#1
|
|||||||||
|
|||||||||
جدكم يا زهران !
من خطب الجمعة :
أبوهريرة رضي الله عنه 4/11/1422هـ إن الحمد لله .. أما بعد : إن من أكمل الناس خلالاً، وأفضلهم حالاً، وأفصحهم مقالاً، من اصطفاه ربّ البريّة، ليكون هادياً للبشريّة، صلوات الله وسلامه عليه، حيث امتن الله عزّ وجلّ علينا ببعثته فقال :لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌوزكّاه ربّه بما كان عليه من مكارم الأخلاق فقال :وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ. ثم أمرنا الله عزّ وجلّ بالاقتداء به والاهتداء بهديه والتخلق بأخلاقه فقال :لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلاْخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً. وكما اختار الله نبيّه للنبوة والرسالة اختار له من الأمم أفضلها، ومن الأصحاب أفضل الناس بعد النبيين، أبرّ هذه الأمةِ قلوباً، وأعمقها علماً وأقومها عملاً، وأقلها تكلفاً، وأحسنها حالاً، جاهدوا في الله حقّ جهاده في حياة نبيهم، وبعد وفاته، فنصر الله بهم الدين، ونصرهم به، وأظهرهم على كل الأديان والملل عربهم وعجمهم أثنى عليهم ربهم، وأحسن الثناء عليهم ورفع ذكرهم في التوراة والإنجيل والقرآن، ووعدهم عظيم الأجر وجميل الغفران . كان منهم الخلفاء الراشدون، والأمراء الحازمون، والعلماء الربانيّون، والقادة الفاتحون، والعبّاد الزاهدون، يشهد بذلك أفعالُهم وتنطق به آثارُهم، لِما قاموا به من نشر الدين، وتعليمه وتبليغه في الأمصار القاصية والدانية . ومن جملة هؤلاء العلماء والزهاد الذين حفظوا لنا كنوز السنة والآثار النبوية راوية الإسلام الملهم، وحافظ الأمة المقدَّم أبو هريرة النجم المتألق من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذلك الاسم الذي اقترن اسمه باسم رسول ربّ العالمين، لِما له من كثرة الرواية وعلو الكعب في الحفظ والإتقان على الصحابة أجمعين . فلم يخلُ ديوان من دواوين الإسلام إلاّ واسمه فيه منقوش مرسوم، ولم يمض مجلس من مجالس الذكر والعلم إلاّ وكان لذكره نصيب معلوم، فدعوات المؤمنين له في كل عصر متوالية بالرضا والثناء والرحمات الغالية، لم يسمع به أحد إلاّ أحبّه قبل أن يراه، وما جلس إليه أحد فملّ حديثه ولقياه، جالسه أبو صالح السمّان من تابعي الكوفة الصالحين عشرين سنة، فما ملّ مجالسته بل تمنّى عند موته أن يحظى بجلسة معه، فقال : "ما كنت أتمنى من الدنيا إلاّ ثوبين أجالس فيهما أبا هريرة " . أيها المسلمون : هل في أمة الإسلام أحدٌ لا يعرف أبا هريرة ؟ إن الناظر بعين الإنصاف في سيرة هذا المؤمن المحبوب، يجدها سيرة قد حازت من الفضائل كلّ مرقوب ومطلوب . كان الناس يدعونه في الجاهلية بعبدشمس فلما أكرمه الله بالإسلام وشرّفه بلقاء النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ما اسمك ؟ فقال : عبدشمس . فقال عليه الصلاة والسلام : بل عبدالرحمن . فقال : نعم عبدالرحمن بأبي أنت وأمي يا رسول الله . وأبو هريرة من قبيلة دوس الزهرانية إحدى بطون الأزد، وهي قبيلة زهرانية يمانيّة مشهورة، فهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني، معروف النسب، شريف المعدن والأصل ، لكنه لم يشتهر باسمه وإنّما اشتهر بكنيته، فكان يدعى بأبي هريرة، وكان ذلك في الجاهلية قبل أن يسلم . وسبب تكنيه بهذه الكنية سبب لطيف ظريف، فقد أخرج الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة قال : إنّما كنوني بأبي هريرة، لأني كنت أرعى غنماً لأهلي فوجدتُ أولاد هرة وحشيّة فجعلتها في كمي، فلما رجعت إليهم سمعوا أصوات الهر في حجري، فقالوا : ما هذا يا عبد شمس ! فأنت أبو هريرة فلزمتني بعدُ . ويقول أبو هريرة : كان رسول الله يدعوني أبا هر، ويدعوني النّاس أبا هريرة وكان يفضِّل كنية النبي له ويقول : ناداني بها حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والهر ذكرٌ والهريرة أنثى ، والذكر خيرٌ من الأنثى . وقد نشأ يتيماً وهاجر مسكيناً كما يقول عن نفسه، وتأخر قدومه إلى النبي وأسلم سنة سبع في غزوة خيبر، لم يشهد بدراً ولا أحداً ولا غزوة الأحزاب، ومات النبي في السنة الحادية عشرة للهجرة، فكانت مدة صحبته للنبيّ ثلاث سنين انقطع خلالها الفتى الدوسي لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبته ، فاتخذ المسجد مسكناً والنبي معلماً وإماماً ، إذ لم يكن له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم زوج ولا ولدٌ وإنما كانت له أم عجوزٌ أصرت على الشرك فكان لا يفتأ رضي الله عنه يدعوها إلى الإسلام إشفاقاً عليها وبِرّاً بها فتنفر منه وتصده ، فيتركها والحزن عليها يفري فؤاده فرياً ، وكان يتمنى إسلامها وحرص على ذلك رضي الله عنه حتى أسلمت وكان سبباً في إسلامها أخرج مسلم في صحيحه عنه رضي الله عنه أنه قال : " كنت أدعوا أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله : " اللهم اهد أم أبي هريرة " يقول : فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي، فقالت : مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء ، قال : فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب ثم قالت : يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . قال : فرجعت إلى رسول الله فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال : قلت : يا رسول الله أبشر، قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً صلوات ربي وسلامه عليه . لقد أحب أبو هريرة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم حباً خالط لحمه ودمه فكان لا يشبع من النظر إليه ويقول : ما رأيت شيئاً أملح ولا أصبح من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لكأنما الشمس تجري في وجهه . وكان يحمد الله تبارك وتعالى على أن منّ عليه بصبحة نبيه واتباع دينه فيقول : الحمد لله الذي هدى أبا هريرة للإسلام ، والحمد لله الذي علّم أبا هريرة القرآن ، والحمد لله الذي منّ على أبي هريرة بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم . وقد نال أبو هريرة رضي الله عنه شرف دعوة النبي بالهداية لقومه فقال لما قالوا له : يا رسول الله ! إن دوساً عصت وأبت فادع الله عليها . فقال : "اللهم اهد دوساً وائت بهم" . وأبو هريرة وإن كان مسلماً حين قال رسول الله هذه القولة، إلاّ أنّ الدعوة الكريمة تلحقه، لأنّ من معاني الهداية الثبات على معانيها لمن هو مسلم، والدخول في الإسلام لمن لم يسلم بعد . وأبو هريرة كما أنه دوسي فلحقته تلك الدعوة الكريمة فهو أيضاً يمانيّ كما أسلفنا فيلحقه شرف اليمن وشرف أهلها، فقد أخرج البخاري بسنده إلى عقبة بن عمرو أنّه قال : أشار رسول الله بيده نحو اليمن فقال : " الإيمان يمانٍ هاهنا " وفيه أيضاً عن أبي هريرة أنه سمع النبي يقول : " الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية " . وكلّ هذا داخل في شرف العموم، أمّا شرف الخصوص فحدِّث عن البحر قبل أن تغوص، فقد نال أبو هريرة شرف دعوة النبي له أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا . قال : فقال رسول الله : " اللهم حبب عُبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين " فما خُلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني . وهكذا كان من علامات المؤمنين حب أبي هريرة رضي الله عنه ببركة دعائه له، وشهادة القرآن له إذ هو معدود من جملة الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجه الله، وقد أُمر النبي بالجلوس إليهم والصبر معهم كما قال تعالى وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُوهؤلاء هم أهل الصفة، والصفة موضع مظلل في شمال المسجد النبوي يأوي إليه أصحاب رسول الله ممن لا منـزل له وأكثرهم من المهاجرين الفقراء وكان النبي يطعمهم ويتفقد أحوالهم ، وفضلهم مشهور معروف ، وأبو هريرة منهم قد حاز شرف فقرهم وفضلهم وأجرهم، وهكذا نرى أن الفضل قد تتابع لأبي هريرة لصحبته وهجرته ودوسيته ويمانيته ونيله دعوة الرسول له وشهادة القرآن له . أيها المسلمون : فكما أحب أبو هريرة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقد أحب العلم وجعله ديدنه وغاية ما يتمناه ، حدّث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : بينما أنا وأبو هريرة وصاحب لي في المسجد ندعو الله تعالى ونذكره إذ طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل نحونا حتى جلس بيننا فسكتنا فقال : عودوا إلى ما كنتم فيه . يقول زيد فدعوت الله أنا وصاحبي قبل أبي هريرة وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يؤمّن على دعائنا .. ثم دعا أبو هريرة فقال : اللهم إني أسألك ما سألك صاحباي وأسألك علماً لا ينسى .. فقال عليه الصلاة والسلام : آمين . يقول زيد : فقلنا ونحن نسألك علماً لا ينسى . فقال عليه الصلاة والسلام : سبقكم بها الغلام الدوسي . فنال أبوهريرة بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فأصبح وعاءً من أوعية العلم في هذه الأمة وكما أحب أبو هريرة رضي الله عنه العلم لنفسه فقد أحبه لغيره ومن ذلك ما رواه الطبراني في الأوسط بسند حسن أن أبا هريرة رضي الله عنه مر بسوق المدينة ذات يوم فهاله انشغال الناس بالدنيا واستغراقهم في البيع والشراء والأخذ والعطاء فوقف عليهم وقال : يا أهل السوق ما أعجزكم ! قالوا : وماذا يا أبا هريرة ؟ قال : ذاك ميراث رسول الله يُقسم وأنتم هاهنا ؟ ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه ؟ قالوا : وأين هو ؟ قال : في المسجد . فخرجوا سراعاً ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا فقال لهم : ما لكم ؟ قالوا : يا أبا هريرة أتينا المسجد فدخلنا فلم نر فيه شيئاً يُقسم ، فقال لهم أبو هريرة : وما رأيتم في المسجد أحداً ؟ قالوا : بلى .. رأينا قوماً يصلون وقوماً يقرؤون القرآن وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام . فقال لهم أبو هريرة : ويحكم ! فذاك ميراث محمد . لقد عانى أبو هريرة رضي الله عنه بسبب انصرافه للعلم وانقطاعه لمجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعانه أحد من الجوع وخشونة العيش وتحمّل بسبب ذلك الكثير ، فأين طلاب العلم اليوم . روى عن نفسه فقال : إنه كان يشتد بي الجوع حتى إني كنت أسأل الرجل من أصحاب رسول الله عن الآية من القرآن وأنا أعلمها كي يصحَبَني معه إلى بيته فيُطعِمَني وقد اشتد بي الجوع ذات يوم حتى شددت على بطني حجراً فقعدت في طريق الصحابة فمر بي أبوبكر فسألته عن آية في كتاب الله وما سألته إلاّ ليدعوني فما دعاني . ثم مر بي عمر بن الخطاب فسألته عن آيةٍ فلم يَدْعُنِي أيضاً . حتى مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف ما بي من الجوع فقال : أبو هريرة ؟ قلت : لبيك يا رسول الله ، وتَبِعتُه ، فدخلت معه البيت فوجد قدحاً فيه لبن فقال لأهله : من أين لكم هذا ؟ قالوا : أرسل به فلانٌ إليك . فقال : يا أبا هريرة انطلق إلى أهل الصفة فادعهم ، فساءني إرساله إياي لدعوتهم وقلت في نفسي : ما يفعل هذا اللبن مع أهل الصفة ؟ وكنت أرجو أن أنال منه شربة أتقوى بها ثم أذهب إليهم ، فأتيت أهل الصفة ودعوتهم فأقبلوا ، فلما جلسوا عند رسول الله قال : خذ يا أبا هريرة فأعطهم ، فجعلت أعطي الرجل فيشرب حتى يروى إلى أن شربوا جميعاً ، فناولت القدح لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلي مبتسماً وقال : بقيت أنا وأنت . قلت : صدقت يا رسول الله . قال : فاشرب ، فشربت . ثم قال : اشرب ، فشربت .. وما زال يقول : اشرب ، فأَشرَب حتى قلت : والذي بعثك بالحق لا أجد له مساغاً .. فأخذ الإناء وشرب من الفضلة . أيها المسلمون : لم يمض زمن طويل على ذلك حتى فاضت الخيرات على المسلمين وتدفقت عليهم غنائم الفتح ، فصار لأبي هريرة مالٌ ومنـزلٌ ومتاعٌ وزوجٌ وولد . غير أن ذلك كله لم يغيّر من نفسه الكريمة شيئاً ، ولم يُنسه أيامه الخالية فكثيراً ما كان يقول : نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراً لبُسرة بنت غزوان بطعام بطني ، فكنت أخدم القوم إذا نزلوا ، وأحدوا لهم إذا ركبوا ، فزوجينِها الله .. فالحمد لله الذي جعل الدين قِواماً ، وصيّر أبا هريرة إماماً . وقد وَلي أبو هريرة المدينة من قبل معاوية بن أبي سفيان أكثر من مرة ، فلم تبدل الولاية من سماحة طبعه وخفة ظله . مر ذات يوم بأحد طرق المدينة وهو والٍ عليها ، وكان يحمل الحطب على ظهره لأهل بيته ، فمر بثعلبة بن مالك ، فقال له : أوسع الطريق للأمير يا بن مالك ، فقال له : يرحمك الله أما يكفيك هذا المجال كله ؟ فقال له : أوسع الطريق للأمير وللحطب الذي على ظهره . وكانت ابنته تقول له : يا أبتِ إن البنات ، يُعيّرنَني فيقلن : لم لا يُحلّيكِ أبوك بالذهب ؟ فيقول : يا بنية ، قولي لهنّ : إن أبي يخشى عليّ حر اللهب . ولم يكن امتناع أبي هريرة عن تحلية ابنته ضنّاً بالمال أو حرصاً عليه ، إذ كان جواداً سخيّ اليد في سبيل الله . فقد بعث إليه مروان بن الحكم مائة دينار ذهباً فلما كان الغد أرسل إليه يقول : إن خادمي غَلِط فأعطاك الدنانير وأنا لم أُردك بها ، وإنما أردت غيرك ، فسُقط في يد أبي هريرة وقال : أخرجتها في سبيل الله ولم يَبِت عندي منها دينار ، فإذا خرج عطائي من بيت المال فخذها منه . وإنما فعل ذلك مروان ليختبره ، فلما تحرّى الأمر وجده صحيحاً . وكانت لأبي هريرة جارية زنجية فأساءت إليه ، وغمّت أهله ، فرفع السوط عليها ليضربها به ثم توقف وقال : لولا القِصاص يوم القيامة لأوجعتُكِ كما آذَيْتينا ، ولكن سأبيعُك ممن يوفِّيني ثمنَك وأنا أحوج ما أكون إليه .. اذهبي فأنت حرة لله عز وجل . رحم الله أبا هريرة ورضي الله عنه ..جعلني الله وإياكم من سجي الصحب الكرام ، المتقربين بحبهم إلى الملك العلام . أما بعد : إن الحديث عن أبي هريرة هو حديث عن أخلاق الإسلام وآدابه، وحديث عن صفوة رجال كانوا لهذا العِلم من أوعيته وطلابه ، أفنوا أعمارهم في خدمة هذا الدين ، وخرجوا من هذه الدنيا ولم يشبعوا في ليلتين . وأبو هريرة أحد هؤلاء الفحول النوادر ، الذين دخلوا التاريخ كما دخله الأكابر ، فأناروا العقول وفتحوا البصائر ، وهذبوا النفوس وأيقظوا الضمائر ، وكيف لا يكون منهم وهو وارث العلم النبوي الشريف الذي ضرب فيه بسهم وافر ، حتى غدا ترجمان السنة وحافظها بلا منازع . ولم يكن رضي الله عنه يندفع للعلم وكثرة الرواية ، ويتأخر عن العمل به ، بل ضم إليه الخشية وكثرة التعبّد ، وحسن السمت والتزهد . وهذه قبسات مضيئة من سيره إلى الله عز وجل نستلهمها من زوامل أسفاره إلى الدار الآخرة . أخرج البخاري وأحمد عن أبي عثمان النهدي قال : تضيفت أبا هريرة سبعاً ، فكان هو وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثاً ، يصلي هذا ، ثم يوقظ هذا ، فكانت العبادة لا تنقطع في بيته طوال الليل . ويقول هو عن مسلكه في كل ليلة فيقول : " إني لأُجزّئ الليل ثلاثة أجزاء ، فثلث أنام ، وثلث أقوم ، وثلث أتذكر أحاديث رسول الله " . وكان رضي الله عنه يصوم الاثنين والخميس تطوعاً . وكان هو وابن عمر يخرجان إلى السوق أيام العشر الأولى من ذي الحجة يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما . وكان رضي الله عنه أمّاراً بالمعروف ونهّاءً عن المنكر إذا رأى رجلاً ذا مال كثير يوصيه بإخراج الزكاة ويحذره من مغبة منعها فنراه يقول : إياك وأخفاف الإبل إياك وأظلاف الغنم ، ثم يقول للرجل إني سمعت رسول الله يقول كذا وكذا ويسوق له حديثاً في ذلك . ومن أخلاق أبي هريرة العالية ، التي بوأته المكانة السامية ، كثرة برّه بأمه وملازمته إياها ، فإنه رضي الله عنه لما سمع النبي يقول : " للعبد المملوك المصلح أجران " قال : والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله ، والحج ، وبرّ أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك . قال سعيد بن المسيب : وبلغنا أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها . ومن بره بأمه أيضاً ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح عنه أن النبي أعطاه تمرتين ، قال أبو هريرة : فأكلت تمرة وجعلت تمرة في حِجري فقال رسول الله يا أبا هريرة لم رفعت هذا التمرة ؟ فقلت : لأمي ، فقال : كلها فإنا سنعطيك لها تمرتين ، فأكلتها وأعطاني لها تمرتين . ولم يقتصر رضي الله عنه في بره لأمه فحسب ، بل تعدى إلى غيره . فوصل كرمه الضِيفان وإعتاقه للعبيد وإحسانه للموالي وكفالته الأيتام . فقد أعتق من ماله الأغر بن سُليك المدني بالاشتراك مع أبي سعيد الخدري الذي نزل الكوفة وصار من كبار محدثيها . وكانت له دار بالمدينة تصدق بها على مواليه ، إلى حسنات أخرى يضيق المقام عن عدها . وكان رضي الله عنه إلى جانب هذا حريصاً على تربية أولاده ، فقد ربى ابنه تربية علمية جعلت كبار الرواة يحتاجون إليه ويروون عنه ما فاتهم من حديث أبيه كالشعبي والزهري وغيرهم . أيها المسلمون : ولو استعرضنا تفاصيل سيرته المرضية لطال بنا المقام ولم نأت على ربع معشار منها ، لكن حسب المؤمن أن يعرف أن الأصل إذا طاب طابت فروعه وأن القليل اليسير إذا كان مباركاً يدل على الخير الكثير، على حد قول الشاعر: قليل منك يكفيني وإني قليلك لا يقال له قليل لما مرض أبو هريرة مرض الموت بكى .. فقيل له : ما يبكيك يا أبا هريرة ؟ فقال : أما إني لا أبكي على دنياكم هذه .. ولكني أبكي لبعد السفر وقلة الزاد لقد وقفت في نهاية طريق يفضي بي إلى الجنة أو النار .. ولا أدري في أيهما أكون ! . وقد عاده مروان بن الحكم فقال له : شفاك الله يا أبا هريرة . فقال : اللهم إني أحب لقاءك فأحِبَّ لقائي وعجّل لي فيه .. فما كاد يغادر مروان داره حتى فارق أبو هريرة الحياة .فرحمة الله على أبي هريرة معلماً وهادياً ومجاهداً وداعياً وآمراً وناهياً ورائحاً وغادياً . فقد حفظ للمسلمين ما يزيد على خمسة آلآف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً 5374من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً ..
آخر تعديل موسى محمد هجاد الزهراني يوم
04/02/2005 في 03:52 PM.
|
اخر 5 مواضيع التي كتبها موسى محمد هجاد الزهراني | |||||
المواضيع | المنتدى | اخر مشاركة | عدد الردود | عدد المشاهدات | تاريخ اخر مشاركة |
إلى الشيخ : محمد المنجد .. فصبرٌ جميل !! | فضيلة الشيخ موسى محمد هجاد الزهراني | 5 | 5272 | 09/01/2010 11:13 PM | |
في جريدة اليوم | فضيلة الشيخ موسى محمد هجاد الزهراني | 9 | 2867 | 22/05/2009 10:47 PM | |
.. ليلة مع الشعراء ! | فضيلة الشيخ موسى محمد هجاد الزهراني | 9 | 3474 | 12/02/2009 02:10 AM | |
رحلة الى الجامع الأزهر !! | فضيلة الشيخ موسى محمد هجاد الزهراني | 8 | 3503 | 03/02/2009 05:24 AM | |
الوفاء بين الكلب والسموأل ! | فضيلة الشيخ موسى محمد هجاد الزهراني | 8 | 2829 | 26/01/2009 06:17 AM |
06/02/2005, 08:27 PM | #3 |
المؤسس والمشـــرف العــــام
|
رحم الله أبا هريرة ورضي الله عنه ..جعلني الله وإياكم من سجي الصحب الكرام ، المتقربين بحبهم إلى الملك العلام . شيخنا الفاضل جزاك الله خير الجزاء ونرجو منك أن لاتحرمنا من هذه الإبداعات ..
|
•
رحلة في ذاكرة الشاعر جريبيع رحمه الله
• أهالي رباع : الخير في مقدمكم يانسل الكرام ( عكاظ ) • رسائل واتس اب جديدة كل يوم .. شاركونا بكل جديد |
08/02/2005, 10:48 PM | #5 |
عضوة مؤسسة ومشرفة المنتديات النسائية سابقا
|
الله يسعد قلبك كيف انت بتعلمنا وبتنور طريقنا كمان انت ربي ينور طريقك ويحبب خلقه فيك ويسعد حياتك ويارب يارب يارب تفوت الجنه قول امين
|
|
08/02/2005, 11:41 PM | #6 |
داعية إسلامي معروف وشخصية مميزة وعضو شرف منتديات رباع
|
اللهم آمين
آمين ..! جزاكم الله خيرا..
أخي مزوحي .. ما عندك غير : مشكورررررررررررررررين ؟ نريد مشاركات جادة الله ينجحك ! |
|
11/12/2006, 11:18 AM | #7 |
المؤسس والمشـــرف العــــام
|
اشتقنا إلى محاضرات الشيخ موسى وعودته إلى منتديات رباع
|
•
رحلة في ذاكرة الشاعر جريبيع رحمه الله
• أهالي رباع : الخير في مقدمكم يانسل الكرام ( عكاظ ) • رسائل واتس اب جديدة كل يوم .. شاركونا بكل جديد |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 1 : | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
قبيلة زهران | صقر الجنوب | منتدى القبائل والأسر والأعلام | 13 | 01/05/2010 11:02 AM |
تاريخ زهران قديماً وحديثاً | صقر الجنوب | منتدى القبائل والأسر والأعلام | 8 | 07/04/2009 01:44 AM |
حرب زهران ضد الاترك | صقر الجنوب | منتدى القبائل والأسر والأعلام | 4 | 15/06/2005 02:20 PM |
منطقة الباحة ( زهران وغامد ) | صقر الجنوب | منتدى القبائل والأسر والأعلام | 3 | 23/04/2005 01:39 PM |
رجال زهران | صقر الجنوب | منتدى القبائل والأسر والأعلام | 0 | 28/11/2004 11:57 AM |
الإعلانات النصية ( أصدقاء الأكاديمية ) |
|||||