قرية قرّاء

بسم الله الرحمن الرحيم

الاســـم والموقع

أولاً: الاسم

يكاد يجمع معظم كبار السن في القرية على أن اسم قرّاء مشتق من القراءة التي كان قديماً أغلب أهل القرية يجيدونها في وقت كانت القلة تعرف القراءة والكتابة، وزاد عدد القراء فيها نظراً لحاجتهم لذلك بعد أن صارت مقراً لمشيخة زهران عند آل القفعي قبل أن تكون لدى بالرقوش، وقد اتجه بعض قراء هذه القرية آنذاك كأئمة لمساجد وجوامع القرى المجاورة، وهذه القرية إحدى قرى قبيلة بيضان ويطلق عليها أحياناً (قراء بيضان) لتمييزها عن القرى التي تتشابه معها في الاسم، وينطقها بعض كبار السن (قرّا) هكذا بدون همز، وهذا الاسم مشتق من وضع مكانها (القرار) أي الاستواء أو المستقر من الأرض، لأنها مكان اطمئنان لساكنيها يثبتون فيها ويقيمون، قال شاعرهم :

نحن بني قُرّا إذا قلنا لها قري تقره نحن بني القالات اللي لها معنى يمره

ويصفها البعض بقرية الضباب لكثافة الضباب الذي يغطي سماءها في كثير من أيام السنة بحكم موقعها المرتفع، وأخذت هذه المسميات إما من الحالة الاجتماعية لساكنيها أو من موقعها أو من المناخ السائد عليها، والاختلاف في أسماء الأماكن وارد في كثير من المواقع، والمتعارف عليه الآن اسم (قُرّاء) بضم القاف وتشديد الراء المهملة بعدها ألف وهمزة، بلفظ جمع قارئ.

ولا غرو فهذه القرية من القرى الكبيرة في المنطقة وهي أقرب للبلدة منها للقرية، وتتميز بطابعها الجغرافي المميز الذي يجمع بين الهواء العليل والمساحات الخضراء والموقع المرتفع الذي يشرف على سهول تهامة وتضاريس السراة من بلاد غامد وزهران.

والتاريخ البشري لهذه القرية مرتبط بتاريخ المنطقة الذي يعود إلى عهود قديمة، فقد سُكنت منذ آماد بعيدة، وما يهمنا هنا أن نلقي نظرة مقتضبة للتعريف بها لإضافته للموقع وإلاّ فالبحث في تاريخها قد يطول، وهي الآن إحدى قرى المملكة العربية السعودية التي تنعم بالخير والأمن والرفاهية.

ثانياً: الموقع وخصائصه الطبيعية

تقع قرية قراء على درجة عرض 45،01،20 ودرجة طول 30،23،41 غرب مدينة الباحة على بعد 9كم منها في مرتفع شاهق يطل على مدينة الباحة نفسها والقرى والبلدان المجاورة لها من السراة وتهامة من بلاد غامد وزهران، وهي حدّ زهران من جهة الشرق، وتشرف على غابة رغدان وجبل الحُجيّر وتطل على وادي دوقة بتهامة من الجهة الجنوبية الغربية، ومن شفا هذه القرية يُشاهد أكثر بلاد تهامة مثل المخواة وقلوة ودوقة وقرى عبد الحميد وقريان شعير كما يشاهد شدا الأعلى وشدا الأسفل[1]

ويحدها من الشرق: مدينة الباحة وبلدة رغدان وبني سعد

ومن الشمال: قرية الجرة وقرية البارك وقرية الدارين

ومن الغرب: قرية بني هريرة

ومن الجنوب: بني عمر والاشاعيب

ولها في الجنوب صدران (صدر عبد الرحمن وصدر المزاودة) -ويزرع فيهما البن والموز والكادي والحمضيات- ومن القرى اللائفة لها قرية الطرف والعضة وقرية حصن الحبس وهي من القرى الكبيرة وتشترك معاً في مسمى قبيلة بني عويف التابعة لقبيلة بيضان، وتقع هذه القرى جنوب القرية وغربها.

وفي الأيام الصافية يمكننا رؤية ساحل البحر الأحمر بالمنظار العادي من أعلى جبل أفعة الذي يعتبر أعلى قمة مواجهة للبحر الأحمر في هذا الاتجاه والذي يزيد ارتفاعه عن سطح البحر بأكثر من 11000قدم ويقع هذا الجبل جنوب القرية ويشرف على تهامة ويشاهد من أعلاه معظم بلاد تهامة ويقع صدرا المزاودة وعبد الرحمن (اللذان أشير إليهما سابقاً) جنوب غربي هذا الجبل، كما يشاهد منه جبل حزنة على مسافة 42كم وجبل إثرب في بلاد بالشهم على مسافة 60كم، [2] ولها ثلاث عقبات كبيرة هي عقبة السحيرة وتقع غرب القرية، وعقبة الطلحة وتقع جنوباً ولها انحدار شديد باتجاه البحر الأحمر، وعقبة المضحاة وتقع شرق القرية وتلتقي مع عقبة الباحة، وقال الأستاذ عبد القدوس الأنصاري يصف المنظر الذي شاهده وهو على شفا هذه القرية: " ولأول مرة في حياتي شاهدت هذا المنظر الرائع الفريد في بابه، منظراً يجمع بين السراة الشاهقة وتهامة بعيدة الغور، لقد جلسنا في المساء على قمة أحد الجبال العالية في منطقة (بيضان) ولما أرسلنا أبصارنا أذهلنا رؤية غور تهامة السحيق الذي يفصل بيننا وبينه آنذاك –عمودياً- علو مقداره 9000قدم، وقد كدت أصاب بالدوار من شدة عمق هذا المنظر الهائل المذهل الفريد، ولقد رأينا بلدة المخواة التهامية في أضواء مصابيحها ترسل أشعتها باهتة من بعيد كفنار قديم فوق ثبج البحر المتلاطم يشاهده من فوق راكب طيارة نفاثة سريعة الطيران" [3]

ويعتبر موقعها الشاهق هذا من أبرز السمات التي أكسبها أهمية جغرافية مميزة مما جعلها بلدة عامرة منذ القدم، وتقسم حالياً إلى قسمين رئيسين هما:

1- القرية القديمة: وعامة بنيانها من الحجر والطين، وبيوتها متراصة وطرقها ضيقة ويتوسطها الجامع القديم وهي في الوقت الحاضر شبه مهجورة، وتتميز مبانيها بنوع خاص من العمارة التي تستخدم فيه الحجارة الضخمة التي تجلب بواسطة التكسير من الصخور التي في بيئتها، ويبلغ عرض الجدار في هذا النوع من المباني ما بين 60-90سم وما زال بعضها قائم حتى الآن حيث تجتمع في مكان مميز بالنسبة للوادي، وكان لهذا التجمع ما يبرره آنذاك مثلها مثل غيرها من قرى المنطقة ومن ذلك: الحفاظ على مساحة الرقعة الزراعية، والأمن، والتعاون لقضاء الحاجات الضرورية لبعضهم.

2- القرية (البلدة) الحالية: تحيط بالقرية القديمة من جميع جهاتها وقد لحقت بركب المدنية والتقدم الحضاري فأصبحت العمائر الحديثة والفلل هي الطابع المميز لمبانيها، وبها عمائر سكنية من أربعة أدوار.

يحيط بالقرية حصنان أثريان أحدهما شرق القرية ويسمى حصن (الأنصب) والآخر غربها ويسمى حصن (بسان)، وتكثر بالقرية المدرجات الزراعية (الركبان) ويخترقها وادي قُرّاء وتنشط بها زراعة القمح والشعير والعدس والذرة والخضر وات ومعظم الفواكه، وأشهر الأشجار الجبلية والمعمرة فيها أشجار الزيتون البري (العتم) والعرعر وأشجار الطلح (الأكاسيا) وتوجد هذه الأنواع بكثرة تكاد تغطي مساحات كبيرة منها وبكثافة تشكل مساحة من الغابات المتفرقة.

كان معظم أهل القرية يعمل بالزراعة ويعمل البعض برعي الأغنام لوجود العقبات دائمة الخضرة حيث يتجه رعاة الأغنام بأغنامهم إلى أسفل العقبات في الشتاء طلباً للدفء ويعودون في الصيف، أمّا الآن فالغالبية تعمل في الوظائف الحكومية.

أما جبالها فمعظم صخورها نارية صلبة حيث تكثر بها أنواع مختلفة من الصخور الجوفية والبركانية مثل الجرانيت والبازلت وبعض الصخور المتحولة، ولا تخلو من وجود معادن كمعدن الهيماتيت والكوارتز (المرو) وما تزال بكراً لم تكتشف ثرواتها حتى الآن.