الجهة الثانية من الشريط
( الحلقة الثالثة )
مات الحبيب بأبي هو وأمي الذي كان يقول في آخر لحظات الحياة : ( ألا لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )
من وصاياه في ساعات احتضاره وفي ساعات وداعه أنه كان يقول : ( الصلاة وما ملكت أيمانكم )
صعد المنبر آخر ما صعد قال : ( من اخذت منه مالا فهذا مالي فليأخذ منه ، من سفكت له عرضا فهذا عرضي فليقتص منه من ضربت له جسدا فهذا جسدي فليقتص منه إن رجلا خيره الله بين ما عنده وبين زينة الحياة الدنيا فاختار ما عند الله )
فبكى الصديق رضي الله عنه وأرضاه فقالوا ما الذي يبكي هذا الشيخ الكبير ؟ لقد علم أنها آخر ساعات الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه . في آخر ساعات احتضاره أخذ يضع يده في ركوة من الماء ويمسح على وجهه ويقول : ( لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ، إن للموت لسكرات اللهم هون علي الموت وسكراته اللهم هون علي الموت وسكراته )
فلما رأت فاطمة شدة البلاء على أبيها أخذت تقول : ( وا كرب أبتاه ، وا كرب أبتاه ، واكرب أبتاه ، فأخذ يقول لها : لا كرب على أبيك بعد اليوم ، لا كرب يا فاطمة على أبيك بعد اليوم )
ثم أخذ يشخص ببصره إلى السماء ويرفع يده السبابة وهو يناجي ربه ويقول :( اللهم اغفر لي اللهم ارحمني اللهم تب علي اللهم الرفيق الأعلى اللهم الرفيق الأعلى اللهم الرفيق الأعلى ) ثم سكتت الأنفاس الطاهرة وتوقف القلب الكبير لأن الله قال : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) لأن الله قال : ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ) ، ( كل نفس ذائقة الموت ) .
فلما فارقت الروح الحياة وسكت ذلك الجسد الطاهر الشريف أخذت فاطمة تقول : ( وا كرب أبتاه ، وا أبتاه أجاب ربا دعاه وا أبتاه أجاب ربا دعاه وا أبتاه جنة الفردوس مأواه وا أبتاه إلى جبريل ننعاه )
فلما دفن قالت فاطمة لأنس : ( يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله ؟ ) . يقول أنس : فقلت في نفسي والله ما طابت ولكننا ألجمناها إلجاما . مات الحبيب لأن الله قال :( إنك ميت وإنهم ميتون ) الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت .
ثم يموت الصديق رضي الله عنه وأرضاه خليفة الحبيب وفي ساعات احتضاره ، وكانت ساعات احتضاره بليل ، أخذ يقول لعائشة : ( في أي يوم نحن ؟ قالت : يوم الإثنين ، قال : في أي يوم قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : يوم الإثنين ) ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم مرارا في منامه ،
سألوه في ساعات مرضه ، سألوه في أيام مرضه : أعرضت نفسك على الطبيب ؟ قال : نعم ، قالوا : ماذا قال ؟ قال : إني فعال لما أريد ، قال الطبيب : إني فعال لما أريد ) . فلما اشتدت عليه السكرات ورأت عائشة سكرات الموت على أبيها أخذت تستشهد ببيت تقول فيه :
واعاذل وما يغني الحذار عن الفتى
إن حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال :( يا عائش لا تقولي ذلك ولكن قولي : وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) . نعم أيها الغالي : ( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) .
أوصى أبو بكر عمرا وصية في آخر حياته . ليتنا فهمناها ، قال : ( يا عمر إن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار
وإن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل ) . مات الصديق لأن الله قال : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) . الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت .
ثم يموت الفاروق رضي الله عنه وأرضاه وهو يصلي الفجر في يوم ضيع فيه الناس صلاة الفجر ، هل لسبب شرعي ضيع صلاة الفجر ؟ أم بسبب المكوث ساعات وساعات أمام الشاشات والقنوات .
مات طعن وهو يقرأ قوله جل في علاه : ( إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله . نعم أيها الغالي طعن شهيد المحراب فلما أفاق كانت أول كلمة قالها : أصلى الناس ؟ )
اسمع يا رعاك الله أول كلمة تلفظ بها عمر يوم أفاق من غيبوبته ، قال : أصلى الناس ؟ ) ثم يوم رأى الدم ينزف منه نزفا تيقن أن الموت قد اقترب .
كان هناك شغل يشغله وهم يهمه ، قال : يا عبد الله ابن عمر إذهب إلى عائشة أم المؤمنين وقل لها : يقرئك عمر السلام ، ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست أميرا للمؤمنين بعد اليوم ، قل لها : يبلغك عمر السلام ويقول : ويستأذنك أن يدفن مع صاحبيه ) يريد أن يكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم حتى في الممات رفيقه في روحته وجيئته يريد أن يرافق حبيبه حتى في الممات ،
فذهب عبد الله ابن عمر وطرق الباب على عائشة وقال لها : يقرئك عمر السلام ويقول لك أتأذنين له أن يدفن مع صاحبيه ؟ فقالت الصديقه بنت الصديق والله إني كنت أريده لنفسي ، أريد هذا المكان لنفسي ووالله لأوثرنه على نفسي ووالله لأوثرن عمر على نفسي . فلما رجع عبد الله ابن عمر ورآه عمر قد أقبل قال : أجلسوني ، فقال : ما الخطب يا عبد الله ابن عمر ؟ قال : أبشر يا أمير المؤمنين فقد رضيت فتهلل وجه عمر رضي الله عنه وأرضاه ) القضية كانت تشغله القضية كانت تهمه يا رعاك الله ما كان يوصي بمال ولا بعيال ولا بحلال ، القضية قضية مرافقة في الدنيا وفي الآخرة .
فقال عمر : إن أنا مت فغسلوني وكفنوني ثم احملوني واطرقوا عليها الباب وقولوا : يستأذن عمر مرة ثانية فإن أذنت وإلا خذوني إلى مقابر المسلمين ، فلما حانت ساعات الاحتضار وبدأت تتنزل عليه كربات الموت أخذ عبد الله ابن عمر رأسه ووضعه على فخذه ، فقال عمر : ضع وجهي على التراب عل الله أن يرحم عمر ليتني خرجت منها كفافا لا لي ولا علي ، وددت أن أمي لم تلدني ، ليتني كنت ورقة تعضد .
من هو عمر الصوام القوام يقول ك وددت أني خرجت منها كفافا لا لي ولا علي . مات عمر ، مات عمر لان الله قال : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) . الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت .
ثم يموت عثمان رضي الله عنه وأرضاه يموت وقد رأى في منامه في تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم يقول له : تفطر عندنا غدا ، تفطر عندنا غدا ، فأصبح صائما رضي الله عنه وأرضاه ، تسلقوا عليه البيت وطعنوه وهو يقرأ القرآن فتدفقت تلك الدماء على لحيته الطاهرة ثم أخذ يدعوا ويقول : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، اللهم اجمع شمل أمة محمد اللهم اجمع شمل أمة محمد )
عثمان وما أدراك ما عثمان ؟ تلك اللحية التي لطالما تبللت بالدموع من خشية الله ، تلك اللحية التي لطالما تبللت بكاء وخشية من الله جل في علاه عثمان الذي إذا ذكرت الجنة والنار يبكي وإذا ذكر القبر يبكي بكاء شديدا ، فإذا قيل له : لا تبكي للجنة والنار كبكائك للقبر ؟( قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : القبر أول منازل الآخرة ، إذا كان الذي فيه هين فما بعده أهون ، وإن كان الذي فيه شديد فما بعده أشد )
مات عثمان قارئ القرآن الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ) عثمان الذي نفس بأمواله كربات المسلمين عثمان الذي كان أبا للأرامل والفقراء والمساكين ، مات لأن الله قال : إنك ميت وإنهم ميتون .الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت .
وبعد ساعات الفجر تحلو دقائق الاستغفار فخرج علي مستغفرا ربه بعد قيام الليل منطلق إلى صلاة الفجر فيطعن وهو في طريقه إلى المسجد شتان بين خواتيم وخواتيم ، شتان بين من يقتل وهو يسير إلى المسجد وشتان بين من يسير إلى معصية الله ثم يوم علم علي أنها النهاية قال : أبقوه فإن أنا بقيت قتلت أو عفوت وإن مت فاقتلوه قتلا وعجلوه فإني مخاصمه عند ربي جل في علاه ، ولم يتلفظ بعدها بكلمة إلا قول : لا إله إلا الله لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله حتى فارق الحياة ، علي المجاهد العنيد والمقاتل الصنديد يموت وهو يسير إلى صلاة الفجر ، مات لأن الله قال : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) . الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت .
مات أبو هريرة راوي الحديث والمرافق للنبي في روحته وجيئته ، ماذا يقول في ساعات الاحتضار ؟ يقول : آه من قلة الزاد وطول الطريق . راوي الحديث ناقل السنة وناقل العلم الشرعي للأمة يقول : آه من قلة الزاد وطول السفر .
فماذا يقول المفرطون أمثالنا ؟ فماذا يقول المقصرون أمثالنا ؟ ماذا يقول المذنبون والمضيعون ؟ مات أبو هريرة لأن الله قال : إنك ميت وإنهم ميتون . الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت .
ثم يموت أعلم الأمة بالحلال والحرام معاذ رضي الله عنه وأرضاه ، كانت ساعة احتضاره بليل فقال لإبنه : أصبحنا ؟ قال : ليس بعد ، ثم سأله مرة ثانية : أصبحنا ؟ قال : ليس بعد ، ثم سأله مرة ثالثة قال : أصبحنا ؟ قال : نعم ، قال : أعوذ بالله من ليلة صبيحتها إلى النار ، أعوذ بالله من ليلة صبيحتها إلى النار ، ثم أخذ يدعوا ربه ويناجيه ويقول : اللهم إنك تعلم أني أخافك أنا الآن أرجوك ، اللهم إنك تعلم أني كنت أخافك انا الآن أرجوك اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لطول البقاء ولا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لصيام الهواجر وقيام الليل ومجالسة العلماء .
انظر على ماذا يبكون ؟ انظر على ماذا يتحسرون ؟ ونحن
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت
أن السلامة فيها ترك ما فيها
فليس للمرء دار بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه
وإن بناها بشر خاب بانيها
مات لان الله قال : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) . الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت .
( يتبع )
المـوج
|