فيحة الـثـريـا
في مثل هذه الأيام من كل عام كان الناس يعُدّون العدة لكي يستقبلوا أشد أيام السنة عناءً ومشقةً ، إنه موسم الحصاد ، فبعد إنتها أيام الشتاء القارسة البرودة ودخول فصل الصيف يكون موسم حصاد البر والشعير .
ولكل عمل زراعي موسم مُعيّن يعرفه الفلاحون ، ويُوقّـتون له توقيتاً دقيقاً ، وذلك من شق الأرض وبذر الحبوب والثمار وغرس الأشجار وحصادها ونحو ذلك ، وعدم الدقة في التوقيت قد يُسبب نقصاً في المحصول أو عدم جودته أو حصول عاهة فيه ، وقد يـتـقـدّم أهل شعـف الجبال عن السهول في الحساب بثمانية أيام تقريباً وكبار السن يعرفون حساب المنازل الفلكية بالخبرة والممارسة و نوء الثريا عادة يدخل في 17 من برج الجوزاء الموافق 7 يونيه 2012 م الموافق بالهجري لهذه السنة 17 رجب أي بعد 5 أيام من الآن وهو آخر موسم حصاد البر والشعير .
كيفية الحصاد والدياس قديماً
كان الحصادُ يتم بطريقةٍ بدائيةٍ جداً حيث كن نساء الجماعة في القرية الواحدة يتجمّعن في الصباح الباكر ويذهبن لقطعة الأرض المطلوب حصادها ( الركيب ) ويصطفـيـن صفاّ واحداً ثم يقمن بالحصاد بطريقة منـتـظـمة وبشكل موحد بواسطة أداة إسمها ( الشريم أو المحش ) وفي أغلب الأحيان لا يـبـقـيـن في قطعة الأرض أكثر من ثلاث ساعات أو أربع حسب المساحة وعدد النساء ، وبعد الحصاد يتم حمله إلى ( الجرين ) وهو منطقة فسيحة ومستوية كانت في الماضي ترصف بواسطة الحصى المستوية وتسوى أرضيته بالطين ( الخلبة ) ويتم حمل المحصول ( الصرام ) بواسطة الناس أو الجمال أو الحمير حيث يتم تحميل الجمل حِمل يوازي حملة الونيت في وقـتـنا الحالي ، وبعد أن يتم نقل المحصول يتم تجفيفه عدة أيام وتقلـيـبـه في كل صباح بواسطة أداة خشـبـيـة تسمى ( المقلبة ) وبعد إن يُصبح الحصاد يابساً يتم إحضار ثورين وتوضع على رقـبـتـيـهما أداة خشـبـيـة تسمى ( الـجُـو ) ويربط في منـتـصـفـه حبل يصل طرفة الآخر إلى حجر الدياس المسمى ( المدمس ) وهو عبارة عن حجر مربع أو مستطيل الشكل وعادة ما يكون من حجر ( الخورم ) يكون مخروق الرأس بحيث يُربط الحبل من خلاله أو يُلف الحبل عليه ثم يبدأ ( الدياس ) ويستمر من الساعة السابعة صباحاً حتى وقت العصر يقوم خلاله الثوران باللف والدوران بعكس إتجاه عقارب الساعة ويكون هناك أحد من إفراد العائلة يُسيطر على العمل ويقف على الحجر ويكون ذلك بالـتـنـاوب بين النساء والرجال وحتى الأطفال ، وبعد أن يتم الدياس للمحصول بالكامل يتم تجميعه في مكان واحد يسمى ( الحريص ) وفي اليوم التالي تقوم نساء العائلة أو الجماعة بفصل الحب عن ( الرفة ، العلف ) وذلك بواسطة الـتـيـارات الهوائية حيث يتم معرفة إتجاهها ثم يتم رفع المحصول بين الأذرع بشكل متوازي بين فردين من أفراد العائلة ثم يـتـم تركه يـتـخـلل الـيـديـن بطريقة جميلة جـداً تسـمى ( التذرية ) فـيـقـوم الهواء بدفع العلف ( الرفه ) وترك الحب يسقط على الأرض ويتم الإنتهاء من ( التذرية ) خلال يوم أو يومين أو أكثر حسب نشاط الأسرة وكمية المحصول وبعدها يُحـمَـل الحب إلى مكان الـتـخـزيـن بواسطة أكياس الخيش أو براميل ، ويُقسّم بين العوائل إذا كانت مُشتركة فيه ، ويُدفع حق الزكاة منه ثم يُحمل ( العلف ) إلى محل للـتـخـزيـن ليكون غذاءً للماشية طوال فترة الشتاء .
وهذا بإختصار شديد ما كان يقوم به أهل القرى قديماً في موسم الحصاد والدياس والتذرية .