الصبر لغة:
حبس النفس عن الجزع،والتصبر تكلف الصبر،والصبر بكسر الباء الدواء المر[1].
وشرعاً:
هو حمل النفس على تحمل التكاليف والمصائب وكل ما تكرهه والصبر من الصفات اللازمة لكل إنسان.
قال تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}
هذه بعض الأمثلة؟؟؟
1ـ صبره على أذى المشركين في مكة،حيث ناله منهم الشيء الكثير،منها وضعهم سلا جزور على رأسه وهو ساجد،روى ذلك البخاري عن عبدالله بن مسعود قال: بينما رسول الله e يصلي عند البيت،وأبو جهل وأصحابه له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه،فيضعفه بين كتفي محمد إذا سجد ؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه فلما سجد النبي e وضعه بين كتفيه،قال: فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض،وأنا قائم النظر،لو كانت لي منعة طرحته على ظهر رسول الله e والني e ساجد ما يرفع رأسه،حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة،فجاءت وهي جوهرية فطرحته عنه[7].
ومنها: ما رواه البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: بينما النبي e يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبه بن أبي معيط،فوضع ثوبه في عنقه،فخنقه خنقاً شديداً،فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه،ودفعه عن النبي e[8].
2ـ صبره على أذى أهل الطائف، حين ذهب إليهم يدعوهم إلى الإسلام بعد أن أخفقت كل محاولاتهفي إسلام قريش،روى مسلم عن عروة بن الزبير أن عائشة زوجة النبي e حدثته أنها قالت لرسول الله e: يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك،وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة،إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال،فلم يجبني إلى ما أردت،فانطلقت وأنا مهموم على وجهي،فلم أستفق إلا بقرن الثعالب،فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أخلتني،فنظرت فإذا فيها جبريل،فناداني فقال إن الله عزل وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك،وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم،قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي،ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك،وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين،فقال له رسول الله e بل أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً[9].وفي روايات أخرى لغير مسلم أنهم آذوه أشد الأذى،ونالوا منه ما لم ينله قومه،فأغروا به سفهاءهم فوقفوا له سماطين وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه[10].
3ـ صبره على أذى المنافقين في المدينة،مثاله ما رواه مسلم أن رسول الله e مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان،واليهود،فيهم عبدالله بن أبي وفي المجلس عبدالله بن رواحه،فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبدالله بن أبي بن سلول أنفه بردائه،ثم قال: لا تغبر علينا،فسلم عليهم النبي e ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن،فقال عبدالله بن أبي: أيها المرء لا أحب من هذا،إن كان ما تقول حقاً فلا تؤذنا في مجالسنا وارجع إلى رحلك فمن جاءك منا فاقصص عليه،فقال عبدالله بن رواحه: أعشنا في مجالسنا فإنا نحب ذلك[11].وقد كانوا يحركون كثيراً من الدسائس والافتراءات ضد الرسول e في الظلام كحادثة الإفك المعروفة التي رموا بها زوجته الطاهرة المطهرة عائشة[12].وكما حصل في غزوة المريسيع حين قال كبير المنافقين عبدالله بن أبي (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ).[المنافقين[13].وكاستهزاءاتهم المتكررة المفضوحة التي ما إن يعاتبهم بها الرسول e أو احد أصحابه إلا قالوا:{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ[14]}.
4- و من أمثلة صبره على قتال الأعداء الذين تكالبوا عليه من كل جانب حتى غدت المدينة كأنها سفينة في وسط بحر هائج.قال تعالى:{ وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[15]}.فعمد أمام حشودهم،وقاتلهم في معارك كثيرة كبدر،وأحد والخندق وقينقاع والنضير وبنين قريظة،بل وهاجمهم في عقر دارهم كحنين وتبوك وغيرها.
{احمد صالح زارب}

[1][ البخاري،2/152،و مسلم،2/729]

[2][السجدة:الآية24]

[3][سورة الزمر:الآية24]

[4][سورة العنكبوت:الآية1-2]

[5][مسند الفردوس ،2/414،رقم 3840].

[6][ البخاري ،4/244و 5/56-57]

[7][ البخاري،1/69و مسلم،3/1418-1419 واللفظ له ].

[8][ البخاري ،5/58]


[9] [ مسلم ،3/1421،الأخشبين هما جبلا مكة ،أبو قيس والجبل الذي يقابله ]

[10] [سيرة ابن هشام ،2/419-421 و مجمع الزوائد ،6/34،و زاد المعاد 3/31 ]

[11] (مسلم،3/142201423]

[12] [ انظر البخاري ،5/148]

[13] [أنظر أسباب النزول ،للوا حدي/321]

[14] [سورة التوبة:الآية65]

[15] [سورة الأنفال:الآية26]