الوسام .. الاكاديمي ابن الجنوب ..حسن القرشي ... لؤلؤة زهران كل الحكاية قسم المحاورة


 
 عدد الضغطات  : 5725


إهداءات




معلقة امرئ القيس بن حجر

منتدى الشعر الفصيح ( المنقول )


إضافة رد
#1  
قديم 18/07/2016, 11:45 AM
المؤسس والمشـــرف العــــام
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه
 عضويتي » 2
 تسجيلي » Aug 2004
 آخر حضور » يوم أمس (03:24 AM)
مشآركاتي » 64,141
 نقآطي » 16605
 معدل التقييم » صقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond reputeصقر الجنوب has a reputation beyond repute
دولتي » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
 
 MMS ~
MMS ~
افتراضي



(تابع) شرح القصائد السبع للقاضي: الحسين بن أحمد الزوزني
41 - إلى مثلها يرنو الحليم صبابة = إذا ما اسبكرت بين درع ومجول
الاسبكرار: الطول والامتداد، الدرع: هو قيمص المرأة، وهو مذكر ودرع الحديد مؤنثة والجمع أدرع ودروع المجول: ثوب تلبسه الجارية الصغيرة.
يقول: إلى مثلها ينبغي أن ينظر العاقل كلفا بها وحنينا إليها إذا طال قدها وامتدت قامتها بين من تلبس الدرع وبين من تلبس المجول، أي بين اللواتي أدركن الحلم وبين اللواتي لم يدركن الحلم، يريد أنها طويلة القد مديدة القامة وهي بعد لم تدرك الحلم وقد ارتفعت عن سن الجواري الصغار، قوله: بين درع ومجول، تقديره: بين لابسة درع ولابسة مجول، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
42 - تسلت عمايات الرجال عن الصبا = وليس فؤادي عن هواك بمنسل
سلا فلان عن حبيبه يسلو سلوا، وسلي يسلى سليا، وتسلى تسليا وانسلى انسلاء أي زال حبه من قلبه أو زال حزنه، والعماية والعمى واحد والفعل عمي يعمى. زعم أكثر الأئمة أن في البيت قلبا تقديره: تسلت الرجالات عن عمايات الصبا أي خرجوا من ظلماته وليس فؤادي بخارج من هواها.
وزعم بعضهم أن عن في البيت بمعنى بعد، تقديره: انكشفت وبطلت ضلالات الرجال بعد مضي صباهم، وفؤادي بعد في ضلالة هواها، وتلخيص المعنى: أنه زعم أن عشق العشاق قد بطل وزال وعشقه إياها باق ثابت لا يزول ولا يبطل.
43 - ألا رب خصم فيك ألوى رددته = نصيح على تعذاله غير مؤتل
الخصم لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث في لغة شطر من العرب، ومنه قوله تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} ويثنى ويجمع في لغة الشطر الآخر من العرب، ويجمع على الخصام والخصوم، الألوى: الشديد الخصومة كأنه يلوي خصمه عن دعواه، النصيح: الناصح، التعذال والعذل والعذل: اللوم والفعل عذل يعذل. الألو والائتلاء: التقصير، والفعل ألا يألو وائتلى يأتلي.
يقول: ألا رب خصم شديد الخصومة كان ينصحني على فرط لومه إياي على هواك غير مقصر في النصيحة واللوم رددته ولم أنزجر عن هواك بعذله ونصحه وتحرير المعنى: أنه يخبرها ببلوغ حبه إياها الغاية القصوى، حتى إنه لا يرتدع عنه بردع ناصح ولا ينجع فيه لوم لائم وتقدير لفظ البيت: ألا رب خصم ألوى نصيح على تعذاله غير مؤتل رددته.
44 - وليل كموج البحر أرخى سدوله = علي بأنواع الهموم ليبتلي
شبه ظلام الليل في هوله وصعوبته ونكارة أمره بأمواج البحر: السدول: الستور، الواحد منها سدل. الإرخاء: إرسال الستر وغيره، الابتلاء الاختبار الهموم جمع الهم: بمعنى الحزن وبمعنى الهمة، الباء في قوله: بأنواع الهموم بمعنى مع.
يقول: ورب ليل يحاكي أمواج البحر في توحشه ونكارة أمره وقد أرخى علي ستور ظلامه مع أنواع الأحزان، أو مع فنون الهم، ليختبرني أأصبر على ضروب الشدائد وفنون النوائب أم أجزع منها لما أمعن في النسيب من أول القصيدة إلى هنا انتقل منه إلى التمدح بالصبر والجلد.
45 - فقلت له لما تمطى بصلبه = وأردف أعجازاً وناء بكلكل
تمطى أي تمدد، ويجوز أن يكون التمطي مأخوذا من المطا، وهو الظهر فيكون التمطي مد الظهر، ويجوز أن يكون منقولا، من التمطط فقلبت إحدى الطاءين ياء كما قالوا: تظنى تظنيا والأصل تظنن تظننا وقالوا: تقضى البازي تقضيا أي: تقضض تقضضا، والتمطط التفعل من المط، وهو المد.
وفي الصلب ثلاث لغات مشهورة وهي: الصلب بضم الصاد وسكون اللام، والصلب بضمهما، والصلب بفتحهما ومنه قول العجاج يصف جارية: [الرجز]
ريا العظام فخمة المخدم = في صلب مثل العنان المؤدم
ولغة غريبة وهي الصالب وقال العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم يمدح النبي، عليه السلام: [المنسرح]
تنقل من صالب إلى رحم = إذا مضى عالم بدا طبق
الإرداف: الإتباع والاتباع وهو بمعنى الأول ههنا الأعجاز: المآخير الواحد عجز وعجز وعجز ناء: مقلوب نأى بمعنى بعد، كما قالوا راء بمعنى رأى وشاء بمعنى شأى الكلكل: الصدر، والجمع كلاكل. الباء في قوله ناء بكلكل للتعدية، وكذلك هي في قوله تمطى بصلبه، استعار لليل صلبا واستعار لطوله لفظ التمطي ليلائم الصلب واستعار لأوائله لفظ الكلكل ولمآخيره لفظ الأعجاز.
يقول: فقلت لليل لما مد صلبه يعني لما أفرط طوله، وأردف أعجازا يعني ازدادت مآخيره امتدادا وتطاولا وناء بكلكل يعنى أبعد صدره، أي بعد العهد بأوله، وتلخيص المعنى: قلت لليل لما أفرط طوله وناءت أوائله وازدادت أواخره تطاولا وطول الليل ينبئ عن مقاساة الأحزان والشدائد والسهر المتولد منها، لأن المغموم يستطيل ليله، والمسرور يستقصر ليله.
46 - ألا أيها الليل الطويل إلا انجلي = بصبح وما الإصباح منك بأمثل
الانجلاء: الانكشاف يقال: جلوته فانجلى أي كشفته فانكشف. الأمثل: الأفضل، والمثلى الفضلى، والأماثل الأفاضل.
يقول: قلت له ألا أيها الليل الطويل انكشف وتنح بصبح، أي ليزل ظلامك بضياء من الصبح، ثم قال: وليس الصبح بأفضل منك عندي لأني أقاسي الهموم نهارا كما أعانيها ليلا، أو لأن نهاري أظلم في عيني لازدحام الهموم علي حتى حكى الليل، وهذا إذا رويت: وما الإصباح منك بأمثلي وإن رويت فيك بأفضل كان المعنى: وما الإصباح في جنبك أو في الإضافة إليك أفضل منك لما ذكرنا من المعنى لما ضجر بتطاول ليله خاطبه وسأله الانكشاف وخطابه مالا يعقل يدل على فرط الوله وشدة التحير وإنما يستحسن هذا الضرب في النسيب والمراثي وما يوجب حزنا وكآبة ووجدا وصبابة.
47 - فيا لك من ليل كأن نجومه = بأمراس كتان إلى صم جندل
الأمراس جمع مرس: وهو الحبل، وقد يكون المرس جمع مرسة وهو الحبل أيضا، فتكون الأمراس حينئذ جمع الجمع، وقوله: بأمراس كتان، من إضافة البعض إلى الكل، أي بأمراس من كتان، كقولهم: باب حديد، وخاتم فضة، وجبة خز الأصم: الصلب، وتأنيثه الصماء، والجمع الصم، الجندل: الصخرة والجمع جنادل.
يقول مخاطبا الليل: فيا عجبا لك من ليل كأن نجومه شدت بحبال من الكتان إلى صخور صلاب، وذلك أنه استطال الليل فيقول إن نجومه لا تزول من أماكنها ولا تغرب فكأنها مشدودة بحبال إلى صخور صلبة، وإنما استطال الليل لمعاناته الهموم ومقاساته الأحزان فيه، وقوله: بأمراس كتان، يعني ربطت فحذف الفعل لدلالة الكلام على حذفه، ومنه قول الشاعر: [الطويل]
مسسنا من الآباء شيئا فكلنا = إلى حسب في قومه غير واضع
يعني فكلنا يعتزي أو ينتمي أو ينتسب إلى حسب، فحذف الفعل لدلالة باقي الكلام عليه، ويروى: كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل، وهذا أعرف الروايتين وأسيرهما. الإغارة: إحكام الفتل. يذبل: جبل بعينه.
يقول: كأن نجومه قد شدت إلى يذبل بكل حبل محكم الفتل
48 - وقربة أقوام جعلت عصامها = على كاهل مني ذلول مرحل
لم يرو جمهور الأئمة هذه الأبيات الأربعة في هذه القصيدة وزعموا أنها لتأبط شرا أعني: وقربة أقوام إلى قوله: وقد أغتدي ورواها بعضهم في هذه القصيدة هنا العصام وكاء القربة والجمع العصم الكاهل: أعلى الظهر عند مركب العنق فيه، والجمع الكواهل. الترحيل: مبالغة الرحل، يقال: رحلته إذا كررت رحله.
يقول: ورب قربة أقوام جعلت وكاءها على كاهل ذلول قد رحل مرة بعد مرة أخرى مني، وفي معنى البيت قولان: أحدهما أنه تمدح بتحمل أثقال الحقوق ونوائب الأقوام من قرى الأضياف وإعطاء العفاة والعقل عن القاتلين وغير ذلك وزعم أنه قد تعود التحمل للحقوق والنوائب، واستعار حمل القربة لتحمل الحقوق ثم ذكر الكاهل لأنه موضع القربة من حاملها وعبر بكون الكاهل ذلولا مرحلا عن اعتياده تحمل الحقوق، والقول الآخر أنه تمدح بخدمته الرفقاء في السفر وحمله سقاء الماء على كاهل قد مرن عليه.
49 -وواد كجوف العير قفر قطعته = به الذئب يعوي كالخليع المعيل
الوادي يجمع على الأودية والأوداية، الجوف: باطن الشيء والجمع أجواف، العير: الحمار، والجمع الأعيار، القفر: المكان الخالي والجمع القفار ويقال: أقفر المكان إقفارا إذا خلا، ومنه خبز قفار لا إدام معه.
الذئب يجمع على الذئاب والذياب والذؤبان، ومنه قيل ذؤبان العرب للخبثاء المتلصصين وأرض مذأبة: كثيرة الذئاب، وقد تذأبت الريح وتذاءبت إذا هبت من كل ناحية كالذئب إذا حذر من ناحية أتى من غيرها، الخليع: الذي قد خلعه أهله لخبثه، وكان الرجل منهم يأتي بابنه إلى الموسم ويقول: ألا إني قد خلعت ابني فإن جر لم أضمن وإن جر عليه لم أطلب، فلا يؤخذ بجرائره وزعم الأئمة أن الخليع في هذا البيت المقامر. المعيل: الكثير العيال وقد عيل تعييلا فهو معيل إذا كثر عياله العواء: صوت الذئب وما أشبهه من السباع، والفعل عوى يعوي عواء.
زعم صنف من الأئمة أنه شبه الوادي في خلائه من الإنس ببطن العير، وهو الحمار الوحشي إذا خلا من العلف، وقيل: بل شبهه في قلة الانتفاع به بجوف العير لأنه لا يركب ولا يكون له در، وزعم صنف منهم أنه أراد كجوف الحمار فغير اللفظ إلى ما وافقه في المعنى لإقامة الوزن، وزعموا أن حمارا كان رجلا من بقية عاد وكان متمسكا بالتوحيد، فسافر بنوه فأصابتهم صاعقة فأهلكتهم فأشرك بالله وكفر بعد التوحيد, فأحرق الله أمواله وواديه الذي كان يسكن فيه فلم ينبت بعده شيئا، فشبه امرؤ القيس هذا الوادي بواديه في الخلاء من النبات والإنس.
يقول: ورب واد يشبه وادي الحمار في الخلاء من النبات والإنس أو يشبه بطن الحمار فيما ذكرنا طويته سيرا وقطعته، وكان الذئب يعوي فيه من فرط الجوع كالمقامر الذي كثر عياله ويطالبه عياله بالنفقة، وهو يصيح بهم ويخاصمهم إذ لا يجد ما يرضيهم به.
50 - فقلت له لما عوى: إن شأننا = قليل الغنى إن كنت لما تمول
قوله: إن شأننا قليل الغنى، يريد: إن شأننا أننا قليل الغنى، ومن روى طويل الغنى فمعناه طويل طلب الغنى وقد تمول الرجل إذا صار ذا مال، لما: بمعنى لم في البيت كما كانت في قوله تعالى: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم}.
كذلك يقول: قلت للذئب لما صاح إن شأننا وأمرنا أننا يقل غنانا إن كنت غير متمول كما كنت غير متمول وإذا روي طويل الغنى، فالمعنى: قلت له إن شأننا أننا نطلب الغنى طويلا ثم لا نظفر به إن كنت قليل المال كما كنت قليل المال.
51 - كلانا إذا ما نال شيئا أفاته = ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل
أصل الحرث إصلاح الأرض وإلقاء البذر فيها ثم يستعار للسعي والكسب كقوله تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة} الآية. وهو في البيت مستعار، والاحتراث والحرث واحد.
يقول: كل واحد منا إذا ظفر بشيء فوته على نفسه أي إذا ملك شيئا أنفقه وبذره، ثم قال: ومن سعى سعيي وسعيك افتقر وعاش مهزول العيش.
52 - وقد أغتدي والطير في وكناتها = بمنجرد قيد الأوابد هيكل
غدا يغدو غدوا واغتدى اغتداء واحدا، الطير جمع طائر مثل الشرب في جمع شارب والتجر في جمع تاجر والركب في جمع راكب، ثم يجمع على الطيور مثل بيت وبيوت وشيخ وشيوخ، الوكنات: مواقع الطير واحدتها وكنة، وتقلب الواو همزة فيقال أكنة، ثم تجمع الوكنة على الوكنات بضم الفاء والعين، وعلى الوكنات بضم الفاء وفتح العين، وعلى الوكنات بضم الفاء وسكون العين، وتكسر على الوكن، وهكذا حكم فعلة نحو ظلمة وظُلُمات وظُلَمات وظُلْمات وظُلَم. المنجرد: الماضي في السير وقيل: بل هو قليل الشعر الأوابد: الوحوش وقد أبد الوحش يأبد أبودا، ومنه تأبد الموضع إذا توحش وخلا من القطان ومنه قيل للفذ آبدة لتوحشه عن الطباع، الهيكل. قال ابن دريد: هو الفرس العظيم الجرم، والجمع الهياكل.
يقول: وقد أغتدي والطير بعد مستقرة على مواقعها التي باتت عليها على فرس ماض في السير قليل الشعر يقيد الوحوش بسرعة لحاقه إياها عظيم الألواح والجرم وتحرير المعنى: أنه تمدح بمعاناة دجى الليل وأهواله ثم تمدح بتحمل حقوق العفاة والأضياف والزوار، ثم تمدح بطي الفيافي والأودية، ثم أنشأ الآن يتمدح بالفروسية يقول: وربما باكرت الصيد قبل نهوض الطير من أوكارها على فرس هذه صفته. وقوله: قيد الأوابد، جعله لسرعة إدراكه الصيد كالقيد لها لأنها لا يمكنها الفوت منه كما أن المقيد غير متمكن من الفوت والهرب.
53 - مكر مفر مقبل مدبر معا = كجلمود صخر حطه السيل من عل
الكر: العطف، يقال: كر فرسه على عدوه، أي عطفه عليه، والكر والكرور جميعا الرجوع، يقال: كر على قرنه يكر كرا وكرورا والمكر مفعل من كر يكر، ومفعل يتضمن مبالغة كقولهم: فلان مسعر حرب وفلان مقول ومصقع وإنما جعلوه متضمنا مبالغة لأن مفعلا قد يكون من أسماء الأدوات نحو المعول والمكتل والمخرز، فجعل كأنه أداة للكرور وآلة لسعر الحرب وغير ذلك، مفر: مفعل من فر يفر فرارا، والكلام فيه نحو الكلام في مكر. الجلمود والجلمد: الحجر العظيم الصلب، والجمع جلامد وجلاميد.
الصخر: الحجر، الواحدة صخرة، وجمع الصخر صخور، الحط: إلقاء الشيء من علو إلى سفل، يقال: حطه يحطه فانحط.
وقوله: من عل أي من فوق، وفيه سبع لغات، يقال: أتيته من عل، مضمومة اللام، ومن علو، بفتح الواو وضمها وكسرها، ومن علي، بياء ساكنة، ومن عال مثل قاض، ومن معال مثل معاد، ولغة ثامنة يقال من علا، وأنشد الفراء:
باتت تنوش الحوض نوشا من علا = نوشا به تقطع أجواز الفلا
وقوله: كجملود صخر، من إضافة بعض الشيء إلى كله مثل باب حديد وجبة خز، أي كجلمود من صخر.
يقول: هذا الفرس مكر إذا أريد منه الكر، ومفر إذا أريد منه الفر، ومقبل إذا أريد منه إقباله، ومدبر إذا أريد منه إدباره، وقوله: معا، يعني أن الكر والفر والإقبال والإدبار مجتمعة في قوته لا في فعله لأن فيها تضاد ثم شبهه في سرعة مره وصلابة خلقه بحجر عظيم ألقاه السيل من مكان عال إلى حضيض.
54 - كميت يزل اللبد عن حال متنه = كما زلت الصفواء بالمتنزل
زل الشيء يزل زليلا وأزللته أنا. الحال: مقعد الفارس من ظهر الفرس، الصفواء والصفوان والصفا: الحجر الصلب. الباء في قوله بالمتنزل للتعدية.
يقول: هذا الفرس الكميت يزل لبده عن متنه لانملاس ظهره واكتناز لحمه، وهما يحمدان من الفرس كما يزل الحجر الصلب الأملس المطر النازل عليه، وقيل: بل أراد الإنسان النازل عليه، والتنزل والنزول واحد، والمتنزل في البيت صفة لمحذوف وتقديره بالمطر المتنزل أو بالإنسان المتنزل وتحرير المعنى: أنه لاكتناز لحمه وانملاس صلبه يزل لبده عن متنه كما أن الحجر الصلب يزل المطر أو الإنسان عن نفسه، وجر كميتا وما قبله من الأوصاف لأنها نعوت لمنجرد.
55 - على الذبل جياش كأن اهتزامه = إذا جاش فيه حميه غلي مرجل
الذبل والذبول واحد، والفعل ذبل يذبل الجياش مبالغة جائش وهو فاعل من جاشت القدر تجيش جيشا وجيشانا إذا غلت، وجاش البحر جيشا وجيشانا إذا هاجت أمواجه.
الاهتزام: التكسر. الحمي: حرارة القيظ وغيره والفعل حمي يحمى. المرجل: القدر من صفر أو حديد أو نحاس أو شبهه والجمع المراجل، وروى ابن الأنباري وابن مجاهد، عن ثعلب أنه قال: كل قدر من حديد أو صفر أو حجر أو خزف أو نحاس أو غيرها فهو مرجل.
يقول: تغلي فيه حرارة نشاطه على ذبول خلقه وضمر بطنه وكأن تكسر صهيله في صدره غليان قدر جعله ذكي القلب نشيطا في السير والعدو على ذبول خلقه وضمر بطنه، ثم شبه تكسر صهيله في صدره بغليان القدر.
56 - مسح إذا ما السابحات على الونى = أثرن الغبار بالكديد المركل
سح يسح: قد يكون بمعنى صب يصب وقد يكون بمعنى انصب ينصب، فيكون مرة لازما ومرة متعديا، ومصدره إذا كان متعديا السح، وإذا كان لازما السح والسحوح، تقول: سح الماء فسح هو، ومسح مفعل من المتعدي وقد قررنا أن مفعلا في الصفات يقتضي مبالغة فالمعنى أنه يصب الجري والعدو صبا بعد صب، السابح من الخيل: الذي يمد يديه في عدوه شبه بالسابح في الماء، الونى: الفتور، والفعل ونى يني ونيا وونى، الكديد: الأرض الصلبة المطمئنة.
المركل من الركل: وهو الدفع بالرجل والضرب بها والفعل منه ركل يركل ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: ((فركلني جبريل)) والتركيل التكرير والتشديد والمركل الذي يركل مرة بعد أخرى.
يقول: يصب هذا الفرس عدوه وجريه صبا بعد صب، أي يجيء به شيئا بعد شيء، إذا أثارت جياد الخيل التي تمد أيديها في عدوها الغبار في الأرض الصلبة التي وطئت بالأقدام والمناسم، والحوافر مرة بعد أخرى في حال فتورها في السير وكلالها وتحرير المعنى: أنه يجيء بجري بعد جري إذا كلت الخيل السوابح وأعيت وأثارت الغبار في مثل هذا الموضع، وجر مسحا لأنه صفة الفرس المنجرد، ولو رفع لكان صوابا وكان حينئذ خبر مبتدأ محذوف تقديره هو مسح، ولو نصب لكان صوابا أيضا وكان انتصابه على المدح، والتقدير: أذكر مسحا أو أعني مسحا، وكذلك القول فيما قبله من الصفات نحو كميت يجوز في كل هذه الألفاظ الأوجه الثلاثة من الإعراب ويروى المرحل.
57 - يزل الغلام الخف عن صهواته = ويلوي بأثواب العنيف المثقل
الخف: الخفيف. الصهوة: مقعد الفارس من ظهر الفرس، والجمع الصهوات وفعلة تجمع على فعلات بفتح العين، إذا كانت اسما، نحو شعرة وشعرات وضربة وضربات، إلا إذا كانت عينها واوا أو ياء أو مدغمة في اللام فإنها تسكن حينئذ نحو بيضة وبيضات وعورة وعورات وحبة وحبات، فإذا كانت صفة تجمع على فعلات، مسكنة العين أيضا نحو ضخمة وضخمات وخدلة وخدلات ألوى بالشيء: رمى به وألوى به ذهب به، العنيف: ضد الرقيق.
يقول: إن هذا الفرس يزل ويزلق الغلام الخفيف عن مقعده من ظهره ويرمي بثياب الرجل العنيف الثقيل يريد أنه يزلق عن ظهره من لم يكن جيد الفروسية عالما بها ويرمي بأثواب الماهر الحاذق في الفروسية لشدة عدوه وفرط مرحه في جريه، وإنما عبر بصهواته ولا يكون له إلا صهوة واحدة لأنه لا لبس فيه، فجرى الجمع والتوحيد مجرى واحدا عند الاتساع، لأن إضافتها إلى ضمير الواحد تزيل اللبس كما يقال: رجل عظيم المناكب وغليظ المشافر، ولا يكون له إلا منكبان وشفتان، ورجل شديد مجامع الكتفين، ولا يكون له إلا مجمع واحد، ويروى: يطير الغلام، أي يطيره ويروى: يزل الغلام الخف، بفتح الياء من يزل ورفع الغلام، فيكون فعلا لازما.
58 - درير كحذروف الوليد أمره = تتابع كفيه بخيط موصل
الدرير: من در يدر وقد يكون در لازما ومتعديا، يقال: درت الناقة اللبن فدر اللبن، ثم الدرير ههنا يجوز أن يكون بمعنى الدار من در إذا كان متعديا والفعيل يكثر مجيئه بمعنى الفاعل نحو قادر وقدير وعالم وعليم، ويجوز أن يكون بمعنى المدر من الإدرار وهو جعل الشيء دارا، وقد يكثر الفعيل بمعنى المفعل كالحكيم بمعنى المحكم والسميع بمعنى المسمع، ومنه قول عمرو بن معد يكرب [الوافر]:
أمن ريحانة الداعي السميـ = ـع يؤرقني وأصحابي هجوع
أي المسمع، الخذروف: حصاة مثقوبة يجعل الصبيان فيها خيطا فيديرها الصبي على رأسه شبه سرعة هذا الفرس بسرعة دوران الحصاة على رأس الصبي الوليد: الصبي والجمع الولدان وجمع خذروف خذاريف والوليدة: الصبية، وقد يستعار للأمة، والجمع الولائد، الإمرار: إحكام الفتل.
يقول: هو يدر العدو والجري أي يديمهما ويواصلهما ويتابعهما ويسرع فيهما إسراع خذروف الصبي إذا أحكم فتل خيطه وتتابعت كفاه في فتله وإدراته بخيط قد انقطع ثم وصل، وذلك أشد لدورانه لانملاسه ومرونه على ذلك، وتحرير المعنى: أنه مديم السير والعدو متابع لهما، ثم شبهه في سرعة مره وشدة عدوه بالخذروف في دورانه إذا بولغ في فتل خيطه وكان الخيط موصلا، ويسوغ في إعراب درير ما ساغ في إعراب مسح من الأوجه الثلاثة.
59 - له أيطلا ظبي وساقا نعامة = وإرخاء سرحان وتقريب تتفل
الأيطل والإطْل والإطِل: الخاصرة والجمع الأياطل والآطال، أجمع البصريون على أنه لم يأت على فعل من الأسماء إلا إبل، ومن الصفات إلا بلز وهي الجارية التارة السمينة الضخمة وحكى الكوفيون إطلا من الأسماء أيضا مثل إبل، فقد اتفق الفريقان على اقتصار فعل على هذه الثلاثة، الظبي يجمع على أظب وظباء، والساق على الأسؤق والسوق والنعامة تجمع على النعامات والنعام والنعائم، الإرخاء: ضرب من عدو الذئب يشبه خبب الدواب، السرحان: الذئب. التقريب: وضع الرجلين موضع اليدين في العدو، التتفل: ولد الثعلب، شبه خاصرتي هذا الفرس بخاصرتي الظبي في الضمر، وشبه ساقيه بساقي النعامة في الانتصاب والطول، وعدوه بإرخاء الذئب وتقريبه بتقريب ولد الثعلب فجمع أربعة تشبيهات في هذا البيت.
60 - ضليع إذا استدبرته سد فرجه = بضاف فويق الأرض ليس بأعزل
الضليع: العظيم الأضلاع المنتفخ الجنبين، والجمع الضلعاء، والمصدر الضلاعة، والفعل ضلع يضلع، الاستدبار: النظر إلى دبر الشيء وهو مؤخره، وتتبع دبر الشيء. الفرج: الفضاء بين اليدين والرجلين، والجمع الفروج، الضفو: السبوغ والتمام والفعل ضفا يضفو أراد بذنب ضاف فحذف الموصوف اجتزاء بدلالة الصفة عليه، كقولهم: مررت بكريم، أي بإنسان كريم، فويق: تصغير فوق وهو تصغير التقريب مثل قبيل وبعيد في تصغير قبل وبعد، الأعزل: الذي يميل عظم ذنبه إلى أحد الشقين.
يقول: هذا الفرس عظيم الأضلاع منتفخ الجنبين إذا نظرت إليه من خلفه رأيته قد سد الفضاء الذي بين رجليه بذنبه السابغ التام الذي قرب من الأرض وهو غير مائل إلى أحد الشقين، فسبوغ ذنبه من دلائل عتقه وكرمه، وشرط كونه فويق الأرض لأنه إذا بلغ الأرض وطئه برجليه وذلك عيب لأنه ربما عثر به، واستواء عسيب ذنبه أيضا من دلائل العتق والكرم.
61 - كأن على المتنين منه إذا انتحى = مداك عروس أو صلاية حنظل
المتنان: تثنية متن وهما ما عن يمين الفقار وشماله، الانتحاء: الاعتماد والقصد، المداك: الحجر الذي يسحق به الطيب وغيره، والذي يسحق عليه أيضا مداك والدوك: السحق، والفعل منه داك يدوك دوكا، الصلاية: الحجر الأملس الذي يسحق عليه شيء كالهبيد وهو حب الحنظل ويروى: كأن سراته لدى البيت قائما، السراة: أعلى الظهر، والجمع السروات ويستعار لعلية الناس وسراة النهار أعلى مداه، والسرو الارتفاع في المجد والشرف والفعل منه سرا يسرو وسرى يسري وسرو يسرو، ونصب قائما على الحال، شبه انملاس ظهره واكتنازه باللحم بالحجر الذي تسحق العروس به أو عليه الطيب، أو بالحجر الذي يكسر عليه الحنظل ويستخرج حبه، وخص مداك العروس لحدثان عهدها بالسحق للطيب.
62 - كأن دماء الهاديات بنحره = عصارة حناء بشيب مرجل
تثنية الدم الدمان والدميان، ومنه قول الشاعر: [الوافر]
فلو أنا على حجر ذبحنا = جرى الدميان بالخبر اليقين
والجمع دماء ودمي، والتصغير دمي، والقطعة منه دمة، حكاها الليث وقد دمي الشيء يدمى إذا تلطخ بالدم، وأدميته أنا ودميته، الهاديات: المتقدمات والأوائل وسمي المتقدم هاديا لأن هادي القوم يتقدمهم، ومنه قيل لعنق الفرس هاد لأنه يتقدم على سائر جسده، عصارة الشيء: ما خرج منه عند عصره الترجيل: تسريح الشعر. المرجل: المسرح بالمشط.
يقول: كأن دماء أوائل الصيد والوحش على نحر هذا الفرس عصارة حناء خضب بها شيب مسرح، شبه الدم الجامد على نحره من دماء الصيد بما جف من عصارة الحناء على شعر الأشيب، وأتى بالمرجل لإقامة القافية.
63 - فعن لنا سرب كأن نعاجه = عذارى دوار في ملاء مذيل
عن أي عرض وظهر. السرب: القطيع من الظباء أو النساء أو القطا أو المها أو البقر أو الخيل والجمع الأسراب.
النعاج: اسم لإناث الضأن وبقر الوحش وشاء الجبل، والواحدة نعجة، وجمع التصحيح نعجات. والمراد بالنعاج في هذا البيت إناث بقر الوحش، وبالسرب القطيع منها. العذراء: البكر التي لم تمس، والجمع عذارى. الدوار: حجر كان أهل الجاهلية ينصبونه ويطوفون حوله تشبيها بالطائفين حول الكعبة إذا نأوا عن الكعبة، الملاء: جمع ملاءة، وإنما تسمى ملاءة إذا كانت لفقين المذيل: الذي أطيل ذيله وأرخي.
يقول: فعرض لنا وظهر قطيع من بقر الوحش كأن إناث ذلك القطيع نساء عذارى يطفن حول حجر منصوب يطاف حوله في ملاء طويل ذيولها، وشبه المها في بياض ألوانها بالعذارى لأنهن مصونات في الخدور لا يغير ألوانهن حر الشمس وغيره، وشبه طول أذيالها وسبوغ شعرها بالملاء المذيل، وشبه حسن مشيها بحسن تبختر العذارى في مشيهن.
64 - فأدبرن كالجزع المفصل بينه = بجيد معم في العشيرة مخول
الجزع: الخرز اليماني، الجيد: العنق، والجمع الأجياد، ورجل أجيد طويل العنق، وجمعه جود، المعم: الكريم الأعمام، المخول: الكريم الأخوال وقد أعم وأخول إذا كرم أعمامه وأخواله وهذان من الشواذ لأن القياس من أفعل فهو مفعل، وهما أفعل فهو مفعل.
يقول: فأدبرت النعاج كالخرز اليماني الذي فصل بينه بغيره من الجواهر في عنق صبي كرم أعمامه وأخواله، شبه بقر الوحش بالخرز اليماني لأنه يسود طرفه وسائره أبيض، وكذلك بقر الوحش تسود أكارعها وخدودها وسائرها أبيض، وشرط كونه في جيد معم مخول لأن جواهر قلادة مثل هذا الصبي أعظم من جواهر قلادة غيره، وشرط كونه مفصلا لتفرقهن عند رؤيته.
65 - فألحقنا بالهاديات ودونه = جواحرها في صرة لم تزيل
الهاديات: الأوائل المتقدمات الجواحر: المتخلفات، وقد جحر أي تخلف، الصرة: الجماعة، والصرة الصيحة، ومنه صرير القلم وغيره الزيل والتزييل: التفريق، والتزيل والانزيال: التفرق.
‌يقول: فألحقنا هذا الفرس بأوائل الوحش ومتقدماته وجاوز بنا متخلفاته فهي دونه أي أقرب منه في جماعة لم تتفرق أو في صيحة.
وتلخيص المعنى: أنه يلحقنا بأوائل الوحش ويدع متخلفاته ثقة بشدة جرية وقوة عدوه فيدرك أوائلها وأواخرها مجتمعة لم تتفرق بعد، يريد أنه يدرك أوائلها قبل تفرق جماعتها، يصفه بشدة عدوه.
66 – فعادى عداء بين ثور ونعجة = دراكا ولم ينضح بماء فيغسل
المعاداة والعداء: الموالاة. الثور يجمع على الثيران والثيرة والثورة والثيارة والأثوار والثيار. الدراك: المتابعة.
يقول: فوالى بين ثور ونعجة من بقر الوحش في طلق واحد ولم يعرق عرقا مفرطا يغسل جسده، يريد أنه أدركهما وقتلهما في طلق واحد قبل أن يعرق عرقا مفرطا، أي أدركهما دون معاناة مشقة ومقاساة شدة، نسب فعل الفارس إلى الفرس لأنه حامله وموصله إلى مرامه، يقول: صاد هذا الفرس ثورا ونعجة في طلق واحد. ودراكا أي مداركة.
67 - فظل طهاة اللحم من بين منضج = صفيف شواء أو قدير معجل
الطهو والطهي: الإنضاج، والفعل طها يطهو ويطهى، والطهاة جمع طاه كالقضاة جمع قاض، والكفاة جمع كاف. الإنضاج: يشتمل على طبخ اللحم وشيه، الصفيف: المصفوف على الحجارة لينضج، القدير: اللحم المطبوخ في القدر.
يقول: ظل المنضجون اللحم وهم صنفان صنف ينضجون شواء مصفوفا على الحجارة في النار وصنف يطبخون اللحم في القدر، يقول: كثر الصيد فأخصب القوم فطبخوا واشتووا ومن في قوله: من بين منضج، للتفصيل والتفسير، كقولهم: هم من بين عالم وزاهد، يريد أنهم لا يعدون الصنفين، كذلك أراد لم يعد طهاة اللحم الشاوين والطابخين.
68 - ورحنا يكاد الطرف يقصر دونه = متى ما ترق العين فيه تسفل
الطرف: اسم لما يتحرك من أشفار العين، وأصله التحرك، والفعل منه طرف يطرف، القصور: العجز، والفعل قصر يقصر، الترقي والارتقاء والرقي واحد، والفعل من الرقي رقي يرقى، وأما رقى يرقى فهو من الرقية، وقد رقيته أنا أي حملته على الرُّقي.
يقول: ثم أمسينا وتكاد عيوننا تعجز عن ضبط حسنه واستقصاء محاسن خلقه ومتى ما ترقت العين في أعالي خلقه وشخصه نظرت إلى قوائمه.وتلخيص المعنى: أنه كامل الحسن رائع الصورة وتكاد العيون تقصر عن كنه حسنه ومهما نظرت العيون إلى أعالي خلقه اشتهت النظر إلى أسافله.
69 - فبات عليه سرجه ولجامه = وبات بعيني قائما غير مرسل
يقول: بات مسرجا ملجما قائما بين يدي غير مرسل إلى المرعى.
70 - أصاح ترى برقا أريك وميضه = كلمع اليدين في حبي مكلل
أصاح: أراد أصاحب أي يا صاحب فرخم كما تقول في ترخيم حارث يا حار وفي ترخيم مالك يا مال، ومنه قراءة من قرأ: (ونادوا يا مال ليقض علينا ربك) ومنه قول زهير: [البسيط]
يا حار لا أرمين منكم بداهية = لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك
أراد يا حارث، والألف نداء للقريب دون البعيد، تقول: أزيد إذا كان زيد حاضرا قريبا منك ويا نداء للبعيد والقريب، وأي وأياوهيا لنداء البعيد دون القريب. الوميض والإيماض: اللمعان، تقول: ومض البرق يمض وأومض إذا لمع وتلألأ، اللمع: التحريك والتحرك جميعا، الحبي: السحاب المتراكم سمي بذلك لأنه حبا بعضه إلى بعض فتراكم، وجعله مكللا لأنه صار أعلاه كالإكليل لأسفله، ومنه قولهم: كللت الرجل إذا توجته، وكللت الجفنة ببضعات اللحم إذا جعلتها كالإكليل لها، ويروى مكلل، بكسر اللام، وقد كلل تكليلا، وانكل انكلالا إذا تبسم.
يقول: يا صاحبي هل ترى برقا أريك لمعانه وتلألؤه وتألقه في سحاب متراكم صار أعلاه كالإكليل لأسفله أو في سحاب متبسم بالبرق يشبه برقه تحريك اليدين؟ أراد أنه يتحرك تحركهما وتقدير البيت: أريك وميضه في حبي مكلل كلمع اليدين، شبه لمعان البرق وتحركه بتحرك اليدين، فرغ من وصف الفرس.
والآن قد أخذ في وصف المطر فقال:
71 - يضيء سناه أو مصابيح راهب = أمال السليط بالذبال المفتل
السنا: الضوء، والسناء: الرفعة، السليط: الزيت، ودهن السمسم سليط أيضا، وإنما سيما سليطا لإضاءتهما السراج، ومنه السلطان لوضوح أمره الذبال: جمع ذبالة وهي الفتيلة، وقد يثقل فيقال ذبال.
يقول: هذا البرق يتلألأ ضوؤه فهو يشبه في تحركه لمع اليدين أو مصابيح الرهبان أميلت فتائلها بصب الزيت عليها في الإضاءة يريد أن تحرك البرق يحكي تحرك اليدين وضوءه يحكي ضوء مصباح الراهب إذا أفعم، صب الزيت عليه فيضيء وزعم أكثر الناس أن قوله: أمال السليط بالذبال المفتل من المقلوب وتقديره: أمال الذبال بالسليط إذا صبه عليه, وقال بعضهم: إن تقديره أمال السليط مع الذبال المفتل، يريد أنه يميل المصباح إلى جانب فيكون أشد إضاءة لتلك الناحية من غيرها.
72 - قعدت له وصحبتي بين ضارج = وبين العذيب بعد ما متأملي
ضارج والعذيب: موضعان. بعد ما: أصله بعد ما فخففه فقال بعد، وما زائدة وتقديره بعد متأملي.
يقول: قعدت وأصحابي للنظر إلى السحاب بين هذين الموضعين وكنت معه فبعد متأملي وهو المنظور إليه، أي بعد السحاب الذي كنت أنظر إليه وأرقب مطره وأشيم برقه، يريد أنه نظر إلى هذا السحاب من مكان بعيد فتعجب من بعد نظره، وقال بعضهم: إن ما في البيت بمعنى الذي، وتقديره: بعد ما هو متأملي، فحذف المبتدأ الذي هو هو، وتقديره على هذا القول: بعد السحاب الذي هو متأملي.
73 - على قطن بالشيم أيمن صوبه = وأيسره على الستار فيذبل
ويروى: علا قطنا، ومن علا يعلو علوا، أي علا هذا السحاب، القطن: جبل، وكذلك الستار ويذبل جبلان، وبينهما وبين قطن مسافة بعيدة، الصوب: المطر، وأصله مصدر صاب يصوب صوبا أي نزل من علو إلى سفل، الشيم: النظر إلى البرق مع ترقب المطر.
يقول: أيمن هذا السحاب على قطن وأيسره على الستار ويذبل، يصف عظم السحاب وغزارته وعموم جوده، وقوله: بالشيم، أراد: إني إنما أحكم به حدسا وتقديرا لأنه لا يرى ستار ويذبل وقطن معا.
74 - فأضحى يسح الماء حول كتيفة = يكب على الأذقان دوح الكنهبل
الكب: إلقاء الشيء على وجهه، والفعل كب يكب، وأما الإكباب فهو خرور الشيء على وجهه، وهذا من النوادر لأن أصله متعد إلى المفعول به ثم لما نقل بالهمزة إلى باب الأفعال قصر عن الوصول إلى المفعول به وهذا عكس القياس المطرد، لأن ما لم يتعد إلى المفعول في الأصل يتعدى إليه عند النقل بالهمزة إلى باب الأفعال، نحو: قعد وأقعدته وقام وأقمته وجلس وأجلسته ونظير كب وأكب عرض وأعرض، لأن عرض متعد إلى المفعول به لأن معناه أظهر وأعرض لازم لأن معناه ظهر ولاح، ومنه قول عمرو بن كلثوم [الوافر]:
فأعرضت اليمامة واشمخرت = كأسياف بأيدي مصلتينا
‌الذقن: مجتمع اللحيين، والجمع الأذقان، والأذقان مستعار في البيت للشجر. الدوحة: الشجرة العظيمة، والجمع دوح، الكنهبل، بضم الباء وفتحها: ضرب من شجر البادية.
يقول: فأضحى هذا الغيث أو السحاب يصب الماء فوق هذا الموضع المسمى بكتيفة ويلقي الأشجار العظام من هذا الضرب الذي يسمى كنهبلا على رؤوسها وتلخيص المعنى: أن سيل هذا الغيث ينصب من الجبال والآكام فيقلع الشجر العظام، ويروى: يسح الماء من كل فيقة، أي بعد كل فيقة، والفيقة، من الفواق: وهو مقدار ما بين الحلبتين ثم استعاره لما بين الدفعتين من المطر.
75 - ومر على القنان من نفيانه = فأنزل منه العصم من كل منزل
القنان: اسم جبل لنبي أسد. النفيان: ما يتطاير من قطر المطر وقطر الدلو ومن الرمل عند الوطء ومن الصوف عند النفش وغير ذلك. العصم: جمع أعصم وهو الذي في إحدى يديه بياض من الأوعال، وغيرها: المنزل: موضع الإنزال, يقول: ومر على هذا الجبل مما تطاير وانتشر وتناثر من رشاش هذا الغيث فأنزل الأوعال العصم من كل موضع من هذا الجبل، لهولها من وقع قطره على الجبل وفرط انصبابه.
76 - وتيماء لم يترك بها جذع نخلة = ولا أطما إلا مشيدا بجندل
تيماء: قرية عادية في بلاد العرب، الجذع يجمع على الأجذاع والجذوع والنخلة على النخلات والنخل والنخيل. الأطم: القصر، والأطم الأزج والجمع الآطام. الشيد: الجص، والشيد الرفع وعلو البنيان، والفعل منه شاد يشيد. الجندل: الصخر، والجمع الجنادل.
يقول: لم يترك هذا الغيث شيئا من جذوع النخل بقرية تيماء ولا شيئا من القصور والأبنية إلا ما كان منها مرفوعا بالصخور أو مجصصا، يعني أنه قلع الأشجار وهدم الأبنية إلا ما كان منها مرفوعا بالحجارة والجص.
77 - كأن ثبيرا في عرانين وبله = كبير أناس في بجاد مزمل
ثبير: جبل بعينه، العرنين: الأنف، وقال جمهور الأئمة: هو معظم الأنف، والجمع العرانين ثم استعار العرانين لأوائل المطر لأن الأنوف تتقدم الوجوه. البجاد: كساء مخطط والجمع البجد، التزميل: التلفيف بالثياب، وقد زملته بثياب فتزمل بها أي لففته فتلفف بها، وجر مزملا على جوار بجاد وإلا فالقياس يقتضي رفعه لأنه وصف كبير أناس ومثله ما حكي عن العرب من قولهم: جحر ضب خرب، جر خرب بمجاورة ضب، ومنه قول الأخطل: [الطويل]
جزى الله عني الأعورين ملامة = وفروة ثفر الثورة المتضاجم
جر المتضاجم على جوار الثورة والقياس نصبه لأنه صفة ثفر ونظائرها كثيرة، الوبل: جمع وابل وهو المطر الغزير العظيم القطر، ومثله شارب وشرب وراكب وركب وغيرهما، والوبل أيضا مصدر، وبلت السماء تبل وبلا إذا أتت بالوابل.
يقول: كأن ثبيرا في أوائل مطر هذا السحاب سيد أناس قد تلفف بكساء مخطط شبه تغطيته بالغثاء بتغطي هذا الرجل بالكساء.
78 - كأن ذرى رأس المجيمر غدوة = من السيل والأغثاء فلكة مغزل
الذروة: أعلى الشيء، والجمع الذرى. المجيمر: أكمة بعينها، الغثاء: ما جاء به السيل من الحشيش والشجر والكلاء والتراب وغير ذلك. والجمع الأغثاء المغزل بضم الميم وفتحها وكسرها معروف، والجمع المغازل فلكة المغزل مفتوحة الفاء.
يقول: كأن هذه الأكمة غدوة مما أحاط بها من أغثاء السيل فلكة مغزل، شبه استدارة هذه الأكمة بما أحاط بها من الأغثاء باستدارة فلكة المغزل وإحاطتها بها بإحاطة المغزل.
79 - وألقى بصحراء الغبيط بعاعه = نزول اليماني ذي العياب المحمل
الصحراء تجمع على الصحارى والصحاري معا. الغبيط هنا: أكمة قد انخفض وسطها وارتفع طرفاها، وسميت غبيطا تشبيها بغبيط البعير. البعاع: الثقل، قوله: نزول اليماني أي نزول التاجر اليماني العياب: جمع عيبة الثياب.
يقول: ألقى هذا الحيا ثقله بصحراء الغبيط فأنبت الكلأ وضروب الأزهار وألوان النبات فصار نزول المطر به كنزول التاجر اليماني صاحب العياب المحمل من الثياب حين نشر ثيابه يعرضها على المشترين شبه نزول هذا المطر بنزول التاجر وشبه ضروب النبات الناشئة من هذا المطر بصنوف الثياب التي نشرها التاجر عند عرضها للبيع، وتقدير البيت: وألقى ثقله بصحراء الغبيط فنزل به نزولا مثل نزول التاجر اليماني صاحب العياب من الثياب.
80 - كأن مكاكي الجواء غدية = صبحن سلافا من رحيق مفلفل
المكاء: ضرب من الطير، والجمع المكاكي: الجواء: الوادي والجمع أجوية غدية: تصغير غدوة أو غداة. الصبح: سقي الصبوح، والاصطباح والتصبح: شرب الصبوح، السلاف: أجود الخمر وهو ما انعصر من العنب من غير عصر. المفلفل: الذي ألقي فيه الفلفل، يقال: فلفلت الشراب أفلفله فلفلة فأنا مفلفل والشراب مفلفل.
يقول: كأن هذا الضرب من الطير سقي هذا الضرب من الخمر صباحا في هذه الأودية، وإنما جعلها كذلك لحدة ألسنتها وتتابع أصواتها ونشاطها في تغريدها لأن الشراب المفلفل يحذي اللسان ويسكر فجعل نشاط الطير كالسكر وتغريدها بحدة ألسنتها من حذي الشراب المفلفل إياها.
81 - كأن السباع فيه غرقى عشية = بأرجائه القصوى أنابيش عنصل
يقول: كأن السباع حين غرقت في سيول هذا المطر عشيا أصول البصل البري، شبه تلطخها بالطين والماء الكدر بأصول البصل البري لأنها متلطخة بالطين والتراب.




 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب


رد مع اقتباس
إضافة رد


(مشاهدة الكل عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 1 :

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الإعلانات النصية ( أصدقاء الأكاديمية )

انشر مواضيعك بالمواقع العالمية من خلال الضغط على ايقونة النشر الموجودة اعلاه

الساعة الآن 06:03 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظة © لأكاديمية العرضة الجنوبية رباع

a.d - i.s.s.w