ثالثاً :عظيم حرصه على هداية أمته :
وقال تعالى:
( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) التوبة 128
قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى :
[ هذه المنة التي امتن الله بها على عباده هي اكبر النعم بل اجلها وهي الإمتنان عليهم بهذا الرسول الكريم الذي أنقذهم الله به من الضلالة وعصمهم به من التهلكة ] ا.هـ
وروى مسلم عن ابن عمرو: أن رسول الله تلا هذه الآية:
( رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم)
و
( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم).
فرفع يديه وقال:
(اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله يا جبريل:
اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله فأتاه جبريل فسأله، فأخبره بما قال: وهو أعلم، فقال الله يا جبريل: اذهب إلى محمد فقال: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك).
وروى البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً:
(لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة،
فهي شاملة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً).
لقد وصل به الأمر صلى الله عليه و سلم إلى أن استولت عليه الحسرة و كاد يقتل نفسه حرصاً على أمته حتى عاتبه ربه فقال تعالى : ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ) الكهف6 و قال عز وجل :
( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )الشعراء3
و قال سبحانه :
( فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) فاطر8
و تأمل في عظيم شفقته بأمته حين يضرب هذا المثل عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
( إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقحمون فيها ) رواه البخاري
قال القاضي عياض رحمه الله :
[أما إحسانه و أنعامه على أمته فكذلك قد مر منه في أوصاف الله تعالى له من رأفته بهم و رحمته لهم و هدايته إياهم و شفقته عليهم و استنفاذهم به من النار و أنه بالمؤمنين رؤوف رحيم و رحمة للعالمين و مبشرا و نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا و يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلهم الكتاب و الحكمة و يهديهم إلى صراط مستقيم
فأي إحسان أجل قدرا و أعظم خطرا من إحسانه إلى جميع المؤمنين ؟ و أي إفضال أعم منفعة و أكثر فائدة من إنعامه على كافة المسلمين إذ كان ذريعتهم إلى الهداية و منقذهم من العماية و داعيهم إلى الفلاح و وسيلتهم إلى ربهم و شفيعهم و المتكلم عنهم و الشاهد لهم و الموجب لهم البقاء الدائم و النعيم السرمد
فقد استبان لك أنه صلى الله عليه و سلم مستوجب للمحبة الحقيقية شرعا بما قدمناه من صحيح الآثار و عادة و جبلة بما ذكرناه آنفا لأفاضته الإحسان و عمومه الإجمال فإذا كان الإنسان يحب من منحه في دنياه مرة أو مرتين معروفأ أو استنقذه من هلكة أو مضرة مدة التأذي بها قليل منقطع ـ فمن منحه ما لا يبيد من النعيم و وقاه ما لا يفنى من عذاب الجحيم أولى بالحب
و إذا كان يحب بالطبع ملك لحسن سيرته أو حاكم لما يؤثر من قوام طريقته أو قاص بعيد الدار لما يشاد من علمه أو كرم شيمته ـ فمن جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحق بالحب و أولى بالميل ] الشفا ج2 صـ24
ثالثاً : عظم تضحيته و شدة الأذى الذي لحقه في سبيل تبليغ الدين :
عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت :
للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ؟ قال
( لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري
و عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور فقذفه على ظهر رسول الله صلى :
الله عليه وسلم فلم يرفع رأسه فجاءت فاطمة فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك وقال :
( اللهم عليك الملأ من قريش : أبا جهل بن هشام و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و عقبة بن أبي معيط و أمية بن خلف أو أبي بن خلف ـ شك شعبة ـ قال : فلقد رأيتهم يوم بدر وألقوا في بئر غير أن أمية تقطعت أوصاله فلم يلق في البئر ) رواه ابن حبان
يتبع
|