ما أذكر أني جرحتها بشيء .. سامحكم الله .. ثم شهقت شهقة ملؤها القهر .. وذهبت إلى حيث لا تعلم . حاول أن يوقظ ضميره فيلحق بها ؛ فمنعته الأفعى .. الرقطاء الجميلة الناعمة الملمس .. فلم يفعل .
* * *
مرت الأشهر ! وهي تساءل عنه ما تبقى من جيرانها ؛ لتعلم هل هو بخير ؛ هل مرض ؛ هل رزق بأطفال ؟! هل .. وكانت تنتقل من هذا الجار إلى هذا إلى ذاك .. وتمكث عند هؤلاء أياماً وعند هؤلاء شهراًًَ .. وهناك أكثر .. تأخذ في حياء شديد ما يقدمونه لها من صدقات .. وكأنها تبلع الجمر الأحمر .. مرض .. دخل المستشفى .. سمعت أمه بالخبر .. استأجرت سيارة الأجرة لتراه .. وجدت الأفعى عند باب غرفته في المستشفى ؛ فأغرت بها الأطباء والممرضات وأنها عجوز مجنونة .. لا عقل لها نخاف على الأجهزة الطبية منها .. فأخرجوها وهي تنتحب .. - أريد أن أراه .. يا ناس هذا ولدي .. حبيبي .. فلذة كبدي .. الله يخليكم لا تحرموني من رؤيته ... خرج من المستشفى ولم يُخبر بزيارة أمه له . أنفق جُلَّ أمواله في علاج مرضه ؛ بل كل ماله ؛ وباع بعض أثاث منزله .. وقفت الأفعى الرقطاء .. في وجهه يوماً على إثر خلاف بينهما لتكثر عليه الطلبات ؛ فلما لم يستجب قالت بصلافة المسترجلات -: صبرت عليك وعلى أمك من قبل .. أنت الآن وللأسف لم تعد رجلاً .. ولا استعداد لدي أكثر من هذا أن أعيش مع فقير مثلك .. طلقني .. هل تسمع .. طلقني .. قال :
كأنها صفعتني على وجهي بيد من حديد ؛ وألقتني في صحراء النفود عرياناً ، طلقها .. وذهب يبحث عن ذكريات قديمة مفقودة .. اسمها ( أمه الحبيبة الغالية .. المظلومة).. طرق باب كل بيت في الحي القديم ؛ وسأل عنها كل جار .. لكن دون جدوى .. بحث عنها في ثلاجات المستشفيات .. في أقسام الشرط .. دون جدوى أيضاً .. أعياه التعب ! حتى ظن أنها قد ماتت .. هام على وجهه بحثاً عنها .. وأيضاً بلا جدوى !، وفي يومٍ .. وفي طريق عودته مر بمسجد الحي القديم ليصلي به صلاة المغرب .. علَّه يجد عنها خبراً لدى جيرانه الأقدمين .. فإذا به يرى منظراً يؤمن لرؤيته الملحدون ويتوب العاصون .. منظراً يقطع أنياط القلوب ويمزق الأحشاء ويستنزف الدموع من العين بالقوة ... ماذا تتوقعون ؟! • إنها أمُّه الحبيبة الغالية (تشحذ) الناس على رصيف المسجد .. وتمد يداً لطالما مدتها إليه في صغره بالريال والخمسة والعشرة ... تماماً كما تُمد إليها أيدي المصلين الآن بالريال والخمسة و.. و.. و .. ولطالما عطفت عليه في صغره وحزنت عليه في غربته في كبره .. واليوم تتسول لتعيش فقد ملت من عطايا وصدقات الجيران وأحست أنها عالةٌ عليهم وأنها أذلت نفسها كثيراً كثيراً .. فلجأت إلى استجداء عباد الله بجوار بيت الله !. ارتمى بين يديها يقبل أقدامها ويديها ويضع قدميها على خديه .. وبكاؤه يشق سماء نجدٍ . منظرٌ يقف الحليم أمامه حيران .. حملها بين يديه .. أمام المصلين وذهب بها يمشي على وجهه إلى منزله .. وهو يردد بصوت متهدج مخنوق بالدموع والحسرات ؛ وجؤاره يملأ الشوارع : - لعنة[3] الله على الزوجة الفاجرة .. وعلى الدكتوراه .. وعلى العمارة .. وعلى الراتب .. وعلى المال ... وعلى من فرق بيني وبين أمي ..
* * *
وذهب يحملها بين ذراعيه وطرف (شماغه ) يخط على الأرض و(عقاله ) على ذراعه اليسرى ..وولى ظهره للدنيا !
* * *
وبعد ... فوالله لقد حاولت جاهداً أن أجد تعليقاً أختم به هذه القصة ؛ فخنقتني العبرة فلم أستطع .. فاقرؤوها هكذا كما هي : من دون تعليق ..![4]
مرضُ أمًّ ، وبنتٌ عاقة :_
أمٌّ تتدهور صحتها يوماً بعد يوم .. وتبحث عن ابنتها لتعطيها الدواء فلا تجدها .. فالبنت مشغولة بشراء فساتين زواجها .. فتتنقل من سوق إلى آخر .. من خياط إلى آخر .. والأمُّّ تصارع الآلام الرهيبة .. تمضي الأيام ثقيلة على الأمَّ .. وثقيلة ً جداً على البنت التي تستعجل يوم فرحها وزواجها ..
اقترب موعد الزواج .. ودنت الأمُّ من سكرات الموت .. حان اليوم المشهود .. ولبست البنت الفستان البيض والأمُّ تنظر بعينٍ كسيرة إلى قماش أبيض ( كفن ) مُعَدٍّ لها في زاوية البيت ..دخلت البنت في نشوة الفرح .. _ والنساء حولها كثير في صالة الأفراح _ فقامت ترقص .. والأمُّ .. ترتفع روحها إلى بارئها .. فحامت روحها على الحفل .. تعاتبهم بهذه الأبيات[5] :_
والسعد من حولكم يشدو به القمـر
في قبضة الموت والأنفـاس تعـتصر
مـوتي ورفرف في أعصابي الكـدرُ؟
قلـبٌ.على جمرة الآهات ينصهـرُ؟
في لحظة الموت ،عينُ اللحن، والـوترُ
وعـاد يـبكي ونـار الحزن تستعر
شـوق إليكم فحامت وهي تحتـضر
فـلم يـر نورها من جـمعكم بصرُ
تـزينـت
فـظنـنتم أنـها قـمر
مـن صـورتي لمعاني شدوكم صور
شـمطـاء يختال في أعطافها الخور ؟
سـهام نكرانـكم كالشهب تنهمر ؟
مـن شـوكة كاد قـلبي عنه ينفطر
إلـي يـدي إذ دنا من نبضها الخصر
وبعـضكم لـرحيلـي كـان ينتظر
كـأنـما لـم يكن لـي بينكم أثـرُ


طاب الغناء وطاب الرقص والسمر ‍
تمـتـعوا بـنعـيم زائـل وأنـا ‍
أحـبتي أيـن أنـتم حين داهمني ‍
أما سـمعتم ندائي حين أرسَلـه ‍
يا ويحـكم شغلتكم عن مرافقتي ‍
تلفّت القلبُ لم يبصر لـكم أثراً ‍
وعند ما نزعت روحي ألمَّ بـها ‍
طافت على حفلكم تبكي مودعةً ‍
أعمت بصائركم أضـواءُ فاسقةٍ ‍
أحـبتي لـو صبرتم ليلة ظهرت ‍
أكان لابد أن تشدو عـلى كفني ‍
أكان لابد أن أقضي وفي كبدي ‍
لو اشتكى بعضكم إذ كنت بينكم ‍
وهـا أنـا مِتُ وحدي لم تُمد يدٌ ‍
أظـنكم قـد مللتم من مرافقتي ‍
فها أنا مِتُ فاشدوا وارقصوا طرباً




[1] - تحقيق الألباني (ضعيف‌)‌ انظر حديث رقم‌:‌ 2329 في ضعيف الجامع‌.‌

[2] - العقوق : خولة درويش .. البيان : عدد 27/ رمضان / 1410هـ .

[3] - على أنه لا ينبغي اللعن إلا على من يستحقه ، لكن القصة جاءت هكذا .

[4] - هذا المقال كتبته قبل سنوات ونشر في جريدة المدينة ، ومواقع كثيرة جداً في الإنترنت .

[5] - للشاعر الفذ الأستاذ / حسن بن محمد الزهراني نشرت في مجلة الغرفة التجارية بمنطقة الباحة قبل سنوات ..


 
مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 02/11/2009, 12:05 PM   #5
المؤسس والمشـــرف العــــام


صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



0 موت أمًّ : ( صورة رمزية ) ..
لا أريد أن أوذى أسماعكم أحبتى فى الله بصور من العقوق، غير أن أقسى صورة من صوره وأشدها إيلامًا صورة هذا العاق الذي يقتل أمه لحفنة من المال، والأكثر إيلاما هو توجع القلب المحزون قلب الأم الذي قتله ولدها . . استمع معي إلى هذه القصة الرمزية[1] :
بنقوده كـى ما ينـال بـه الوطـر
ولك الجواهـر والـدراهـم والـدرر
والقلبَ أخرجه وعاد على الأثر
فتدحرج القلـب الـمقطـع إذ عثـر
ولدى حبيبى هل أصابـك مـن ضـرر؟
غضبُ السماء عـلى الغلام قد انهمر
ولـدٌ سـواه ، منـذ تـاريـخ الـبشر
فـاضـت به عيناه من سيل العبر
تغفر ، فإن جريمتى لا تغتفر
طعنـا فيبقى عبرة لمن اعتبر
تطعـن فؤادى مـرتين علـى الأثـر
.







أغرى امرؤ يومًا غلامًا جاهلاً ‍
قال ائتنى بفؤاد أمك يا فتى ‍
فمضى وأغرز خنجرًا فى صدرها ‍
لكنه من فرط سرعته هوى ‍
ناداه قلب الأم وهو معفرٌ ‍
فكأن هذا الصوت رغم حنوه ‍
فدرى فظيعَ جنايةٍ لم يجنها ‍
فارتد نحو القلب يغسلـه بمـا ‍
ويقـول: يا قلـب انـتـقـم منـى ولا ‍
فـاستـل خنجـره ليطعـن قلبـه ‍
ناداه قلب الأم كف يداً ولا




* * *
فالله تعالى يقول لعد ذلك " إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا" لماذا قال الله تعالى "أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا "؟! لم لم يقل الله " أحدهما " ويسكت ؟! – وهذا لفظٌ لا بأس به - .. تابع القراءة !
أيها الولد .. إذا بلغ الوالدان عندك- أنت - أو أحدهما الكبر ، فلا تظن أن ذلك أمرٌ يُثقلُك ويُضجرك ! بل يجب عليك الاهتمام بكل واحد منهما على سبيل الاستقلال .. لأن من الناس من تجده يتمتع بعلاقةٍ جيدة مع أبيه .. بينما يعيش في صراع في علاقته بأمه ، فيتنبّه الأبُّ لهذا الأمر فيأمر ابنه بالخضوع لأمر أمَّه .. وأنها تعبت عليك وربَّتْك وفعلتْ .. وفعلتْ .. فيأتي الولد ليبرَّ أُمَّه طاعةً لأبيه .. وأحياناً قد يكون العكس .. بأن تكون علاقته بأمه طيبه ، وعلاقته بأبيه سيئة .. فتحمله أمُّه على البَّر بأبيه .. الله تعالى لا يريد هذا .. بل مراد الله عز وجل .. أن تبرَّ بهما في حال اجتماعهما .. أو انفرادهما .. فلهذا _ والله تعالى أعلم _ قال الله " أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا " .
* * *
ثم قال الله جل وتعالى " فلا تقلَّ لهما أفٍ ولا تنهرهما " .. من يصدق أن كثيراً من أبناء زماننا ، من أرباب تربية القنوات الفضائية ، والمدارس الخاوية على عروشها إلاَّ من جدرانٍ تقي من الحرَّ والبرد فحسب ، وليس بين أروقتها مبادئ أخلاقية _ إلاّ قليلاً جداً _ من يصدق أن هؤلاء ، منهم من أصبح ينتقد أباه علناً ويصفه بعدم الفهم ، ومنهم من يرفع صوته فوق صوت أبيه ، ومنهم من ينظر إليه شزراً بنظرات تكاد تخسف به الأرض _ نسأل الله العافية _ وقل مثل ذلك عن الأمَّ الضعيفة مكسورة الجناح.
ولو علم الله تعالى كلمة هي أقسى من هذا الكلمة ( أف ) على قلب الأب والأم لجعلها في القرآن .. هي كلمة مكونة من حرفين .. ومعناها في اللغة ( أتضجر ) ...
أما في المدركات الحسية فللعلماء فيها أقوال ، بعضها يدل على أنها : وسخ الآذان ، أو الأظفار ، أو اقذاة التي ترفعها من الأرض . أي أنها أمور حقيرة فيما يدرك بالحس .
* * *
إن مراعاة مشاعر الوالدين لمن أعظم القربات إلى الله تعالى للأعتبارات السابقة ..
لكن .. هل يفقه الأبناءُ والبناتُ ، في زمن العقوق هذا؟! إني لأعجب من شابٍ ظاهِرهُ الالتزامُ .. يكيل الإهانات لوالديه صباح مساء ، وينتقي أشنع الألفاظ وأقبحها ليفرغها في وجهيهما عند أقلَّ خلافٍ ؟ هذا لا خير فيه أبداً . وقد يرنّ جرس الهاتف أثناء كلامه القاسي مع أبيه أو أمَّه فيقوم بالرد على الهاتف فيجده أحد أصدقائه .. فيتلطف معه في الكلام ..:
-" يا أهلاً وسهلاً ... جزاك الله خيراً .. بارك الله فيك .. وفقنا الله وإياك لكل خير... "
فيستغرب أبوه وأمه هذا الكلام اللين الجميل مع الغَريب فيقولون : أين نحن من هذه الألفاظ العذبة الجميلة ؟! وهذه الأخلاق العالية لا نراها في هذا البيت المنكود؟! .. فيعيشان في قلقٍ وترقبٍ دائمين ..يتمنيان خروجه من البيت ليَسلما من سلاطةِ لسانه .. وفي الوقت نفسه يخافان عليه من الأذى إذا خرج .. فهما بين خوفٍ وهمٍّ _ ...
بينما تراه أمام رئيسه في العمل صاغراً ذليلاً ، مطأطيء الرأس ؛ أنفه في الأرض ، هذا لا خير فيه .. ولا خير في امريء يكون احتفاؤه واهتمامه بالناس ويحرم أباه وأُمَّه من تلك المعاني الإسلامية الإنسانية العظيمة .. بل التي يعرفها كرماءُ العرب وأصحابُ الشيم قبل أن يكونوا مسلمين ! ...
بل ترى أحدهم ينظر إلى أبيه أو أمه نظرات الازدراء من أعينٍ يتطاير منها الشرر _ نسأل الله السلامة _ ..ويتبعها بكلماتٍ من نار تشمئز منها النفوس .. وهذا يذكرنا بشكوى ذلك الرجل الذي يشكو ولده العاق بكلمات تكاد تقطر دماً وحزناً ، وتشعر وأنت تقرؤها أن نياط قلبك تتمزق ، ولا تكاد تملك عينيك من البكاء .. فيقول :
تعل بما أجني عليك وتنهل
لشكواك إلا ساهرا أتململ
طرقت به دوني وعيني تهمل
لتعلم أن الموت وقت مؤجل
إليها مدى ما كنت فيك أؤمل
كأنك أنت المنعم المتفضل
فعلت كما الجار المجاور يفعل
علي بمالي دون مالك تبخل
برد على أهل الصواب موكل



غذوتك مولودا ومنتك يافعا ‍
إذا ليلة نالتك بالشكو لم أبت ‍
كأني أنا المطروق دونك بالذي ‍
تخاف الردى نفسي عليك وإنها ‍
فلما بلغت السن والغاية التي ‍
جعلت جزائي غلظة وفظاظة ‍
فليتك إن لم ترع حق أبوتي ‍
فأوليتني حق الجوار ولم تكن ‍
تراه معدا للخلاف كأنه




* * *

فجاء النهي العظيم عن قول " أفٍ[2]" ومن باب أولى .. رفع الصوت فوق صوتيهما ..فهذا حرامٌ .. ومثله بل أعظم منه ..رفع اليد وهزها في وجه الوالد أو الوالدة .. أو الإشارة إليهما بالأصابع أو تقطيب الجبين أثناء الحديث معهما !! أو النهر والزجر أو إسداء النصيحة إليهما على سبيل التعالي .. أو أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر على سبيل الإغلاظ عليهما ولسنا بصدد بيان أحكام الاحتساب عليهما فلها كتب بينتها بالتفصيل..أو تجد أحدهم يحدّ النظر إلى أبيه وأمه بطريقة عجيبة تكاد تخسف بهما الأرض والعياذ بالله .
وأولى بالتحريم من قول " أفٍ" .. الضرب[3]!! نسأل الله العافية .
والله لقد حُدثت قبل كتابة هذه الكلمات بأسبوعين عن رجل يضرب أمَّه في حي من أحياء القاهرة يعرفه من حدثني عنه ، بل أرانيه يمشي في الشارع تعلو وجهه غبرة وظلمة فتعوذت بالله من الشيطان الرجيم عندما رأيته ...وآخر يضرب أمّه " بالعقال"[4] على ظهرها هنا في الدمام .. إني ليقشعر جلدي من سماع هذه القصص .
ولم أشأ أن أنقل أخبار من قتل أمه وأُعلن ذلك في بيان لوزارة الداخلية السعودية أو الذي حَمَلت منه أمّه _ لا إله إلا الله _ ... وكان يتعاطى المخدرات .. أو الذي تركها بجوار أسواق الراشد الضخمة في الخبر .. ولم يعد لها وهي تنتظر عودته وتظن أن هذا السوق هو المستشفى .... إلخ .
* * *
أثناء كتابة هذا الفصل .. قدر الله تعالى أن ألتقي بعجوز بيننا وبينها نسبٌ .. فصعقت عندما أخذت تشكو عليَّ ظُلم ابنها وهو موظفٌ برتبةٍ عسكريةٍ .. زوّجتْه أمُّه .. قريبةً لها .. ثم قَلبَا لها ظهر المِجنَّ .. فتطاول على أمَّه بأقذع الألفاظ والشتائم رضىً لزوجته ! فلم يكفهِ ذلك حتى رفع يده ولَطمَها على خدها الذي طالما أغرقته بالدموع بكاءً عليه إذا مرض وإذا سافر وإذا بكى .. واليوم يتلقى هذا الخد الحبيب صفعة من يدٍ لطالما وُضعت عليه إذ كانت صغيرة ... وتحسسته ..
قد لا تصدقون أنني خنقتني العبرة وهي واقفة تشكو عليَّ ابنها حتى ألجمتني فلم أدر ما أقول ! ..
أهذا جزاؤها إذ حضنته وأكرمته ؟! واختارت له زوجةً كانت سبباً في عقوقه لأمه .. قبحه الله ..
{ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ }[5] كيف يصل بأحدهم الحال إلى هذه الدركات الخسيسة ، وقد جاء في الحديث : فيما ( روي ) عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل به البلاء ‌:‌ إذا كان المغنم دولا و الأمانة مغنما و الزكاة مغرما و أطاع الرجل زوجته و عق أمه و بر صديقه و جفا أباه و ارتفعت الأصوات في المساجد و كان زعيم القوم أرذلهم و أكرم الرجل مخافة شره و شربت الخمور و لبس الحرير و اتخذت القينات و المعازف و لعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء أو خسفا أو مسخاً )‌[6]
* * *
بين الأم والزوجة :
لم أشأن أن أزعج أسماعكم بتلك المصائب .. لكنني تذكرت موقفاً نتجلى فيه روعة البرَّ وجمال الإيمان وحسن التصرف _ كي أمحو من ذاكرة القاريء والقارئة الكريمين صور العقوق وليعلم أن مجتمعنا لا يزال بخير _ ... قالت إحدى الأخوات :_
جزى الله زوجي عني خير الجزاء .. إذ لمَّا رآني تبدر مني كلمات يُفهم منها تضجري من أمَّه العجوز .. وأحس بجفوة وفجوة بيني وبينها .. لم يتكلم .. ولم يحاول أن يجرح مشاعري أو يعقَّ أمَّه .. فما كان منه إلاَّ أن قال لي .. هيا بنا إلى السوق .. لنشتري هديةً لامرأةٍ تعرفينها .. أريد أن تقومي أنت باختيارها .. ألححت عليه في معرفتها فأبى .. فدفع إليَّ مبلغ 5000 ريال فقال : اشتري ذهباً .. فلما عدنا إلى البيت سألته عن هذه المرأة التي ستقدم لها الذهب .. فقال : إنها أمي ! فاستأت من ذلك ولم أتكلم .. لكنني قلت في نفسي مادام أن المال منه .. فلماذا لا أكسب أنا الجميل فلم أخسر شيئاً فلما دخلنا .. قعدت بين يدي هذه الأمَّ .. وقلت لها : يا والدة .. هذه هدية بسيطة نقدمها لك .. لاحتمال أن نكون قد قّصرنا معك .. أو أسأنا إليك .
فقالت الأمُّ : لا أريد منكم شيئاً .. إذا كنتم بخير فأنا بخير ..
ففتحتُ علبة الذهب .. فلما رأته .. سالت دموعها عن خديها .. فانهرت أنا على قدميها أقبلها وأبكي وأحسست بأنها أمي بدل أمي التي ماتت وأنا صغيرة .. فتبدل حالنا في البيت بفضل الله تعالى ثم بفضل زوجي وإخلاصه وحسن تصرفه .
* * *
فالتعامل مع الأم يحتاج إلى فَنًّ راقٍ .. وذكاءٍ وفطنة .. قل لامرأتك : أنا طريقك إلى الجنة ، وأمي طريقي إلى الجنة فأطيعيني حتى تدخلي الجنة .. وأعينيني على طاعة أمي حتى ندخل الجنة .. أفْهِمها أن هناك أموراً قد لا تَحسِبُ لها حساباً .. لكنها تعني الشيء الكثير عندك أمك! .
مثلاً : ركوب السيارة .. لماذا تُركبها في الأمام .. وُتركب أمَّك في الخلف .. ألم تعلم أن ذلك يجرح مشاعر الأم ؟! ألا تعلم أن أمك امرأة !، ولها غيرة ؟ أم تظن أن الغيرة إنما تكون بين الزوجة وضرتها فحسب ؟! ألم أقل لك إنها أمور قد تبدو لنا صغيرة لكنها عند الأم كبيرة ..
وإذا جئت بهديةٍ لزوجتك فلا تجعل لها نصيب الأسد وتجعل للأمَّ نصيب الخادمات .. بل اجعلها هي التي تتخير ما تريد .. أو على الأقل إئت بشيءٍ مماثل .. وحاولا أن تشعرا الأمَّ بأنها هي المقصودة أولاً بتلك الهدايا.. وانظر بعدها كيف أنها لن تستأثر بشيء بعد ذلك وستكبر منك هذا التصرف .
* * *
ومن جهة النفقة عليهما ، فإن الواجب تفقد أحوالهما ، فلربما كانا محتاجين وعفيفين ، يمنعهما الحياء من الطلب ، وقد لا يتنبه الأبناء لذلك .
أو لربما كانا موسرين ولكن لا مانع من إعطائهما .فهذا شاب يسأل الأستاذ الدكتور: رفعت فوزي :
والدي ووالدتي حالتهما المادية جيدة جداً، وعندما أذهب إليهما أرى كثيراً من الإسراف على أمور غير ضرورية، ويطلبان مني أن أعطيهما مالاً شهرياً، ويصرفانه في معظم الأحيان على بعض إخوتي مع أنهم موظفون، وللأسف يُصرف على كماليات، وحين أتأخر عن إعطائهما المال يغضبان! فما رأي فضيلتكم؟ وجزاكم الله خيرا..
ج . أرى ألا تغضب أبويك، وأرى أن تصلهما، إذا كنت تستطيع أن تعطيهما ما يطلبان منك من المال، وكان معك فضل عن حاجتك، فلا بأس بأن تعطيهما بصرف النظر عن كيفية إنفاق هذا المال طالما أنه ليس في أمر مقطوع بحرمته؛ صلةً للرحم، أما إذا كنت لا تقدر أي ليس هناك ما يفيض لديك، ويمكنهما واقعاً وعملاً أن يستغنيا عما تعطيه لهما؛ فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وحاول ألا تغضبهما، فإن في هذا قطعاً لصلة الرحم، ولا ينبغي أن تعلل بكونهما ينفقان الأموال في أمور غير ضرورية، ما دمت تعطيهما ما يطلبان، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة: "أنت ومالك لأبيك"[7] وأيضا قال صلى الله عليه وسلم لوالد وولد "أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه"[8] هذا إذا كان سيضر أحدكما الآخر، فإذا لم يكن هناك ضرر من إعطائهما ما يحتاجان، فلا بأس. والله تعالى أعلم . [9]

نصائح عاجلة سريعة :
أولاً : دور الابن الزوج: مما يعين الابن الزوج على التوفيق بين والديه وزوجته ما يلي:
أ - مراعاة الوالدين وفهم طبيعتهما: وذلك بألا يقطع البر بعد الزواج، وألا يبدي لزوجته المحبة أمام والديه - خصوصا إذا كان والداه أو أحدهما ذا طبيعة حادة -.
لأنه إذا أظهر ذلك أمامهما أوغر صدورهما، وولد لديهما الغيرة خصوصا الأم.
كما عليه أن يداري والديه، وأن يحرص على إرضائهما، وكسب قلبيهما.
ب - إنصاف الزوجة: وذلك بمعرفة حقها، وبألا يأخذ كل ما يسمع عنها من والديه بالقبول، بل عليه أن يحسن بها الظن، وأن يتثبت مما قال.
ج - اصطناع التوادد: فيوصي زوجته - على سبيل المثال - بأن تهدي لوالديه، أو يشتري بعض الهدايا ويعطيها زوجته؛ كي تقدمها للوالدين - خصوصا الأم - فذلك مما يرقق القلب، ويستل السخائم، ويجلب المودة، ويكذب سوء الظن.
و - التفاهم مع الزوجة: فيقول لها - مثلا - إن والديَّ جزء لا يتجزأ مني، وإنني مهما تبلد الحس عندي فلن أعقهما، ولن أقبل أي إهانة لهما، وإن حبي لك سيزيد وينمو بصبرك على والدي، ورعايتك لهما.
كذلك يذكرها بأنها ستكون أما في يوم من الأيام، وربما مر بها حالة مشابهة لحالتها مع والديه؛ فماذا يرضيها أن تعامل به ؟
كما يذكرها بأن المشاكسة لن تزيد الأمر إلا شدة وضراوة، وأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، وهكذا
ثانيا: دور زوجة الابن: أما زوجة الابن فإنها تستطيع أن تقوم بدور كبير في هذا الصدد، ومما يمكنها أن تقوم به أن تؤثر زوجها على نفسها، وأن تكرم قرابته، وأن تزيد في إكرام والديه، وخصوصا أمه؛ فذلك كله إكرام للزوج، وإحسان إليه.
كما أن فيه إيناسا له، وتقوية لرابطة الزوجية، وإطفاءا لنيران الفتنة.
وإذا كان الزوج أعظم حقا على المرأة من والديها، وإذا كان مأمورا - شرعا - بحفظ قرابته، وأهل ود أبيه؛ تقوية للرابطة الاجتماعية في الأمة - فإن الزوجة مأمورة شرعا بأن تحفظ أهل ود زوجها من باب أولى؛ لتقوية الرابطة الزوجية.
ثم إن إكرام الزوجة لوالدي زوجها - وهما في سن والديها - خلق إسلامي أصيل، يدل على نبل النفس، وكرم المحتد.
ولو لم يأتها من ذلك إلا رضا زوجها، أو كسب محبة الأقارب، والسلامة من الشقاق والمنازعات، زيادة على ما سينالها من دعوات مباركات.
كما أن على الزوجة الفاضلة ألا تنسى - منذ البداية - أن هذه المرأة التي تشعر أنها منافسة لها في زوجها - هي أم ذلك الزوج، وأنه لا يستطيع مهما تبلد فيه الإحساس أن يتنكر لها؛ فإنها أمه التي حملته في بطنها تسعة أشهر، وأمدته بالغذاء من لبنها، وأشرقت عليه بعطفها وحنانها، ووقفت نفسها على الاهتمام به حتى صار رجلا سويا.
كما أن هذه المرأة أم لأولادك - أيتها الزوجة - فهي جدتهم، وارتباطهم بها وثيق؛ فلا يحسن بك أن تعامليها كضرة؛ لأنها قد تعاملك كضرة، ولكن عامليها كأم تعاملك كابنة، وقد يصدر من الأم بعض الجفاء، وما على الابنة إلا التحمل، والصبر؛ ابتغاء المثوبة والأجر.
فإذا شاع في المنزل والأسرة أدب الإسلام، وعرف كل فرد ماله وما عليه سارت الأسرة سيرة رضية، وعاشت - في أغلب الأحيان - عيشة هنية.
واعلمي - أيتها الزوجة - أن زوجك يحب أهله أكثر من أهلك، ولا تلوميه في ذلك؛ فأنت تحبين أهلك أكثر من أهله؛ فاحذري أن تطعنيه بازدراء أهله، أو أذيتهم، أو التقصير في حقوقهم؛ فإن ذلك يدعوه إلى النفرة منك، والميل عنك.
إن تفريط الزوجة في احترام أهل زوجها تفريط في احترام الزوج نفسه، وإذا لم يقابل ذلك - بادي الرأي - بشيء فلن يسلم حبه للزوجة من الخدش، والتكدير.
ثم إن الرجل الذي يحب أهله، ويبر والديه إنسان فاضل كريم صالح جدير بأن تحترمه زوجته، وتجله، وتؤمل فيه الخير؛ لأن الرجل الذي لا خير فيه لوالديه لا يكون فيه - غالبا - خير لزوجة، أو ولد، أو أحد من الناس.
وإذا كنت - أيتها الزوجة - راضية عن عقوق الزوج لوالديه، وعن معاملتك السيئة لهما - فهل ترضين أن تعامل أمك بمثل هذه المعاملة من قبل زوجات إخوانك ؟
بل هل ترضين أن تعاملي أنت بذلك من زوجات أولادك إذا وهن منك العظم، واشتعل الرأس شيبا ؟
وأخيرا فإن موقف الزوجة الصالحة في إعانة زوجها على البر كفيل في كثير من الأحيان - بعد توفيق الله في حل المشكلات، وتسوية الأزمات، وجمع الشمل، ورأب الصدع؛ لأن الوالدين عندما يشهدان الحب الصادق، والحنان الفياض من زوجة ابنهما - فإنهما سيحفظان ذلك الجميل.
هذا وقد أرانا العيان أن كثيرا من الوالدين يحبون زوجات بنيهم كحبهم لبناتهم، أو أشد حبا.
وما ذلك إلا بتوفيق الله، ثم بحكمة أولئك الزوجات، وحرصهن على حسن المعاملة لوالدي الأزواج.
ومما يعين الزوجة على التسلل إلى قلوب والدي الزوج - زيادة على ما مضى - أن تصبر على الجفاء، وأن تستحضر الأجر، وأن تنظر في العواقب. ومن ذلك أن تبادرهما بالهدية، وأن تحرص على حسن المحادثة والاستماع لحديث الوالدين، وأن تتلطف بالكلام، وإلقاء السلام، وحسن التعاهد.
ومن ذلك أن توصي زوجها بمراعاة والديه، وبألا يشعرها بأن قلبه قد مال عنهما كل الميل إليها.
ومن ذلك أن ترفع أكف الضراعة إلى الله؛ كي يعطف قلوب الوالدين إليها، وأن يعينها على حسن التعامل معهما.
فيا أيتها الزوجة الكريمة استحضري هذه المعاني، ولك ثناء جميل، وذكر حسن في العاجل، وأجر جزيل، وعطاء غير مجذوذ في الآجل
ثالثا: دور أم الزوج:
فمن الأمهات - هداها الله - من توقع ابنها في الحرج دون أن تشعر؛ فهي تحبه، وتحرص على إسعاده، وربما سعت جاهدة في الخطبة له، وتزويجه.
ولكن سوء تصرفها قد يجلب لها ولابنها الضرر؛ لأن الابن إذا تزوج شعرت أمه بأنه قد خطف منها، وأن قلبه قد مال عنها؛ فتحرص أن يعود لها - ومن الحب ما قتل - فما تزال به توغر صدره على زوجته، وتحرك فيه نوازع العزوف عنها، وربما زينت له طلاقها، ووعدته بأن تبحث له عن خير منها، مع أن الزوجة قد تكون على درجة من الخلق، والجمال، ونحو ذلك.
ومن الأمهات من إذا رأت ابنها مسرورا مع زوجته، أو رأت منه إكراما لها - ثارت نيران الغيرة في قلبها، وربما سعت إلى ما لا تحمد عقباه.
ومن الأمهات من هي قاسية في التعامل مع زوجة ابنها؛ فتراها تضخم المعايب، وتخفي المحاسن، وقد تفتري على الزوجة، وقد تذهب كل مذهب في تفسير التصرفات البريئة، وتأويل الكلمات العابرة.
فيا أيتها الأم الكريمة، يا من تحبين ابنك، وترومين له السعادة - لا تكوني معول هدم وتخريب، ولا تجعلي غيرتك نارا موقدة تحرق جو الأسرة، ولا تستسلمي للأوهام التي ينسجها خيالك؛ فتعكري الصفو، وتثيري البلابل؛ فلا تجعلي علاقتك بزوجة ابنك علاقة الند بالند، والضرة بالضرة، بل كوني لها أما تكن لك ابنة؛ فيحسن بك أن تحبيها، وأن تتغاضي عن بعض ما يصدر منها، وإذا رأيت خللا بادرت إلى نصحها بلين ورفق، حينئذ تسعدين، وتسعدين.
بل يحسن بك أن تتوددي إليها بالهدية ونحوها، وأن تسعيها بقلبك الكبير وحنانك الفياض، ودعائك الخالص، وثنائك الصادق، والله يتولاك برعايته، ويمدك بلطفه[10] .

* * *
فالله تعالى يقول :{ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }(23) ..
إن المؤمن الموفق هو من وفقه الله لحسن التخاطب مع الوالدين .. واختيار أجمل الألفاظ وأرق العبارات .. فبعضهم يختار أفضل العبارات لكنه يؤديها بطريقة مكهربة تجعل من يسمعه يفهم منها لغة التهديد ..
سؤال : ما رأيكم في كلمة ( جزاك الله خيراً ) أو كلمة ( طيب .. يصير خيراً إن شاء الله ) أو كلمة (..إن شاء الله ) ؟ !
أعرف أنكم ستقولون إنها كلمات طيبة بلا شك .. لكنني أريد منكم أن تلفِظوا كل عبارة من العبارات السابقة بطريقة فيها تهديد وبلهجة غضبة وانظروا في المرآة أثناء نطقها ! لتعلموا أن الله تعالى أمرنا بأن نختار أجمل العبارات ونكون كرماء في أدائها .. ولذلك قال " وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) " .
* * *
ما أجمل قول أحد الإخوة وهو مهندس سِنُّهُ في الأربعين .. إذا خاطب أباه .. لا يخاطبه إلاَّ بقوله : يا أبتِ .. دائماً والله ويقولها دون تكلف .. ويتبع ذلك بالدعاء لأبيه .. وأبوه أعلمه أسعد الناس معه .
ومن الأمور التي يمتعض منها الإنسان السوي إذا سمعها ، قولُ بعض الأبناء لآبائهم :
جاء الشيبة ، أو الشايب .. أو سأذهب إلى العجوز .. وهكذا .. يعني بذلك أباه وأمه ! إني لأسأل :
هل هذا من القول الكريم ؟
وهل تحب من أولادك أن يصفوك إذا تقدم بك السن بمثل ما تصف به أباك وأمك اليوم ؟

* * *
وما أجمل أن تقول _ ولا سيما في المناسبات السعيدة كالأعياد الشرعية مثلاً _ ...
يا والدي جزاك الله خيراً ، ويا والدتي أطال الله في عمرك ، لقد ربيتمونا وتعبتم علينا ، وهانحن كبرنا ولكننا نعتبر أنفسنا أمامكم أطفالاً صغاراً ، نتشرف بخدمتكم ، ونفتخر بأمركم لنا وتوجيهاتكم .. انظر بعدها إلى البشر والسرور في وجهيهما ،بل إلى دموع الفرح تنهال من أعينهما .
خذ هذه القصة من معين السيرة النبوية لأبي هريرة رضي الله عنه مع أمه رضي الله عنهما :
هذا الغلام الدوسي ، والبار بأمه ، أبو هريرة رضي الله عنه ، وخبره وقصته في دعوة أمه جاءت في صحيح مسلم وغيره ، (( حيث قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما أكره ، فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ، وأنا أبكي، قلت يا رسول الله: إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليَّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم (أبي هريرة ) ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ( اللهم اهد أم أبي هريرة ) فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله(صلى الله عليه وسلم) ، فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي، فقالت : مكانك يا أبا هريرة – و اغتسلت وقالت أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً رسول الله، فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وأنا أبكي من الفرح، قال فقلت: أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى الله أم ( أبي هريرة) ، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً )) [11]
ومن أخلاق أبي هريرة العالية ، التي بوأته المكانة السامية ، كثرة برّه بأمه وملازمته إياها ، فإنه رضي الله عنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " للعبد المملوك المصلح أجران [12]" قال : والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله ، والحج ، وبرّ أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك .
قال سعيد بن المسيب : وبلغنا أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها . ومن بره بأمه أيضاً ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه تمرتين ، قال أبو هريرة : فأكلت تمرة وجعلت تمرة في حِجري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة لم رفعت هذا التمرة ؟ فقلت : لأمي ، فقال : كلها فإنا سنعطيك لها تمرتين ، فأكلتها وأعطاني لها تمرتين .
وعن أبي مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب: " أنه ركب مع أبي هريرة إلى أرضه بـ ( العقيق ) فإذا دخل أرضه صاح بأعلى صوته:
عليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أماه.
تقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
يقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرا.
فتقول: يا بني ! وأنت فجزاك الله خيرا ورضي عنك كما بررتني كبيرا "
* * *

[1] - قبس من نور النبوة لأخينا الفاضل وأستاذنا الشيخ الدكتور / عبد الرحمن إبراهيم فودة أستاذ البلاغة والنقد بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة .

[2] - َقَالَ مُجَاهِد : مَعْنَاهُ إِذَا رَأَيْت مِنْهُمَا فِي حَال الشَّيْخ الْغَائِط وَالْبَوْل الَّذِي رَأَيَاهُ مِنْك فِي الصِّغَر فَلَا تَقْذُرهُمَا وَتَقُول أُفّ . الجامع لحكام القرءان .. فرحم الله مجاهداً : كيف لو علم بصور العقوق اليوم ماذا سيقول ؟!.

1_ خلافاً للظاهرية الذين قالوا بجواز الضرب لعدم النص عليه في القرآن ..أليس هذا عجيباً !

[4] - اللباس الأسود على الرأس عندنا في دول الخليج باستثناء ( عُمان ) ! .

[5] - يس (30) .

[6] - (‌ضعيف‌)‌ انظر حديث رقم‌:‌ 608 في ضعيف الجامع‌.‌


[7]- تحقيق الألباني ‌(‌صحيح‌)‌ انظر حديث رقم‌:‌ 1486 في صحيح الجامع‌.‌

[8] - تحقيق الألباني ‌(‌صحيح‌)‌ انظر حديث رقم‌:‌ 1317 في صحيح الجامع‌.

[9]- فتوى الأستاذ الدكتور : رفعت فوزي . موقع إسلام أون لاين .

[10] - مقتبس من موقع الإسلام ( مرجع سابق ) .

[11] - ( صحيح مسلم ح 2491 ح4/1939 ). من مقال للشيخ د / سليمان العودة عن دعوة الأقربين .

[12] - تحقيق الألباني ‌(‌صحيح‌)‌ انظر حديث رقم‌:‌ 5185 في صحيح الجامع‌.‌


 
مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 02/11/2009, 12:06 PM   #6
المؤسس والمشـــرف العــــام


صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



نماذج من بر السلف
القصص الجميلة التي تدل على برّ السلف رضي الله عنهم بآبائهم وأمهاتهم كثيرة،خذ هذه النماذج :
1 - وهذا ابن عمر - رضي الله عنهما - لقيه رجل من الأعراب بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه.
قال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب، وهم يرضون باليسير.
فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان ودا لعمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه ) .
2 - وعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لي: (دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، فقلت: من هذا ؟ قالوا: حارثة ابن النعمان، كذلكم البر، كذلكم البر، وكان أبر الناس بأمه ) [1].
3 - وعن أبي عبد الرحمن الحنفي قال: رأى كهمس بن الحسن عقربا في البيت فأراد أن يقتلها، أو يأخذها، فسبقته، فدخلت في جحر، فأدخل يده في الجحر ليأخذها، فجعلت تضر به، فقيل له ما أردت إلى هذا ؟ قال: خفت أن تخرج من الجحر، فتجيء إلى أمي، فتلدغها
4 - وهذا أبو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو المسمى بزين العابدين، وكان من سادات التابعين - كان كثير البر بأمه، حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولا نراك تؤاكل أمك، فقال: أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها "
5 - قال هشام بن حسان: " حدثتني حفصة بنت سيرين، قالت: كانت والدة محمد بن سيرين حجازية، وكان يعجبها الصبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوبا اشترى ألين ما يجد، فإذا كان عيد صبغ لها ثيابا، وما رأيته رافعا صوته عليها، كان إذا كلمها كالمصغي " .
وعن بعض آل سيرين قال: " ما رأيت محمد بن سيرين يكلم أمه قط إلا وهو يتضرع.
وعن ابن عون أن محمدا كان إذا كان عند أمه لو رآه رجل ظن أن به مرضا من خفض كلامه عندها "
وعن ابن عون قال: " دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه فقال: ما شأن محمد ؟ أيشتكي شيئا ؟ قالوا: لا؛ ولكن هكذا يكون عند أمه " .
6 - " روى جعفر بن سليمان عن محمد بن المنكدر أنه كان يضع خده على الأرض، ثم يقول لأمه: قومي ضعي قدمك على خدي " .
7 - وعن ابن عون المزني : "أن أمه نادته، فأجابها، فعلا صوته صوتها فأعتق رقبتين " .
8 - وقيل لعمر بن ذر: كيف كان بر ابنك بك ؟ قال: ما مشيت نهارا قط إلا مشى خلفي، ولا ليلا إلا مشى أمامي، ولا رقى سطحا وأنا تحته "
9 - وحضر صالح العباسي مجلس المنصور، وكان يحدثه، ويكثر من قوله: ( أبي رحمه الله ) فقال له الربيع: لا تكثر الترحم على أبيك بحضرة أمير المؤمنين. فقال له: لا ألومك؛ فإنك لم تذق حلاوة الآباء.
فتبسم المنصور، وقال: هذا جزاء من تعرض لبني هاشم
10 - ومن البارين بوالديهم بندار المحدث، قال عنه الذهبي: " جمع حديث البصرة، ولم يرحل، برا بأمه "
قال عبد الله بن جعفر بن خاقان المروزي: " سمعت بندارا يقول: أردت الخروج - يعني الرحلة لطلب العلم - فمنعتني أمي، فأطعتها، فبورك لي فيه "
11 - وقال الأصمعي: حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت أطلب أعق الناس وأبر الناس، فكنت أطوف بالأحياء، حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل، في الهاجرة والحر الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء - حبل - من قد ملوي يضربه به، وقد شق ظهره بذلك الحبل. فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف ؟ أما يكفيه ما هو فيه من مد هذا الحبل حتى تضربه ؟
قال: إنه مع هذا أبي، قلت: فلا جزاك الله خيرا.
قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه، وكذا كان أبوه يصنع بجده، فقلت: هذا أعق الناس.
ثم جلت حتى انتهيت إلى شاب وفي عنقه زبيل فيه شيخ كأنه فرخ، فكان يضعه بين يديه في كل ساعة فيزقه كما يزق الفرخ، فقلت: ما هذا؛ قال: أبي وقد خرف، وأنا أكفله، قلت: هذا أبر العرب .
12 - وكان طلق بن حبيب من العباد والعلماء، وكان يقبل رأس أمه، وكان لا يمشي فوق ظهر بيت وهي تحته؛ إجلالا لها .
13 - وقال عامر بن عبد الله بن الزبير: " مات أبي فما سألت الله حولا كاملا إلا العفو عنه ".[2]

* * *


بر العلماء بأمهاتهم وآبائهم
العلماء ورثة الأنبياء، ورثوا العلم والنور والسمت والهدي الكريم! امتثلوا أمرالله عز وجل : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } الإسراء (24).. وتأسوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قالعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما سألت النبي صلى الله عليه وسلم: "أي العمل أحب إلىالله؟ قال: الصلاة في وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله". "رواه البخاري ومسلم". ولأهمية بر الوالدين وقد تفلت من أيديالناس ووصل الأمر إلى أشد أنواع العقوق، لعل في ذكر بعض أحوال أهل العلم مع آبائهموأمهاتهم ما تقر به العين، وتفرح به النفس، تأسيا وقدوة ومنهجا وأسوة مع أنهم منأكثر الناس انشغالا، ولديهم من الهموم للناس والأمة الكثير!.
الشيخ العلامة حمود بنعبدالله التويجري - رحمه الله - مع مكانته العلمية والاجتماعية كان بارا بوالدتهبرا عجيبا، وكان يتفقد أمورها ويتابع أحوالها ولم يسمح لأحد أن يقوم بمهام والدتهعنه مع وجود الأبناء والأحفاد بقربها! وكان ينهض بنفسه لقضاء حوائجها وغسل ثيابها،برا وإحسانا إليها حتي توفيت، رحمهما الله جميعا.
والشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصرالبراك - حفظه الله - له نصيب وافر من بر والدته مع علو مكانته وسعة علمه وكثرةقاصدي درسه! ولقد لفت أنظار أحد طلبة العلم أن الشيخ إذا جلس معهم فترة وطال المجلسيقوم لدقائق! فظن للوهلة الأولى حاجة كبار السن إلى الوضوء فإذا بالأمر غير ذلك،إذا بالشيخ يذهب ليلقي نظرة على والدته في وسط الدار ويسأل عن حالها هل تريد شيئا؟ثم يتحدث معها ويؤانسها قليلا ويعود لمجلسه! والشيح - حفظه الله - لا يسافر لحج أوغيره إلا إذا استأذنها، فإن أذنت وإلا عدل عن السفر وقد حصل ذلك مرارا، حيث رغبت أنيبقى بجوارها ولا يسافر للحج (تطوعا) فوافق، أما إذا أراد أن يذهب للمسجد فإنهيعلمها بذلك! وعرف عن الشيخ - حفظه الله - أنه يسعى ليقضي ما يستطيع من خدمتها ليلاونهارا - مع أنه كفيف البصر، قد تقدم به العمر - ولا أدل من ذلك أنه ينام بجوارها
. وأذكر إن الوالد[3] - رحمه الله - كان يذهب يوميا من الرياض إلى مزرعة الجد عبر طريقرملي غير معبد يستغرق المسير فيه ما يقارب من الساعة والنصف بالسيارة، يذهب يومياليقوم بإعطاء إبرة عن المرض الذي ألم بالجد - رحمه الله - ثم يعود إلى الرياض ليكونحصيلة الذهاب والإياب ثلاث ساعات يوميا واستمر على ذلك فترة طويلة يقوم بدور الممرضلوالده رحمها الله. قيل لعلي بن الحسين بن علي - رضي الله عنهم - وهو من هو في علوالشرف ورفعة الكعب: قيل له: أنت من أبر الناس، ولا نراك تؤاكل أمك؟ فقال: أخاف أنتسبق يدي إلى ما سبق إليه عينها فأكون قد عققتها. وكان حيوه بن شريح وهو أحد أئمةالمسلمين يقعد في حلقته يعلم الناس، فتقول له أمه: قم يا حيوه فألق الشعير للدجاجفيقوم ويترك التعليم. وما أجمل الفقه في الدين يرتقي بالمرء إلى مراتب عظيمة فلايقدم أمرا على آخر. قال هشام بن حسان: قلت للحسن إني أتعلم القرآن، وإن أمي تنتظرنيبالعشاء، قال الحسن: "تعش العشاء مع أمك تقر بها عينها، أحب إلى من حجة تحجهاتطوعا". ولعظم ما أعد الله عز وجل من الأجور لمن قام بحق والديه وبر بهما؛ بكىالحارث العكلي في جنازة أمه فقيل له: تبكي؟ قال: ولِم لا أبكي وقد أغلق عني باب منأبواب الجنة! وقال بعض العلماء: من تغرب عن الوالدين في طلب عيش أو في ضرورة فليدمعوليسأل الله عز وجل وعلا أن يغفر ذنبا حرمه القرب من الوالدين. وتأمل في أمر البرلديهم.. كان ابن محيريز يقول: من مشى بين يدي أبيه فقد عقه، إلا أن يمشي فيميط لهالأذى عن طريقه، ومن دعا أباه باسمه أو بكنيته فقد عقه، إلا أن يقول يا أبه. وماأعظم الإسلام دينا ومنهجا ولاء وبراء.. دين الرحمة وأداء الحقوق.. حيث على البربالوالدين ومصاحبتهما في الدنيا معروفا حتى وإن كانوا كفارا! قال أبو بكر الجصاص فيأحكام القرآن: (قال أصحابنا في المسلم يموت أبواه وهما كافران إنه يغسلهما ويتبعهماويدفنهما، لأن ذلك من الصحبة بالمعروف الذي أمر الله بها). اللهم إنا نسألك البربآبائنا وأمهاتنا، ونسألك اللهم أن تتجاوز عن تقصيرنا في حقهما إنك جوادكريم[4].

* * *
هذا مع العلماء ، أما الكبراء وعظماء الدنيا ممن هداهم الله للبرّ بوالديهم ، فأمرٌ يطول ذكره ، وهذا وزير معاصر يقول :_ لا تظنوا أنني أعيش بوزارتي داخل منزلي ، إنني إذا دخلت بيتي أتحول إلى ابن يراعي مشاعر والديه جداً .. ولا سيما أبي الطاعن في السن ..حتى إنه ليصدق عليَّ قول الشاعر :_
تعلّمتُ أسباب الرَّضَى خوفَ سُخْطِه . ................................[5]
فكنت إذا أردت الخروج صباحاً لعملي في الوزارة ناداني :_
- تعال يا ولد ! فآتي أمشي حتى أقبل يده ورأسه .
- إلى أين أنت ذاهب ؟.. فأتلطف معه في الجواب حتى يرضى ويعلم أنني ذاهب للوزارة .. وإذا عدت أفعل به مثل ذلك .. وإنّي لسعيدٌ كل السعادة معه ..

* * *
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }(24) .
تواضع لهما، واخفض لهما جناح الذل رحمة وعطفاً وطاعة وحسن أدب، لقد أقبلا على الشيخوخة والكبر، وتقدما نحو العجز والهرم بعد أن صرفا طاقتهما وصحتهما وأموالهما في تربيتك وإصلاحك. تأمل حفظك الله قول ربك: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ} [الإسراء:23]. إن كلمة (عندك) تدل على معنى التجائهما واحتمائهما وحاجتهما، فلقد أنهيا مهمتهما، وانقضى دورهما، وابتدأ دورك، وها هي مهمتك: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [الإسراء:23]. قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن لي أماً بلغ منها الكبر أنها لا تقضي حوائجها إلا وظهري لها مطية، فهل أديت حقها؟ قال: لا. لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه وأنت تتمنى فراقها، ولكنك محسن، والله يثيب الكثير على القليل[6].
أرأيتم الطائر الضخم الكبير ، النسر الذي تخافه الطيور ، كيف أنه إذا حلّق في جو السماء فَرد جناحيه فيخيّل للرائي أنها تسدُّ الأفق .. لكنه إذا أراد أن يهبط ليطعم فراخه أو يحميهم .. خفض تلك الجناحين العظيمين .. وحَنَى نفسه على تلك الفراخ الضعيفة برفقٍ بالغٍ حتى ليظنُّ من يراه أنه ضعيف ! تستطيع أن تستخرج من هذه الصورة عبراً كثيرة ..
1_ النسر قويٌ بطبعه .. لكنه يضعف أمام فراخه حتى يظن من لا عقل له أنه ضعيف دائماً لما يرى من حالته تلك .. وهكذا ينبغي أن يكون عليه الولد القوي في نفسه وشخصيته .. أمام الناس من غير تكبر ولا تجبر .. لكنه مع والديه ذليلاً خاضعاً خافض الجناح .. ليس عن خور ولا جبن .. لكنه خفضُ (جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ ) .
2_ وضع الشيء في موضعه هي عين الحكمة .. و عكس ذلك هو عين الحمق .. فلو كان قوياً مع والديه ، ضعيفاً جباناً مع الناس .. لكان هذا هو الخور والدناءة من جهة .. والعقوق من جهة أخرى ..
3_ أن الله تعالى قد خلق الرحم واشتق لها اسماً من اسمه .. وأحق الناس أن يُرحم ويُعطف عليه هما الوالدان ..لضعفهما ؛ وكبرهما ؛ وتعبهما ، وحملهما هموم الأولاد صغاراً وكباراً ..
ثم إن الوالدين مهما كبر الولد أمامهما .. وتزوج وأنجب أطفالاً وكبر هؤلاء الأطفال .. فإنهما يريان ابنهما أمامهما طفلاً صغيراً .. فلا تعجب إذا رأيت أباً كبيراً يعنف ابنه الذي أناف على الثلاثين من عمره أو الأربعين ..
4- إن كنتَ بخيلاً بالابتسامات فلم يكن لديك إلاّ ابتسامة واحدة في اليوم ! فاجعلها لأمك ، فإن كانت اثنتين فاجعل الأخرى لأبيك ، فإن كانت ثلاثاً فاجعل الثالثة لزوجتك ! وهكذا .. هل تعلم أن إضحاك الأبوين فعبادة مقصودة لا يتنبه لها كثير من الأبناء والبنات ، ولا سيما الموصوفون بالالتزام .. وقد جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :(جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان فقال ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما )[7] .

* * *
أخٌ فاضل يحدثني عن موقف يبدو عادياً في نظر أكثرنا .. قال :_ صادفت زميلاً لنا ذا منصب كبير .. في مناسبةٍ أَسرية .. فرأيت بجواره أباه وهو رجل فوق الخمسين بقليل .. فأشرت إلى زميلي أن تعال إلى جواري .. فأشار إليَّ بيده أن لا أستطيع حتى يقوم والدي ..فلما أن قام والده جاءني فعاتبته .. فقال لي بأدبٍ وحياء :
اعذرني .. فوالله لا أستطيع أن أقوم من جواره وأتعداه ، حياءً منه واحتراماً وتقديراً .. وإلاَّ فكما تعلم .. أبي رجل يحبهَ كل الناس ولست أذكر أنه جرحني يوماً بشيء ..
* * *
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }الإسراء24
.. قال الفتى الشامي : وقفت متقطع الفؤاد.. مقروح الكبد.. من هول الفاجعة!! بالأمس كانت أمي.. واليوم أبي.. رحمة بي يا أرحم الراحمين.. إني لأذكر ذلك الأمس حينما قفل في وجهي باب من أبواب الجنة بموت أمي.. وبكيت ذلك اليوم وبكى كل نبض في قلبي حتى تقطعت أطنابه حرقة ومرارة.. وكلما تذكرت قصة إياس القاضي - عندما ماتت أمه فبكى وأجاب عندما سأله السائل ما أبكاك؟! قال : " كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة فأغلق أحدهما " فتزداد حرقتي ويزداد نحيبي.. وها هو الباب الثاني قد أقفل اليوم.. من يواسيني؟؟.. ومن يدعو لي بالرضا؟؟.. رحمة الله عليك يا أمي.. كم قد تحملت من عذاب وألم ، وكم كنت لا أعرف لك فضلاً!!.. رحمة الله عليك يا أبي.. وحمداً لك يا رب أن لم تجعل أبواب رحمتك تقفل في وجهي ، أما قال رسولك في صلة الوالدين بعد موتهما... وإكرام صديقهما ، ومنه ما ورد عن ابن عمر: " إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه "..
أعاهدك يا رب أن أصل صديقهما ، وأبرهما بأهل ودهما بعد موتهما..
وإني أتوب إليك توبة نصوحًا عن ما مضى من عصياني وعقوقي.. ولكن.. للتوبة شرط إرجاع الحق. !! أبي.. أمي.. ولكن يا رب.. يا للهول!!.. يا للفجيعة!!.. أحقاً أني في حقيقة؟؟ كيف أعتذر؟؟..كيف أرجع الحق وصاحبا الحق قد مضيا؟!! كيف أقابلهما؟؟.. كيف أرجع الحق.؟. كيف يقبل قولي؟.. ولات حين مندم!!. أبي.. أمي..
قال الفتى الشامي : فتخيلت لفرط حزني أن أبي قد تبسم وهو يقول لي :
يا أسعد : إني أعلمك كلمات في المروءة.. قلت : نعم يا أبي ، كأنك تسمعني وأنت في عالمك الآخر.. قال : لا يا بني.. بل أعيد عليك كلمات تعرفها قد علمتك إياها في صغرك.. أو أحسبك قرأتها في تلك الأكداس من الكتب التي كنت تقرأ لي منها بعد أن هداك الله والتزمت بالإسلام - أو كما زعمت لي -.. يا بني.. " إن للسان مروءة فمروءة اللسان حلاوته وطيبه ولينه واجتناء الثمار منه بسهولة ويسر.. وللخلق مروءته، فمروءته سعته وبسطه للحبيب والبغيض ".. بني " أما مروءة النفس هي حملها قسراً وقهراً على ما يجمل ويزين ، وترك ما يدنس ويشين ليصير لها ملكة في جهره وعلانيته".
- قال الفتى الشامي. نعم يا أبي. نعم ، ولكن ثق أني على عهدك وسأحمل نفسي على المروءة الحقة في لساني وجناني..
- قال الفتى : قالت أمي مقاطعة. دعك من هذا يا أبا أسعد فوالله ما رأيت منه تلك المروءة التي تحدثه عنها ، فما كان للسانه حلاوة ولا لين ، وما كان في خلقه سعة ولا بسطة ، وما حمل نفسه قسراً وما أجبرها قهراً. قال الفتى : حسبك يا أماه.. حسبك.
- قال الفتى. فصرخت صرخة قطعت كبدي ومزقت أضلعي.. ونحبت وبكيت.. وأمي تكمل : مروءتك يا بني أين كانت عندما كنا في الحياة الدنيا؟؟
- قال الفتى : وأين أنت يا أماه الآن؟؟ ألست معي.. إني أعتذر إليك مما بدر مني.
- قالت : دعك من هذا يا بني كفاك يا أسعد ((فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) ومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَهُ)) ((وسَيَعْلَمُ الَذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ))
- قال الفتى : فشهقت.. فوقعت ولكن تمالكت نفسي ونهضت قائماً.. رحماك ربي.. أرجوك يا أمي لا تكملي.. إني قد تبت الآن.. و.. سوف تصفحين عني.. لا لن أعود لمثل ذلك.
- قال أبي : وما ذلك يا أم أسعد؟!
- قالت أمي : أما تذكر يا أبا أسعد كم رفع في وجهي صوتاً منتصراً لزوجته أو محتجاً على تدليلي لابنته.. أما سمع وهو الملتزم بالإسلام ذلك الحديث عن أبي الدرداء ، أن رجلاً أتاه فقال : إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها ، فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول. »الوالد أوسط أبواب الجنة«.. فإن شئت فضيع هذا الباب أو احفظه.. والله يا أبا أسعد ما أمرته بطلاق وإنما كانت بعض الأمور المنزلية البسيطة.. ووالله لو أرجعت إلى الدنيا لسامحته.. ولكن قد مضى قول ربي أن لا أعود..
- قال الفتى : نعم يا أمي إني أعلم ذلك.. ولكن لِمَ لَمْ تغفري لي وأنا في الدنيا؟؟..
قال الفتى : إني أعلم لم ذلك!!.. لأني ما اعتذرت ليغفر لي أو أسامح ولكني أخذت زوجتي إلى غرفة أخرى متسلياً بها.
- قد أضعت الباب " باب الجنة " يا أسعد..
- لا. لا يا أبي ما أضعته..
- قال الفتى. قال أبي : أضعته يا أسعد.. أما أغضبتك في ذلك اليوم.. فنظرت إلي شزراً ، وأنت تعلم في ذلك اليوم أن ابن أبي حاتم قد نقل عن عروة في قوله تعالى: ((واخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)) ، قال عروة : إن أغضباك فلا تنظر إليهما شزراً..
وجهي ، أما قال رسولك في صلة الوالدين بعد موتهما... وإكرام صديقهما ، ومنه ما ورد عن ابن عمر : " إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه "..
أعاهدك يا رب أن أصل صديقهما ، وأبرهما بأهل ودهما بعد موتهما.
وإني أتوب إليك توبة نصوحاً عن ما مضى من عصياني وعقوقي.. ولكن.. للتوبة شرط إرجاع الحق..!! أبي.. أمي.. ولكن يا رب.. يا للهول!!.. يا للفجيعة!!.. أحقاً؟ني في حقيقة؟؟ كيف أعتذر؟؟.. كيف أرجع الحق وصاحبا الحق قد مضيا؟!! كيف أقابلهما؟؟.. كيف أرجع الحق.. كيف يقبل قولي.. ولات حين مندم!!.. أبي..؟مي..
قال الفتى الشامي : فتخيلت لفرط حزني أن أبي قد تبسم وهو يقول لي:
يا أسعد : إني أعلمك كلمات في المروءة.. قلت : نعم يا أبي ، كأنك تسمعني وأنت في عالمك الآخر.. قال : لا يا بني.. بل أعيد عليك كلمات تعرفها قد
علمتك إياها في صغرك.. أو أحسبك قرأتها في تلك الأكداس من الكتب التي كنت تقرأ؟ي منها بعد أن هداك الله والتزمت بالإسلام - أو كما زعمت لي -.. يا بني.. " إن للسان مروءة فمروءة اللسان حلاوته وطيبه ولينه واجتناء الثمار منه بسهولة ويسر.. وللخلق مروءته ، فمروءته سعته وبسطه للحبيب والبغيض "..
بني " أما مروءة النفس هي حملها قسراً وقهراً على ما يجمل ويزين ، وترك ما يدنس ويشين ليصير لها ملكة في جهره وعلانيته ".
- قال الفتى الشامي. نعم يا أبي. نعم ، ولكن ثق أني على عهدك وسأحمل نفسي على المروءة الحقة في لساني وجناني..
- قال الفتى : قالت أمي مقاطعة. دعك من هذا يا أبا أسعد فوالله ما رأيت منه تلك المروءة التي تحدثه عنها ، فما كان للسانه حلاوة ولا لين ، وما كان في خلقه سعة ولا بسطة ، وما حمل نفسه قسراً وما أجبرها قهراً.. (قال الفتى : حسبك يا أماه.. حسبك..).
- قال الفتى : فصرخت صرخة قطعت كبدي ومزقت أضلعي.. ونحبت وبكيت.. وأمي تكمل : مروءتك يا بني أين كانت عندما كنا في الحياة الدنيا؟؟.
- قال الفتى : وأين أنت يا أماه الآن؟؟ ألست معي.. إني أعتذر إليك مما بدر مني.
- قالت : دعك من هذا يا بني كفاك يا أسعد : ((فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) ومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَهُ)) ((وسَيَعْلَمُ الَذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ))...
- قال الفتى : فشهقت.. فوقعت ولكن تمالكت نفسي ونهضت قائماً..؟حماك ربي.. أرجوك يا أمي لا تكملي.. إني قد تبت الآن.. و.. سوف تصفحين عني.. لا لن أعود لمثل ذلك.
- قال أبي : وما ذلك يا أم أسعد؟!
- قالت أمي : أما تذكر يا أبا أسعد كم رفع في وجهي صوتاً منتصراً لزوجته أو محتجاً على تدليلى لابنته.. أما سمع وهو الملتزم بالإسلام ذلك الحديث عن أبي الدرداء ، أن رجلاً أتاه فقال : إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها ، فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول. " الوالد أوسط أبواب الجنة "[8].. فإن شئت فضيع هذا الباب أو احفظه.. والله يا أبا أسعد ما أمرته بطلاق وإنما كانت بعض الأمور المنزلية البسيطة.. ووالله لو أرجعت إلى الدنيا لسامحته.. ولكن قد مضى قول ربي أن لا أعود..
- قال الفتى : نعم يا أمي إني أعلم ذلك.. ولكن لم لم تغفري لي وأنا في الدنيا ؟..
قال الفتى : إني أعلم لم ذلك!!.. لأني ما اعتذرت ليغفر لي أو أسامح ولكني أخذت زوجتي إلى غرفة أخرى متسلياً بها.
- قد أضعت الباب " باب الجنة " يا أسعد..
- لا. لا يا أبي ما أضعته..
- قال الفتى. قال أبى : أضعته يا أسعد.. أما أغضبتك في ذلك اليوم.. فنظرت إلى شزراً ، وأنت تعلم في ذلك اليوم أن ابن أبي حاتم قد نقل عن عروة في قوله تعالى ((واخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)) قال عروة : إن أغضباك فلا تنظر إليهما شزراً..
- قال الفتى : قلت : يا أبي.. ولكنك ظلمتني.. فقال لي أبي : وإن.. وإن يا أسعد.. أما نقل لك البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس أنه قال :»ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسباً إلا فتح الله له بابين - يعني من الجنة - وإن كان واحد فواحد ، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتى يرضي عنه ، قيل : وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. وربك يقول ((وصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً)) ثم.. أي ظلم هذا؟!!.. هل أمرتك بشر؟؟ لا والله.. إن هي إلا أمور دنيا.. ولتكن أموراً كنت تتعبد الله فيها... ثق تماماً.. أنك أضعت الباب يا أسعد..
- قال الفتى : فصرخت.. وما عساني أن أفعل وقد ماتا..؟! نعم.. لا عذر ولا قبول.. وربي بالمرصاد.. ويلي!!..
- قال الفتى : وسرت راجعاً بعد دفن أبي ومعي من الجموع الكثير.. وكنت والله مرعوباً متفتت الأحشاء كسيفاً مطرقاً..ما زال في فكري ذلك اليوم.. وتلك الأيام التي كنت أرد على أمي أصواتاً أو أحتج على أبي مغاضباً وكإني سيد الدنيا.. وفي تلك الأيام التي ما أرضى أن ترفع أمي طرفاً لزوجتي أو يحتج أبي على تصرف لي مهما كان صغيراً.. في تلك الأيام كنت أعلم قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُواً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)).. وما أعي معنى لذلك إلا اليوم.. وكم أبكيتها.. ولكني كنت أقرأ قول ابن عمر : بكاء الوالدين من العقوق والكبائر.. وأقرأ قوله -صلى الله عليه وسلم- : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئاً : ألا وقول الزور ، وما زال يكررها حتى قلت ليته سكت" - قال الفتى : وكم أبكيتك يا أمي.. وكم.. ويا ليتنى قد اعتذرت ، ما منعني إلا النسيان أو الغضب ، و.. لست أدري.. ولكني سأستغفر ربي ما عشت وأتذكر الأثر دائماً: " لا تقطع من كان يصل أباك فيطفأ بذلك نورك ".. - قال الفتى : وخطرت لي أمي.. بني أسعد.. إذا ألمت بك مصيبة فكيف تفعل؟؟ .
- قلت : سأستغفر ربي.. قالت : أما لو كنت حية لهانت عليك. قال الفتى : قلت كيف ذاك يا أماه؟؟ قالت : روي عن ابن عباس أنه أتاه رجل فقال : إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني ، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه فغرت عليها ، فقتلتها ، فهل لي من توبة؟ قال له : (هل أمك حية؟) ، قال : لا ، قال : تب إلى الله عز وجل وتقرب إليه ما استطعت ، فذهب.. يقول الراوي : فسألت ابن عباس : لم سألته عن حياة أمه؟ فقال : إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله من بر الوالدة..
- قال الفتى الشامي : قلت : يا أماه والله لست أدري هل أضعت الجنة حقاً أم ماذا..؟ ولكني حسبي بإني قد بررت ما استطعت إلى ذلك سبيلاً ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها..

[1] - تحقيق الألباني ‌(‌صحيح‌)‌ انظر حديث رقم‌:‌ 3371 في صحيح الجامع‌.‌‌


[2]- موقع الإسلام ، تحت إشراف الشيخ / صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ، وزير الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية .

[3] - والد كاتب المقال الشيخ / محمد بن قاسم . رحمه الله .

[4]- بقلم الشيخ/ عبدالملك بن محمد القاسم . مجلة الدعوة .


[5] - ذكره صاحب كتاب مجالس شعر العرب _ ص248 غير منسوب وتكملته .. وعَلمَّه حبي له كيف يَغضبُ !
وقد أجازتاه شاعرتان من جواري المتوكل .

[6]- من خطبة للعلامة الشيخ د / صالح بن حميد . من المسجد الحرام بمكة المكرمة .

[7]- رواه أبو داود (صحيح) وهو في صحيح الترغيب والترهيب 2481.

[8] - صحيح . 7145 . صحيح الجامع .


 
مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 02/11/2009, 12:08 PM   #7
المؤسس والمشـــرف العــــام


صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



- قال : قالت أمي : دونك وما رغبت فيه من زهد في الجنة ، وهل ظننت أن سلعة الله تكون حسب الهوى ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : (رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة )[1].. دعك من هذا ، أما أحرقت قلبي وأنا حية؟.. أما أبكيتني طاعة لشهواتك أو لنزعاتك أو لزوجتك أو لأمزجتك الخاصة في مواعيد إعداد الطعام أو استقبال ضيف.. بني.. اسمع بني وأخبر من وراءك من الناس.. قال الفتى : قلت هاتي يا أم.
- قالت : بني إن الطاعة التي يريدها الله ليست الطاعة التي على هواك متى غضبت نفرت.. ومتى رضيت وأنست استرضيت.. فالأم لهجها الدائم ) قد رضيت عليك يا بني ). وما تظنها قائلة وقد فطر الله قلبها على حب الابن.. أما ترى كم من أصدقائك من هجر وفجر فإذا رجع إلى أمه تبسمت وكأن لم يكن قد حدث منه شيء.. وأنى لها أن تعتب على فلذة كبدها.. ولكن.. هل يرضي هذا الله؟.. ثم إن كان ذلك فما معنى قوله تعالى : ((وقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ وبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَاناً إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُمَا وقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ، واخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً))[2].. وهذا قضاء وحكم وجوب من رب العزة على عدم التأفف وهو الأصغر.. وما علمت الأم تبالي بالتأفف ولكنه طاعة لله ، وتأدب معه ، وقد قرن ذلك بالإخلاص له وعدم الشرك.. ومرة أخرى قرن فقال: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }النساء36 .. إذا كان لك رغبات في الحب والكره ، وذبذبات في الرأي فمتى كان لك أن تقيس الرضا بمعيارك وتظن أنه رضى للوالدين فقد هلكت يا أسعد.. أما رأيت كيف يستذل الطائر وينكسر إذا خفض جناحه للنزول فكذلك اخفض لهما جناح الذل من الرحمة.. وهذا ما فهمه ذلك السلف الصالح.. أما سمعت عن ذلك الرجل الذي حمل أمه على عنقه حاجاً وكان يرتجز وهو يطوف ويقول :
إني لهــا بعيرها المذلل *** إن أذعرت ركابها لم أذعر
ثم التفت إلى ابن عمر وقال له : يا ابن عمر أتراني جازيتها؟ قال : لا ولا بطلقة واحدة من طلقاتها ، ولكن أحسنت ، والله يثيبك على القليل الكثير.
- قال الفتى : وأكملت أمي قائلة : إيه يا بني.. كم كنت أتمنى أن أراك شاكراً لي قلباً وقالباً ، وكم كنت لا أراك إلا مرات قلائل ربما يمر اليوم واليومان ولا أراك.. وقد شغلت بمعافسة زوجتك وأولادك.. وأحن أن تتمثل الطاعة الحقة التي عرفها أبو هريرة رضي الله عنه عندما كان في بيت غير بيت أمه ، فإذا أراد أن يخرج مر ببيت أمه ووقف على بابها فقال : السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته ، فتقول : وعليك السلام يا بني ورحمة الله وبركاته. فيقول : رحمك الله كما ربيتني صغيراً ، فتقول : رحمك الله كما بررتني كبيراً.. ثم إذا أراد أن يدخل بيته صنع مثله... بربك يا بني هل كنت تستطيع أن تتخلف عن زوجتك يوماً أو يومين.. لا..
- قال الفتى : قلت : ولكن يا أماه كانت سليطة اللسان لا تتركني.. أما أنت فطيبة القلب.. "
- قال الشامي : قالت : هو ذاك.. إنها سلعة الله.. ولكني لا أعلم ما يفعل بي غداً حتى أصفح عنك أولاً.. فذلك اليوم الذي سنتقابل فيه هو اليوم الذي يفر فيه المرء من أخيه ، وأمه وأبيه ، وصاحبته وبنيه.. لكل منا شأن يغنيه.. وهو يوم لا أعرف فيه إلا نفسى!!..
- قال الشامي. فتأملت ما خطر لي وبكيت وأنا أقول :
فضيعتها لما أنست جهــالة *** وطـال عليَّ الأمر وهو قصير
فـآهاً لذي عقل ويتبع الهوى *** وواهاً لأعمى القلب وهو بصـير
ولكن هيهات.. ولات حين مندم...
- قال الفتى :.. أما بعد.. فإني لا أعلم هل يقدر لي الله من الأعمال الصالحات ما يؤهلني للتوفيق في الحياة والاستغفار عن ذنبي ، أم تراه يصيبني بتفريطي في حقهما يوم كانا.. وكم رأيت من عبر ودولة الأيام على الناس.. فالله منتقم... والله بالمرصاد..
.. فيا غافل.. وما زال والدك معك.. وما زالت أمك معك.. أما لك في قصتي معتبر؟!! اسمع يا أخا الإسلام ، والله إني أخشى عليك وعلى أهلك وأولادك الهلاك.. كن على حذر.. وتأمل معنى آية التأفف.. ((فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ)) وحسبي بها.. فرفع طرف الأم نحو السماء مصيب :
إذا التفتت نحو السماء بطرفــها *** كن حذراً من أن يصب قلبك السهم
وفي آية التأفـيـف للمرء مقنـع *** ولكــنه ما كل عـبد له فـهم
ودونك فارغب في عميم دعـائها *** فـأنت لما تـــدعو إليه فقير
وطاعتها وبرها قولاً وعملاً ، لا قول لطيف.. وعمل هباء.. فالكلمات لا تغني ولا تشبع من جوع. أما تعرف من هم أصحاب الأعراف؟.. جاء في بعض التفاسير عنهم أنهم أقوام قتلوا في سبيل الله ولكنهم خرجوا بدون إذن آبائهم فكانوا من أصحاب الأعراف.. ومن قال لك يا مسكين أنك ستموت شهيداً؟ وقد خرجت بطراً لمشاغل الدنيا.
- قال الفتى الشامي : يا أخا الإسلام.. لا تظن كما ظننت سابقاً أن طاعة الآباء والأمهات حسب رغبتك وهواك ، وإنما هي حسب ما يرغبان هما.. وإلا لهان الأمر!!
- قال الفتى : كنت أظن أن أبي سيئ الطباع.. وأمي شرسة نمامة ، ولكني أتأمل اليوم وأقول : إن ذلك الرجل الذي قد خلقه الله منبوذاً أو مكروهاً بين الناس طوال حياته المديدة فكان يتألم ويحتقر.. قد ضمن له الله ألا يظلم.. ووعده بتاج يناله حقاً وهو إذعان أولاده له إذا ما كبر..
- قال الشامي :.. فبأي حق يا شامي قد انتزعت هذا الحق من أبيك؟.. إنه والله الهوى وحب النفس.. ويلك يا شامي يوم تعرض الموازين القسط.
يا أخا الإسلام.. يا من رغبت بزوجتك وفرحت بها متجاهلاً أمك.. ويا من رغبت بمالك وعيالك وأصدقائك عن أبيك.. تأمل معي كيف تكون الطاعة.. أما تذكر قصة الثلاثة الذين كانوا في الغار.. نعم.. قال الأول : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فَناء بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما.. فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما فلبثت والقدح على يدي أنظر استيقاظهما.. حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة.. تأمل أخي بأي شيء توسل إلى ربه.. بالطاعة الحقة.. ومن يفعل هذا اليوم فعله؟! فكم ترى زوجات مترفات منعمات.. وأنى للأم المسكينة من أن تغبق أولاً ، وكم من أبناء قد أترفوا بنعيم وأنى للأب أن يغبق قبلهم .
أخا الإسلام.. لا تظنني أريد تفريطاً في حق الزوجة أو الأطفال ولكن أعطِ كل ذي حق حقه.. وإياك وما أنا فيه.. واغتنم حياتهما ، ورغم أنف امرء أدرك أبويه أحدهما أو كلاهما ولم يدخل الجنة.. وما هي إلا مرارات وآلام أجترها يوشك أن تنسينيها الأيام ولكن من لي بمحوها من اللوح المحفوظ.. يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه... .. ثم إنك توشك أن تقول لي : ولكن لست كأفعالك فاعل فما قدمت على أبي زوجة ، وما رفعت على أمي صوتاً.. وأنا أقول لك : صدقاً قلت ولكن.. أما وإن أوشكت أن تصر على سلامة سيرتك معهما.. فشد الوثاق ولا تمن.. فذلك هو رباط قد هداك الرحمن لحراسته وحفظه فدونك وتوثيقه... ويا سعادتك.[3]


الآداب التي تراعى مع الوالدين :
هناك آداب ينبغي لنا مراعاتها، ويجدر بنا سلوكها مع الوالدين، لعلنا نرد لهما بعض الدين، ونقوم ببعض ما أوجب الله علينا نحوهما، كي نرضي ربنا، وتنشرح صدورنا، وتطيب حياتنا، وتيسر أمورنا، ويبارك الله في أعمارنا، وينسأ لنا في آثارنا
فمن تلك الآداب ما يلي :
1 - طاعتهما واجتناب معصيتهما: فيجب على المسلم طاعة والديه واجتناب معصيتهما، وأن يقدم طاعتهما على طاعة كل أحد من البشر ما لم يأمرا بمعصية الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، إلا الزوجة؛ فإنها تقدم طاعة زوجها على طاعة والديها.
2 - الإحسان إليهما: بالقول، والفعل، وفي وجوه الإحسان كافة.
3 - خفض الجناح: وذلك بالتذلل لهما، والتواضع، والتطامن.
4 - البعد عن زجرهما: وذلك بلين الخطاب، والتلطف بالكلام، والحذر كل الحذر من نهرهما، ورفع الصوت عليهما.
5 - الإصغاء إليهما: وذلك بالإقبال عليهما بالوجه إذا تحدثا، وترك مقاطعتهما أو منازعتهما الحديث، والحذر كل الحذر من تكذيبهما، أو رد حديثهما.
6 - الفرح بأوامرهما، وترك التضجر والتأفف منهما: كما قال - عز وجل -: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ).
7 - التطلق لهما: وذلك بمقابلتهما بالبشر والترحاب، بعيدا عن العبوس، وتقطيب الجبين.
8 - التودد لهما، والتحبب إليهما: ومن ذلك مبادأتهما بالسلام، وتقبيل أيديهما، ورءوسهما، والتوسيع لهما في المجلس، وألا يمد يده إلى الطعام قبلهما، وأن يمشي خلفهما في النهار، وأمامها في الليل خصوصا إذا كان الطريق مظلما أو وعرا، أما إذا كان الطريق واضحا سالكا فلا بأس أن يمشي خلفهما.
9 - الجلوس أمامهما بأدب واحترام: وذلك بتعديل الجلسة، والبعد عما يشعرهما بإهانتهما من قريب أو بعيد، كمد الرجل، أو القهقهة بحضرتهما، أو الاضطجاع، أو التعري، أو مزاولة المنكرات أمامهما، أو غير ذلك مما ينافي كمال الأدب معهما.
10 - تجنب المنة في الخدمة أو العطية: فالمنة تهدم الصنيعة، وهي من مساوئ الأخلاق، ويزداد قبحها إذا كانت في حق الوالدين. فعلى الولد أن يقدم لوالديه ما يستطيع، وأن يعترف بالتقصير، ويعتذر عن عدم استطاعته أن يوفي والديه حقهما.
11 - تقديم حق الأم: فمما ينبغي مراعاته - أيضا - تقديم بر الأم، والعطف عليها، والإحسان لها على بر الأب، والعطف عليه، والإحسان إليه، وذلك لما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله من أولى الناس بحسن صحابتي ؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أبوك )فتح الباري 10/416
12 - مساعدتهما في الأعمال: فلا يليق بالولد أن يرى والديه يعملان وهو ينظر إليهما دون مساعدة لهما.
13 - البعد عن إزعاجهما: سواء إذا كانا نائمين، أو إزعاجهما بالجلبة ورفع الصوت، أو بالأخبار المحزنة أو غير ذلك من ألوان الإزعاج.
14 - تجنب الشجار وإثارة الجدل أمامهما: وذلك بالحرص على حل المشكلات مع الأخوة وأهل البيت عموما بعيدا عن أعينهما.
15 - تلبية ندائهما بسرعة: سواء كان الإنسان مشغولا أم غير مشغول؛ فبعض الناس إذا ناداه أحد والديه وكان مشغولا - تظاهر بأنه لم يسمع الصوت، وإن كان فارغا أجابهما.
أصم عن الأمر الذي لا أريده

وأسمع خلق الله حين أريد
فاللائق بالولد أن يجيب والديه حال سماعه النداء.
16 - تعويد الأولاد على البر: وذلك بأن يكون المرء قدوة لهما، وأن يسعى قدر المستطاع لتوطيد العلاقة بين أولاده وبين والديه ومن أجمل الأحاديث التي ينبغي تحفيظها للأبناء : ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر، فدخلوا في غار في جبل، فانحطت عليهم صخرة، قال: فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه.
فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت أخرج فأرعى، ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب، فآتي أبوي فيشربان، ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي، فاحتبست ليلة، فجئت فإذا هما نائمان، قال: فكرهت أن أوقظهما، والصبية يتضاغون عند رجلي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما، حتى طلع الفجر، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا فرجة نرى منها السماء، قال: ففرج عنهم.
وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء، فقالت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار، فسعيت حتى جمعتها، فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا فرجة، قال: ففرج عنهم الثلثين.
وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة فأعطيته، وأبى ذلك أن يأخذ، فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، حتى اشتريت منه بقرا وراعيها، ثم جاء فقال: يا عبد الله أعطيني حقي، فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك، فقال: أتستهزئ بي؟ قال: فقلت: ما أستهزئ بك ولكنها لك، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا، فكشف عنهم)[4].
17 - إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين: فمما يجدر بالأولاد أن يقوموا به أن يصلحوا ذات البين إذا فسدت بين الوالدين، وأن يحرصوا على تقريب وجهات النظر بينهما إذا اختلفا.
18 - الاستئذان حال الدخول عليهما: فربما كانا أو أحدهما على حالة لا يرضى أن يراه أحد وهو عليها.
19 - تذكيرهما بالله دائما: وذلك بتعليمهما ما يجهلانه من أمور الدين، وأمرهما بالمعروف، ونهيهما عن المنكر إذا كان عليهما بعض مظاهر الفسق والمعصية، مع مراعاة أن يكون ذلك بمنتهى اللطف والإشفاق والشفافية، والصبر عليهما إذا لم يقبلا.
20 - الاستئذان منهما، والاستنارة برأيهما: سواء في الذهاب مع الأصحاب للبرية، أو في السفر خارج البلد للدراسة ونحوها، أو الذهاب للجهاد، أو الخروج من المنزل والسكنى خارجه، فإن أذنا وإلا أقصر وترك ما يريد، خصوصا إذا كان رأيهما له وجه، أو كان صادرا عن علم وإدراك.
21 - المحافظة على سمعتهما: وذلك بمخالطة الأخيار، والبعد عن الأشرار، وبمجانبة أماكن الشبه، ومواطن الريب.
22 - البعد عن لومهما وتقريعهما: وذلك إذا صدر منهما عمل لا يرضي الولد، كتقصيرهما في التربية، وكتذكيرهما بأمور لا يحبان سماعها، مما قد بدر منهما فيما مضى.
23 - العمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به: من رعاية للإخوة، أو صلة للأرحام، أو إصلاحات في المنزل، أو المزرعة، أو مبادرة بالهدية، أو نحو ذلك مما يسرهما، ويدخل الفرح على قلبيهما.
24 - فهم طبيعتهما ومعاملتهما بمقتضى ذلك: فإذا كانا، أو أحدهما غضوبا، أو فظا غليظا، أو كان متصفا بأي صفة لا ترتضى - كان جديرا بالولد أن يتفهم تلك الطبيعة في والديه، وأن يعاملهما كما ينبغي.
25 - كثرة الدعاء والاستغفار لهما في حياتهما: قال الله - تعالى -: (وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )[ الإسراء: 24 ].وقال - تعالى -: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )[ نوح: 28 ].

* * *



[1] - صحيح . 34511. صحيح الجامع .

[2] - الإسراء 24 .

[3] - مجلة البيان : عدد 11 شعبان 1408هـ ولات حين مندم . الأستاذ / عدنان بن سالم الفهد.

[4] - صحيح البخاري : باب: إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي برقم 2102 . وجاء بأرقام[2152، 2208، 3278، 5629]


 
مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 02/11/2009, 12:09 PM   #8
المؤسس والمشـــرف العــــام


صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



بعض الأمور المعينة على البر :
بر الوالدين نعمة من الله - عز وجل - يمن بها على من يشاء من عباده، وهناك أمور تعين الإنسان على بر والديه، إذا أخذ بها، وسعى إليها، فمن ذلك ما يلي :
1 - الاستعانة بالله - عز وجل -: وذلك بإحسان الصلة به؛ عبادة، ودعاء، والتزاما بما شرع، عسى أن يوفقك ويعينك على برهما.
2 - استحضار فضائل البر، وعواقب العقوق: فإن معرفة ثمرات البر، واستحضار حسن عواقبه - من أكبر الدواعي إلى فعله، وتمثله، والسعي إليه.
كذلك النظر في عواقب العقوق، وما يجلبه من هم، وغم، وحسرة، وندامة، كل ذلك مما يعين على البر، ويقصر عن العقوق.
3 - استحضار فضل الوالدين على الإنسان: فهما سبب وجوده في هذه الدنيا، وهما اللذان تعبا من أجله، وأولياه خالص الحنان والمودة، وربياه حتى كبر؛ فمهما فعل الولد معهما فلن يستطيع أن يوفيهما حقهما، فاستحضار هذا الأمر مدعاة للبر.
4 - توطين النفس على البر: فينبغي للمرء أن يوطن نفسه على بر والديه، وأن يتكلف ذلك، ويجاهد نفسه عليه؛ حتى يصبح سجية له وطبعا.
5 - تقوى الله في حال الطلاق: فعلى الوالدين إن لم يقدر بينهما وفاق، وحصل بينهما الطلاق - أن يوصي كل واحد منهما الأولاد ببر الآخر، وألا يقوم كل واحد منهما بتأليب الأولاد على الآخر؛ لأن الأولاد إذا ألفوا العقوق صار الوالدان ضحية لذلك، فشقوا وأشقوا الأولاد.
6 - صلاح الآباء: فصلاحهم سبب لصلاح أبنائهم وبرهم بهم ألم يقل الله عن الغلامين { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً } الكهف (82).
7 - التواصي بالبر: وذلك بتشجيع البررة، وتذكيرهم بفضائل البر، ونصح العاقين وتذكيرهم بعواقب العقوق.
8 - إعانة الأولاد على البر: وذلك بأن ينبعث الآباء إلى إعانة أولادهم على البر، وذلك بتشجيعهم، وشكرهم، والدعاء لهم.
أعرف بعض الآباء لا يطيق أن يفارقه أولاده، وأحفاده طرفة عين؛ حتى بعد أن جاوز المائة؛ فهم يبرونه أعظم البر، ويتنافسون في خدمته، بل ويتلذذون بذلك.
ومن أعظم الأسباب الحاملة لهم على بر والدهم - بعد توفيق الله - أن ذلك الوالد كان نعم المعين لهم على بره، حيث كان محبا لأولاده، كثير الدعاء لهم، حريصا على شكرهم، والثناء عليهم، وإدخال السرور على نفوسهم، ومناداتهم بأحب الأسماء إليهم.
9 - أن يضع الولد نفسه موضع الوالدين: فهل يسرك أيها الولد غدا إذا أصابك الكبر، ووهن العظم منك، واشتعل الرأس شيبا، وعجزت عن الحراك - أن تلقى من أولادك المعاملة السيئة، والإهمال القاسي، والتنكر المحض ؟ !
10 - قراءة سير البارين والعاقين: فسير البارين مما يشحذ الهمة، ويذكي العزيمة، ويبعث على البر.
وقراءة سير العاقين، وما نالهم من سوء المصير، تنفر عن العقوق، وتبغض فيه، وتدعو إلى البر وترغب فيه.
12 - استشعار فرح الوالدين بالبر، وحزنهما من العقوق: فلو استشعر الإنسان ذلك الأمر لانبعث إلى البر، ولانزجر عن العقوق، وصدق من قال:
لو كان يدري الابن أية غصة

قد جرعت أبويه بعد فراقه
أمٌّ تهيم بوجده حيـــرانة

وأب يسح الدمع من آماقه
يتجرعان لبينه غصص الردى

ويبوح ما كتماه من أشواقه
لرثى لأمٍّ سلَّ من أحشــائها

وبكى لشيخٍ هام في آفاقه
ولبدّل الخلُق الأبيّ بعــطفه

وجزاهما بالعذب من أخلاقه[1]

* * *
فالله تعالى يقول { وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } (24)
ما أجمل تلك اللحظة الرحيمة التي تتذكر فيها الذكريات الجميلة الماضية مع أبويك ، وتتبعها بالدعاء بقلب خاشع أن يغفر الله لهما ويدخلهما جنات النعيم على ما صبرا في تربيتك ، وعلى ما ذرفا الدمع من أجلك الليالي الطوال ، قف على قبريهما وادع لهما :
زر والديك وقف على قبريهما ‍
ما كان ذنبهما إليك فطالمـا ‍
كان إذا ما أبصرا بك علةً .. ‍
كان إذا سمعا أنينك أسبلا .. ‍
وتمنيا لو صادفا لك راحــةً ‍
أنسيت حقهما عشية أُسكِنا ‍
فلتلحقنهما غداً أو بـــعدهُ ‍



فكأنني بك قد نُقلت إليهمــا
منحاك محض الود من نصحيهمـا
جزعاً لما تشكوه شقَّ عليهـــما
دمعيهما أسفاً على خديهمـــا
بجميع ما يحويه مُلك يديهـــما
قبريهما وسكنـــت في داريهما
حتماً كما لحقا هما أبويــــها




* * *


برهما بعد موتهما:

فبر الوالدين لا يقف عند حدود الحياة فحسب ، فمما يدل على عظم حق الوالدين، وسعة رحمة رب العالمين - أن كان بر الوالدين لا ينقطع حتى بعد الممات؛ فقد يقصر أحد من الناس في حق والديه وهما أحياء، فإذا ماتا عض يده، وقرع سنه؛ ندما على تفريطه وتضييعه لحق الوالدين، ويتمنى أن يرجعا للدنيا؛ ليعمل معهما صالحا غير الذي عمل . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )[2] ‌.‌
ومن هنا يستطيع المسلم أن يستدرك ما قد فات، فيبر والديه وهما أموات، وذلك بأمور منها:
أ - أن يكون الولد صالحا في نفسه.
ب - كثرة الدعاء والاستغفار لهما.
ج - صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما.
د - إنفاذ عهدهما.
ه - التصدق عنهما .
عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (بينا نحن جلوس عند رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رَسُول اللَّهِ هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: نعم.
1. الصلاة عليهما،
2. والاستغفار لهما،
3. وإنفاذ عهدهما من بعدهما،
4. وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما،
5. وإكرام صديقهما )[3].
ولا يندم الإنسان على ما مضى إلا إذا مات أحد أبويه أوكلاهما ، فيكاد كلما تذكر أنه أخطأ في حقهما .. يكاد يقتل نفسه همّاً وغماً .. ولكن الأعمال الصالحة الكثيرة فيها أكبر عزاء لمثل هؤلاء الذين قصروا مع والديهم .. فالله الله في عدم نسيان الوالدين من أعمال البر المتنوعة والكثيرة ولله الحمد والمنة .
* * *










من فتاوى العلامة الشيخ بن باز رحمة الله عليه حول بر الوالدين :

أسئلة وأجوبة عن بر الوالدين وما ينفع الميت بعد موته:
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخت : ن . ع . م . س زادها الله من العلم والإيمان وبارك لها في الوقت والعمل آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
فقد وصلني كتابك الكريم وصلك الله بحبل الهدى والتوفيق ، وجميع ما تضمنه من الأسئلة كان معلوما . . وهذا جوابها :
أولا : ذكرت : أنك متألمة كثيرا من إكراهك الوالدة على دخول المستشفى ، وأنها تعبت فيه كثيرا .
والجواب : لا حرج عليك في ذلك إن شاء الله ؛ لأنك مجتهدة وتريدين لها الخير والعافية وحصول أسباب الشفاء ، ونرجو لك في ذلك عظيم الأجر وجزيل المثوبة ، وأن يجمعك الله بها في دار الكرامة مع الوالد والأحبة .
ثانيا : هل حق الوالدة أكبر من حق الوالد؟
والجواب : لا شك أن حق الأم أعظم من حق الأب من وجوه كثيرة ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سائلا قال : (يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أبوك )وفي لفظ آخر أن السائل قال : (يا رسول الله من أبر؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أباك ثم الأقرب فالأقرب )
ثالثا : ما صحة حديث الأعرابي أنه قال : يا رسول الله ، لم أجد شيئا أثوبه لأمي؟ قال : " صل لها " ؟
والجواب : هذا الحديث لا أصل له ، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم ، ولا يشرع لأحد أن يصلي عن أحد في أصح قولي العلماء إلا ركعتي الطواف في حق من حج أو اعتمر عن غيره ، وهكذا القراءة للغير والتسبيح والتهليل للغير تركه أولى ؛ لعدم الدليل عليه ، وإنما يصلي الإنسان ويقرأ ويسبح ويهلل ويذكر الله بأنواع الذكر من أجل طلب الثواب لنفسه . أما الأموات من المسلمين الوالدة وغيرها فالمشروع : الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة والعتق من النار ، ومضاعفة الأجر ، وقبول العمل ، ورفع الدرجات في الجنة ، ونحو ذلك من الدعوات الطيبة في الصلاة وغيرها ، ومحل الدعاء في الصلاة : السجود ، وفي آخر التحيات قبل السلام ، سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم )خرجه مسلم في صحيحه ، وروى أيضا مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء )
ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه التحيات في آخر الصلاة قال : (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو )وفي لفظ آخر (قال عليه الصلاة والسلام ثم يتخير من المسألة ما شاء )متفق على صحته . وكان صلى الله عليه وسلم يكرر الدعاء بين السجدتين بطلب المغفرة ويقول : (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني )(وكان عليه الصلاة والسلام يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله
دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره )خرجه مسلم في صحيحه . ويشرع أيضا الصدقة عن الميت ، الوالدة وغيرها ؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن أمي افتلتت نفسها ولم توص ، وأظنها لو تكلمت تصدقت ، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال : " نعم " وهذا أمر مجمع عليه بين أهل العلم ، وهو انتفاع الأموات بالدعاء والصدقات ، وهكذا ينتفع الميت بالحج عنه والعمرة ، وبأداء ما عليه من الصوم ، وبقضاء الدين عنه ، والعتق عنه ، والصلاة عليه صلاة الميت .
أما زيارة القبور فليس لها وقت مخصوص ، لا يوم الجمعة ولا غيرها ، بل يزورها الرجال متى تيسر ذلك في أي يوم ، وفي أي ساعة من ليل أو نهار ، وأما تخصيص بعض الناس الزيارة بيوم الجمعة فلا أصل له فيما نعلم من الشرع المطهر ، وأما تحميلك إخوانك نقل السلام على الوالدة فلا أعلم له أصلا ، والأحسن عندي : تركه ، ويكفي منك الدعاء لها والصدقة عنها بما تيسر ، كما تقدم بيان ذلك ، ولا مانع من الحج لها والعمرة ، وهما منك أفضل إن شاء الله مع توكيل غيرك في ذلك ، وإذا كنت في مكة كفى الإحرام بالعمرة من الحل كالتنعيم والجعرانة ولا حاجة إلى الذهاب للميقات ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تحرم بالعمرة من التنعيم ، وهو أقرب الحل إلى مكة . أما قراءة سورة الكهف يوم الجمعة ؛ تقربا إلى الله سبحانه ، وطلبا لمغفرته فقد ورد في ذلك أحاديث فيها ضعف ، وكان ابن عمر وأبو سعيد رضي الله عنهم ، وهما أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحافظان على قراءتها يوم الجمعة ، فمن فعل ذلك فلا بأس ، ولكن الأفضل عدم تثويبها
لغيرك ؛ لعدم الدليل على تثويب القراءة للغير كما تقدم[4] .
س : امرأة تقول تركت الدراسة ووالدتي غير راضية ، هل أكون آثمة؟
ج : الدارسة فيها خير عظيم وفائدة كبيرة ، والواجب على المسلم والمسلمة التعلم والتفقه في الدين . لأنه يجب على المسلم أن يتفقه في دينه ويتعلم ما لا يسعه جهله .
ومن أسباب السعادة : التفقه في الدين ، كما قال عليه الصلاة والسلام : (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين )فمن علامات الخير والسعادة : التفقه في دين الله ، والتفقه في الشريعة حتى يعرف المسلم ما يجب عليه وما يحرم عليه ، فيعبد الله على بصيرة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ) .
فالواجب عليك التعلم والتفقه في الدين إذا تيسر ذلك في مدارس إسلامية طيبة أمينة ، وإذا أكدت عليك أمك فهذا مما يوجب عليك مزيد العناية والحرص على التفقه في الدين ؛ لأن طاعة الوالدين مما يزيد لك الخير والمصلحة العاجلة والآجلة ، فلا ينبغي منك أن تعصيها في ذلك ، إلا أن تكون المدرسة فيها اختلاط ، أو فيها أمور أخرى تضرك في دينك ، فالواجب عليك والحال ما ذكر ترك الدراسة ، ولو لم ترض أمك أو أبوك ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (إنما الطاعة في المعروف )وقال صلى الله عليه وسلم : (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .
وفق الله الجميع ، وصلى الله على محمد ، وآله وصحبه أجمعين[5] .
كراهة فتاة لأمها بسبب عيشها مع والدها بعد طلاق أمها :
- 318 - س : فتاة تكره أمها كراهة شديدة ، والأم لا تعرف ذلك ، وهذه الفتاة عاشت بعيدة عن أمها مع والدها ولم ترها إلا في الكبر بسبب طلاق الأم لظروف عائلية ، مع العلم أنها تقدم لأمها الهدايا وقد سألت بعض العلماء ، فقالوا : إن ميل القلوب لا يحاسب عليه الرب فما رأيكم؟
ج : لا ريب أن القلوب بيد الله عز وجل يصرفها كيف يشاء سبحانه وتعالى ، فالمحبة والكراهة أمران بيد الله عز وجل ، لكن لهما أسباب ، فإذا كانت الوالدة ذات عطف على البنت وعناية بشئونها فإن هذا من أسباب المحبة .
وإذا كانت الوالدة ليست كذلك عندها إعراض عن البنت وعدم اكتراث بها ، أو طالت غيبتها عنها- كما هو حال السائلة- فإن هذا قد يسبب شيئا من الكراهة والجفوة . والواجب على الفتاة المذكورة تقوى الله في ذلك ، وأن تحرص على صلة أمها والإحسان إليها ، والكلام الطيب معها في جميع الأحوال ، وأن تسأل ربها بأن يشرح صدرها لمحبة والدتها ، فإن حق الوالدة عظيم ، فإن لم تستطع ذلك فالأمر بيد الله ولا يضرها ذلك . ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم يا مقلب القلوب ، ثبت قلوبنا على دينك ، ويا مصرف القلوب ، صرف قلبي على طاعتك " فالقلوب بيد الله عز وجل ، وهو يقلبها كيف يشاء سبحانه . فالواجب أن تضرع البنت المذكورة إلى الله سبحانه ، وتسأله أن
يشرح صدرها لمحبة أمها والقيام بحقها كما شرع الله . وعليها أن تفعل ما تستطيع من البر والصلة والهدايا ، وغير ذلك من أنواع البر ، فإذا صدقت في ذلك هيأ الله لها كل خير ، يقول الله عز وجل : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ويقول سبحانه : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا .[6]
كيفيـة بـر الوالـدين بعـد مـوتهما
س : كيف أبـر أمي بعـد مـوتها؟
من س . م نجران - السعودية
ج : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله سائل فقال يا رسول الله : هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما فقال عليه الصلاة والسلام : (الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما )هذا كله من بر الوالدين بعد وفاتهما .
فنوصيك بالدعاء للوالدة والاستغفار لها وتنفيذ وصيتها الشرعية وإكرام أصدقائها وصلة أخوالك وخالاتك وسائر أقاربك من جهة الأم . وفقك الله ويسر أمرك . وتقبل منا ومنك ومن كل مسلم . والله الموفق .[7]
الطاعة في المعروف :
القارئ م . أ . س من الرياض بعث إلينا السؤال التالي :
س : إنني أشتغل منذ عدة سنوات بتحفيظ القرآن الكريم في مكان بعيد عن المدينة التي يسكن فيها والداي ولذا فهما يطلبان مني أن أترك التدريس وأعمل مع أحد إخواني الذين يسكنون عندهما وأنا متردد في هذا الأمر؟ لأني أخشى أن أترك التدريس فيضيع الطلاب وينسوا ما حفظوه من القرآن الكريم . فما تنصحوني جزاكم الله خيرا؟ .
ج : ننصحك بالاستمرار في تحفيظ القرآن الكريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(خيركم من تعلم القرآن وعلمه )أخرجه الإمام البخاري في صحيحه ، ولما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين ، ولا تلزمك طاعة والديك في ترك ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما الطاعة في المعروف )ويشرع لك الاعتذار إليهما بالكلام الطيب والأسلوب الحسن . وبالله التوفيق

س : لي ولد وقد تجاوز العشرين من عمره ، ويدرس في الجامعة ودائما يتخاصم مع والدته بحجة أنها ترفع صوتها على إخوانه في المنزل ، فهو الآن لا يسلم عليها ، وقد هجرها منذ شهرين ، وحتى الآن يدخل البيت ويأكل ويشرب وينام ، ولكن لا يسلم عليها أبدا؟ . . ما موقفي منه باعتباري والده . . علما بأني نصحته ورفض مرارا وتكرارا ولا زال مصرا على عصيانه . أفيدونا جزاكم الله خيرا ؟ .
جـ : هذا جاهل مركب ، قد ارتكب منكرا عظيما ، وعقوقا كبيرا ، نسأل الله لنا وله الهداية . . فالواجب تحذيره من ذلك ، ومنعه من هذا العقوق ولو بالضرب ، أو منعه من البيت بالكلية ، أو بغير ذلك من أنواع التأديب المناسبة ، إذا كان ما ينفع فيه الكلام ، ولا بأس من رفع أمره إلى الهيئة أو إلى المحكمة إذا لم يستطع والده علاج الموضوع أصلحه الله وألهمه رشده وكفاه شر نفسه. [8].
الواجب على العاق لوالديه الاستغفار والدعاء لهما بعد موتهما :

س : ما صحة هذا الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن العبد ليموت والداه أو أحدهما وإنه لهما لعاق فلا يزال يدعو لهما ويستغفر لهما حتى يكتب عند الله بارا ؟
ج : لا أعرف حال هذا الحديث ، ولا أدري عن صحته ولكن المعنى صحيح ، فإن الدعاء للوالدين والاستغفار لهما والصدقة عنهما من جملة البر . بعد الموت ، ولعل الله يخفف عنه بذلك مل سبق منه من عقوق مع التوبة الصادقة ، وعليه أن يتوب إلى الله ويندم على ما فعل ويكثر من الاستغفار والدعاء لهما بالرحمة والعفو والمغفرة مع الإكثار من الصدقة عنهما ، فإن هذا كله مما شرعه الله تعالى في حق الولد لوالديه : فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم (أنه سأله سائل فقال يا رسول الله هل بقي لوالدي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال عليه الصلاة والسلام نعم والصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ) .
والصلاة عليهما : يعني الدعاء لهما ؛ ومن ذلك صلاة الجنازة ، والاستغفار لهما : أي طلب المغفرة من الله لهما ، وإنفاذ عهدهما : يعني وصاياهما إذا أوصيا بشيء لا يخالف الشرع ، فمن برهما تنفيذ الوصية الموافقة للشرع ، وإكرام صديقهما : أي أصدقاء والديه يكرمهم ويحسن إليهم ويراعي حقوق الصداقة بينهم وبين والديه ، وإن كان الصديق فقيرا واساه ، وإن كان غير فقير اتصل به للسلام عليه والسؤال عن حاله استصحابا للصداقة التي بينهم وبين والديه إذا كان ذلك الصديق ليس ممن يستحق الهجر ، كذلك صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما كالإحسان إلى أخواله وأعمامه وأقاربه من جهة أبيه وأمه ، فكل هذا من بر الوالدين .[9]
حكم من هجر والدته :
س : سأل الأخ م . ق . ل من جيران يقول : هناك رجل طالب علم يصلي ويصوم ويتصدق لكن مع الأسف قد هجر أمه . فهل صلاته وصدقته وصومه تنفعه وهو هاجر لأمه لا يلتفت إليها وهي مؤمنة تصلي وتصوم ونحن نعرفها بذلك؟
ج : هجر المسلم لأمه منكر وعقوق عظيم ويجن عليه التوبة إلى الله من ذلك وعليه أن يرجع إلى برها والإحسان إليها والأخذ بخاطرها واستسماحها هذا هو الواجب عليه وليس له أن يبقى على الهجر والعقوق ، لأن هذا منكر عظيم وكبيرة عظيمة فيجن عليه تركها واستسماح والدته وطلب رضاها والتوبة إلى الله من ذلك سبحانه وتعالى . أما صلاته وصومه وعباداته فلا تبطل . فعباداته صحيحة وأعماله صحيحة إذا أداها على الوجه الشرعي ، ولكن يكون إيمانه ضعيفا بكون إيمانه ناقصا بهذه المعصية . فلبى المعاصي عند أهل السنة تنقط الإيمان وتضعف الإيمان ولكن لا يكفر صاحبها إنما يكفر بالكبيرة عند الخوارج الذين يكفرون بالذنوب ، وهم ظلمة فجرة في هذا القول فقد أخطئوا وغلطوا عند أهل السنة والجماعة . وأما أهل السنة فإنهم يقولون : المعصية تنقص الإيمان ولكن لا يكون صاحبها كافرا ولا خالدا في النار بل هو عاص ومعصيته تنقص إيمانه وتضعف إيمانه وتسبب غضب الله عليه وهو على خطر منها بأن يدخل النار ولكن لا يكون كافرا ، وحتى لو دخل النار لا يخلد فيها هكذا يقول أهل السنة والجماعة فيهم ، لا يخلدون العصاة في النار إذا دخلوا بمعاصيهم .
فالحاصل أن هجره لأمه معصية وكبيرة بل وعقوق ولكن لا يكون ذلك من أسباب كفره ولا بطلان عمله إلا إذا استحل ذلك ورأى أن عقوق والديه حلال فهذا يكون كافرا نعوذ بالله من استحلال عقوق الوالدين . فإن من عمل ذلك ورأى أنه حلال أو استحل الربا ورأى أنه حلال أو استحل الزنا ورأى أنه حلال هذا يكون كافرا مرتدا عن الإسلام إلا أن يكون مشركا وجاهلا لبعده عن الإسلام كالذي نشأ في بلاد بعيدة عن الإسلام يجب أن يعلم أمور الإسلام ويبين له أن عقوق الوالدين مما حرمه الله على عباده ، فالبر بالوالدين مما أوجبه الله على كل مسلم وإن عقوقها مما حرمه الله ، فإذا علم الجاهل وبين الأمر لمن دخل في الإسلام ثم أصر يكون كافرا نعوذ بالله وإذا كان طالب علم فكبيرته أشد نعوذ بالله من ذلك .[10]
* * *
فاللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعلنا بارّين بوالدينا أحياء وأمواتاً ، وارحمهما كما ربيانا صغاراً ، اللهم ارفع درجاتهم ، وكفرّ سيئاتهم ، وارزقهم الدرجات العلى في جنات النعيم ، واجزهم عنا خير الجزاء ، ونعوذ بك من نسيانهم أو عقوقهم .. اللهم اغفر لنا تقصيرنا معهم ، واجعل ما نقوم به من أعمالٍ ترضاها كفارةً لنا عن إساءتنا إليهم ، واجعل لهم من ثواب أعمالنا نصيباً فنحن من كسبهم ، ولا تفتنّا بعدهم ، ولا تحرمنا أجرهم ، واغفر لنا ولهم برحمتك يا أرحم الراحمين ..
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وإمامنا وشفيعنا يوم القيامة ، محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .




الفهارس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضـــوع الصفحة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



[1] - هذه والتي قبلها ، مقتبس من موقع الإسلام بتصرف ( مرجع سابق )

[2] - تحقيق الألباني رحمه الله ‌(‌صحيح‌)‌ انظر حديث رقم‌:‌ 793 في صحيح الجامع‌.‌

[3]- رواه أبو داود . رياض الصالحين . برقم 343 -باب بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه .

[4] - مجموع فتاوى ومقالات الشيخ بن باز رحمة الله عليه . المجلد الثامن .

[5] - المرجع السابق .

[6] - السابق .

[7] - السابق .

[8] - السابق الجزء الخامس .

[9]- مجموع فتاوى الشيخ . المجلد التاسع .

[10] - فتاوى الشيخ . مج السابع .


 
مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 02/11/2009, 02:44 PM   #9


الرميصاء âيه ôîًَىà

 عضويتي » 17694
 تسجيلي » Sep 2009
 آخر حضور » 06/08/2014 (01:48 PM)
مشآركاتي » 4,995
 نقآطي » 1085
دولتي » دولتي الحبيبه
جنسي  »
 
 Awards Showcase »
افتراضي



الأخ الكريم صقر الجنوب والداعيه الفاضل الأخ موسى بن محمد تصفحت ماطرحته اخي صقر من تأليف ألأخ موسى جزاكما الله الجنة ورفع به منزلتكما وأعلى به شأنكما وبارك الله لكما في صحتكما وأموالكما وذريتكما ورزقكما بر والديكما أحياء وامواتا وجعلكما من المقبولين عند رب العالمين و الداعين اليه بما يحب ويرضى


 

رد مع اقتباس
قديم 02/11/2009, 03:15 PM   #10
المؤسس والمشـــرف العــــام


صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



بارك الله فيك اختي الفاضلة الرميصاء على هذا الكلام الطيب والدعوات الطيبة
وشيخنا الفاضل هو احد ابناء رباع البررة وهو الان يتواجد بمصر الكنانة لتحضير
الدكتوراه نسال الله ان يوفقه لنيلها ان شاء الله


 
مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
إضافة رد


(مشاهدة الكل عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 :
لا يوجد أعضاء

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الإعلانات النصية ( أصدقاء الأكاديمية )

انشر مواضيعك بالمواقع العالمية من خلال الضغط على ايقونة النشر الموجودة اعلاه

الساعة الآن 03:55 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظة © لأكاديمية العرضة الجنوبية رباع

a.d - i.s.s.w