مدينة الإمبراطور منليك الثاني


جولة: عبدالعزيز محمد قاسم تصوير: أسامه قاسم
كل المعلومات التي أكتنزتها في ذاكرتي عن بلاد الحبشة – وقد أزمعت على زيارتها - لا تتجاوز بضعة معلومات تاريخية متناثرة، تأتي في أولها صورة أبرهة الحبشي الذي أراد تدمير الكعبة، وخلد القرآن الكريم قصته البشعة في سورة الفيل. في مقابل هذه الصورة، ثمة صورتان زاهيتان ارتبطتا في وجداننا كمسلمين، وتمثلتا في صورة مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل بلال الحبشي وقصة صموده الأسطورية التي أبكتنا صغارا ، ونحن نتعلم تاريخنا الإسلامي. والصورة الزاهية الأخرى في الملك الصالح النجاشي (أصحمة) الذي استضاف أجدادنا المهاجرين الأوائل ووقف بصفهم. ويصطف بجانب هؤلاء لدي، شخصية مصرية أحببتها لإنصافها وعلمها، وتعود أرومتها إلى تلك البلاد، وقصدت بها شخصية شيخ المؤرخين عبدالرحمن الجبرتي، والذي أنصف في كتابه الذائع الصيت (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) الدعوة الإصلاحية بنجد والتي عاصر فترتها، إبان ذروة الدولة السعودية الأولى ووقف مع الدعوة الإصلاحية وكتب لإنصافها بالرغم من أن ذلك كان سيعرضه لسخط محمد علي باشا، في فترة سجلها محمد جلال كشك بكتابه الشهير(السعوديون والحل الإسلامي).
بضعة المعلومات الضئيلة عن بلاد الحبشة التي حملتها معي ، جعلتني أخمن بأنني إزاء دولة أفريقية متأخرة، تعيش في القرون الوسطى، ولا تتوافر على أبسط مقومات التمدن، لذلك ألجمتني المفاجأة عندما وطأت أقدامي مطار أديس أبابا الدولي، ودلفت لصالته عبر تلك الخراطيم، التي جعلتني أتحسر على مطار جدة كثيرا.فإجراءات الجوازات والوصول كانت سريعة جدا، وتوافر المطار على خدمات وإمكانات جيدة مريحة للزائرين، إضافة إلى توافر عدد كبير من رجال الجوازات الذين أنهوا كافة الإجراءات بسرعة قياسية.
أمطار تغسل القلوب
بمجرد خروجنا من المطار، إذا بنسمات الهواء الباردة التي انتعشت أرواحنا منها، وتذكرت من فوري نسمات جبال السودة في أبها، والتي تجعل المرء يشعر ببرودة لذيذة يقشعر منها بدنه. فيما السحب الدكناء تظللنا طوال الطريق إلى الفندق.
قال لنا مرافقنا الشيخ سلطان حاج أمان ، وهو أحد خريجي جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية ويجيد العربية بطلاقة، بأننا أحسنـّا في توقيت هذه الزيارة التي أتت في شهر أغسطس، لأنها موسم أمطار. وعندما عدت للمراجع العربية التي تحدثت عن بلاد الحبشة ألفيت انه في أشهر الصيف وعندما تزداد الحرارة فيها على المحيط الهندي ، تتجه السحب إلى بلاد الحبشة وتسقط الأمطار الغزيرة من شهر يونيو إلى منتصف سبتمبر، لذلك فان أفضل وقت لزيارة هذه البلاد هي هذه الأشهر الثلاثة. وفعلا فأينما صوبت نظرك طيلة الطريق من المطار إلى المدينة فما ثم إلا اللون الأخضر الذي كسا تلك الأراضي، مع زخات المطر الرائعة التي نفرح بها نحن السعوديين فرح الأطفال.
الوردة الجديدة
عندما دخلنا إلى مدينة أديس أبابا، هالني مرة أخرى التطور العمراني فيها، وألفيت نفسي إزاء عاصمة مصممة بطريقة جيدة، وبها مجموعة أسواق حديثة، إضافة إلى فنادق الخمس نجوم. والمدينة تشهد كثيرا من التطوير العمراني، وقال لي مرافقي بأن هذا الازدهار العمراني بدأ منذ أربع سنوات ونيف. وعموما فالعاصمة – ككل عواصم الدنيا – هي الأفضل بالنسبة لكل المدن، وتتوافر على بعض الخدمات السياحية، وهي تصلح لمن يعشق الخضرة والأمطار والطبيعة البكر التي تأسر النفس، وقد لاحظت بعض العوائل السعودية القليلة جدا أتت للسياحة، أما الأغلبية فكانوا من الشباب، وخصوصا من منطقة جازان، ولذلك لا أنصح الراغبين بالسفر هناك باصطحاب عوائلهم، لأنه لا تتوافر كثيرا على البنى التحتية للسياحة، اللهم كما أسلفت الطبيعة والأمطار والهواء العليل، ورخص السياحة هناك.
ومدينة أديس أبابا على عكس ما ظننت، هي مدينة حديثة بالنسبة لمدن الحبشة، وتمّ إنشاؤها سنة 1886م، و هي ترتفع 2500 متر عن سطح البحر وتمتاز باعتدال طقسها طوال العام حيث لايتجاوز معدل درجات الحرارة 16 درجة مئوية والأمطار فيها موسمية وتكون غزيرة جدا خلال الفترة من منتصف مايو وحتى منتصف سبتمبر كما أسلفنا، ومتفرقة بقية العام . وتتميز أراضيها وجبالها بالخضرة حيث تكسوها أعشاب السافانا المدارية وأشجار السرو والكافور.
وقد أنشأها الإمبراطور منليك الثاني( 1889- 1913 م) وهو يعتبر من أعظم الملوك الذين حكموا الحبشة، وبعض المؤرخين يعتبرونه المؤسس الحقيقي لأثيوبيا الحديثة.
فقبل أديس أبابا كانت العاصمة التاريخية والمقدسة لمعظم ملوك الحبشة هي مدينة أكسوم، وهي تقع في إقليم تجراي وهم الخصوم والمنافسون الرئيسيون لمنليك الذي ينتمي لإقليم شوا. وبسبب الخوف من الاضطرابات والدسائس السياسية التي كانت في فترة تنصيبه إمبراطورا للحبشة خلفا للإمبراطور (يوحنا الرابع) الذي قتلته الحركة المهدية في السودان إبان ذروة صعودها، آثر منليك الثاني نقل العاصمة من مدينة أكسوم، إلى مدينة جديدة، هي أديس ابابا وتعني باللغة الامهرية (الوردة الجديدة). وانفتح هذا الملك - على عكس إسلافه – على الدول الكبرى، فتوافدت على العاصمة الرسل والبعثات التجارية ووكلاء مختلف الصناعات، وتكونت بوادر لمدنية حديثة وجدت طريقها نحو المرتفعات المنعزلة عن العالم.
فدخلت أجهزة التلفون والتليغراف إلى مجاهل الهضبة، وفي أيامه امتد أول خط للسكة الحديد بين العاصمة أديس أبابا وميناء جيبوتي الفرنسي.
وفي عهد هذا الملك اتسعت مساحة الحبشة إلى ضعف مساحتها بسبب استيلائه على كثير من الممالك الإسلامية القائمة وقتذاك، فضلا عن مساحات واسعة من مواطن الوثنيين في المناطق الغربية والجنوبية.
بين أثيوبيا والحبشة
أثناء تجوالي في شوارع أديس أبابا، والتي يقطنها حوالى 4 ملايين نسمة، وسكانها يتكونون من 80 مجموعة عرقية يتكلمون 80 لغة، و تغلب عليها الديانتان الإسلامية و المسيحية (بحسب موسوعة ويكيبيديا).
كنت أتساءل عن تسميتي الحبشة وأثيوبيا، فمن خلال دراستنا عن هذه البلاد كنا لا نعرفها إلا ببلاد الحبشة، وعندما التقيت الباحث (آدم كامل فارس) أبان لي على أن التسمية العربية (حبشة) أو (حبشات) ومعناه الخليط، قد بدأ يطلق على هذه البلاد منذ أن بدأت تيارات الهجرة إليها من الجزيرة العربية واليمن في فترة القرن السابع قبل الميلاد، ومع تغلب لغات المهاجرين على اللغة الأصلية أصبح اسم البلاد (حبشة) يطلق على جميع المنطقة. أما لفظ (أثيوبيا) فهو اسم قديم ومعناه الإغريقي (الوجه المحروق) وهو الوصف الذي أطلقه المؤرخون على جميع الشعوب التي يتدرج لونها من السمرة إلى السواد.

قناة رباع بالـــيوتيوب

http://www.youtube.com/user/ruba3ruba3

• رحلة في ذاكرة الشاعر جريبيع رحمه الله
• أهالي رباع : الخير في مقدمكم يانسل الكرام ( عكاظ )
• رسائل واتس اب جديدة كل يوم .. شاركونا بكل جديد ‏