من هو صاحب الصورة؟

كانت غيرترود بل، بالمعنى السياسي والمجرد، موظفة في المخابرات العسكرية البريطانية. رفيقة من رفاق لورانس العرب، الذي كان في استقبالها لدى وصولها إلى القاهرة للعمل مع «المكتب العربي» قبل أن تنتقل إلى بغداد، وتصبح «الخاتون» وتلعب ذلك الدور المذهل في تأسيس العراق الحديث، الذي يحلو للبعض الآن القول ان لا وجود له، وان الإنجليز هم «الذين اخترعوه».

الآنسة بل، المستعمرة، بهرت أمين الريحاني، مع انه كما تصر الصحافة العربية باستمرار، كان جاسوساً للأميركيين وليس للبريطانيين. وبعد الصحافة المصرية ها هي الصحافة السعودية توثق للأمر توثيقاً. وأما الصحافة الأردنية فقد اكتشفت أن العقاد كان عميلاً إمبرياليا أميركياً لأنه ترجم بعض الكتب لدار فرانكلين للنشر، وذلك قبل اختراع الجاسوسية في أميركا وقبل أن تصل إلى الشرق الأوسط كقوة سياسية.

في آي حال يا مولاي، سوف اروي لك في هذه الاسطر القليلة، ان المستعمرة غيرترود بل التي ماتت في بغداد عن 58 عاماً، كرست السنوات الأخيرة من حياتها لأمرين. الاستعمار البريطاني وإنشاء متحف في بغداد «ينافس المتحف البريطاني ولو اصغر قليلاً». لقد أدركت أنها في مهد الحضارات، وقدمت للمتحف 3 آلاف قطعة ومنحوتة من ممتلكاتها الشخصية، أو من مسروقاتها الشخصية لا فرق. المهم انها اعتبرت ان عليها مهمة «مقدسة» اسمها المتحف العراقي.

لم يبق المتحف العراقي كما أسسته غيرترود بل ولا كما تركته. ومن بعدها أصبح يضم أهم مجموعات أثرية في التاريخ بعد كنوز مصر. وكان اول ما حدث بعد وصول الأميركيين إلى بغداد أن المتحف نهب وأحرق ودمر. ولم يبق منه رماد يُذرِ فوق ضريح المس بل، «الخاتون» التي استعمرت العراق لكنها أيضا أحبته وأحبت أهله وأحبت فلاحيه وفراته.

يحدوني على كتابة هذه الأسطر المحدودة أنني قرأت شيئاً من كتاب بول بريمر المتضخم الصفحات بعنوان «سنتي في العراق»، وهي السنة التي أمضاها بحذائه الكاوتشوكي العالي. ولم يروِ في كتابه انه ذهب مرة يزور مسعود البارزاني، ووضع رجلاً فوق رجل، وتطلع أمامه فرأى صورة والده الملا مصطفى البارزاني. وتململ في جلسته وقال للبارزاني الابن: «من هو هذا الرجل بربك، إنني أرى صورته في كل مكان أذهب إليه».