من صعاليك العصر الجاهلي في منطقة الباحة.. الشنفرى.. صاحب لامية العرب

من صعاليك العصر الجاهلي في منطقة الباحة.. الشنفرى.. صاحب لامية العرب





الصعلوك في كلام العرب هو الفقير، قال حاتم طيّ:
غنينا زماناً بالتصعلك والغنى
فكلاً سقاناه بكأسيهما الدهر
فما زادنا بغياً على ذي قرابة
غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، قال أبو عبيده: معناها يستنصر.
والصعاليك فئات متنوعة، فمنهم الفقير العاجز، ومنهم الفقير الشرس، ومنهم النبيل الذي لا يرضى أن تُمس كرامته كأبي خُراش الهُذلي، القائل:
مخافة أن أحيا برغم وذلة
وللموت خير من حياة على رغم
ومنهم الشهم الذي يعطف على غيره، مثل ابن الورد الذي قال فيه عبدالملك بن مروان:
من زعم أن حاتماً أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد؛ فهو القائل:
أفرق جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء والماء بارد
ومنهم من يرى أن حقه في يد غيره، وبخاصة الأغنياء البخلاء، فيترصد لهم، ويفتك بهم، ليأخذ حقة منهم، كعمر بن براق الهمداني، وهو القائل:
متى تملك القلب الذكي وصارماً
وأنفاً حمياً تجتنبك المظالم
الشنفرى.. اسمه ومكان حياته
اسمه: ثابت بن أوس الأزدي -على الأرجح، والشنفرى لقبه لغلظة شفتيه، فأمه حبشية. قُتل أبوه وهو طفل، فنشأ يتيماً، أسيراً في بني سلامان، يرعى البهم لأحدهم في جبال وأودية القرى بمنطقة الباحة، وبالتحديد في الناصف بوادي بيدة (أبيدة قديماً)، وكان يظن أنه منهم. وفي قصته مع ابنة الذي يرعى له البهم، علم أنه أسير عند السلاماني، وأنه من الحجر بن الهنوء من الأزد، ووالده من علية القوم، فقال مخاطباً الفتاه:
إذا ما أروم الود بيني وبينها
يروم بياض الوجه مني يمينها
أليس أبي خير الأواس وغيرها
وأمي ابنة الأحرار لو تعلمينها
فسمعه والدها، فقال له: لولا خوفي من قومي لزوجتك هذه الفتاة، فوعده بأخذ الثأر له إن قُتل، فزوجه السلاماني، فقتله قومه، حيث لا يرون كفاءة الشنفرى لمُصاهرتهم. وبعد مدة قالت الفتاة لزوجها الشنفرى: لم تفِ بوعدك لأبي، فقال:
كأن قد فلا يغررك مني تمكني
سلكت طريقاً بين أرباع فالسرد
وإني زعيم أن ثور عجاجتي
على ذي كساء من سلامان أو برد
فصار يغير على بني سلامان، ويعرفون أفواق رماحه في قتلاهم.
ثم حجّ، وقيل له هذا قاتل أبيك، وهو حِزام بن جابر، فقتله في مِنى، وقال:
قتلت حزاماً محرماً بملبد
فتَكت به بين الحجيج المصوت
وبعد مدة رآه رجل في سوق حباشة في أبيدة، فلقي أخا حِزام المقتول، ويدعى أُسيد بن جابر، فأخبره بمكان الشنفرى، فقال له أُسيد: والله لا نرجع حتى نأكل من صعارير ليف أبيدة، وليف أحد روافد بيدة، ويسمى ليف إلى اليوم، وينبت فيه النفل والزبيدي ذو الصعارير التي ذكرها أُسيد -ثمر يؤكل، وتم لأسيد بن جابر وصاحبه أن رصدا للشنفرى ليلاً في الناصف من أبيدة وقتلاه، وكان ذلك نحو العام 70 ق.هـ 525 م.
والناصف لا يزال معروفاً بهذا الاسم، وغربه يوجد جبل الرُمحة المعروف، وقد ذكرته المصادر القديمة.
ويقع في مركز معشوقة بمحافظة القرى، حيث يبعد عن مدينة الباحة نحو 60 كم، إلى الشمال منها.
ومن الأماكن التي ذكرها الشنفرى، وتحتفظ بمسمياتها إلى اليوم في منطقة الباحة:
قرية الرأس في بيدة، ووادي منحل؛ قال الشنفرى:
ويوم بذات الرأس أو بطن منحل
ه نالك نبغي القاصي المتغورا
ووصف وادي بيدة فقال:
وواد بعيد العمق ضنك جماعه
بواطنه للجن والأسد مألف
كما ذكر وادي دحيس، وهو بمحافظة القرى، بمنطقة الباحة أيضاً، فقال:

قتيلي فجار أنتما إن قتلتما
بوادي دحيس أو تبالة يا اسمعا
وتبالة فيها تصحيف والصواب تالبة، وهو شعب معروف بالقرب من دحيس المذكور. وكذلك ذكر قرية رباع فيما سبق وقرية العصداء في قوله:
وأصبح بالعصداء أبغي سراتهم
وأسلك خلاً بين أرباع والسرد
وهما قريتان من بني حسن/زهران، معروفتان منذ القِدم.
كما ذكر أماكن في المنطقة كجبال قو، وفي ذلك تصحيف من قوب، وهو وادٍ يخترق مدينه الباحة، وغربه تقع قرى بيضان، قال الشنفرى:
إذا أصبحت بين جبال قو
وبيضان القرى لم تحذريني
وما ينبغي الإشارة إليه أن بعض الأماكن تذكر في مكان بعيد عن بيئة الشنفرى، والسبب هو تشابه أسماء الأماكن، حيث توجد قرى وشعاب في أماكن متباعدة وبالاسم نفسه، مما يجعل اللبس يحدث لدى القارئ أحياناً.
لامية العرب
وهي القصيدة التي نظمها الشنفرى، وسميت بهذا الاسم لمكانتها الأدبية وجزالة معناها، وما حظيت به من اهتمام النقاد في العصور القديمة، ومطلعها:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم
فإني إلى قوم سواكم لأميل
ومنها قوله:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن
بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
ومنها قوله:
وأستف ترب الأرض كي لا يرى
له عليّ من الطول امرؤ متطول
ومنها قولة:
وإني لمولى الصبر أجتاب بزّه
على مثل قلب السمع والحزم أفعل
وذلك يدل على أخلاق مثالية في العرب، ذكرها رسول الله صلى الله علية وسلم، فقال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) - أو كما قال صلى الله عليه وسلم. والحمد لله رب العالمين.