إهداءات |
لقاءات الأكاديمية إستضافة أحد المسؤولين او المبدعين المثقفين لنتعرف على الجوانب الشخصية والثقافية في حياته سواء من المنتدى او خارجه ( كافة اللقاءات توضع هنا ) |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||||||||||||
|
|||||||||||||
عمرو العامري : الأمم تمضي والشعوب تتقدم ونحن نتعارك على الطائفة والقبيلة والمنطقة
قال: ظلمتنا العسكرية عندما عزلتنا في مدن وقواعد محاطة بأسوار وأسرار وأوامر
عمرو العامري : الأمم تمضي والشعوب تتقدم ونحن نتعارك على الطائفة والقبيلة والمنطقة - مؤسساتنا الثقافية تجتر الأسماء والحكايات والفعاليات نفسها - علينا التخلي عن وَهْم الخصوصية فمجتمعنا يعاني فقر الوفاء - داهمتنا أدبيات الصحوة فحولت الأنشطة الثقافية والفنية إلى محاضرات ومسابقات دينية - المثقف دائماً محل شك وينظر إليه كمفسد ومخلخل للنسق والسلام الاجتماعي - المثقفون والمبدعون إما مفلسون أو مأزومون أو روَّاد للعيادات النفسية.. ويحيون وحشة الاغتراب - جُلّ مبدعينا موظفون حكوميون في قطاعات مختلفة.. والمبدع هو من يصنع ذاته أجرى الحوار: شقران الرشيدي- سبق- الرياض: يقول الأديب والقاص والأدميرال البحري عمرو العامري إن المثقف دائماً محل شك، ويُنظر إليه كمفسد، ومخلخل للنسق والسلام الاجتماعي، وكلما كان المثقف طليعياً توسعت نظرة الشك إليه؛ لأننا – كما يؤكد - نحيا في مجتمع سكوني، يفضل الإبقاء على الأشياء كما هي. ويشير في حواره مع "سبق" إلى أن أغلب المثقفين والمبدعين السعوديين إما مفلسون أو مأزومون أو روّاد للعيادات النفسية، ويحيون وحشة الاغتراب، وجل مبدعينا موظفون حكوميون في قطاعات مختلفة. ويتحدث العامري بنبرة حزينة عن المؤسسة العسكرية بأنها عزلت العسكريين عن المجتمع، وأقامت مدناً وقواعد عسكرية محاطة بأسوار وأسرار، وأوامر صارمة. ويشير إلى تحول الفعاليات الثقافية والفنية التي داهمتها أدبيات الصحوة إلى محاضرات ومسابقات دينية، واختفى أي فعل ثقافي جاد. وتحدث العامري في شؤون الثقافة، الأدب، المجتمع، الرياضة، المرأة، العسكرية والحياة.. فإلى تفاصيل الحوار: * أي أنواع الفرح يسكن "عمرو العامري" هذه الأيام؟ - سيدي، لا تخلو الحياة رغم منغصاتها من الفرح.. كل يوم تشرق فيه الشمس هو وعد بفرح ما.. الأصدقاء الجميلون الذين يحيطون بنا.. كتب لم نقرأها.. بلاد تنتظرنا أن نراها.. هِبات الحياة التي لا تنضب، ونعم الله الكثيرة. الحياة جميلة؛ وتستحق أن تعاش.. فقط أن نكون نحن جديرين بهذه الهبة الإلهية التي مُنحت لنا، ومنحتنا سيادة هذا الكون، وأن نكرر عيد وفرح الحياة كل يوم. * مثقف مهم، قاص مبدع وعسكري "ضابط بحري كبير" منذ وقت طويل، كيف أمكنك الجمع بين رهافة المثقفين و"صرامة" العسكريين في ذات واحدة؟ - شيطان ما في هذا العالم اخترع مقولة إن العسكر صارمون ومسكونون بالعبوس، وربما دون مشاعر.. العسكري قبل كل شيء فرد من هؤلاء الناس.. ربما يحتمي البعض منهم بالصرامة، وهيبة البدلة العسكرية أثناء العمل، وعندما يتحرر منهما يعود ذلك الإنسان.. الشاعر، والعاشق، والكاتب والمبدع، كصاحب أي مهنة أخرى. نحن ظلمتنا المؤسسة العسكرية كثيراً عندما عزلتنا عن المجتمع، وأقامت لنا مدناً وقواعد عسكرية محاطة بأسوار وأسرار، وأوامر صارمة؛ ولهذا تصحرت أرواحنا وسط عالم يتكرر صباح مساء. وفي البدء كانت هناك فعاليات ثقافية وفنية داخل هذه المؤسسات العسكرية، لكنها هي أيضاً، وككل المجتمع، داهمتها أدبيات الصحوة، وتحولت هذه الأنشطة إلى محاضرات ومسابقات دينية، واختفى أي فعل ثقافي جاد. لكني ومنذ البدء تمردت على كل ذلك.. لأني التحقت بهذه المؤسسة وأنا أنتمي إلى نادٍ أدبي، وأمارس القراءة والكتابة، وبقيت كذلك باسمي أحياناً، وباسم مستعار أحياناً، حتى تحررت تماماً من ذلك بعد التقاعد، وعدت للكتابة دون قيد. وأدين لهذا التمرد كثيراً أن أبقى داخلي قلق المثقف وهاجس الباحث عن المعرفة.. هذا الهاجس المضني والمقلق هو ما جعلني الآن ضيفاً هنا في "سبق"، ووسع لي دائرة العلاقات الإنسانية بمعناها الأشمل. * كتابك "ليس للأدميرال من يكاتبه" اعتبره الكثيرون سيرة ذاتية ممتعة، حملت همومك الخاصة، وانكساراتك من قرى جازان إلى بحار العالم، ومحطاته المختلفة.. ما الذي دفعك لكتابتها، ورصدها بهذا الشكل؟ - لا أجد غضاضة في القول إني لم أكن أنوي كتابة سيرة أو مذكرات.. وربما الفضل يعود إلى أحد المنتديات التي استضافتني في أمسية رمضانية لأتحدث عن محطات حياتي.. ووجدت لدى الناس قبولاً طيباً لما أكتب. حينها بدأت مرحلة التداعيات واستعادة ما يمكن استعادته من فضاءات الذاكرة مسكوناً بهاجس الحنين وجرد حسابات الربح والخسارة. تذكرت أشياء، وأسقطت عمداً أشياء أكثر، إما لقسم المهنة، وإما لأن المجتمع لن يتقبل ما سوف أروي. اجتهدت بقدر ما استطعت، وحاولت أن أكون صادقاً بقدر بما أستطيع، واعتذرت عن العجز عن البوح بالأجمل.. ثم دفعت بها، وأسعدني أنها لقيت قبولاً وصدى طيباً لدى الناس. فاجأني حقاً، ولا يمر يوم دون أن أتلقى رسالة أو متابعة وإشادة بما كتبت؛ ربما لأني ركزت كثيراً على الشق الإنساني، ولأن الناس تريد معرفة هذا العالم الغامض.. العالم العسكري. وحده القطاع الذي كنت أنتمي إليه لم يكن سعيداً بما كتبت.. ولم يقل لي أحدٌ منهم أحسنت أو أسأت، ولم يحتفِ بما كتبت، رغم أن ثقافة كتابة المذكرات قليلة جداً في هذا القطاع، وقد أدعي أني الوحيد الذي فعل ذلك رغم أن غيري يمتلك أكثر مما امتلكت من غنى التجربة. وحتى هذه اللحظة لا أعرف السبب. وبالطبع لن أعرف. * من خلال تجربتك العريضة، هل تتاح أمام الإنسان خيارات كثيرة في مشوار حياته؟ - إن كنت قد فهمت سؤالك فأقول نعم.. لكن العون والتوجيه مهم جداً.. والحظ مهم جداً، والإصرار مهم جداً.. وقبل ذلك توفيق الله. وأنا أعترف بأن مشكلتي كانت النهايات الأخيرة في كل ما أفعل. كنت أغرق قرب الشاطئ كل مرة.. وأنا لست سعيداً بما أنجزت. كان يمكن لي أن أحقق أكثر، غير أن الحياة لا تهبنا كل شيء. * ثقافتنا العربية والإسلامية الراقية، وديننا القويم.. كيف نقدمها بشكل صحيح للعالم الآخر؟ - قد أتحفظ على مصطلح " ثقافتنا العربية"؛ الثقافة في رأيي ميراث إنساني تفاعلي.. نحن نأخذ من الآخر، والآخر أيضاً يأخذ منا متى ما كان لدينا ما نمنحه للآخر. وأظن أن الانكفاء باسم الهوية وباسم الدين لن يفعل أكثر من تكريس رفضنا للآخر والسير بعيداً عن ركب الحضارة الإنسانية. وأخاف أن أقول إننا نعزف نغمة نشاز. فقط لنكن نحن.. لنكن صادقين فيما نفعل، وسنصل للآخر.. والعالم كل العالم قرية صغيرة، يرى ويسمع ويشاهد ما نفعل في حياتا كل يوم. * لاعبو كرة القدم والفنانون تغرقهم الملايين من الريالات، في حين لا يزال مثقفونا يموتون مفلسين.. ما السبب؟ - أن يكون لاعبو كرة القدم والفنانون من أصحاب الملايين فشيء طبيعي في كل العالم.. في زمن صناعة النجم.. وطبيعي أن يكون في مجتمعنا أيضاً. والعالم الآن سوق كبير لا أكثر، واللاعب والفنان مولد جيد لهذا السوق. غير الطبيعي هو الإهمال والتجاهل للمثقف والمبدع من قِبل السلطة والمجتمع على السواء، بل إن المثقف دائماً محل شك، ويُنظر إليه كمفسد ومخلخل للنسق والسلام الاجتماعي، وكل ما كان المثقف طليعياً توسعت نظرة الشك إليه؛ لأننا نحيا في مجتمع سكوني، يفضل الإبقاء على الأشياء كما هي، ويقاوم التغيير، والمثقف (وأعني المثقف الحقيقي) دائماً طليعي، وتنويري، وسابق لعصره، وهو صوت الحقيقة، ونصير المهمشين والمظلومين دون الرضوخ لذائقة العامة؛ ولهذا ينتهي بالمثقفين والمبدعين إما للإفلاس أو يكونون مأزومين أو رواداً للعيادات النفسية، ويحيون وحشة الاغتراب. لا أعرف إن كان المجال يسمح لأقول إنه في مؤتمرات المثقفين يُطرح كل مرة صندوق الأدباء والمثقفين؛ ليكون عوناً لهم في العوز والمرض.. لكن الله وحده يعلم لِم لَم يُنفَّذ هذا الاقتراح رغم الغنى المفرط في البلد، ورغم نكبات المثقفين والمبدعين المتوالية؟ في بلاد كثيرة يُدفع للمثقفين رواتب مدى الحياة؛ فقط ليتفرغوا للكتابة والفكر والإبداع. يبدو أني حالم أكثر مما يجب. * كتبتَ بألم "مات بداخلي للأبد القروي البسيط الذي لم يتعلم أبداً طرح الأسئلة".. والسؤال: هل خيبة أمل واحدة كفيلة بقتل الطيبة في البشر؟ - في مرحلة ما من الحياة نكون بحاجة إلى لطمة قوية من الحياة، ضربة على الرأس؛ لتخرجنا من رحم الأوهام. البعض يحتاج إليها أكثر من مرة، لكن خيبة الأمل بالطبع لا تقتل الطيبة، لكنها تصرخ في وجوهنا بصوت قاس: إن الحياة هي الحياة، والحياة لم تكن يوماً أبداً رحيمة. * العمل الحكومي "العسكري".. هل يأخذ من المبدع أم يضيف إليه؟ - على أما أعتقد لا يأخذ ولا يضيف؛ لأن جل مبدعينا موظفون حكوميون في قطاعات مختلفة. ربما هناك (حواضن) أفضل، تساعد المبدع، كالجامعات والمرافق الثقافية، وحواضن أقل عدلاً وتسامحاً كالقطاع العسكري مثلاً. المبدع هو من يصنع ذاته، ولا يتوقف عن تطوير أدواته وعن طرح الأسئلة وخدش السكون بما يستطيع. الأسئلة وحدها من يمضي بالحياة نحو الأمام. * ألا تزال تبحث في الأسئلة الفلسفية العميقة التي لا إجابات مريحة لها؟ - بل أقول إنها ازدادت وتعمقت، وكلما عرفنا أكثر اكتشفنا استحالة الإجابات الجاهزة والبسيطة، والقبض على جوهر الحقيقة والعالم أعمق كثيراً مما نظن، وأبعد مما نستطيع الذهاب إليه.. ومن نحن وسط هذه المجرة؟ * بصراحة، من هم أقوى خصومك في الحياة؟ - هههههه هل أقول أنا؟ في محطات كثيرة كنت أنا خصم نفسي العنيد.. ربما الحظ أحياناً، وربما سوء التوقيت والتدبير. قد لا تعجبك إجابتي هذه، لكن هذا ما أعتقده هذه اللحظة على الأقل. * أبديت في مؤلفاتك عاطفة قوية تجاه المرأة بوجه عام، وقلت إنها في مجتمعاتنا تولد ذكية فيجعلها الرجل خاملة مسلوبة القوى، والحواس.. هل أوضحت أكثر؟ - أتذكر عندما كنت صغيراً، وعندما يصل الضيوف إلى منزلنا، ترحب بهم والدتي، وتُدخلهم البيت، وتدعو جارنا ليذبح الذبيحة إن كان الضيوف قادمين من مكان بعيد. وكبرت وأنا أراهما يتشاركان الحياة معاً، ويقتسمان التعب معاً.. وبالطبع ليس أبي وأمي؛ كل مجتمعنا كان كذلك. وشيئاً فشيئاً بدأ هذا التشارك يتلاشى، وانزوت المرأة قليلاً قليلاً، وأخيراً غُيّبت. والقضية ليست تديناً بقدر ما هو ترف اقتصادي في المقام الأول، ثم تغوّل الصحوة والمزايدة في (التمظهر) حتى وأدت المرأة تماماً، وأصبحت عاراً وعيباً وعورة، ليس هي فقط، بل حتى اسمها وكل ما يتصل بها، وأصبحت مشلولة، ولم يعد باستطاعتها فعل شيء في حياتها دون عون وإذن وليها السيد الرجل. ولئن كانت المرأة توأد في الجاهلية وهي طفلة، ولمرة واحدة، فإنها توأد اليوم كل يوم من خلال عشرات الإقصاءات. المجتمع يتواطأ على جريمة كبرى باسم الحفاظ على المرأة، وكأننا الوحيدون في هذا العالم الذين فهمنا الإسلام على حقيقته. أنا غاضب وحزين من أجل وضع المرأة في مجتمعنا، ولن يغدو الرجل حرًّا إلا إذا غدت الأنثى حرة، لكن المشكلة هي أن البعض من الرجال يفتقد هاجس الحرية.. الحرية هذا الطائر المقدس. * الحركة الثقافية السعودية.. ضع لها ملامح عامة؟ - سأختصرها في جملة قصيرة، وأقول (ثقافة الاجترار)، ومؤسساتنا الثقافية (تجتر) الأسماء والحكايات والفعاليات نفسها، وتكرر نفسها. ولعل فعاليات الجنادرية الأخيرة خير مثال على ثقافة الاجترار. والنتيجة ثقافة سكونية ومقاعد فارغة، ثم لا لا شيء. * بوصفك عضو النادي الأدبي بجازان، ماذا قدمتم للحركة الأدبية في المنطقة؟ - كنت عضواً في نادي جازان وجدة الأدبيَّين، ثم غادرتهما لأن البقاء ضمن عضوية هذه الأندية أو خارجها لا يقدم ولا يؤخر؛ إذ الفعاليات المبرمجة تُقَر من قِبل الحاكم الإداري، والأسماء المدعوة تخضع للتدقيق، وحتى الفعاليات الثقافية تقام فقط من أجل كتابة ورفع التقارير. العمل الآن في الأندية هو عمل إداري بالمجمل، وليس ثقافياً.. وما ينتج ثقافياً لا يوازي بأي حال من الأحوال الميزانيات الكبيرة والمقار الفخمة و(عشم المثقفين) على الأصعدة كافة. المثقف الحقيقي والمبدع خارج هذه الأطر. وعموماً أنا لا أنتمي إلى أي مؤسسة ثقافية. * ما الشيء الذي مضى من حياتك ولم يسترجع حتى الآن؟ - حقاً لا أمتلك إجابة محددة عن هذا السؤال. والأشياء التي نريدها في الحياة تتبدل وفقاً لمراحل الحياة نفسها. عموماً، ما مضى لن نسترجع الكثير منه، وربما حياتنا هي الفقد الذي لن يستعاد. * أثارت الروايات السعودية التي تكتبها النساء الكثير من النقاش في المجتمع السعودي، ما رأيك فيها؟ - أنا ضد هذه التصنيفات تماماً، وما تثيره الرواية النسائية تثيره الرواية الذكورية إذا ما انخرطنا في هذه المسميات. أنا سعيد بالوفرة الروائية من الجنسين، وهذا دليل الرغبة نحو البوح والانعتاق بمكنونات، ظلت حبيسة الذائقة والناس (ذكوراً وإناثاً).. تحتاج إلى أن تصرخ؛ فقد سئمت الصمت طويلاً. بالطبع، ليس الكل يكتب شيئاً جيداً، ولا رديئاً أيضاً.. هناك شيء من كل شيء، غير أنه - ومن خلال هذا الكم - ستنضج أسماء قادمة.. أسماء تغير المشهد الثقافي إذا ما أخلصت لإبداعها ولم تستمع كثيراً للوصايا. ومجتمعنا مسكون بهاجس الوصاية حتى في الأدب، ويندر أن نرى فعالية ثقافية دون مرافقة نقدية، تكيل سيل الوصايا المكررة. ودائماً ما أهجس في آذان الناشئة: لا تستمعوا لأحد.. لا تستمعوا لنا نحن جيل الهزيمة. الهزيمة في كل شيء.. وما الذي يشفع لما لنمارس أستاذية نحوكم؟ هل بالغت في جلد الذات..؟ هكذا أرى المشهد. * مهتم بالآثار بمنطقة جازان.. فما مشاريعك لدعم قطاع الآثار المهمل هناك؟ - شكراً على هذا السؤال.. فالآثار ليست في منطقة جازان وحسب، بل في كل مناطق السعودية، وتتعرض يومياً إلى محنة التدمير والإذلال والطمس والاجتثاث.. والهيئة العامة للآثار لم تقدم غير التصريحات الإعلامية. في جازان الآن القضية أكبر من طمس وإهمال الآثار.. إنه طمس الجغرافيا أيضاً؛ لأن جبل كجبل عكوة الذي يسكن ذاكرة الناس، ويخلد في أشعارها ومخيلها الشعبي، يُزال الآن باسم التعدين والتطوير. السدود أيضاً تحتجز المياه، والأودية تتصحر، وينحسر الغطاء النباتي، والجزر تستلب أو تسور باسم المشاريع أو باسم التطوير، دون مراعاة للهوية أو البيئة أو ما تحتوي من شواهد. أما النقوش والحصون والمقابر فهي متروكة لقدرها وللعامة، تعبث فيها كيف تشاء. أنا لا أمتلك غير صوتي.. وقد صرخت كثيراً، ومن هنا أصرخ مرة أخرى بصوت عالٍ: أنقذوا هوية منطقة جازان.. أرجوكم.. فهل من مستمع؟ * قلت ذات لقاء "البحر يساعدك على العشق، ويساعدك على الإبداع، ويساعدك على ارتياد أماكن قد تكون محظوظًا أنك وصلت إليها يومًا ما".. لكنك لم تكشف لنا ما يربطك بصحراء بلادك؟ - ظلت الصحراء لي على المدى شيئاً موحشاً وغريباً وغامضاً.. ربما لأني عشتُ في بيئة زراعية مستقرة قبل أن أسكن الماء، وربما لأني أشعر بأن ثقافة الصحراء قاسية.. ثقافة قلت عنها في مذكراتي: ثقافة تعادي الغريب، وتقتسم الغنيمة، وتتبادل أدوار المنفعة. الصحراء الآن ليست أكثر من مساحة للحلم والحنين والهروب من سطوة المدن، وليست أكثر من ذلك.. على الأقل هذا ما أظن. * كيف ننهض ببلادنا إلى مصاف الحضارات الأخرى المتقدمة؟ - أظن أننا لسنا بحاجة إلى اختراع العجلة مرة أخرى.. بإمكاننا استلهام نماذج قريبة وجاهزة.. نماذج بلاد كنا أكثر منها تقدماً ومدنية، والآن نذهب إليها بأفواه مفتوحة. علينا التخلي عن وهم الخصوصية، والنزول من الأنا المريضة. الأمم تمضي، والشعوب تتقدم، ونحن نتعارك على الطائفة والقبيلة والمنطقة. ما نفقده اليوم لن يعوض غداً.. أبداً أبداً. * ما الظاهرة التي تخاف تفشيها في المجتمع السعودي؟ - بل إنها قد تفشت للأسف، وهي العزف على الطائفية والمناطقية والمذهبية، والعودة إلى ثقافة الاحتماء بالقبيلة في ظل غياب ثقافة تجريم هذه الممارسات. وكل مؤتمرات الحوار الوطني التي ناقشت هذه الظواهر فشلت بامتياز، وتحولت إلى حوارات، لم يعد يستمع إليها أحد؛ وآن لها أن تتوقف، أو تعود بآليات أخرى.. قابلة للتنفيذ وتجسيد النتائج على أرض الواقع. مجتمعنا بحاجة إلى ثقافة العلاج بالصدمة، وتسمية الأشياء بمسمياتها.. بل إننا مجتمعات عدة داخل مجتمع. * كتبت "أن تتقاعد يعني ألا تنتظر شيئاً من أحد؛ لأنه لا أحد ينتظر منك شيئاً تقدمه، وليس لديك ما تبيعه للناس في مجتمع يقوم على المنفعة".. ألهذه الدرجة مجتمعنا نفعي وأناني؟ - للأسف، مجتمعنا يعاني فقر الوفاء.. وهنا سأختصر؛ لأن في الحلق غصة. * ما كان شعورك والطائرات العراقية العائدة من قصف المواقع الإيرانية في حرب الخليج الأولى في الثمانينيات الميلادية تعبر من فوق رؤوسكم في سفنكم العسكرية؟ - كنا نرى حينها في إيران العدو المتربص، وهذه الطائرات عائدة من قصف عدونا المشترك، وكان صدام بطل القادسية الثانية، ومن سوف يحرق نصف إسرائيل (لا أعرف لم النصف تحديداً؟). كنا قد تورطنا وحسب. الموجع والمبكي أن هذه الطائرات عادت إلينا لتكون طائرات معادية بعد غزو الكويت.. لقد كانت لحظة مفصلية في التاريخ أن يستدير إليك الأخ، ويغرز في خاصرتك الخنجر، وتغدو أنت الهدف. منكوبة هذه المنطقة بجنون الحالمين.. والرجل الحالم رجل خطر على رأي لورانس العرب. * هل فعلاً أن النهاية المحتومة لأصحاب الرتب العسكرية عندنا بعد التقاعد هي مكتب عقاري منزوٍ، لا يزوره أحد؟ - أو الجلطة أو الضغط أو السكر.. ولا بدائل أخرى. قلت في البدء، وأقول هنا: إن المؤسسة العسكرية تظلم منسوبيها كثيراً بإبقائهم في نطاق السرية والقواعد والمدن العسكرية دون تقديمهم للمجتمع. ربما لا يعرف مثلاً الكثيرون أن أعقد صناعة الآن هي صناعة الحرب، وأنها تدار بالحواسيب وأجهزة الليزر والذكاء الصناعي والتحكم عن بُعد.. وأن العسكري السعودي يدير هذه المنظومات باقتدار. وربما لا يعرف البعض أيضاً أن الضابط السعودي ينال التدريب في أفضل جامعات العالم، ويتحدث أكثر من لغة، ويتمرس في فنون الإدارة والقيادة، ناهيك عن الشأن العسكري.. هذا العسكري عندما يتقاعد ويبحث عن عمل آخر يكون كل ما يعرض عليه أو يحصل عليه هو حارس أو موظف من ومع الكثير من الشفقة. أما مراكز الأبحاث والدارسات فلا مكان لها، على الأقل حسب ما أعلم. أنا هنا أتحدث بالكثير من المرارة.. إنه مؤلم أن تمتلكك الخبرات والمعارف ثم تغدو في يوم وليلة عملة منتهية الصلاحية. والملوم هنا – وأؤكد - هو المؤسسة العسكرية وأنظمتها. في الغرب تتخاطف الضابط أو الفني كل الإدارات والمصانع؛ لأنها تعرف ما الذي يمتلكونه من تأهيل وقدرات، إضافة إلى انضباطهم واحترامهم والتزامهم.. أما هنا فالوضع مختلف.. بل إنه قد يتم الاستعانة بمتقاعدين من دول شقيقة وصديقة، لا يمتلكون نصف ما يمتلك المواطن من خبرات، والشواهد أكثر من أن تحصى. * لماذا لا يزال بعض الأثرياء يطلبون العلاج المجاني في المستشفيات الحكومية؟ - ربما لأنهم يعرفون أنهم سيتلقون معاملة خاصة وعلاجاً لائقاً حتى في المستشفيات الحكومية. وأنا لا أرى هنا مشكلة؛ هذا من حقهم بوصفهم مواطنين؛ يحق لهم رفاهية العلاج. المشكلة هي لِم لا ترتقي وزارة الصحة بخدماتها رغم أرقام الميزانية الكبيرة التي نسمعها؟ ولِم يهرب الناس من مستشفياتها عدا المضطر؟ * ما المهمة العالمية الفاشلة؟ - ربما هي مهمات كثيرة فشلت رغم نبل الأهداف التي بدأت من أجلها.. الربيع العربي مثلاً، رغم أنه قام على الحلم بحياة أفضل للشباب الذين خرجوا مطالبين بذلك، تحول وحوّل البلدان التي قام فيها إلى مناطق صراعات طائفية وحياة غير مستقرة. غزو العراق مثلاً الذي قام باسم التخلص من ديكتاتور، ونزع أسلحته المزعومة، تحول إلى (كنتونات)، يهددها التمزق العرقي والمذهبي.. والأمثلة كثيرة، والطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الطيبة. * ما "لغز الحياة"؟ - ربما هو الحياة نفسها. * ما نصيب الرياضة من اهتماماتك؟ - أنا أمارس رياضة المشي قدر المستطاع.. أما إذا كنت تعني التشجيع الرياضي فإني مشجع كسول لفريق خذل مشجعيه كثيراً.. ولن أقول اسمه؛ فالشامتون بي كُثُر. * ما الرواية التي لا تنساها؟ - روايات كثيرة علقت بالذاكرة.. أتذكر أنه عندما انتهيت من رواية الحب والظلال لأزابيل اللندي انخرطت في نوبة بكاء وكآبة لازمتني طويلاً. الجريمة والعقاب لدستوفسكي من الروايات التي خلدت في الذاكرة.. جنوب الحدود غرب الشمس للكاتب الياباني هاروكي ماركي عالجت أزمة منتصف العمر بطريقة شجية، ولامست داخلي وجعاً إنسانياً. موبي دك لهرمان ملفل ما زالت تلهمني مقولة إن الإنسان ينهزم، لكنه لا يتلاشى.. كل روايات البير كامو الوجودية وجون إشتيانبك الأمريكية وغيرها الكثير. أما إذا أردت أن أسمي رواية واحدة فإني أعتقد أن الحب في زمن الكوليرا للكاتب الكولومبي جبرائيل ماركيز أعظم ما قرأت؛ ربما لأنها تمحورت حول الحب الذي لا يأفل ولا يشيخ.. الحب الذي نحتمي به، ولا نكبر عليه مهما سرقنا العمر، والذي بدونه لا تغدو الحياة تستحق أن تعاش. وأخيراً، أشكر لـ"سبق" هذه الاستضافة. ممتن كثيراً.
•
رحلة في ذاكرة الشاعر جريبيع رحمه الله
• أهالي رباع : الخير في مقدمكم يانسل الكرام ( عكاظ ) • رسائل واتس اب جديدة كل يوم .. شاركونا بكل جديد |
اخر 5 مواضيع التي كتبها صقر الجنوب | |||||
المواضيع | المنتدى | اخر مشاركة | عدد الردود | عدد المشاهدات | تاريخ اخر مشاركة |
دهاء الشيخ محمد بن يحيى العسيري شيخ رباع | تاريخ قرية رباع بين الماضي والحاضر | 0 | 407 | 20/10/2024 02:27 PM | |
وقفات ودروس من حروب بخروش بن علاس ضد جحافل... | تاريخ زهران وغامد | 2 | 3361 | 17/09/2024 11:11 PM | |
الشعراء بن حوقان وعبدالواحد | منتدى القصائد الجنوبية ( المنقولة) | 0 | 12624 | 04/01/2024 11:35 AM | |
القصة (مورد المثل) | منتدى القصص و الروايات المتنوعة | 0 | 8554 | 02/01/2024 09:28 AM | |
الله لايجزي الغنادير بالخير | منتدى القصائد النبطية والقلطة ( المنقولة) | 1 | 9058 | 28/12/2023 05:06 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 2 : | |
, |
|
|
الإعلانات النصية ( أصدقاء الأكاديمية ) |
|||||