02/11/2009, 12:04 PM
|
#3
|
المؤسس والمشـــرف العــــام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 2
|
تاريخ التسجيل : Aug 2004
|
أخر زيارة : يوم أمس (06:02 AM)
|
المشاركات :
64,173 [
+
] |
التقييم : 16605
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
MMS ~
|
SMS ~
|
|
لوني المفضل : Maroon
|
|
عقوق الوالدين يأخذ مظاهر عديدة، وصورا شتى، منها ما يلي :
1 - إبكاء الوالدين وتحزينهما سواء بالقول أو الفعل، أو بالتسبب في ذلك.
2 - نهرهما وزجرهما وذلك برفع الصوت؛ والإغلاظ عليهما بالقول. قال - تعالى -: (وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا )[ الإسراء: 23 ].
3 - التأفف، والتضجر من أوامرهما وهذا مما أدبنا الله - عز وجل - بتركه؛ فكم من الناس من إذا أمر عليه والداه - صدر كلامه بكلمة " أف " ولو كان سيطيعهما، قال - تعالى -: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ )[ الإسراء: 23 ].
4 - العبوس، وتقطيب الجبين أمامهما فبعض الناس تجده في المجالس بشوشا، مبتسما، حسن الخلق، ينتقي من الكلام أطايبه، ومن الحديث أعذبه؛ فإذا ما دخل المنزل، وجلس بحضرة الوالدين انقلب ليثا هصورا لا يلوي على شيء، فتبدلت حاله، وذهبت وداعته، وتولت سماحته، وحلت غلظته وفظاظته وبذاءته، يصدق على هذا قول القائل:
من الناس من يصل الأبعدين
ويشقى به الأقرب الأقربُ
5 - النظر إلى الوالدين شزرا وذلك برمقهما بحنق، والنظر إليهما بازدراء واحتقار.
قال معاوية بن إسحاق عن عروة بن الزبير قال: " ما بر والده من شد الطرف إليه "
6 - الأمر عليهما كمن يأمر والدته بكنس المنزل، أو غسل الثياب، أو إعداد الطعام؛ فهذا العمل لا يليق خصوصا إذا كانت الأم عاجزة، أو كبيرة، أو مريضة.
أما إذا قامت الأم بذلك بطوعها، وبرغبة منها وهي نشطة غير عاجزة - فلا بأس في ذلك، مع مراعاة شكرها، والدعاء لها.
7 - انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة وهذا العمل فيه محذوران، أحدهما: عيب الطعام، وهذا لا يجوز؛ فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما عاب طعاما قط، إن أعجبه أكل، وإلا تركه.
والثاني: أن فيه قلة أدب مع الأم، وتكديرا عليها.
8 - ترك مساعدتهما في عمل المنزل: سواء في الترتيب والتنظيم، أو في إعداد الطعام، أو غير ذلك.
بل إن بعض الأبناء - هداهم الله - يعد ذلك نقصا في حقه وهضما لرجولته.
وبعض البنات - هداهن الله - ترى أنها تعاني وتكابد العمل داخل المنزل - فلا تعينها.
بل إن بعضهن تقضي الأوقات الطويلة في محادثة زميلاتها عبر الهاتف، تاركة أمها تعاني الأمرين.
9 - الإشاحة بالوجه عنهما إذا تحدثا: وذلك بترك الإصغاء إليهما، أو المبادرة إلى مقاطعتهما أو تكذيبهما، أو مجادلتهما، والاشتداد في الخصومة والملاحاة معهما.
فكم في هذا العمل من تحقير لشأن الوالدين، وكم فيه من إشعار لهما بقلة قدرهما.
10 - قلة الاعتداد برأيهما: فبعض الناس لا يستشير والديه، ولا يستأذنهما في أي أمر من أموره، سواء في زواجه، أو طلاقه، أو خروجه من المنزل والسكنى خارجه، أو ذهابه مع زملائه لمكان معين، أو نحو ذلك.
11 - ترك الاستئذان حال الدخول عليهما: وهذا مما ينافي الأدب معهما، فربما كانا أو أحدهما في حالة لا يرضى أن يراه أحد عليها.
12 - إثارة المشكلات أمامهما: سواء مع الإخوان أو الزوجة، أو الأولاد أو غيرهم.
فبعض الناس لا يطيب له معاتبة أحد من أهل البيت على خطأ ما - إلا أمام والديه، ولا شك أن هذا الصنيع مما يقلقهما، ويقض مضجعهما.
13 - ذم الوالدين عند الناس والقدح فيهما، وذكر معايبهما: فبعض الناس إذا أخفق في عمل ما - كأن يخفق في دراسته مثلا - ألقى باللائمة والتبعة على والديه، ويبدأ يسوغ إخفاقه ويلتمس المعاذير لنفسه بأن والديه أهملاه، ولم يربياه كما ينبغي، فأفسدا عليه حياته، وحطما مستقبله، إلى غير ذلك من ألوان القدح والعيب.
14 - شتمهما، ولعنهما: إما مباشرة، أو بالتسبب في ذلك؛ كأن يشتم الابن أبا أحد من الناس أو أمه، فيرد عليه بشتم أبيه وأمه.
فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من الكبائر شتم الرجل والديه ). قيل: وهل يشتم الرجل والديه ؟ ! قال: (نعم ! يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه ) .
15 - إدخال المنكرات للمنزل: كإدخال آلات اللهو والفساد للبيت، مما يتسبب في فساد الشخص نفسه، وربما تعدى ذلك إلى فساد إخوته وأهل بيته عموما، فيشقى الوالدان بفساد الأولاد، وانحراف الأسرة.
16 - مزاولة المنكرات أمام الوالدين: كشرب الدخان أمامهما، أو استماع آلات اللهو بحضرتهما، أو النوم عن الصلاة المكتوبة، ورفض الاستيقاظ لها إذا أوقظاه، وكذلك إدخال رفقة السوء للمنزل؛ فهذا كله دليل على التمادي في قلة الحياء مع الوالدين.
17 - تشويه سمعة الوالدين: وذلك باقتراف الأعمال السيئة، والأفعال الدنيئة، التي تخل بالشرف، وتخرم المروءة، وربما قادت إلى السجن والفضيحة، فلا شك أن هذا من عقوق الوالدين؛ لأنه يجلب لهما الهم، والغم، والخزي، والعار.
18 - إيقاعهما في الحرج: كحال من يستدين أموالا، ثم لا يسددها، أو يقوم بالتفحيط، أو يسيء الأدب في المدرسة؛ فتضطر الجهات المسؤولة إلى إحضار الوالد في حالة فقدان الولد، أو إساءته للأدب.
وربما أوقف الوالد ريثما يسدد الولد دينه، أو يحضر ويسلم نفسه.
19 - المكث طويلا خارج المنزل: وهذا مما يقلق الوالدين ويزعجهما على الولد، ثم إنهما قد يحتاجان للخدمة، فإذا كان الولد خارج المنزل لم يجدا من يقوم على خدمتهما.
20 - الإثقال عليهما بكثرة الطلبات: فمن الناس من يثقل على والديه بكثرة طلباته، مع أن الوالدين قد يكونان قليلي ذات اليد، ومع ذلك ترى الولد يلح عليهما بشراء سيارة له، وبأن يزوجاه، ويوفرا له مسكنا جديدا، أو بأن يطلب منهما مالا كثيرا؛ كي يساير زملاءه وأترابه.
21 - إيثار الزوجة على الوالدين: فبعض الناس يقدم طاعة زوجته على طاعة والديه، ويؤثرها عليهما، فلو طلبت منه أن يطرد والديه لطردهما ولو كانا بلا مأوى.
وترى بعض الأبناء يبالغ في إظهار المودة للزوجة أمام والديه، وتراه في الوقت نفسه يغلظ على والديه، ولا يرعى حقهما.
وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة في الصفحات التالية.
22 - التخلي عنهما وقت الحاجة أو الكبر: فبعض الأولاد إذا كبر وصار له عمل يتقاضى مقابله مالا تخلى عن والديه، واشتغل بخاصة نفسه.
23 - التبرؤ منهما، والحياء من ذكرهما، ونسبته إليهما: وهذا من أقبح مظاهر العقوق، فبعض الأولاد ما إن يرتفع مستواه الاجتماعي، أو يترقى في الوظائف الكبيرة إلا ويتنكر لوالديه، ويتبرأ منهما، ويخجل من وجودهما في بيته بأزيائهما القديمة.وربما لو سئل عنهما لقال: هؤلاء خدم عندنا[1] !.
وبعضهم يرفض أن يذكر اسم والده في الولائم والمناسبات العامة؛ خجلا من ذلك ! وهذا العمل - بلا ريب - دليل على ضعة النفس، وصغر العقل، وحقارة الشأن، وضيق العطن.
وإلا فالنفس الكريمة الأبية تعتز بمنبتها، وأرومتها، وأصلها، والكرام لا ينسون الجميل.
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا
من كان يألفهم في المنزل الخشن
24 - التعدي عليهما بالضرب: وهذا العمل لا يصدر إلا من غلاظ الأكباد، وقساة القلوب، الذين خلت قلوبهم من الرحمة والحياء، وخوت نفوسهم من أدنى مراتب المروءة والنخوة والشهامة.
25 - إيداعهم دور العجزة والملاحظة: وهذا الفعل غاية في البشاعة، ونهاية في القبح والشناعة، يقشعر لهوله البدن، ويقف لخطبه شعر الرأس، والذي يفعله لا خير فيه البتة.
26 - هجرهما، وترك برهما ونصحهما إذا كانا متلبسين ببعض المعاصي: وهذا خلل وخطل؛ فبر الوالدين واجب ولو كانا كافرين، فكيف إذا كانا مسلمين، وعندهما بعض التقصير ؟ !
27 - البخل والتقتير عليهما: فمن الناس من يبخل على والديه، ويقتر عليهما في النفقة. وربما اشتدت حاجتهما إلى المال، ومع ذلك لا يعبأ ولا يبالي بهما.
28 - المنة وتعداد الأيادي على الوالدين: فمن الناس من قد يبر والديه، ولكنه يفسد ذلك بالمن والأذى، وتعداد الأيادي، وذكر ذلك البر بمناسبة وبدون مناسبة.
29 - السرقة من الوالدين: وهذا الأمر جمع بين محذروين، السرقة والعقوق؛ فتجد من الناس من يحتاج للمال، فيقوده ذلك إلى السرقة من والديه إما لكبرهما، أو لغفلتهما.
ومن صور السرقة أن يخدع أحد والديه، فيطلب منه أن يوقع على إعطائه كذا وكذا من المال أو الأرض أو نحو ذلك. وقد يستدين منهما، وهو مبيت النية على ألا يسدد.
30 - الأنين وإظهار التوجع أمامهما: وهذا الأمر من أدس صور العقوق؛ ذلك أن الوالدين - وخصوصا الأم - يقلقان لمصاب الولد، ويتألمان لألمه؛ بل ربما يتألمان أكثر منه.
31 - التغرب عن الوالدين دون إذنهما، ودون الحاجة إلى ذلك: فبعض الأبناء لا يدرك أثر بعده عن والديه؛ فتراه يسعى للغربة والبعد عن الوالدين دون أن يستأذنهما، ودون أن يحتاج إلى الغربة؛ فربما ترك البلد الذي يقطن فيه والداه دون سبب، وربما تغرب للدراسة في بلد آخر مع أن تلك الدراسة ممكنة في البلد الذي يسكن فيه والداه إلى غير ذلك من الأسباب التي لا تسوغ غربته.
وما علم أن اغترابه عن والديه يسبب حسرتهما، وقلقهما عليه، وما علم أنه ربما مات والداه أو أحدهما وهو بعيد عنهما باختياره؛ فيخسر بذلك برهما، والقيام عليهما.
أما إذا احتاج الابن إلى الغربة، واستأذن والديه فيها - فلا حرج عليه.
32 - تمني زوالهما: فبعض الأولاد يتمنى زوال والديه؛ ليرثهما إن كانا غنيين، أو يتخلص منهما إن كانا مريضين أو فقيرين، أو لينجو من مراقبتهما ووقوفهما في وجهه كي يتمادى في غيه وجهله.
33 - قتلهما والتخلص منهما: فقد يحصل أن يشقى الولد، فيقدم على قتل أحد والديه؛ إما لسورة جهل، أو ثورة غضب، أو أن يكون في حال سكر، أو طمعا في الميراث، أو غير ذلك.
فيا لشؤم هذا، ويا لسواد وجهه، ويا لسوء مصيره وعاقبته، إن لم يتداركه الله برحمته.
هذه بعض المظاهر والصور لعقوق الوالدين، ذلك العمل القبيح، والمسلك الشائن، الذي لا يليق بأولي الألباب، ولا يصدر من أهل التقى والصلاح والرشاد.
فما أبعد الخير عن عاق والديه، وما أقرب العقوبة منه، وما أسرع الشر إليه.
وهذا أمر مشاهد محسوس، يعرفه كثير من الناس، ويرون بأم أعينهم، ويسمعون قصصا متواترة لأناس خذلوا وعوقبوا؛ بسبب عقوقهم لوالديهم[2].
بر الوالدين بين الماضي والحاضر : كيف حالنا الآن,, لقد ذهبت السنون بالكثير من المحاسن الإنسانية التي كانت مقدسات يتباهى بها الإنسان المسلم ومن أعظم تلك المقدسات طاعة الآباء والأمهات.قد كان إنسان الماضي يتفانى ويذهب فداء لأبويه بل تذهب روحه ولا تصيب أحد والديه شوكة,, والآن وبعد هذا التقدم الكبير وهذه الحضارة الزائلة صار بر الوالدين شيئاً من الماضي الذي يجب أن ينسى, إن ما نسمعه بين فينة وأخرى من تعرض أحد الوالدين لعقوق وتجاهل لم يعد من الأمور الشاذة والنادرة الحصول بل صرنا نسمع ونقرأ عن مثل ذلك يومياً (بدون مبالغة) حتى إن بر الوالدين واحترامهما أصبح في أحيان كثيرة من النوادر,, وإن التجاوزات التي تحدث بحقهما تجاوزت حدها ولم تقف عند حدود كلمة (أُفٍ) والتي نهانا عنها الحق سبحانه وعن التفوه بها بل تجاوزتها.هل سمعتم بالفتاة التي تطالب والديها بتعويض مقابل قيامها بتنظيف غرفتهما, وبالرجل الذي قتل والدته المسنة وأكل لحمها,, هذا ما يحدث في الغرب فماذا يحدث عندنا ؟ ابن يحرق أباه, وشقي يطرد أمه من المنزل، وآخر يضع القمامة على رأس أبيه,, وانتهى المطاف ببعض والدينا إلى دور المسنين هرباً من جور الأبناء وظلمهم لآبائهم تلك الدور التي بدأت في الغرب ثم وبكل أسف زحفت لا إلى عالمنا العربي والإسلامي فحسب بل وإلى ديارنا أي والله ديارنا حينما يضيق أبناء الأب الطاعن في السن أو الأم الطاعنة في السن فينقل الأب إلى بيت يؤويه وأمثاله وتنقل الأم إلى بيت يؤويها وأمثالها حتى يرحمهما الموت,, فهل كان عندنا قبل ثلاثة عقود من الزمن بل عقدين بيوت مسنين أو مجرد سمعنا بها,, الذي نعرفه ويعرفه كل واحد منا أن البيت الواحد يعيش فيه ثلاثة أجيال ينظم الأذان نومها ويقظتها !! وكنا نحس بمعنى الحديث الشريف (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه)[3],,!كان بر الوالدين يلي عبادة الله! وكان التماس دعائهما أملاً كبيراً، أما في هذا العصر الذي انقلبت فيه الموازين والعياذ بالله فخير للوالدين أو أحدهما ترك البيت للابن العاق يسعد فيه وزوجه وقضاء بقية العمر في دور المسنين.
ولعل من المناسب في ختام كلمتي هذه أن أسوق قصة واقعية حدثت منذ خمس سنوت في عاصمة مملكتنا الحبيبة ملخصها أن أحد الإخوان متزوج ولديه أطفال أكبرهم عمره سبع سنوات ويعيش معه والده الطاعن في السن وأمام إلحاح زوجته وكلامها المعسول بوضع والده في إحدى غرف المسجد المجاور لمنزلهم حتى لا يشق عليه الذهاب والإياب من وإلى البيت تيسيراً عليه مع تعهدها بالاهتمام بكل متطلباته, طرح الرجل المغلوب على أمره الفكرة على والده الذي لم يكن له من خيار إلا الموافقة على مضض وفعلاً ذهب الرجل إلى السوق ومعه ابنه البكر (سبع سنوات) ليشتري لوالده مستلزمات الغرفة التي في المسجد من فرش وسرير ودولاب ونحوه,, وكان من عناية الله به أن سأله ابنه الصغير المرافق له عما يشتريه ولماذا؟ فكان يجيبه إن ذلك لجده حيث إنه سوف يقيم في إحدى غرف المسجد المجاور لمنزلهم فسأله هذا الطفل الصغير بمنتهى البراءة ومتى نشتري لك مثل ذلك يا أبي!! فنزل السؤال على الأب كالصاعقة وزلزل الأرض من تحت قدميه وأفاق من غيبوبته فأعاد كل ما اشتراه على صاحب المحل ولم ينتظر أن يعيد له صاحب المحل فلوسه وعاد مهرولاً خجلاً إلى والده يقبله ويعتذر له، ويؤكد له أن له أقصى البيت ولهم أدناه أما الزوجة العاقة فقد خيرها بين والده وأبنائه أو بيت أهلها وهكذا عاد الرجل إلى صوابه وفتح الله على قلبه وكما تدين تدان والجزاء من جنس العمل وجزاء سيئة سيئة مثلها[4].
تجربة شخصية في بر الوالدين : ( تطبيق عملي لآيات القرءان الكريم ) :
سنتكلم عن تجربة حية واقعية اشتركت فيها مجموعة من النساء تم توجيههن وتدريبهن على كيفية التطبيق العملي لآيات القرآن الكريم، وكانت نتائج هذه التجربة ناجحة جداً وذلك من واقع روايات النساء أنفسهن وكيفية تعاملهن مع الآيات.
من السهل واليسير أن نتكلم عن بر الوالدين، وتعقد من أجل ذلك الدروس والدورات، ولكن تنفيذ ذلك بشكل عملي حركي ليس له نفس السهولة ولا نفس اليسر، فهو أمر يحتاج إلى إيمان عميق بالله يتبعه صبر وعذوبة لسان المرأة، وإن التعامل الدائم البار مع الوالدين كما أمر الله الذي لا يطلع أحد على أسراره هو من الأعمال الصالحة التي تفوح منها رائحة الإخلاص وهو دليل على إصرار العبد على طاعة الله ودوام هذه الطاعة، لذا فقد وجدنا أن من الركائز المهمة والأساسية التي تدرب الإنسان على صدق النوايا وحُسن العمل بر الوالدين، برهما كما أمر سبحانه وتعالى وكما أرشدنا إلى كيفية تنفيذ هذا الأمر رسولنا { وقد حاولنا أن نتدرج في أمر الله خطوة خطوة لذا فقد اتفقنا سوياً أن يكون تحركنا بداية بقوله تعالى (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ) (الإسراء:23).بعد أن تم شرح الآية والحديث عنها كالمعتاد، كان الاتفاق المبدئي ألا نؤذي الوالدين بكلمة أو فعل مهما قالا أو فعلا، وبدأنا في خوض التجربة، ثم التقينا بعد فترة لتسرد أخت تجربتها العملية في التحرك بهذا الشق الكريم من الآية الكريمة.
بدأت الأولى حكايتها، فقد جاءت والدتها لزيارتها وكان يبدو عليها الوجوم والحزن. وعندما سألتها مستفسرة قالت لها: إن أختك قد تأخر زواجها كثيراً، وقد قالوا لي إنها "أكيد مسحورة، أو أن عليها جاناً يمنع زواجها" وعليه فلا بد وأن تساعديني وتذهبي معي لرجل دلوني عليه لكي يساعدني في زواج أختك. تسمرت عيناها وانساب من بين شفتيها قوله تعالى: ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنعام 17).
احتدت الأم في حديثها وقالت لها إني سأرفع مكروهاً عن ابنتي وماذا في ذلك؟ فإني لن أؤذي أحداً بما أفعل؟ ولكنك لا تريدين مساعدة أختك!! احتد بينهما النقاش وصور الشيطان لأختنا صاحبة القصة أنها على حق وبالفعل هي على حق ولكن زين لها أن تدافع عن هذا الحق بباطل فبدأ صوتها تحت إلحاح هذه الحجة يعلو على صوت أمها، ولكنها تذكرت الاتفاق وتذكرت الآية، فغشيها الهدوء، وبدأت فوراً تغير من أسلوب معالجتها لهذا الموقف، فانكبت على يد والدتها تقبلها وتعتذر لها وتحاول أن تستجلب رضاها عنها، وبعد أن هدأت الأم قالت لها: متى تأتين معي إذن؟ فهذا الرجل قد ذاع صيته في كل مكان ولابد وأنه سيساعدني على زواج ابنتي فإني سأجزل له العطاء.
قالت لها ابنتها بعطف ورجاء: ولكن هناك من يقدر على مساعدتك ولا يأخذ منك مالاً، ونتائجه مضمونة، بل إنه سيساعدك أنت شخصياً على الطمأنينة وراحة النفس إلى أن نجتاز هذه المحنة.
قالت لها الأم: سبحان الله، ولكن لم تخبرني صديقاتي به، ولكن ليس هناك أية مشكلة فلنذهب إليه ما دمت تعلمين قدرته. قالت الابنة: نعم إن قدرته تفوق الحدود، فقط إن أراد الشيء يأمره أن يكون فيكون فوراً، كما أنه لا يأخذ منك مالاً فهو الغني، ما عليك يا أماه إلا أن تقابليه وتسأليه.
استراحت الأم لحديث ابنتها كثيراً وقالت: والله إني قد استرحت له من حديثك عنه..فليتك تسرعين بأخذ موعد عاجل معه قالت الابنة: سنقابله الآن فهو معنا، التفتت الأم يمنة ويسرة بارتباك شديد وقد التفتت الابنة ناحية القبلة وبدأت تناديه وتناجيه... "ربي.. إلهي.. يا من بيدك كل شيء.. يا من قدرتك تفوق كل قدرة، بل ليس لأحد قدرة إلا بك، يا من تجيب دعوة المضطر إذا دعاك وتكشف السوء، أتيتك وأمي ووقفنا ببابك وليس لنا سواك، رباً قادراً مالكاً مسيطراً وأنت الواحد الأحد لن نبرح بابك.. فعندك سبحانك سؤلنا، ووحدك تستطيع فك كربنا" واسترسلت في تضرع وذلة واستعانة به سبحانه.
أجهشت والدتها بالبكاء وسجدت لله مستغفرة تائبة متوسلة سائلة، وانسابت دموع الأخت الفاضلة تأثراً بمناداة والدتها لله. فلأول مرة تراها بهذا التسليم المطلق وهذا الخضوع المزلزل للقلوب، انتهت من سرد تجربتها وقد انسابت دموعنا، وقد بدأت كل منا تسأل الله سبحانه ما ترجو وما تتمنى فهو بالفعل الوحيد القادر على إجابة الدعاء وتلبية الرجاء.هل يمكن أن أشارك معكم وتسمعوا تجربتي مع قوله سبحانه: ( فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا )؟
اتجهت أنظارنا إليها فهي فتاة لم تتعد العشرين، قالت: "إني وحيدة أمي وأبي ولذا فهما يقومان برعايتي على أفضل ما يكون ويلبيان لي كل ما أطلب. وكانت الأمور تسير على ما يرام. ونحن نعيش الدنيا بكل ما فيها حرامها وحلالها، حتى أكرمني الله بلقائكن، فكأن الدنيا أرادت أن تطلعني على أحلى ما فيها وهو القرآن، وبمعنى آخر أصبحت هناك متعة كبيرة أن أستسلم للآية فتتحرك من خلالي ويتعرف الناس عليها من تصرفاتي وأفعالي، وبدأت المشكلات الكبيرة بيني وبين والديَّ، فهما يريدانني أن آخذ من الدنيا ما يتصوران أن فيه سعادتي، فلا بد من مصاحبتهما إلى النادي وليس هناك مانع من مصادقة الفتيان ويطلبان مني ممارسة الألعاب الرياضية وارتداء الثياب غير اللائقة لأحوز إعجاب الجميع، ولابد من مشاركتي في الألعاب الرياضية وكأنني أؤدي هذه الألعاب وهذه الحركات ليراني الفتيان بكل أوضاعي وقد ظهر من جسمي بسبب تلك الملابس أكثر مما خفي، لابد لي من مصاحبتهما إلى المسرحيات مهما كانت مبتذلة وهابطة، بالطبع بعض ما ذكرت لكم يتنافى تماماً مع ما تدعونا إليه هذه الآيات الكريمة. في بداية الأمر صرخت في وجههما، وكنت أدخل حجرتي وقد أغلقت بابي دونهما، وألقاهما بوجه متجهم عابس، وكنت متصورة أن ما أفعله هو قمة الطاعة لله، فهو جهاد كما كنت أتصور، ولكني عندما أردت أن أتحرك بقول الرحمن (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا )تغير الوضع تماماً فقد حلت الابتسامة بدلاً من العبوس، وفتحت بابي وجلست معهما أتكلم بلطف وود ظاهر لهما، بل وأحاول تقديم العون لهما برحمة، بل بدأت أشكرهما على ما بذلا من أجلي طوال هذه السنوات، وأحاول أن أعرض عن اندهاشهما وكأني لا أرى إلا تطبيق الآية الكريمة، ورويداً رويداً بدأت أطلعهما على صديقاتي وأصدقائي الجدد: فهذا الفعل يرضي الله في قوله تعالى كذا، وهذا التحرك يرضي الله في قوله تعالى كذا.
وجدت أمي وقد تأثرت كثيراً بقولي بل وطلبت مني المزيد، وقد لاحظت على قسمات وجهها مدى التأثر والندم على ما فاتها، وهذه هي أمي معنا الآن". وقامت الفتاة وقد ضمتها أمها إلى حضنها وأغرقت وجهها بالقبلات. وقد تأثرنا كثيراً بقدرة الله سبحانه على تحويل القلوب وإسباغ النعم على عباده.
تحركت أخت من مكانها ونظرت إلى الفتاة ووالدتها وقالت: سبحان الله كيف حدث ذلك؟، فإن والدتي لم تتقبل مني أي شيء.. أي شيء، وحاولت طوال هذه الفترة السابقة أن أرضيها بلا جدوى، قلنا لها: وأين الصبر يا حبيبتي؟ فعلينا بالعمل الذي يُرضي الله وعليك بتحقيق الآيات الكريمة في أفعالك وتصرفاتك مع الدعاء لله سبحانه، فالقلوب بيده وحده يتصرف فيها كيفما شاء وكيفما أراد، المهم أن تستمري في تطبيق القول الكريم في نفسك ولا تيأسي أبداً من روْح الله. وتعاهدنا جميعاً أن ندعو لها في جوف الليل إلهاً قديراً مقتدراً سبحانه، وتعاهدنا في نهاية اللقاء على الاستمرار في التحرك بقوله سبحانه( فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) ونزيد عليها: ( وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ) الإسراء (23).نتعايش مع الآية.. نرددها حتى تسكن في قلوبنا ثم تتحرك بها جوارحنا وحواسنا ولنا لقاء لنشهد هذه التجارب العملية.
(وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ) الإسراء (23) .
يبدو الأمر كما لو كان سهلاً ولكن لكل إنسان عادات يتربى عليها ويصبح من الصعب تغييرها، فطريقة التحدث مع الوالدين تختلف من شخص لآخر، فبينما نجد شخصاً دائم العبوس في وجه والديه وبالكاد يرد على حديثهما، نجد آخر يتكلم معهما بشكل تقليدي عادي، ونجد آخر جافاً في تعامله معهما بدون أن يشعر هو بذلك، ونجد أخرى لا تتذكر أنها في مرة قد قامت بتقبيل والدها أو والدتها، ولنعرض التجارب الشخصية فسيكون فيها التوضيح الكافي.فها هي أخت تسرد لنا التجربة الخاصة بها قالت:حينما كنت أردد قوله تعالى: (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً )(23).
قلت: إن الأمر لا يتعدى بضع كلمات منمقة مختارة وكفى.. وبدأت بعيداً عن التصورات بشكل جدي في تطبيق هذا القول الكريم بشكل عملي، وكانت المفاجأة: دخلت على والدتي ورتبت الكلام في ذاكرتي وأردت أن أجهر به ولكن عُقد لساني، فقد انتابني الحرج الشديد حيث إني لم أتعود على مثل هذه الأقوال مع أمي وفشلت في المحاولة الأولى ثم استجمعت شجاعتي في مرة أخرى وأردت أن أبث لأبي مدى احترامي وحبي له وتعلقي به وبأمي ولكن للمرة الثانية تخونني العبارات، قلت في نفسي: لن أهزم بمشيئة الله.. فالأمر هين فماذا بي؟، قلت: لابد وأن والديّ عندما يسمعانني سيندهشان وسأضحك وسأكون محط استهزاء إخواني وأخواتي، سألت الله سبحانه أن يعينني أن يكون لي شرف تحرك الآية الكريمة وتطبيقها من خلالي ثم هداني التفكير أن أذهب إلى محل الورود، وبالفعل أحضرت وردة لأمي وأخرى لأبي وقلت لأمي وأنا أعطيها إياها: لك يا أحلى أم، ابتسمت حبيبتي ابتسامة لن أنساها ما حييت وكأنها تقول: هل أنا عندك كذلك بالفعل؟ وكأنها قالت ذلك، حيث كان ردي بل أنت أغلى عندي من كل الدنيا، حيث إن الدنيا بأسرها تكون سراباً من دونها، قلت ذلك ولم أنتظر رد فعلها بل خطوت خطوات واثقة من والدي وقلت له: مني وردة في الدنيا ومن الله سبحانه لك الجزاء الأكبر، فإني كثيرة الدعاء له، داعبني والدي قائلاً: خير.. لعله خير.. سعيدة اليوم أنت؟ قلت له: نعم سعيدة بكما واتجهت سريعاً إلى حجرتي وقد زاد خفقان قلبي وقلت لنفسي: هل رأيت؟ لقد كان الأمر سهلاً وكم أنا سعيدة الآن فقد زادت كلمات الامتنان مني لوالدي وزاد تقبلهما لما أقول بل إني أقبل قبل خروجي رأسيْ أبي وأمي، وكم أصبح لحياتي معنى وطعم للسعادة لم أتذوقه من قبل، وأنا أدعوكن جميعاً إلى تطبيق هذا القول الكريم والتحرك به.
وقالت أخرى: أنت أحسن حظاً مني فإني قد بخلت على والدي بكلمات الحب والتكريم.وبدلاً من أن أفعل أنا ذلك فعلها أخي الشاب فإنه ينتظر وصولي إلى المنزل بعد اللقاء معكن لأحكي له أي آيات الله سنتحرك بها بعد شرحها له وتفسير معانيها ومناسبة نزولها كما نفعل، وقد أخذ مني قول الله سبحانه: وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23).
وكأن الآية وقد أصبحت كساءً للسانه وأفعاله.. فقد سمعته على غير عادته وهو يكرم والدي أيما إكرام في أقواله ومداعباته الرحيمة بهما ودغدغة مشاعرهما بكلماته الطيبة حتى كأني تصورت أنه يقوم بحفظها قبل أن يحيط والدي حناناً بسماع هذه الكلمات منه، حتى إني في دخولي وخروجي أسمع والدي وهما يدعوان له بل إني سمعت والدتي تقول لعل الله يكرمني بدخول الجنة بسبب إنجاب هذا الولد (تقصد أخي) لا أدري ماذا أفعل الآن وقد سبقني أخي إلى هذا الخير الوفير؟
قالت لها ثالثة: حاولي مرة ومرات حبيبتي، فنحن نتنافس جميعاً من أجل التحرك بالقرآن التحرك الأمثل[5].
* * *
[1] - والله لقد حدث هذا مع رجل أعرفه معرفة تامة فتح الله عليه الدنيا وحرمه الدين، سئل عن أبيه الطاعن في السن وكان يسكن معه في المنزل : أهذا أبوك ؟ فقال : لا ! هذا خادم عندنا نتصدق عليه عندما كبر .. ولا أعلم رجلاً منكوباً كهذا الرجل .. نسأل الله السلامة .
[2] - السابق .
[3] - تحقيق الألباني (حسن) انظر حديث رقم: 5443 في صحيح الجامع.
[4] - من مقال للدكتور / سليمان بن عبدالرحمن العنقري ، جريدة الجزيرة 12 رمضان 1421. عدد 10298.
[5] - من مقال لسمية رمضان . مجلة المجتمع عدد 1625 بتاريخ : 30-10-2004 م
|
|
|