الشاعر العبقري أبو جعيدى شاعر غامد الأول .

إخواني وأخواتي الأكارم أسعد الله أوقاتكم بكل خير وبعد :
يطيب لي أن أُقدم لكم نبذة مختصرة وبسيطة عن الشاعر العبقري ( أبو جعيدي ) أو الأعمى كما كان يلقب رحمه الله تعالى فقد كان بحق شاعر غامد الأول وكان لسانها في المحافل القبلية المتنوعة ، كما أنه أيضاً لسان حال الناس ، وهو كغيره من الشعراء يُعبِّر بصدق عن فترته الزمنية التي عاش فيها ، وحين نتأمل تلك الفترة من خلال قصائد ( أبو جعيدي ) نجد أنها هي الفترة التي حملت بذور التغيير الفعلية في العقل الاجتماعي .

التغيير بين حُقبتين .. بين عصرين وجيلين .. جيل ( الأولين ) أهل العمل والكفاح وفلسفتهم في الحياة .. وجيل الموظفين الجدد وطريقة معيشتهم وأسلوب حياتهم الذي فرض عليهم ذلك التغيير .. ليتسنّى لنا القول بعد ذلك أن تلك الفترة كانت بحق فترة تغيير عنيف في العقل الإجتماعي .. من خلال تصارع قطبي المجتمع آنذاك ، الأبناء والآباء .

في ذلك العصر كان الموقف من تعليم البنات ومن المرأة عموماً موقف الرافض المانع المستبد .. لم يجد الشاعر ( أبو جعيدي ) بُدّاً من التعبير عن فترته بصدق ، ليعكس لنا ذلك الشعر الذي وصّل إلينا خلفيات العقل الإجتماعي آنذاك وأدوات تفكيره .

يقول في تعليم البنات :

بو جعيدي قال يا ذا تحب العسعسه
خذ من أهل المدرسه
المشط والطيب والمكحله في عِبّها
عينها في جنبها
ما تسير إلا تمايل تشوف خيالها
ما تدبّر حالها
وشوال الجنّ ترخي بناقه من ورا
ذيك مقطوع الذرى
والله لو ما آخذ لي إلا من قيان المظيلف
يا بنات المدرسه ما يرحنه بيتنا

وقال أيضاً في نقده لتغيُّر موقف الرجال من موقع الإستبداد والسيطرة إلى موقع الطاعة للمرأة ، ولعله يقصد ذلك الجيل الذي يلمزه دائماً في قصائده حيث يقول :

بو جعيدي قال ما عاد في الرجال خير
من شطير إلى مطير
المره عادت تسيطر على رجّالها
لين تستوفي ذا لها
ما البناجر والدبل والخواتم والحقو
كم نصحناهم وأبوا
المره عادت تلاعب نجوم الصبح قيله
ما اسمع إلا رنّة الأرض وصلاصيلها

وقال يحكي موقفاً طريفاً .. ولكن أراد من خلاله إيصال فكرة تسلّط النساء وتمردهن على الرجال :

بو جعيدي يقول ما احلى مسا بيتنا
لو يكن ما يجي لي إلا ملا الكاس ماء
خير لي من خروف يطبخه لي فلان
اشتهي العيش لكن يا سمي من عباه
لو نقل للمره سوّي لنا مُدّ عيش
شلّت السوط والمصوط وقامت بثورة
يالله هبهب عليها وانتمص عقلها

وقال أيضا منتقداً جلوس المرأة في البيت وتحمّل الرجل وحده عبء الحياة اليومية بعد أن كانت شريكة له في هموم الحياة :

بو جعيدي قال بقعا تجي بعض النساء
ما لها غير العصا
الرجل يجمع مقاضي وهي فوق السرير
كم تشكِّل ما العصير
إذا جا تعبان قامت تمطِّع في القماش
تحسب الدنيا بلاش
والله خمس أيمان ما لي بحرمه ما لها بي
لعنبو بيتٍ جلبها ومالٍ جابها

خلاصة القول ، دعونا نتأمل كيف هي سُـنّة التغيير تعصف بالمجتمعات والدول ، ومجتمعنا بالذات يأخذ فيه التغيير شكلاً عاصفياً متسارعاً كل فترة ، نحن أيضاً سيكون لنا صراع مع أبنائنا ، صراع ربما سيكون أشدّ وأنكى ، لأن الجيل القادم هو أول من سيضع قدميه على أعتاب العولمة أو العالم الجديد .

لم تقف السلطة الثقافية ( الشعر ) آنذاك ولا السلطة الإجتماعية بكل ما أوتيت في وجه التغيير الذي فرض حضوره رغماً عن الجميع ، ومع ذلك فهو لا يقف ولا ندري إلى أين يسير ، ولكن المهم والأهم هو كيف نتعامل معه بواقعية وحكمة لنجد طريقة أكثر تصالحاً معه لكي نُبقي على البقية الباقية من جمالياتنا ، تلك التي لو أُكتُسِحت هي أيضاً فلن يكون لها بعث مرة أخرى .

أبو جعيدي كان ينتقد إحتواء شُنط الطالبات على ( المشط والطيب والمكحلة ) كيف يا أبو جعيدي لو عرفت اليوم أن تلك الشُنط أصبحت تحتوي على جوالات كاميرا ومكياج ماركات عالمية بدلاً من المكحلة ، وما خفي كان أعظم !!!!