أحييك أخي ليل الوعد بهذه الفكرة الرائعة وهذا تراث أبائنا وأجدادنا الاولين وقصصهم التي نفتخر بها وأتشرف بأني عايشت جزء بسيطا منها في الديرة ، وأفتخر بأهلي وربعي وأجدادي وأفتخر بزهران كلهم .
قد يكون هناك الكثير والكثير من الآباء والاجدا والفرسان الشجعان الذين نجهل حياتهم منذ القدم ليس فقط جدي أو جدك إنما في الكثير من كل زهران الذين فيهم الخير والبركة وأنا من كثر ما عشعشت في عقلي الديرة فأنا متأثر بها أيما تأثر .
ولنبدأ ببسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ،
من الذكريات الجميلة التي عشناها في الديرة ومن القديم القديم أقدم لكم الحلقة الأولى من الذكريات
والبداية من بزوغ الفجر كان جدي رحمه الله تعالى ، عندما توفاه الله تعالى قد تجاوز المائة وعشر سنوات وأكثر وكان هناك تضاربات في عمره الحقيقي عندما نسأل الشيبان وخاصة الوالد متعه الله بالصحة والعافية اللهم آمين ، يقول كان عمره الحقيقي مائة وخمسة عشر سنة ، وبعض الأحيان يقول لا بل وصل المائة والعشرون لأنه لا يعلم عمره الحقيقي
ميزة تميز بها جدي رحمه الله تعالى ، كان مرحا دائما ، يحب أن يتبسم في وجيه الناس ما سمعته يوما من الأيام يغتاب أحد ولا يفتن بين الناس ، ولا يشتكي من مرض ، ويستأنسون الجماعة بالجلوس معه ويضحكهم ويشرح خاطرهم بنفسه الطيبة ولا يذكر سيرة أحد غائب أويضحك عليه في مجلس من المجالس ، مات في فراشه ولم يعلم بموته إلا في الصباح ،
رحل من الدنيا دون همس ورحل وترك البسمة التي يتذكرها الجماعة كلهم ولم يكن لديه مال ولا درهم ولم يأكل مال أحد ولم يأخذ أرضا ليست له كان أحد الحاضرين لوقعة البقوم ، المشهورة ، والتي تعرفونها الجثث التي أمتلات في كل مكان وأروحت بها الأرض
كان راعي أغنام بسيط جدا ورعى الغنم ثمانين سنة ، ثمانين سنة من عمره كانت في رعي الأغنام بعض هذه السنين يمشي حافي القدمين وعندما جاءت الأحذية كان يرعى الغنم بشبشب قديم لا يحميه من الشوك عندما يمشي ولكن لبسه بعد أن تشققت أقدامه ولا يؤثر فيه الشوك في رجله ، يلبس الثوب محتزما من الوسط وواضعا عصاه على أكتافه ماسكا بها بيديه الثنتين عندما يرعى الغنم ، فكان إما تجده متبسما أو صامتا أمام الناس أو يقوم بحركات من يده أو كلام أو صوت يضحك فيه الجماعة ، كان عنده عزة نفس عجيبة ، لا يطلب مالا ولا يطلب أكلا بل يلمح تلميح لحاجته والكثير لا يعرف ما يريده من حاجة ،
يحفر قبره بنفسه مرات كثيرة ولكن يقدر الله له أنه ما يموت يموت غيره ، فيحفر مرة أخرى ويقول هاذي حفرتي لاحد ياخذها ، يعني هذا قبري لاحد ياخذه . في يوم من الأيام كنت بجانبه ، ولم أتذكر ما كان يريده مني إلا بعد ما كبرت وهي مرة واحدة فقط التي سألني إياها طول السنين وإلا الباقي أنا أخدمه بدون ما يسألني ، وأستأنس منه عندما يضحكني ، وتعلمت منه الشيء الكثير ، وهو المزح والضحك ،
قال لي مرة من المرات بلهجة الأجداد القدامى : ( شي شي وإلا ما شي شيء . قلت له : ما شيء شيء ، وانا ما أدري وش يقصد لكن قلت له ما شي شيء وعندما كبرت تذكرت أنه كان يطلب مني قرش أو قرشين ، والله ما فهمتها إلا بعد ما كبرت ، كان مسكين محتاج ولا يصرح يقول أبغا كذا وإلا كذا من حاجة فعندما أتذكر كلامه أحزن كثيرا وأقول ليتني فهمته وكنت أستطيع أن ألبي طلبه
كان الصباح في القرى والفجر يختلف عن المدن ، كان له من الفرح والأنس ما يحس به الإنسان وتطرب له النفس كالعادة عندما تحس الطيور بقليل من الضوء في الفجر وهو آخر الليل من بداية يوم جديد ساعتها تبدأ تسمع أصوات الطيور تغرد وأنواع عديدة من الطيور مما يشعل في الإنسان الحماس في ذلك اليوم والشوق للذهاب في أعماله اليومية ،
إما رعي للغنم أو زراعة أو حرث أو دمس ، أو صيد أو احتطاب ولم يكن زمن جدي ساعة حتى يستيقض عليها ، لكنه سبحان الله العظيم على الفطرة يقوم من نفسه دون أن يوقضه أحد ويخرج من الكيس الذي هو نائم فيه وهو على شكل كيس الطحين القديم ،
كان ينام داخل الكيس يشبه للكفن الأبيض للميت ويذهب لأخذ الكفكير كما يسمونه أو الإبريق الذي فيه الماء ليتوضأ وأذكر في سنة من السنين كان الجو بارد جدا زي ما يقولون ( قرة وخصر والقره معناها البرد الشديد ، القارص ، ويمكن إن هذه الكلمات موجودة في باقي القرى أو يقول ياولد شي خصرن اليوم وإلا شي قره ، يعني برد شديد
والقرة خطيرة من قوتها أتذكر بعض السفان فوق أرجولهم شي أسود مثل القلح ويخرج منه الدم من الحكة باسباب البرد والخصر والقره المهم إنه يقوم يتوضأ ، أو يطهر يعني يتوضأ ويتطهر للصلاة ويذهب خارج الدار إلى المسجد الذي هو بناه بنفسه ولم يكن هناك مسجد إلا هو ويسمونه ( المسيد ، يعين المسجد ، مبني من الحجارة القديمة الجبلية، وكان المسيد مفتوحا وبدون سقف بجانبه شجرة لوز ، المهم لا
يوجد مكان تختبي فيه عن الخصر والبرد يعني مكشوف تشوف الوادي منه ، ومفروش بالحصباء صغار الحصى والمسجد غير مفروش يعني تصلي فيه تتجرح رجلك ، وكان يصلي جدي فيه وهو حافي القدمين ،
وكان لبسه أو ثوبه معروف عند الجماعة إلى أنصاف الساقين يعني على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثوبه إلى نصف ساقه . في عز البرد الشديد كان يقف جدي يصلي ورأيته يتمتم في الصلاة ببعض الآيات ويهز رأسه وإلى الآن لا أعرف معنى هزته لرأسه في الصلاة فالله العالم أنه كان خاشعا في صلاته ، أما نحن السفان الصغار كنا في أكثر الأحيان نصلي داخل البيت خوفا من الخصر والبرد زي ما يقولون وبقية الأهل والأعمام يذهبون إلى المسيد الثاني للجماعة وكان مغطا وله جدران وسقف وباب ويقل فيه البرد وهو للرجاجيل الكبار ،
وبقية اليوم نصلي فيه وهو بعيد عن الدار ونمشي له في الليل وفي الفجر نطلع له طلوع ، نصعد له صعود في دار ثانية غير الدار اللي نحن فيها ، وطبعا بعد الصلاة لا يعود جدي للنوم ، ولكن ما تشرق الشمس إلا وهو قد أفطر على الميسور ، إما كسرة خبزه وقليل من السمن أو العسل أو حليب الماعز أو إما حبتين تمر والا ثلاث وفنجالين قهوة وانتهى هذا هو فطوره يعني يمكن خمس دقائق يكون قد أفطر خلاص وانتهى
قل خمسة أو أربع لقمات وانتهى أو لقمتين أو ثلاث والسبب كبر السن لا يأكل كثير
لكنه كان في أتم صحته وعافيته رحمه الله تعالى ولم يشكي من مرض معين ، وحتى لو كان مريض لا يتكلم ولا تسمع له همس ، وأيضا حتى لو كان مريض ما كان فيه مستشفيات للعلاج ، فيما بعد جت الصحية والصوحية اللي هي العيادة في آخر حياته رحمه الله تعالى ،
انتهى وبعدها سنذكر لكم قصة رعيان الغنم
لكني تعبت من الطباعة
|