#1
|
|||||||||||||
|
|||||||||||||
مسرحية أشباه وطاولة
الطاولة نص مسـرحي تأليف: عاطف علي الفراية جائزة جمعية المسرحيين بالدولة عام 2003 ملاحظات يقوم سيناريو العرض على نظرية المسرح الفقير عند البولندي جيرزي غروتوفسكي (من زاوية ) حيث يختزل الديكور إلى طاولة متعددة الأغراض كما هو مبين في سيناريو العرض المضن داخل النص، وتتعدى ضرورة وجود تلك الطاولة مسألة المنظر المسرحي لتلتحم مباشرة بقيم مضمونية تخدم الخط الفكري الذي يسعى النص لخدمته، فالطاولة في النهاية بطل رئيس لا ينفصل وجودها وتحريكها إلى أوضاعها المتعددة عن وجود الأشباه الذين فضلت أن يقوم بتجسيدهم ممثل واحد، ولذا فضلت أن أرفق مع النص صور الأوضاع الرئيسية للطاولة. فيما بدا أكثر من مجرد مسألة (تقليعة) شكلانية أو جنوح عدمي نحو التجريب. توجد علاقة للملابس في مكان واضح من المسرح وتعلق عليها الملابس اللازمة للعرض، ويتم من خلالها الدخول إلى الشخصية بشكل مباشر أمام المشاهدين لغايات تتعلق بسيمياء الملابس وما تتخذه من ألوان مشفرة لخدمة عملية التلقي الواعي، فالمدرس الذي يمثل التيار اليساري يستحسن أن يرتدي إشارة دالة في ملابسه ومن الطبيعي أن تكون حمراء، والقومي بيضاء مخططة بالأحمر والأسود والأخضر إشارة إلى ألوان الأعلام القومية، ومدرس الجغرافيا( الوسطي) يفضل أن تكون إشارته الدالة سيميائيا محايدة ( ذات علاقة بخارطة الأرض ) كذلك سين وصاد اللذان يمثلان الأغلبية الشعبية الصامتة المحايدة غير المستعدة للتفكير كثيرا والمغيبة العقل بحيث تبدو في بعض الأحيان تقوم مقام قطع الديكور وتمارس أعمال الجمادات يستحسن أن يرتدي كل منهما لباسا محايدا يعتمد على الأبيض والأسود، وكل هذا لدلالات إشارية ذات علاقة بالبنية المضمونية هذا كله غير ملزم للمخرج الذي يمكن أن يتولى تقديم النص على الخشبة، إنه فقط رؤيتي ككاتب للنص وتصوري لأسلوب التقديم السيميائي له عاطف علي الشخصيات طاولة كبيرة مشروخ ممثل سين وصاد المسرح خال إلا من طاولة كبيرة بطول 3م وعرض مترين وارتفاع متر وربع تسير على أربع عجلات أرجلها الأربع حرة الحركة وسطحها العلوي مفتوح على شكل باب محاط بإطار خشبي من كل جهة بعرض ربع متر، وفي إحدى الزوايا توجد علاقة ملابس علق عليها ما يلزم للعرض المسرحي. يدخل سين وصاد المسرح ويقومان بقلب الطاولة إلى الأعلى وثني رجليها من اليمين جانبيا ويدخلان كرسيا بحيث يبدو المنظر صالون حلاقة (الشكل رقم 1) ثم يخرجان .. يدخل الممثل ويتجه إلى العلاقة ويرتدي قميص الحلاق بينما يدخل س و ص يحملان المرآة وكأنهما قائمين خشبيين الحلاق: يا ساتر يا رب … تأخر مشروخ عن موعده هذه المرة رغم أنه يعلم أن اليوم هو عطلة الحلاقين وأنني قد أتكبد مخالفة من أجل شعر حضرته، تعال يا مشروخ .. تعال قبل حضور مفتش البلدية أو النقابة أو الشرطة أو الصحة أو لجنة مراقبة البيئة أو هيئة مراقبة الأبخرة المؤثرة على طبقة الأوزون (يطرق لحظة) معقول أن كل هؤلاء يبحثون عن مخالفتي؟ يدخل مشروخ مستعجلا متلفتا وهو يحمل ملفا فيه بعض الأوراق ويضع على رأسه غطاء مشروخ: أبناء الأبالسة هؤلاء الأولاد، كيف عرفوا بأمر رأسي فأصبحوا يطاردونني ليعرفوا ما أخفيه تحت هذا الغطاء (يشير إلى رأسه) أم أنهم لا يعرفون شيئا، وإنما يشكّون فقط ويريدون أن يتأكدوا؟ الحلاق: على مهلك .. على مهلك، ما قصتك مع الأولاد؟ مشروخ: كأن نفرا من الجن زرع في رؤوسهم أنني أخفي شيئا تحت غطاء رأسي (يلتفت إلى الحلاق بنظرة ثاقبة) أم أنك أنت الذي لا يصون سرا ولا يكتم عن صاحبه أمرا. الحلاق: (ضاحكا) أنا..! تأكد يا صاحبي أن أسرار زبائني العاديين في بئر عميقة فكيف بك أنت؟ وأنت الزبون الخاص جدا الذي لا يستطيع أن يحلق رأسه عند أي حلاق غيري ..ولكن ( يقترب منه بحركة توحي بالتودد) لماذا لا تريحني وتحكي لي قصة تلك الشروخ التي تملأ رأسك؟ مشروخ: قصة ! ليست قصة إنما قصص .. قصص كثيرة يشيب لها رأسك وينفجر دماغك لمجرد سماعها .. اسمع لا تساومني، لقد بدأت تظهر لي الفضول الزائد لمعرفة ما لا أريد لأحد أن يعرفه، وهذا الفضول هو الذي جعلني أترك كل الحلاقين في المدينة الواحد تلو الآخر حتى انتهيت إليك.. اسمع يا صاحبي .. الحلاق يشبه الطبيب في أشياء كثيرة منها أن أسرار زبائنه يجب أن تصان وأن قصصهم ليست ملكا له ليتسلى بها أو حتى يحدث بها نفسه، ولكنها النفس آه من النفس الردية التي توسوس لصاحبها دائما بأنه يجب أن يطلع على كل شيء. الحلاق: حسنا.. حسنا، لا تبتئس يا صاحبي هناك مثل يقول (لا تقل للمغني غني بل دعه حتى يأتي مزاجه) وأنت لا بد سيأتي عليك يوم وتغني وحدك. مشروخ: صدقت.. إيه .. يبدو أن ذلك اليوم لن يكون بعيدا، لقد تعبت من هذا الرأس ويبدو أن لا حل لمشكلته إلا بقطعه، ولكن..(مستدركا ومطرقا) لا..لا ( بلهجة خطابية) هناك مثل آخر يقول: صدرك أوسع لسرك. الحلاق: على راحتك.. بالنسبة لي لا توجد مشكلة، ثم .. لماذا نضيع الوقت؟ هيا اجلس على الكرسي ولنبدأ العمل قبل أن ندفع مخالفة نقابة الحلاقين أو…… مشروخ:(مقاطعا) أو الصحة أو البلدية أو الشرطة أو البيئة أو لجنة مراقبة الأبخرة المؤثرة على طبقة الأوزون ..حفظت ذلك عن ظهر قلب وفي كل مرة أقول لك: يكفي أن تغلق الباب لكي تتقي شر هؤلاء جميعا، الحلاق: معك حق يا صاحبي، فإغلاق الباب يمكننا من الحديث كما نشاء ويجنبنا خطر المخالفات، ها.. قلي أية حلاقة تريد اليوم ؟ مشروخ: اليوم لا أريد حلاقة، بل إنني تركت شعري يكبر متعمدا حتى تختفي كل الصدوع والشروخ والندوب، وما عليك سوى أن تمارس لعبتك باستخدام السشوار، وترتب الشعر بحيث لا يظهر شئ من هذه الشروخ التي تملأ رأسي كأنها شبابيك على الإطلاق. الحلاق: غريب.. ولماذا كل هذا الحذر؟ أهو الخوف من الأطفال مجددا؟ مشروخ: لا..لا أنا اليوم بصدد مقابلة اللجنة الطبية المكلفة بالكشف علي من أجل الوظيفة.. ولا بد من الاحتيال عليهم.. إذ لا يمكن أن يوافقوا على تعييني في أية وظيفة وأنا بهكذا رأس .. ولكن .. لماذا تسأل؟ بل لماذا أجيبك؟ الحلاق: ألم أقل لك لا تقل للمغني…… مشروخ: اوهوو عاد… أتعبتنا أمثالك، أنت تتقن اصطياد الكلام مني. الحلاق: أنا كاتم أسرارك على أية حال. مشروخ: حسنا.. أعدك أنني في اللحظة المناسبة وعندما أشعر بالحاجة إلى من أفضفض له، لن أختار سواك، يجلس مشروخ على كرسي الحلاقة ويكشف عن رأسه الغطاء فيظهر رأسه بشعر طويل بعض الشيء وتظهر الشروخ في جلدة رأسه، بينما الحلاق يمسك بالسشوار ويتجه إلى رأس مشروخ الحلاق: (يضحك ) معك حق، من سيعينك بوظيفة وأنت بهكذا رأس؟ ولكن… في كل مرة يكون الأمر سهلا بالنسبة لي لأن قص الشعر وكتمان السر في النهاية أمر يسير.. أما إخفاء كل تلك الشروخ في الرأس فأمر قد لا يقدر عليه أي حلاق في البلد… مشروخ: لا بد أن تفعل .. لا مفر لك .. سأدفع لك ما تطلب مقابل أن لا تترك من جهدك شيئا.. أنت تعلم أهمية الفحص الطبي للحصول على الوظيفة.. الحكومة يجب أن تطمئن على موظفيها وعلى قدرتهم على الصمود أمام أعباء الوظيفة الحلاق: (متخابثا) أحقا ستدفع الثمن الذي أطلب؟ مشروخ: ولو.. وهل سأدفع في حياتي لأعز منك؟ قل .. ماذا تريد؟ الحلاق:هذا وعد رجال؟ مشروخ: (بعصبية) هوهووو عاد..! وعد رجال.. والله وعد رجال قل وخلصنا الحلاق: حسنا .. أريد أن تحدثني عن قصتك مع هذه الشروخ التي في رأسك كيف حدثت؟ مشروخ: ( يطارد الحلاق داخل الصالون ) يا نذل.. يا حقير يا قناص الكلام يا مبتز يا واطي… الحلاق: (ضاحكا) اهدأ .. اهدأ .. على مهلك .. ليس في الأمر شيء، أنت وعدت وعد رجال ولا بد أن توفي بوعدك .. ثم ـ يا أخي ـ ما الفرق ما دمت يوما ما ستتكلم؟ لماذا لا تتكلم الآن؟ مشروخ: ألم أقل لك إنك صياد كلام؟( لحظة صمت) حسنا .. سأروي لك كل شيء وأنت تعمل في رأسي .. أقصد في شعري، أساسا أنا مللت من الكتمان عنك لأنك تقريبا صديقي الوحيد.. وأصبح عليّ أن أرتاح ( يجلس مشروخ على كرسي الحلاقة، يمسك الحلاق بالسشوار ويقف خلفه) الحلاق:ها من أين ستبدأ؟ مشروخ: من المدرسة الابتدائية الحلاق: المدرسة الابتدائية..! هاذي القصة قديمة ..! مشروخ: طبعا يا صديقي .. بدأت القصة منذ أخبرنا معلم التاريخ الأستاذ خلدون …… ( يبعد سين وصاد المرآة ويسحبا الطاولة من اليسار إلى اليمين على وضعها الأول ، يقومان بثني رجليها من اليمين وفتحهما من اليسار،(الشكل رقم 2 ) ويدخلان لوحا خشبيا على قائمين متحركين (سبورة) ويدخلان كرسيا طويلا يجلسان عليه مع مشروخ فيصبح الثلاثة تلاميذ ، بينما يتجه الممثل إلى العلاقة ويخلع ملابس الحلاق ويرتدي شخصية أستاذ التاريخ (خلدون) ثم يدخل إلى غرفة الصف الأستاذ: مرحبا يا أبنائي.. سنناقش اليوم ما قلناه بالأمس عن أمس أمتنا كما ناقشنا بالأمس ما قلناه أول أمس وما سنقوله اليوم ونناقش غدا ما سنقوله بعد غد… اوو يا إلهي .. متاهة الأقوال هذي أنستني ما كنت سأقول.. آه.. تذكرت .. إذن قلنا يا أبنائي إن العرب كانوا أول من فكر في الطيران وكان ذلك على يد من يا مشروخ؟ مشروخ: على يد…… فرناس بن مرداس الأستاذ: عباس بن فرناس أيها الشقي .. لا بد أنك تحفظ جيدا كل أسماء لاعبي كرة القدم ونجوم السينما ولست مستعدا لحفظ أسماء آبائنا العظماء الذين صنعوا حضارة .. التلاميذ: ( مقاطعين) في الوقت الذي كان فيه الغرب يسبح في الظلام.. أليس كذلك يا أستاذ؟؟ الأستاذ: أو حسنا .. أنتم تحفظون مقولاتي عن ظهر قلب ولكنكم لا تتمثلونها مشروخ: كيف نتمثلها يا أستاذ؟ الأستاذ: تحسونها.. تعيشونها بوجدانكم مشروخ: وما هو الوجدان؟ الأستاذ: أوو أنت تضيع الوقت في أسئلة لا تفهم إجاباتها.. لنعد إلى موضوعنا.. إذن قلت لي على يد عباس بن فرناس ،، حسنا، وكيف كان ذلك؟ مشروخ: ارتدى بذلة طائر وجناحين…… الأستاذ: (يقاطعه ضاحكا) بذلة طائر! حلوة هذي .. بذلة طائر.. أنت تجيد الاستعارات والمجاز اللغوي . ثم ماذا؟ مشروخ: قفز من أعلى الجبل وسقط وتحطم وتحطمت معه آمال العرب في السبق إلى الطيران الأستاذ: لا تقل هذا يا بني . لماذا أنت يائس هكذا..! مشروخ: لأن علاقتنا بالطيران انتهت منذ فشل عباس هذا الأستاذ: ولكننا ما زلنا ننظر في حضارتنا (متخذا هيئة الخطيب) ندرس ونتبصر، ولن نعي دروس الحاضر والمستقبل إذا لم نعِ درس الماضي.. التلاميذ: (مقاطعين) إذ إنه لا مستقبل لمن لا ماضي له… حفظناها أيضا الأستاذ: أوو حسنا .. حسنا على المدرس دائما أن يغير صيغة كلامه حتى لا يبدو مملا .. معكم حق .. المهم ما أردت قوله هو أننا أبناء حضارة عريقة.. التلاميذ: (مقاطعين) حضارة عريقة لا بد أن تعود يوما وتشرق شمسها على العالم .. وهذه أيضا حفظناها الأستاذ: (بعصبية) وماذا في هذا ؟ أصلا يجب أن تحفظوا كل المقولات الهامة وترددوها كل يوم حتى لا تنسوها أبدا .. فأنتم جيل……… التلاميذ: (مقاطعين) جيل المستقبل الذي تعول الأمة كلها عليه الأستاذ: أعرف .. أعرف وهذه أيضا ليست جديدة عليكم (ينظر في ساعته) لقد انتهى الدرس، غدا سوف نتكلم عن بقية الأسماء العظيمة في تاريخ أمتنا خصوصا الزهراوي أشهر الجراحين القدماء يخرج الأستاذ وهو يردد(بلاد العرب أوطاني .. من الشام لبغدان) .. يجمع مشروخ التلاميذ حوله مشروخ: أمس شاهدت فيلم سوبرمان في السينما .. هل شاهدتموه؟ التلاميذ: بالطبع .. بالطبع شاهدناه قبلك.. مشروخ: الفيلم ذكرني بكل ما يقوله أستاذ التاريخ عن حضارتنا البائدة التلاميذ: لماذا؟ مشروخ: إذا كنا نحن العرب أول من فكر في الطيران وحاول أن يطير، فمن أولى بالطيران ومن الأقدر عليه؟ نحن أم أبناء الحضارة الجديدة التي لا يزيد عمرها على خمسمائة سنة؟ التلاميذ: نحن طبعا مشروخ: وبماذا يزيد عني سوبرمان؟ هو يرتدي عباءة زرقاء يربطها على عنقه، وأنا أستطيع أن أرتدي عباءة جدي العريقة التي توارثها عن أجداده منذ أن لبسها عباس بن فرناس يتجه إلى العلاقة ويتناول عباءة ثم يضعها على كتفيه ويربطها إلى عنقه مشروخ: (يتابع) أتدرون كم تحمل هذه العباءة من الأمجاد .. هذه العباءة ارتداها أجدادنا فسادوا العالم.. ارفعوني إلى سطح هذه الغرفة لأريكم كيف أطير أفضل من سوبرمان. يضع س و ص الطاولة في وضعها العادي(الشكل رقم 3) ويصعد مشروخ فوقها وينثر عباءته خلفه بحركة استعراضية، ثم يقفز في الهواء ويسقط على الأرض ويغمى عليه يتجه الممثل إلى العلاقة ويرتدي مريول الطبيب الجراح بينما يقلب س و ص الطاولة في وضعها العادي ويضعان اللوح عليها بحيث يغطي الفتحة(الشكل4 ) ثم يرفعان مشروخ عليها .. يرفع س و ص مصباح عمليات جراحية ويسلطانه على مشروخ الدكتور: هكذا نكون أتممنا عملية الإسعاف مشروخ: (يتحسس رأسه) ولكن الشرخ مفتوح في الجمجمة ولم تقم بخياطته يا دكتور!! الدكتور: خياطته مستحيلة، هذا شرخ معقد جدا .. ثم أنت لم تخبرني كيف حصل الحادث؟ مشروخ: عادي .. وقعت من على الطاولة وارتطم رأسي بالأرض، وهذا كل شيء الدكتور: مستحيل .. هذا ليس كل شيء، حتى لو كان ما تقوله صحيحا فالشرخ لم ينتج عن حادث سقوط، أنا من يميز الجروح وأسبابها، (بلغة تنظيرية علمية)هذا الجرح ناتج عن انفجار في المخ.. نتج عن التفكير في معادلة معقدة التركيب، وأنا لست متخصصا في خياطة الشروخ الناتجة عن محاولات الفهم، بل إنه لا يوجد طبيب جراح على طول البلاد وعرضها يمكن أن يخيط هكذا جروح. مشروخ: لم أفهم ما قلت يا دكتور..! الدكتور: (بعصبية) قلت لك إن هذا الجرح ناتج عن انفجار في المخ، لقد انفجر دماغك بسبب التفكير في معادلة معقدة التركيب، ألا تفهم؟ مشروخ: أية معادلة يا دكتور؟ الدكتور: ليست واضحة المعالم بالنسبة لي، كل ما أعرفه أننا يجب أن نبلغ الشرطة، فأنا أشم رائحة عمل جنائي في هذا الموضوع، وهناك متهمون.. هل تعرف أستاذا يدعى خلدون؟ وآخر يبدو أنه أجنبي اسمه سوبرمان وآخر يدعى.. آآ يدعى آآ أم أم .. تذكرت عباس بن محتاس أو مرداس .. بل عباس بن فرناس .. هذه هي أسماء المتهمين في الحادث الجنائي. مشروخ: كيف عرفت هذه المعلومات يا دكتور! الدكتور: هذه هي الأسماء التي كنت ترددها أثناء العملية وأنت في حالة غيبوبة، (بتفلسف) كانت تخرج من منطقة اللاوعي لديك.. وعلى الأرجح فهي أسماء المتهمين، على أية حال الشرطة ستفصل في هذا الأمر… مشروخ: (ينهض) شرطة؟؟ بلاش الشرطة يا دكتور.. لا داعي الدكتور: قمت أخيرا؟ ولماذا لا تريد الشرطة؟ مشروخ: المسألة بسيطة ولا تحتاج، ليس في الأمر جناية الدكتور: انفجار في الدماغ مسألة بسيطة؟ الأستاذ خلدون وعباس وفرناس وكتاب التاريخ وسوبرمان.. كل هذه الأسماء فجرت دماغك وتقول لا توجد جناية! مشروخ: أنا متأكد يا دكتور، إنه حادث ارتطام بالأرض نتيجة سقوط. الدكتور: وأنا متأكد بحكم المهنة والخبرة والتخصص أنه انفجار في الدماغ ناتج عن محاولة بائسة للفهم ، على أية حال أنت حر في عدم إبلاغ الشرطة، أنتم دائما هكذا، تتنازلون عن حقوقكم الجنائية لأنكم لا تحبون الشرطة، أنتم أحرار.. تستطيع المغادرة وقتما تشاء. يدخل س وص ويعيدان الديكور إلى شكل2 بينما الممثل يرتدي إشارة أستاذ الجغرافيا (أطلس الإدريسي) الأستاذ: أهلا يا أبنائي… سنبدأ الدرس فورا .. درسنا اليوم عن الأرقام الجغرافية… مشروخ: وهل هناك أرقام جغرافية وأرقام تاريخية ودينية ورياضة وفن..! الأستاذ: أسئلتك دائما خطيرة . بالطبع هناك أرقام لكل المواد التي تدرسونها فالأرقام الجغرافية تتعلق بأعداد السكان ومساحات البلدان وكميات الإنتاج وأعداد براميل النفط وغيرها .. وهذه جميعا في صالح أمتنا . أما الأرقام الدينية فتتعلق بالمواريث والزكاة والغنائم،،، كذلك الأرقام التاريخية تتحدث عن أعداد القتلى في المعارك وأرقام وأعداد المقاتلين من الطرفين وغير ذلك.. أما الأرقام الرياضية فتتعلق بأرقام قياسية ينجزها الرياضيون ومبالغ مالية تدفع لهم.. والأرقام الفنية تتعلق بأثمان اللوحات وتكاليف الأفلام.. وهكذا.. وإن كانت كل هذه الأرقام ليست في صالح أمتنا، باختصار( مالنا علاقة بيها) مشروخ: عجيب.. أليس من الطبيعي أن تنعكس أرقامنا الفلكية الجغرافية على أرقامنا في المجالات الأخرى؟ الأستاذ: أظن .. ربما .. المنطق يقول هذا ولكن .. لا أدري .. على أية حال لنتوقف عن طرح الأسئلة التي تؤلم الرأس ونعود إلى الدرس، يتوجه إلى السبورة ويكتب وهو يتكلم الأستاذ: نحن في العالم ثلاثمائة مليون ( يكتبها بالأحرف دون الأرقام) وإذا أضفنا لهم باقي إخواننا يصبح الرقم مليارا التلاميذ: أوووووف!!!!! مليار!؟ الأستاذ: أجل.. مليار البركة,,,, مشروخ : (شو يعني) مليار؟ الأستاذ: مليار يعني ألف مليون مشروخ: اآآآآآآلللللف مليوووووون!!! يعني إذا أردنا أن نعد إلى المليار لن نقول واحد اثنان ثلاثة … ولا ألف ألفان ثلاثة آلاف… بل نعد بالملايين … مليون مليونان ثلاثة ملايين …. (شغلة طويلة هذي) الأستاذ: كفى ثرثرة .. نريد أن نكمل الدرس .. : (يكتب) هم = حوالي 15 مليون مشروخ : آخر سؤال.. أرجوك أستاذ,,,,, الأستاذ:آخر سؤال آخر سؤال أكيد؟ مشروخ: أجل ..( وعد شرف) آخر سؤال الأستاذ: تفضل اسأل,,, مشروخ: كيف يكتب المليار؟ الأستاذ: (يشير إلى كلمة مليار على السبورة) هكذا ,,,, مشروخ: أقصد كيف يكتب بالأرقام ؟ الأستاذ: (يفكر بصوت مرتفع) الألف ثلاثة أصفار والمليون ستة يعني هكذا.. واحد وأمامه تسعة أصفار. ( يكتب الواحد ويضع الأصفار على اليسار 0000000001 ) مشروخ: هذا الرقم غريب حقا!!!! هذه أول مرة نرى فيها رقما كوووول أصفاره على اليسار! لقد أخبرنا أستاذ الحساب أن الأصفار على اليسار لا قيمة لها. الأستاذ: لا أدري قد يكون معك حق، ولكن لو أنني كتبته بالطريقة التي تفضلها أنت سأضطر إلى البدء من اليسار لأضع الواحد ثم الأصفار، وهذا يجعلني أقلد الإنجليز في الكتابة ، وأنا لا أحب الإنجليز,, ثم إنني رجل وسطي ولا أستطيع البدء من اليسار ,,, على أية حال ارجع إلى أستاذك في الحساب أو اللغة العربية ليعلمك كتابة المليار على الطريقة التي تهواها .(ينظر في ساعته) انتهى درس اليوم (يخرج الأستاذ) مشروخ: .. ليس لدينا أستاذ حساب منذ زمن.. ربما كان أستاذ اللغة العربية هو الأنسب أستاذ الدين يقول عنه دائما إنه ربما كان من أهل النار .. فأستاذ الدين………. ( يدخل الممثل بشخصية أستاذ الدين بلحية ومسبحة كاريكاتورية) الأستاذ: (مقاطعا) ما به أستاذ الدين هاه؟ السلام عليكم .. من الذي كان يغتابني ؟ مشروخ: لم تكن غيبة .. كنت أتذكر ما قلته عن أستاذ اللغ … الأستاذ(مقاطعا): لا يهمنا ماذا كنت تتذكر . هل تتذكر درسنا السابق؟ مشروخ : أجل.. كان عن الزكاة الأستاذ : وماذا أيضا؟ مشروخ: اثنان ونصف في المائة من المال وعشرة في المائة من المزروعات والمعادن والنفط .. أي أنها بالنسبة للمليار كفيلة بحل جميع مشاكلنا من فقر.. وبطالة.. وعنوسة.. وعزوف عن الزواج.. وتصحر.. وجفاف.. وأمية.. وأمراض سارية ومعدية.. وتسول.. وتشرد.. ومجاعات.. وتراجع عسكري.. واستراتيجي وتنموي.. وتخلف تكنولوجي.. وبيئي وحضاري وعقلي... الأستاذ( مقاطعا) : بس بس بس وين رايح ؟؟؟؟ ماذا دها صاحبكم ؟ أنت ترى أن لدينا هذا الكم الهائل من المصائب؟ وما هو المليار الذي تهذي به ؟ مشروخ: المليار هو عددنا.. الأستاذ: (وهو يحرك أصابعه بالمسبحة) بركة ما شاء الله مشروخ: أتعرف يا أستاذنا الشيخ كيف يكتب المليار بالأرقام؟ الأستاذ: سل أستاذ الحساب مشروخ: ليس لدينا أستاذ حساب منذ زمن الأستاذ: إذن سل أستاذ اللغة العربية.. وإن كنت لا أحبة .. ولكن بحكم التخصص هو الأنسب للسؤال مشروخ: ولماذا لا تحبه؟ الأستاذ: إنه يقرأ الكثير من الكتب الوضعية المبتدعة التي تفسد العقل والدين . عن الديمقراطية وال… ( يتوقف ويلتفت) ما شأنك أنت بمن أحب ومن أكره .. كم أنت متعِب .. (يتحسس جبينه) ومتعَب أيضا.. حرارتك مرتفعة ..ماذا بك؟ مشروخ: رأسي يكاد ينفجر يا أستاذنا الشيخ الأستاذ: مم يا بني؟ مشروخ: من الأسئلة الأستاذ: أية أسئلة؟ مشروخ: لم نحن كثيرون هكذا؟ الأستاذ: تزوجوا الودود الولود .. تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة مشروخ: ولم لا نباهيهم الآن؟ الأستاذ:من قال إننا لا نباهيهم الآن؟ مشروخ: بماذا؟ الأستاذ: بعددنا .. بثرواتنا.. بأصالتنا.. بقيمنا بأخلاقنا بتقاليدنا.. بحضارتنا الماضية مشروخ: ولماذا هي ماضية؟ ماذا عن الآن؟ الأستاذ: الآن نحن مهزومون.. ونعيش حالة انتظار حتى نعود من جديد .. النصوص تؤكد أننا سنعود مشروخ: وهل لعددنا شأن بهزيمتنا؟ الأستاذ: لا أظن .. هناك نص يقول: ثلاثون ألفا لا يهزمون من قلة مشروخ: حسنا وصلنا الآن .. هذا يعني بالضرورة ثلاثون ألفا فأكثر الأستاذ: النص لم يقل فأكثر مشروخ: العقل يقول الأستاذ: لا شأن للعقل في حال وجود النص..(ينظر في ساعته) أضعت وقتي .. انتهى الدرس (يخرج) مشروخ: ( يتأمل) لا شأن للعقل إذا وجد النص ! أستاذنا الشيخ لم يزد الأمر إلا تعقيدا .. لم يبق إلا أستاذ اللغة العربية .. نحن لا نثق به كثيرا أو قل إننا نهابه لأنه يقرأ كثيرا ويصف نفسه بأنه (بهمس) يساري .. أستاذنا الشيخ يقول إنه ربما كان من أصحاب النار.. ولكن ربما كان الأقدر على حل اللغز ( يعود الممثل بشخصية أستاذ اللغة العربية) الأستاذ: أي لغز؟ أنتم هكذا تستغلون فراغكم بالنكات والألغاز والكلام الفارغ مشروخ: لا يا أستاذنا.. المسألة أكبر من ذلك الأستاذ: ام .. (المسألة أكبر من ذلك) جملة موفقة جدا للدخول في درس اليوم .. أسماء التفضيل.. أكبر أصغر أفضل…… مشروخ: لم أقصد ذلك الأستاذ: لا بأس.. رب رمية من غير رامٍ مشروخ: ولكن اللغز ما زال قائما الأستاذ: أي لغز مشروخ: هل أصفار المليار على اليمين أم اليسار الأستاذ: اللاااااااه .. جميل جميل.. هل أصفار المليار.. على اليمين أم اليسار.. لم تخبرني من قبل أنك شاعر مشروخ: أيضا لم أقصد الأستاذ: هذا أفضل .. فأجمل الشعر ما جاء عفو الخاطر.. مشروخ: لكنه ليس شعرا الأستاذ: (بزهو) النقاد أمثالي هم من يقرر ذلك وليس أنت.. أنت شاعر فقط مشروخ: ولكني أسأل جادا الأستاذ: عن ماذا ؟ مشروخ:عن أصفار المليار الأستاذ: الصفر يبقى صفرا سواء وضعته .. يمين يسار فوق تحت الصفر صفر مشروخ: ولكن قيمته تتغير حسب مكانه الأستاذ: إن كان له قيمة أصلا مشروخ: فكيف أكتبه إذا؟ على اليمين أم على اليسار؟ الأستاذ: كيفما تشاء.. إن وضعته على يمين الواحد تكون رجعيا وكلاسيكيا ، وإن وضعته على اليسار تكون تقدميا ثوريا، وإن وضعته أسفل تكون انبطاحيا .. أما إن وضعته إلى أعلى .. فإنك تكون حالما ورومانسيا ضبابيا.. وإن وضعته في الزوايا تكون تكعيبيا وإن .. مشروخ: (يقاطعه) أنا لا أريد أن أصبح رساما.. أنا أريد أن أفهم الأستاذ: تفهم.. حسنا .. انظر يا بني.. (يتجه إلى السبورة ويتكلم وهو يكتب) أي رقم على مالانهاية = صفر (يتابع الكلام دون الكتابة) أي أن كل الأرقام مآلها إلى الصفر مشروخ: (يتأمل ) أي رقم.. على .. مالانهاية يساوي صفر.. كل الأرقام مآلها إلى الصفر.. .. أنت مدرس اللغة العربية وضليع في الحساب !!!!! الأستاذ: ليس حسابا يا جاهل بل فلسفة بحتة ( بزهو) هذه النتيجة خرج بها إيفان.. بطل قصة الرهان لصديقنا أنطوان تشيكف ..(بتفلسف) هيئ هيئ.. كلهم يقولون تشيكوف .. أنا فقط أقول تشيكف (ينظر في ساعته ويخرج) مشروخ: (يقف حائرا ويتأمل المعادلة ويرددها) (ينتفض) وجدت الحل .. (يجمع التلاميذ حوله) لم لا نجرب ذلك عمليا .. هم أي رقم.. نحن المالانهاية .. إذا هم الصفر !! فلنجرب (يتكلم وهو يرسم على السبورة) فلنرسم الصفر ثم ننطحه برؤوسنا معا ونرى كيف يتهاوى أمام نطحتنا الجماعية يتراجع الجميع ويقدمون ثم يتراجعون ويقدمون أكثر من مرة .. ويمكن تنفيذ ذلك مع مؤثر صوتي وما يشبه الرقصة القصيرة.. وفي التقدم الأخير يتوقف س و ص في اللحظة المناسبة ويستمر مشروخ وحده فيصطدم باللوح ويصرخ ويسقط يقلب س و ص الطاولة إلى وضع غرفة العمليات الشكل 4 ويمسكان الإنارة .. ويعود الممثل بشخصية الطبيب الجراح الدكتور: (وهو يعمل في رأسه) أنت مجددا .. ألا تمل مني؟ مللتك يا أخي مللتك (كمن اكتشف أمرا) لكن.. هذه المرة المسألة أكبر بكثير مشروخ: بل المعادلة أعقد بكثير الدكتور: المعادلة .. هذا هو بيت القصيد .. هذيانك هذه المرة لا يصدر إلا عن مجنون .. كيف يمكن لمليار وأصفار أن تفجر رأسك؟ وإن سلمنا بالأمر جدلا .. كيف للشرطة أن تحقق مع مليار!!!! اسمع .. لا بد من تحويلك إلى طبيب أمراض عقلية .. لعله يبقيك مع المجانين (ونخلص منك) ( يدير س و ص الطاولة إلى الشكل 5 (غرفة الطبيب العقلي) ويجلسان في زاوية قريبة متخذين شكل مجنونين كل منهما يحدث نفسه بينما يعود الممثل بشخصية الطبيب العقلي يحمل أوراقا يطالعها) الطبيب: ام م .. تقرير مدهش .. هذيان .. فصام .. بارانويا.. عصاب.. خبل.. سرحان.. ذهول (بتفلسف) سايكتري ديفيكيشن مشروخ: ولم كل هذا!! الطبيب:لأنك تصر دائما على أن تفهم ما لا يفهم مشروخ: أرجوك يا دكتور .. هل أنا مجنون فعلا؟ الطبيب: أنت إما مجنون أو ستجن.. إلا إذا مشروخ: إذا ماذا الطبيب: سمعت كلامي مشروخ: وهل ستحل لي الألغاز الطبيب: هل تريد أن تفجر رأسي أنا الآخر؟ مشروخ: بل أريد أن أفهم الطبيب: لن تفهم مشروخ: لماذا الطبيب: لأنك تسمع ما لا ينقال، وتقرأ ما لا يكتب، .. لا تريد أن تستفيد من الكهرباء بقدر ما تريد أن تعرف كيف تجري الكهرباء في الأسلاك.. تريد مقاتلة الناطور أكثر مما تريد العنب.. تريد أن تعرف كيف صنعت الساعة أكثر مما تريد أن تعرف كم الساعة الآن.. أنت كائن لا يشبه البشر مشروخ: فماذا أفعل؟ الطبيب: ( انسى) مشروخ: أنسى ماذا؟ الطبيب: أن في رأسك دماغا مشروخ: حتى لكي أنسى أحتاج الدماغ الطبيب: معادلة جديدة مشروخ: ومعقدة أيضا الطبيب: انسها إذا مشروخ: (يصرخ) يا الّلااااااااااه ( يضحك الطبيب) الطبيب: لا بد من النسيان .. النسيان نعمة.. ألا تسمع الأغاني؟ مشروخ: حسنا سأحاول.. الطبيب: أن تسمع الأغاني؟ مشروخ: بل أن أنسى الطبيب: وإن لم تنجح سأبقيك في المرة القادمة بجانب هذين(يشير إلى س و ص) مشروخ: لا لا سأنسى .. سأتعامل مع هذا الرأس على أنه بطيخة الطبيب: أفضل.. ولكن حتى البطيخة ليس لها شبابيك مثل رأسك مشروخ: كرة قدم .. كرة القدم مرقعة.. ولا تمل الركل.. وكلما نظفت وسختها الأرجل الطبيب: ام م .. كرة قدم .. هذا أفضل .. ولكن تذكر جيدا .. في المرة القادمة مشروخ : أعرف .. أعرف مع هؤلاء يعيد س وص الطاولة والمرآة إلى وضع الصالون (الشكل 1) ويعود الممثل إلى دور الحلاق.. مشروخ على الكرسي وقد تغير شكل رأسه فأصبح بشعر طويل ومرتب مشروخ: وهكذا توالت الشروخ على رأسي .. وما ذكرته لك لم يكن سوى أمثلة الحلاق: حكاية أغرب من الخيال مشروخ: بل أي خيال يمكن أن يشبه هذا الواقع !! كل ما حولي يدعو الرأس لأن يلفظ ما بداخله.. كما يدعو القلب لأن يشق الصدر ويقفز ..ولكن قلي .. كيف تعيش في هكذا حياة وتبقى متوازنا هكذا؟ ألا يحدث لك شئ مما يحدث لي ؟ الحلاق: أنا..!!! لا .. لا فقد علمني أبي منذ الصغر أن أتناول كل شئ بالعقل والحكمة .. والعقل في هذا الزمان يقتضي أن لا نفكر كثيرا .. لذلك تصالحت مع نفسي على أن لا أكون معنيا إلا بما هو خارج الرأس .. أي الشعر .. أما ما بداخله فليس من شأني .. وهكذا أصبحت متوازنا في كل شئ .. إن مرت الريح أحنيت لها هامتي حتى تمر.. وإن ارتفعت لافتة انحنيت لها .. فإن هوت أدرت عنها وجهي وبحثت عن لافتة أخرى وهكذا مشروخ: ليت أبي فعل ذلك.. ( يمعن النظر في المرآة) هكذا اختفى كل شئ .. هل أبدو جميلا؟ الحلاق: ومقنعا أيضا .. ( بزهو) هئ هئ هذه صنعتي مشروخ: إيه.. أصبح على المرء أن يبحث عن جنونه ليظل متوازنا .. يا عقلاء ويا حكماء ويا علماء.. لو كنتم كذلك حقا لانفجرت رؤوسكم منذ زمن .. وما دامت بين أكتافكم فأنتم بلا شك مجانين……… علي أن أسرع في الذهاب إلى المقابلة حتى لا تطير الوظيفة ( أثناء الجملة الأخيرة يتم تغير الديكور إلى (الشكل 3 الطاولة في وضعها العادي ) ثم يجلس الممثل خلفها رئيسا للجنة المقابلة.. س و ص بجانبيه أعضاء في اللجنة.. يتقدم مشروخ من أمامهم مشروخ: من؟ د. زهراوي!!! الجراح العتيد!!! الرئيس: من زهراوي هذا ؟ أنا رئيس لجنة المقابلة أيها المغفل مشروخ: بل أنت كابوس يخرج أمامي أينما سرت .. يا إلهي ما الذي يجري لي؟؟؟ الرئيس: عاد إلى هذيانه.. اسمع.. لدي كل التقارير عن حالتك .. ولكن هيأتك تبدو لي أفضل مما في التقارير.. اقترب.. اقترب( يتفحص رأسه) ام م .. أنت تحسن التنكر .. أي حلاق ماهر جعلك تبدو هكذا؟؟ مشروخ: إنه يشبهك الرئيس: أيضا!!! قبل قليل شبهتني بطبيب جراح والآن بحلاق؟ مشروخ: والطبيب النفسي الرئيس: هذا أفضل من حلاق على أية حال مشروخ: والمدرسون جميعا الرئيس: هذا مشرف جدا مشروخ: أما أنا فإنه يجنني الرئيس: تعترف إذا مشروخ: بماذا ؟ الرئيس: بأنك تفكر كثيرا مشروخ: ولا أفهم شيئا الرئيس: انتهت المقابلة إذا مشروخ: على ماذا؟ الرئيس: على أنك لا تصلح للوظيفة مشروخ: لماذا الرئيس: من يجلس خلف هذه الطاولة يجب أن يعمل .. يعمل بجد.. باجتهاد.. يعمل بصمت.. بإخلاص.. لا أن يفكر مشروخ: أحتج على هذه النتيجة الرئيس: لا بأس كلهم يحتجون مشروخ: سأحول الأمر إلى القضاء الرئيس: حسنا (يخربش) أمرنا بتحويل السيد مشروخ إلى المحكمة (يقوم الرئيس ويرتدي وشاح القاضي ويعود إلى مقعده وينهمك في قراءة الملف) مشروخ: سيدي القاضي القاضي: ششششششش .. لا تتكلم .. دع ملفك يتكلم عنك.. ما شاء الله .. ملف حافل بالمصائب مشروخ: سيدي.. القاضي: (مقاطعا) قلت لك لا تتكلم.. لا أحد يتكلم هنا سوى الملفات والمحامون وأنا مشروخ: أريد محاميا القاضي: (يلتفت إلى اليمين ثم اليسار مستشيرا) .. يقوم من مكانه ويرتدي عباءة المحامي ويقف أمام الطاولة موجها كلامه إلى س و ص المحامي: يا حضرات المستشارين .. إن موكلي هذا الماثل أمامكم والمدعو مشروخ هو إنسان كامل الإنسانية وأهل لها .. من حقه أن يعمل في وظيفة رسمية .. من حقه أن يتنفس .. يأكل .. يشرب .. يتزوج.. من حقه أن ينجب.. أن يمتد في الزمن .. وبما أن له كل تلك الحقوق.. وحيث أنه لا يستطيع ممارستها بسبب الشبابيك التي تملأ رأسه .. فإنني أطالب هيئة المحكمة الموقرة بإيجاد الحل المناسب له بشكل يحفظ عليه حياته عملا بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. والمواد المنصوص عليها في الشرائع المرعية (يخلع العباءة ويعود إلى مقعد القاضي) القاضي: (بعد أن يلتفت للمستشارين) حسنا قررنا تمكين المذكور من طاولة وظيفته ولكن بعد إجراء العملية الجراحية اللازمة تنقلب الطاولة إلى غرفة عمليات ( شكل4 ) .. يتم إظلام المسرح تدريجيا ويتراجع الممثل إلى العمق بينما يتمدد مشروخ على الطاولة .. يقترب س و ص منه كأنهما حقناه بالمخدر مشروخ: يا إلهي ما أجمل عالم هذا المخدر .. تحت المخدر تستطيع أن تسبح في أي بحر تشاء.. تتنقل بين الأرواح الحية والميتة.. ها .. هذه روح مدرس التاريخ.. لم أعلم بوفاته.. ها .. هذه روح أبي.. (ينادي ) أبي .. أبي .. أنت حقا أبي تسلط بقعة ضوء صغيرة على وجه الممثل في العمق ليظهر في دور الأب مشروخ: أنت حقا أبي.. أنت فقط من يستطيع أن يجيب عن أسئلتي الأب: ما زلت تسأل يا ولدي..؟ لقد كنت أتنبأ لك بهذا المستقبل منذ لحظة ولادتك.. يومها حاولت أن تعود إلى رحم أمك غاضبا لأن صرختك الأولى لم تعجب الطبيب مشروخ: لم أنجبتني يا أبي؟؟؟ الأب: حدث هذا دون قصد مني مشروخ: ولماذا أدفع أنا ثمن ال(دون قصد) هذه ؟؟ الأب: ما زلت تسأل كثيرا.. لا عليك..ما هي إلا لحظات وتتخلص من لعنة الأسئلة .. لا تخف .. سيستأصلون من رأسك جزءا صغيرا جدا وهو المتعلق بتلك الأسئلة .. أما الجزء الأكبر الذي يحرك الأعضاء والغرائز فسيبقى كما هو .. لا تبتئس يا ولدي إن الطاولة التي ستجلس خلفها في عملك هي التي ترقد عليها الآن .. لو نظرت تحتك جيدا..لوجدت أنها ليست سوى بئر عميقة رميت فيها ملايين الأدمغة التي تركها أصحابها ليعيشوا بهدوء .. اطمئن .. لن يشعر دماغك بالوحدة داخل هذه البئر ( في تلك الأثناء يزيح مشروخ اللوح من على الطاولة إلى الأسفل قليلا ويدخل رأسه في الفتحة إلى أسفل ليكتشف أن الطاولة أصبحت بئرا) (الشكل 6 ) مشروخ: بئر .. ملايين الأدمغة..!! الآن عرفت يا أبي لماذا أنت تشبههم جميعا.. وعرفت كيف صمدت في عملك ثلاثين عاما ( يعيد النظر في البئر بينما تطفأ الإضاءة عن وجه الأب ) ( يخرج مشروخ رأسه من داخل الطاولة) مشروخ: ولكن لا .. لا .. لن أخضع للعملية قبل أن أجد حلا لأسئلتي ( في هذه اللحظة يتقدم إليه س و ص ويثبتانه على الطاولة بينما يتباطأ صوته ويفقد الوعي) ( يطفأ المسرح تماما فيخرج مشروخ إلى الكالوس بينما ينام الممثل على الطاولة ليتقمص دور مشروخ الجديد) ( تنزل الإضاءة على الطاولة ببطء .. الممثل يصحو ببطء وينهض ببطء .. ينظر إلى يديه باستغراب .. يتحسس وجهه باستغراب ويتحسس رأسه كمن اكتشف شيئا) مشروخ الجديد : يا إلهي .. أين أنا .. بل من أنا .. رأسي أصبح عاديا .. عاديا تماما .. الشبابيك اختفت.. أين المرآة .. المرآة .. (يدخل س و ص يحملان المرآة .. يحدق مشروخ الجديد في المرآة (ويشهق مصعوقا ) ( يخرج س و ص والمرآة ويبقى مشروخ الجديد وحيدا على المسرح يتابع: أصبحت شبيها لهم جميعا.. أصبح بإمكاني أن أستلم وظيفتي وأعيش حياتي.. صرت صقرا له قلب دجاجة كل يوم صباحا سأنهض من فراش شبيهي .. وأغسل وجه شبيهي الذي ينهض من فراشي المؤثر الصوتي يكرر تناسل فينا التشبه حركتنا يد الشبه.. صرنا غريبين يجمعنا الشبه في شبهة لي شبه أهل على شبه أرض لها شبه ماء وشبه كلأ تغلق ستارة النهاية على صوت المؤثر وخروج مشروخ الجديد من المسرح ببطء معلوماتي الاسم: عاطف الفراية البلد: الأردن الفئات: أدب و كتب, ثقافة و فن
•
رحلة في ذاكرة الشاعر جريبيع رحمه الله
• أهالي رباع : الخير في مقدمكم يانسل الكرام ( عكاظ ) • رسائل واتس اب جديدة كل يوم .. شاركونا بكل جديد |
اخر 5 مواضيع التي كتبها صقر الجنوب | |||||
المواضيع | المنتدى | اخر مشاركة | عدد الردود | عدد المشاهدات | تاريخ اخر مشاركة |
دهاء الشيخ محمد بن يحيى العسيري شيخ رباع | تاريخ قرية رباع بين الماضي والحاضر | 0 | 1619 | 20/10/2024 02:27 PM | |
وقفات ودروس من حروب بخروش بن علاس ضد جحافل... | تاريخ زهران وغامد | 2 | 5574 | 17/09/2024 11:11 PM | |
الشعراء بن حوقان وعبدالواحد | منتدى القصائد الجنوبية ( المنقولة) | 0 | 14528 | 04/01/2024 11:35 AM | |
القصة (مورد المثل) | منتدى القصص و الروايات المتنوعة | 0 | 10279 | 02/01/2024 09:28 AM | |
الله لايجزي الغنادير بالخير | منتدى القصائد النبطية والقلطة ( المنقولة) | 1 | 10803 | 28/12/2023 05:06 PM |
11/03/2009, 10:28 AM | #5 |
|
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0 : | |
لا يوجد أعضاء |
|
|
الإعلانات النصية ( أصدقاء الأكاديمية ) |
|||||