300 امرأة يستمعن للرقية في حوش مهجور وقارئ يعالج "السحر عبر الهواتف"

300 امرأة يستمعن للرقية في حوش مهجور وقارئ يعالج "السحر عبر الهواتف"


بعضهن يركضن في الممرات ويضربن برؤوسهن في الجدران ويتقيأن ويصرخن (3-3)
300 امرأة يستمعن للرقية في حوش مهجور وقارئ يعالج "السحر عبر الهواتف"


جانب من الأشخاص الذين توافدوا للراقي سعيا للعلاج
أبها: محمد البشري، نادية الفواز
المكان: حوش كبير يضم عددا من المباني القديمة المغطاة بهناجر، الزمان: بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب، إنه أحد أماكن الرقية الشرعية في خميس مشيط..، حوش كبير يبدو أنه مهجور في أطراف المدينة، الحوش مليء بالسيارات من المملكة وبعض دول الخليج، وقد قسم القائمون على المكان أجزاءه إلى مكان للرجال وآخر للسيدات، وأبواب حديدية تفصل بين مبنى الرجال ومبنى السيدات، والمبنى المخصص للسيدات وضع على بوابته ساتر وحارس يضبط دخول وخروج السيدات.
المبنى عبارة عن ممر طويل تتفرع منه مجموعة من الغرف، وأكثر من 300 امرأة يجلسن على جانبي الممر، وهن متشحات بالسواد، وصوت القارئ يزلزل أرجاء المكان عبر ميكرفون، وأصوات صراخ تزلزل المكان، ويتزايد الصياح عند ترديد المقرئ لبعض الآيات القرآنية، بينما تقوم مجموعة من النساء عددهن حوالي 30 امرأة بالركض في الممرات وهن يضربن برؤوسهن في الجدران، ويضربن بأيديهن على أبواب الحديد التي تفصل بين مبنى النساء ومبنى السيدات، وسيدات أخريات يضعن أمامهن سلالا يتقيأن فيها وهن يصرخن من شدة التعب.
عن سبب حضورها تقول سمية عائض إن سبب قدومها للمكان هو شعورها بكتمة وضيق في التنفس، وقد زارت أطباء للتخلص من ذلك دون جدوى، بقربها تجلس سعدى علي التي تعاني من نفس المشكلة، وتنظر إلى النساء اللواتي يضربن برؤوسهن بالجدار وتقول "الحمد لله أننا لا نعاني من هذه الحالة"، سعدى تقلب بين يديها كتيبا صغيرا للأدعية قامت إحدى السيدات المسؤولات عن إدارة المكان بتوزيعه على الحاضرات وهي تقول "والله ما اعرف اقرأ".
سيدة أخرى جاءت لتبحث بين أروقة هذا المكان عن سبب عدم إنجابها تقول عزيزة محمد "جئت هنا لأنني تعبت من مراجعة الأطباء بسبب تكرار عملية الإسقاط، فنصحنني بعض السيدات أن أحضر إلى هذا المكان، فقد يكون عندي قرينة تتسبب في إسقاطي، أو أن يكون هناك سحر لي ولزوجي، وهذه المرة الثانية التي أقوم فيها بزيارة شيخ للرقية الشرعية".
وأضافت "قد قمت قبل سنوات بزيارة أحد الشيوخ، ولكن الشيخ كان يشرف بنفسه على عملية قراءة السيدات، ويتابع حالة كل مريضة، وكان يقوم بالتجول بين السيدات في مكان واسع، ويضع على رأس كل واحدة قطعة من شريط لاصق تعبر عن علامة لحالة السيدة، ويقسم الحاضرات إلى مجموعات، فمنهن من يضع على رؤوسهن شريطا لاصقا أحمر أو أخضر أو أصفر أو أسود، وهكذا يحمل كل لون دلالة على حالة المرأة، وهذه الطريقة قد تكون أفضل بدلا من أن تترك النساء في هذا المكان وهن يضربن برؤوسهن في الجدران، فقد يتسبب ذلك في أن تؤذي المرأة نفسها، أو تؤذي من حولها"، وتقول المرأة التي جلست بقربها "هذه ثالث مرة أحضر إلى هنا، ويستقبل الشيخ بعد صلاة المغرب الحالات التي كانت تعاني وقت القراءة".
وتضيف هند قحطاني "لقد كثر في هذا الزمان هذه الحالات التي تشاهدينها، فبعضها يعاني من نظرة عين وبعضها سحر والبعض الآخر حسد، لقد حضرت هنا مع أختي التي طلقها زوجها، وأخذ منها أطفالها ورحل، وهي في حالة صعبة، فهذه الأماكن فيها أمل كبير للسيدات اللواتي يبحثن عن الإنجاب والحمل، ويبحثن عن تفسيرات لأسباب طلاقهن أو سوء معامله أزواجهن".
وتقول المشرفة على هذا المكان والتي رفضت الإدلاء باسمها إنها في كل يوم ترى قصصا يندى لها الجبين من النساء اللواتي يحضرن إلى هذا المكان وهن يحملن الأمل في الشفاء، تقول "نقوم بمتابعة السيدات اللواتي يستمعن إلى الرقية الشرعية، ونقوم بمساعدتهن على التقيؤ للتخلص من السحر، ونتابع الحالات، ونمنعها من الخروج إلا عند انتهاء الرقية لأن الكثيرات يقمن أثناء الرقية ويرغبن في الخروج، ولذلك يمنع منعا باتا على السيدة التي تدخل هذا المكان المغادرة إلا بعد انتهاء الشيخ من الرقية".
وأضافت: "هناك مجموعة من السيدات يقمن بمساعدتها في متابعة الحالات، وتأتي كل واحدة من الحاضرات وهي تأمل في أن تجد حلا لمشكلتها، وهناك العديد منهن لا يجدن عندهن أي مشكلة فيرجعن إلى حياتهن الطبيعية، وقد تأتي سيدة لتساعد أختها أو قريبة لها تعاني من السحر، فتكتشف أنها أيضا تعاني من مشكلة حسد، وذلك يظهر عند قراءة الشيخ للآيات المخصصة للسحر والرقية"، مشيرة إلى أنها تقوم بتوزيع كتيبات صغيرة من الأدعية والأذكار التي هي حصن المؤمن، مؤكدة أن الشيخ يستقبل كل حالة مع محرمها ليتابعها بشكل خاص وذلك بعد صلاة المغرب.
ويقول مدير قسم العلاقات العامة بمستشفى الصحة النفسية في أبها عبدالله العدوي "كثير من الحالات المرضية لا تلجأ للطب النفسي إلا بعد المرور على المشعوذين والسحرة وبعض المعالجين، حيث لا يتم نصحهم بالتوجه لمستشفى الصحة النفسية، ويتم التعامل مع المرضى النفسيين وكأن لديهم عينا أو سحرا أو حسدا، فيأتي المريض للمستشفى بعد تفاقم المرض ويصل إلى مراحل متقدمة، والمريض يقنع نفسه أنه مسحور، رغم أن مشكلته إن كانت دراسية أو عملية أو مالية لا تحتاج إلا ساعة واحدة لعمل جلسة إرشادية من الاختصاصي الاجتماعي والنفسي.
ويقول الدكتور عبدالله عسيري من مستشفى الصحة النفسية في أبها "القراءة الجماعية من الممكن أن تؤثر على الأشخاص الذين لديهم مرض نفسي، خاصة إذا كانت القراءة بطريقة مستثيرة، تعمل على استثارة بعض الأعراض النفسية والهستيرية والعصبية"، مشيرا إلى أنه "من الأفضل أن تكون الرقية موجهة نحو المريض ذاته بهدوء وسكينة، وأن تراعي خصوصية حالة المريض.
وقال الدكتور عسيري "نحن لا نرفض العلاج بالرقية، ولكن يجب أن يكون وفق ضوابط تراعي حالة المريض النفسية، وأن يجمع المريض بين العلاج النفسي والعلاج بالقرآن، فيكون ذلك خيرا على خير، حتى المريض بالمس يمكن أن تكون لدية أعراض نفسية مصاحبة يمكن علاجها"، موضحا أنه يمكن أن تكون المشكلة اجتماعية أعطت أعراضا مثل الخمول أو عدم حب المدرسة والبعد عن المذاكرة، ويظن الكثيرون أنها عين أو سحر.

اللهم أنت الشافي شاف جميع مرضى المسلمين