( الحلقة الثانية لأيام زمن الأجداد )
وصلنا يا احباب ويا سادة ويا كرام عند رعاية الغنم : في الصباح مع النور يخرجون الغنم من السفل والسفل المكان الذي توضع فيه الأغنام وتغدي للوديان والجبال وطبعا أكثر البيوت لديها الأغنام وكل بيت على حسب حالته يكون بعض البيوت من يرعى الغنم فيها نساء وبعض البيوت يكون فيه من يرعى الغنم رجال ، في هذا الوقت يسرح جدي بالغنم تسمع أصوات الغنم تهذي وهي طالعة من بين البيوت وتسمع أصوات البهم وهي وراء أمهاتها تهذي بعضها لا تزال بين البيوت وبعضها وصل الوادي وبعضها وصلت أقرب جبل ، وجدي خلفها يردها لو دخلت منطقة ممنوعة أو محمية ، وإذا جاء يردها يقول لها ( حي هلم حي ، حي هلم
وتفهم الغنم إنها لغة زجر وترجع للقطيع مرة ثانية ، وهكذا طبعا من عادات رعاة الغنم أنك ترى الغنم ولا ترى الراعي وهذا ذكاء من راعي الغنم وأيضا خاصة إذا كانت امرأة ترعى فإنها تختبئ بين الأشجار
وإلا تحت صفا وإلا أي مكان حتى ما حد يشوفها .
فكان جدي رحمه الله تعالى في بعض المناطق وخاصة وقت الظهيرة ، الظهر له مكان خاص يجلس
فيه يرتاح من الشمس واسمه السقيفة ، والسقيفه إما مكان لراعي الغنم يرتاح فيه من التعب من المشي خلف الغنم وإما مكان لمراقبة منطقة زراعية مثل الركيب اللي فيه العيش والذرة على شان يحمي الركيب ويقولون عنه يحمي الركيب عن الطير أو يحمي الطير
المهم إن السقيفة مكان استراحة ومكان مراقبة وحماية ، يعني يرقب الركيب منه أو يرقب الغنم طبعا عندما يرتاح وقت الظهيرة في هذا الوقت ماعنده غدا يتغدى لكن يرتاح فيه أو ينعس أو ياخذ له قيلولة فيه والسقيفة مبنية من حجارة جبلية وهي غرفة صغيرة لا تكاد تسع نفرين وإلا ثلاث انفار ، وطبعا السقيفة خطيرة بعض الأحيان يكون فيها عقارب وحناشه .
ويواصل رعي الغنم حتى المغرب أو قبيل المغرب أو بعد المغرب ، طبعا كثير من حياة الأجداد ما عاصرناها كاملة لكن اللي عاصرناه نقوله ، واللي ما نعرف عنه ما نقوله ، ومن عادات الأجداد وهذا الشيء معروف عند الكثير من القرى ، إذا ابتعد بالغنم عن القرية ، ما يمديه يروح البيت فبعضهم زي ما يقولون يحزب بالغنم ويبيت يعني ينام في أحد الوديان طول الليل كامل والغنم تكون معه ولا يروح البيت إلا في اليوم الثاني فينامون الأجداد في وديان مظلمة بدون كشاف ولا قبس ، وهذه كانت حالة الرعيان .
بالنسبة للأكل والشرب بعضهم ياخذ معه شترة أوقطعة خبزة يسد بها جوعه ، ويشرب عليها ماء من أي غدير يقابله يعني كان أكلهم وزادهم قليل ، وكذلك عندما يباتون أو يحزبون مع الغنم في الليل هذا يعطي فرصة للغنم إنها ترعى أكثر ، فلا تعود ولا تروح البيت إلا وهي ممتلئة وملي بالحليب لترضع منه صغار البهم وليأخذون منه أهل البيت ويشربون منه كبار وصغار .
وإذا بيت في الليل مع الغنم كل الأهل يعرفون إنه محزب بالغنم ولا يرجع إلا في اليوم الثاني . وتكون المسافة اللي يحزب فيها مسافة يوم كامل او نصف يوم بعيد عن القرية وفيها طلوع وصعود ونزول وجبال ووديان حتى يرجع ويروح البيت وعلى حسب ما جاء من الروايا من الشيبان الكبار .
حزب الجد مع الغنم مرتين أو ثلاثة أو أكثر إلى اليوم الثاني ليلا وفي حزات بدون قبس ولا نار فيوم يروح الجد بالغنم البيت يقولون : هاه راح بالغنم يقولون : راح بالغنم ، او يقولون راحت الغنم ، طبعا إذا كان وقت الغروب يقولون أغربت ويصلي وإذا بعد الغروب يكون قد صلى المغرب ويجلس رحمه الله تعالى يعتنز أو يتمدد حول الملة وطرف الملة من العناء والتعب الشديد الذي لقيه من رعي الغنم .
والملة مربع صغير أو مستطيل من الحجارة وفيه توضع القبس حتى تجمر وتصير جمر ويوضع عليها براد الشاهي فوق الجمر او دلة القهوة حتى تصير دافية ، وبعض الأحيان يتشوطون عليها الشويطة الذرة وحب الحاج أو يجلسون حولها يتدفون ويشربون الشاهي والقهوة حولها ويسولفون ويتهرجون طرف الملة .
ولا تحلى السوالف ولا يحلى السهر إلا حول الملة ، وطرف الملة ويأخذون سواليف الأولين حولها وما يحدث طول اليوم ينقاشون الرعي واعمالهم اليومية حول الملة وهو مكان تجمع وسوالف حول القبس
والجمر .
وصلنا يا أحباب ويا ساده ويا كرام : عند وجبة العشا كان يوجد في ذلك الوقت الشاهي والقهوة والتمر والسمن والعسل لكن كانت الجدة رحمها الله تعالى وبالذات السكر من غلاة السكر وأهميته تقفل عليه في صندوق من الخشب اسمه السحارية ، على شان شقاوة السفان والأطفال مثلي في ذيك الأيام ما حد ياكل منه ويبيحه ، فكانت تقفل جدتي على السكر في السحارية ،
وأتذكر يوم من الأيام الله اعلم وش كانت من حزة ووقت تسلطت على السحارية وفكيتها وأكلت وسفيت يجي ربع كيلوا من السكر ، وماحد دري إلا بعدين ، وعارفين إنها جرة واحد سارق وحرامي انتزى على
السكر وكل منه ، لكن إلى ذلحين ماحد يدري من اللي سف السكر ، ما يدرون إنه آنا .
المهم يا أحباب ويا سادة يا كرام : يتعشى الشيبة على فنجال شاهي والا شترة و شتفة خبزة مقناة مع السمن وإلا العسل ولا يزيد عن فنجال او فنجالين شاهي ، وإذا ما فيه شاهي فنجالين قهوة وحبة وإلا حبتين تمر مع شترة خبزة إذا فيه ، وإلا جغمة لبن أو حليب لأن كان معنا بقرة نشرب من لبنها ، والغنم اللي فيها الكثير من الحليب .
وبعض الأحيان يكون العشا معرق إيدام لحم وقوطة يعني طماط وبصل ومرقة لحم غنم ياخذ منها جدي من الثلاث إلى الأربع لقم ، وبسرعة كان يشبع رحمه الله تعالى والصغار السفان يزاحمونه على السفرة ولا يتكلم بكلمة ويسكت ولا يتضايق منا واحنا جنبه نجغر ونتصايح وكل يدحس ويداحش الثاني ، ويقوم واحنا باقي لا زلنا على الزاد والاكل ما خلصنا .
أما هو لقمتين أو ثلاث ويشرب ماء إذا كان عطشان ، ويخلص بسرعة من الأكل خمس دقائق وهو شبعان خلاص مع العلم إنه كان تعبان من رعي الغنم لكن ما هناك جوع يحس به سوى القناعة في النفس والطمأنينه ، والابتسامة التي كانت لا تفارقه وإذا ناولناه ماء يشرب يقول : رويت .
طبعا معروف وجبة العشا بعد المغرب على طول ، ما يجي صلاة العشاء يصلي إلا على طول بعد صلاة العشاء ينام ، ويمكن كل القرية تنام بعد صلاة العشاء ، ماعدا الشباب ما ينامون الشياطين ، يسمرون ، إلا اللي تعبان يرقد ، والشباب إما تلقاهم على لعبة الكيرم وإلا الورقة البلوت وإلا الضومنة ، وإلا جوف القهاوي يسعسعون ، إلى نص الليل ، والفجر وذيك الأيام بداية القهاوي وكراسي الليف وجراك أبو دلة وإلا باعشن ، ومن شيشه في الثانية ، وشرب دخان وحرق دخان ، وإذا قالوا وين فلان من الشباب ؟ قالوا آهو يشيش وإلا يتنبك يعني يدخن دخان .
ولا كان فيه تلفزيون والتلفزيون جاء في السنوات الأخيرة من حياة الأولين يعني لحقوا عليه لكن ما يفهمون له ويتعجبون من التلفزيون واللي يجي فيه ومن النكت عن التلفزيون كان هناك مذيع يذيع الأخبار ويوم شافه جدي رحمه الله تعالى قام إلى عند التلفزيون واقترب منه ومد يده في الهوى يبغى يضرب المذيع وهو جوف التلفزيون ويطالع فينا ويضحك وقمنا ضحكنا الشباب لين تفقعت بطوننا من الضحك ، ويقول : وش يقول الشيطان ذيه بسم الله الرحمن الرحيم ؟ قلنا آهو يقول الأخبار يخبر ، يخبر ، قال : إيييه ومشى وابتعد عنه بعيد ولاهو فاهم للتلفزيون ولا يعرف له ولا يتابعه ، وراح ينام . وأغلب الاوقات ينام بعد المغرب .
وترقبوا يا سادة يا كرام الجزء الأخير والحلقة الأخيرة من سالفة الأجداد الأولين جديه وجدتيه .
المـوج
|