06/05/2007, 04:43 PM
|
#6
|
رئيس مجلس الإدارة والمدير العام وداعم مادي لمسابقات رمضان
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 245
|
تاريخ التسجيل : Feb 2005
|
أخر زيارة : 28/02/2014 (09:03 AM)
|
المشاركات :
6,236 [
+
] |
التقييم : 10000
|
|
لوني المفضل : Brown
|
|
نحن ودورة الحضارة **ثريا الشهري الشرق الاوسط
نحن ودورة الحضارة
الزمن في الحياة، يعني التغير كما يعني التقدم في العمر، ومثل الإنسان، نتصور أن للحضارة عمرها، تبدأ بالنشوء، لتصل إلى مرحلة النضج الحضاري، وبعدها تدخل في مرحلة الشيخوخة فيصيبها الضعف، مثلها في ذلك مثل دورة الإنسان، ولكن الاختلاف أنها لا تموت، لأنها ليست إنساناً بل مجموعة من الناس، فيتجدد شباب الحضارة مرة أخرى، لتنهض من جديد، وتصل إلى مرحلة نضج أخرى، ويلاحظ هنا أن الحضارة تعيش وتتجدد بأجيال متلاحقة تحمل الحضارة في عقلها الجمعي وتراكمها المعرفي، كما تحمل إمكاناتها وطاقاتها، وهذه السمة هي التي تُكسب الحضارة قدرتها على الاستمرار، كما تصبغها بطابعها التاريخي الدوري، ومن التراجع الحضاري إلى الصعود الحضاري، ومن التغير والتعاقب عبر المراحل، تأتي أجيال معبرة عن زمنها، لا الزمن الذي فاتها، واعية بالوضع المتردي الذي وصلت له الحضارة قبلها، لها رؤى تحاول أن تخرج بها من كبوتها، فتبدأ معها بالصعود الحضاري، وهنا يمكن أن تلتقي بالجيل السابق الذي يتعلق بالماضي الذي عاشه ويقف عنده، فننتهي بثلاثة أجيال: جيل يحمل عبء الكفاح والصعود الحضاري، وجيل لا يريد التزحزح عن قديمه، وجيل يأتي فيجد حالة حضارية متقدمة يصعب تجاوزها للأفضل، فيحافظ عليها هو الآخر حتى تجمد، فإذا اتجهنا بقياسنا إلى مؤشري التراجع والصعود الحضاري، والفجوة ما بينهما، يمكن أن نصل إلى نتيجة تؤكد أن المسافة الفاصلة بين الهبوط والصعود قد تضاءلت عن مثيلتها في الماضي، ومعناه أن التراجع الحضاري أصبح يحدث في حدود، وكذلك الصعود، وكأن التغير التاريخي الراهن، قد جعل من دورة الحياة الحضارية أكثر تركيزاً في مداها الزمني والحركي، وكلما كان قياس الفروق بين الحضارات قياساً نوعياً وليس كمياً، كلما وصلنا إلى هذه المحصلة، فإذا قسنا الفرق بين الحضارات مثلاً في القدرات المالية، أو الإمكانات العسكرية والاقتصادية والعلمية، سنصل إلى تسجيل مساحة للفروق أكبر من تلك التي نصل إليها إذا قسنا الفرق النوعي بين الحضارات في المعرفة والثقافة، فلم يعد الصعود لغزاً يتجاوز عقل الحضارة التي تعاني من التراجع، ولا أصبح التراجع حاداً لدرجة تصل معها الأمة إلى الغياب التاريخي عن المرحلة التي تليها، وهو ما يعود بفضله إلى وسائل الاتصال والتواصل المتطورة، مما سهل التعرف على الثقافات والبيئات الأخرى، وإذا صح تصورنا فإن اتجاه التاريخ المستقبلي، سوف يشهد مزيداً من التقارب بين الحد الأقصى للصعود والتراجع الحضاريين، والزمن المستغرق لكل مرحلة منهما، ولكن ذلك لا يعني تضاؤل الفرق تماماً حتى التلاشي، إنما يعني أن المساحة النسبية بين التقدم والتراجع تتغير، وستبقى بينهما مسافة محسوسة ولكنها أقصر مما تحققت في الماضي، كما لا يعني أيضاً أننا سنصل إلى الزمن الذي تصبح فيه كل الحضارات في حالة تقدم، أو في حالة تأخر، لأن ذلك ينافي الطبيعة الحية للحضارات ذات الأساس الإنساني، وإنما تتحرك الحضارة من موضع لآخر، وفي كل مرحلة تتحرك إلى نقطة أعلى من تلك التي وصلت إليها في حالة صعود سابقة في طور حضاري سابق، وبالتالي أيضاً، تصبح نقطة التراجع التي تصل إليها الحضارة أعلى من نقطة التراجع التي بلغتها في مراحل سابقة، وهذه الحركة اللولبية تشرح دورات الحضارة، لا بوصفها حالة تكرارية للمراحل الحضارية، وإنما بكونها حالات حضارية لا تتكرر، ويخطئ الإنسان كل الخطأ حين يحاول الوقوف في وجه التقدم إبقاء على الوضع الذي شهده بنفسه لأن التطور الراهن الذي يقاومه لن يشبه التقدم الذي عاصره هو إذا افترضنا أنه كان تقدماً أصلاً، إنما الملحوظة التي تستحق الذكر أن الحضارة في حالة تراجعها قادرة على المحافظة على حد أدنى من وجودها الحياتي، واستمرار هويتها على الخريطة العالمية، فها هو الشعب الفلسطيني ما زال موجوداً وبقوة، وهذا العراق صامد بكل ما يجري، والسودان باق بخلافاته (رأب صدعه مع تشاد بعد توقيع الجنادرية بالرياض تمهيداً لحل مشكلة دارفور) ولبنان بنزاعاته... هذا وقد يتصور البعض أن الحضارات يمكن لها أن تندثر فهل هذا صحيح؟! فالحضارة أولاً إنسان، ومنه الشعب أو الأمة، وهي أيضاً مكان، وفيه الأرض وعليه القيمة، وكلما استمر الإنسان في المكان، تستمر الحضارة معه، والقضاء على الحضارات بفعل العمل العدواني، لا يتحقق إلا بالإبادة الحضارية، التي هي في حقيقتها الإبادة الكاملة لشعب أو أمة، أي باختفاء الإنسان من المكان كما في التاريخ البدائي للبشرية.
فإذن، للدورة الحضارية ثلاثة أبعاد: الأول وهو حالة الحضارة من حيث الصعود والهبوط، والبعد الثاني ونعني به حالة الثوابت والمتغيرات في البناء الحضاري، والثالث ويتناول الزمن الذي لا يتوقف، والسؤال الثاني المهم: ما الذي يلعب الدور الرئيسي في تغيير دورة الحياة وتحديد مسارها إن فوق أو تحت؟! والجواب: إنه حجم التراكم المعرفي و«نوعيته»، وحجم الخبرة أيضاً، واللذان بإمكانهما اختصار الزمن وتلخيصه في نتائج تستفيد من الماضي خدمة للحاضر ولكن لا تعيد هذا الماضي حتى وإن ثبت نجاحه في زمنه، فلكل وقت ظروفه ومعطياته وأولوياته، مع الأخذ بالاعتبار الفارق بين الحضارات التي تقوم على المعتقد البشري الذي يغلب عليه الجدل وتعدد الآراء واختلافها، وبين الحضارات القائمة على المعتقد الديني الذي يمتلك نصاً يؤمن به الناس، ويقدم لهم القيم العليا... إنه المعتقد الديني الذي قد يتحول إلى أداة مغلقة تعيق الانتقال من حال إلى حال عبر المراحل الحضارية، ليصبح تغيراً في سياق محدد سلفاً من خرج عنه فكأنه خرج عن مجموعة القيم التي تؤمن بها الجماعة، وهنا يبدأ التذمر فالتمرد.
وبعد هذا كله نشهد الآن في العالم العربي، وأضرب مثلا بالسعودية، تغيراً أعلى في كافة المجالات لم يعتد عليه شعبها، وقد تجد من يقاومه، وقد تجد من يؤيده، ولكنه يظل في النهاية قانونا يحكم البناء الحضاري... إنها دورة حياة الحضارة في صعودها.
|
|
|