الوسام .. الاكاديمي ابن الجنوب ..حسن القرشي ... لؤلؤة زهران كل الحكاية قسم المحاورة


 
 عدد الضغطات  : 5725


إهداءات




الشاعر محمد ملاسي

محمد ملاسي الغامدي


إضافة رد
قديم 11/01/2020, 02:56 AM   #11
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي





{مصدر الجمال في نظر محمد ملاسي }

تزوج ملاسي امرأة جميلة من قرية تقع إلى الشرق، فأسَرَ جمالُها عقله لكن زواجه منها لم يدم طويلا لأن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن وقد ندم الشاعر على فراق زوجته أيما ندم حتى أحس به كثيرون ممن حوله من بينهم رفيق دربه دغسان الذي استغل زيارة للشيخ ( سعيد بن صقر ) لوادي العلي والتي طالما تردد عليها للاستمتاع بمساجلات الشاعرين وقفشاتهما فَبَدَعَ أي ـ دغسان بدعا رَحِّب فيه بالشيخ واستحث ملاسي من خلال ذلك البدع على تخليد ذكرى فقدان زوجته فقال :

حيا الله شيخا معه ظَنّه وراموسا { 1}
وينجد اللي يدور منه نجدية { 2 }
مثيل نوُّ(ن) غزيرا تاع منشأ ماء { 3 }
يحج ولد الملك ويحج وزياره { 4 }


معاني الكلمات :

( 1 ) ظنّه – أي ( تخمين )والمعنى أن ظنّه في الناس لايخيب وهو كناية عن قوة الفراسة والشيخ هنا يقصد به الشيخ سعيد بن صقر ( رحمه الله ) ، والراموس – يقال فلان يُرَمِّسُ الشئ أي يُميِّزه .
( 2 ) ينجد – يسعف ، والمقصود أن الشيخ لا يتخلّى عن طالب النجدة منه سواء أكانت مالا أو غير ذلك .
( 3 ) مَثَيل - تصغير مِثل ، نوّ(ن) أي سحاب ، تاع – ناض أو أقبل ، منشأ – مصدر ، والمقصود أن الشيخ في جوده وكرمه يشبه السحاب الذي يحمل غيثاً منشأه ( البحار والمحيطات ).ً
( 4 ) يحج – أي يحاجّ من المحاججة ، وزياره – أي وزرائه والمعنى أن الشيخ قوي الحجة وبإمكانه محاجّة ابن الملك والوزراء.

( الرد – من ملاسي )


ما جا نبيٍّ(ن) من المشرق ورا موسى { 1 }
إلا رياحٍٍ(ن) تهبَّ بها ونجديّه { 2 }
والانبيا ما يجونا غير من شاما { 3 }
أرض(ن) نظيفة وفيها حج وزيارة {4 }


معاني الكلمات :

( 1- 2 ) ورى – أي بعد ، ومع أن موسى -عليه السلام- لم يأت من المشرق وإنما جاء من فلسطين وفلسطين ليست شرق المملكة كما أنه أي ( موسى ) أرسل إلى فرعون وقومه في مصر ومصر تقع غرب المملكة فإن هذه لم تكن سقطة من ملاسي رحمه الله لكنه اضطرّ لقول ذلك عندما قيده دغسان في البيت الأول ( بموسى ) وفي البيت الثاني بالنجديّة، وهي الرياح التي لا تأتي إلا من جهة المشرق ( من نجد ) ولا تحمل أمطاراً في العادة لكنَّ دغسان كان ببدعه ذاك ينصب فخا لملاسي ويستدرجه ليأتي على ذكر موضوع زوجتة التي اشرنا إلى أنها قادمة من جهة المشرق .

( 3 ) من شا ما – أي من الشام ويقصد بها هنا فلسطين لأنها أرض الأنبياء
( 4 ) الحج والزيارة معروفة أماكنها لكنه هنا قصد ( بيت المقدس ) بعينه كونه احد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها .

قول الشاعر ( الأنبيا ما يجونا غير من شاما ) يوضح مدى قناعتة بأن الجمال موطنه الحقيقي بلاد الشام ( سوريا،ولبنان، وفلسطين ) وأن مجيئه هذه المرّة من المشرق يعد خرقا للعادة لأنه اكّد ـ أي الشاعر ـ أنه لم يره هو أو غيره بعد ذلك قادما من تلك الجهة { ما جا نبي (ن) من المشرق ورى موسى } ولعلّ الصواب جانب ملاسي فيما ذهب إليه لكنّه لا يلام فهو عاشق مكلوم يرى محبوبته بغير العين التي يراها بها الآخرون وقد سبقه إلى هذا الأمر قيس بن الملوّح حيث سأله رجل عن سبب حبه لليلى مع أنها لاتملك من الجمال مايجعله يهيم بها فرد عليه قائلا إذا رأيتها بعيني علمت سبب عشقي لها، ثم أنشد :

إليكَ عَنِّيَ إنِّي هائِمٌ وَصِبٌ **** أمَا تَرَى الْجِسْمَ قد أودَى به الْعَطَبُ
لِلّه قلبِيَ ماذا قد أُتِيحَ له **** حر الصبابة والأوجاع والوصب
ضاقت علي بلاد الله ما رحبت **** ياللرجال فهل في الأرض مضطرب
البين يؤلمني والشوق يجرحني **** والدار نازحة والشمل منشعب
كيف السَّبيلُ إلى ليلى وقد حُجِبَتْ **** عَهْدي بها زَمَناً ما دُونَهَا حُجُبُ


فهل يلام ملاسي على أن رأى البقعة التي جاءت منها معشوقته بالعين التي يرى بها الناس أرض الأنبياء ؟! أنا شخصيا لا الومه. ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد كان في إحدى عينيه حولٌ عُيّر به ذات مرة فقيل له ( اندر ياشتيح اندر ) فدوّنها ملاسي في ذاكرة الزمن بقصيدة خالدة نقش حروفها على حناجر رعاة الماشية كثرة ترديدهم لها في غدّوهم والرواح كما يتضح لكم من قِصَّة هذه القصيدة أدناه :


يا شتيح اندر

ألقت الحرب العالمية الثانية بظلالها على معظم الدول العربية ومن بينها المملكة حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية آنذاك وقل تواجدها في الأسواق ودخل الفقر معظم البيوت إن لم نقل كلها . . هذا في المدن فكيف الحال بالقرى النائية التي لم تكن تصل إليها السيارات لعدم وجود الطرق وإنعدام وسائل المواصلات إلا ما ندر، والدولة السعودية في تلك ألآونة لم تلتقط أنفاسها بعد فهي في طور البناء وما زالت تتعامل بالريال الفرنسي إلى جانب عملتها المحلية حيث لم يكن الريال السعودي قد غطى كل مناطق المملكة، ومما زاد من معاناة الناس شح الأمطار في كثير من أجزاء البلاد وخصوصا المنطقة الجنوبية التي جفَّت ارضها وقلَّت مؤن سكانها فأصبحت لقمة العيش فيها صعبة المنال عسيرة المآل، فنتج عن تلك الأجواء المفعمة بالمآسي ارتفاع سعر المُدَّ من القمح إلى أربعة ريالات فرنسيه (أي ما يعادل مائة وستين ريالا عربيا ) حتى سُمّي ذلك العصر ب( عصر سعر ربع ) والمدُّ لمن لا يعرفه ( أداة من أدوات الكيل يعادل وزن محتواه بضعة كيلو جرامات فقط )

في تلك الظروف العصيبة كان الرجل ذو المنعة والقوة غير قادر على توفير قوت أبنائه ليوم أو يومين فكيف له أن يستقبل أحدا في بيته ويقوم بتقديم واجب الضيافة له ؟!
وهذا ما دعى دغسان رحمه الله لتدوين تهرب الناس من ضيافة بعضهم البعض في تلك الحقبة فقال :-


ماعاد ودي نضيًف حد ولا ودي نِضيْف
ماعد فالاسواق يوجد لا دهان ولا تمر
والبن ماعد يباع إلا ريال الرابعه
عليّ ع اهل السخا وعن الرجال المستحين
كلافــة الضيــف معــدومة وكيــف نقـل بهــا


ولهذا لم يكن للناس إلا تقاسم ما هو متوفر لديهم ليعيشوا يومهم . ويوكِلون أمر غدهم إلى الله .
هكذا كانت الحالة السائدة في معظم القرى ولأن وادي العلي لم تكن قراه في معزل عن قرى الآخرين ولم تكن الظروف تختلف كثيرا من مكان إلى آخر فالفقر عامّاً وضرب بأطنابه في كل بيت لذا فقد كان السؤال :-


من للمسكين والأرملة ؟
ماذا بوسع الفقير أن يفعل إذا كان ميسور الحال لا يجد ما يسد به رمقه ورمق أبنائه ؟
كيف يمكن لامرأة فقدت زوجها أثناء تلك الظروف أو قبلها بقليل أن توفر لزغب الحواصل ماء أو شجرا ؟!


كانت بالفعل مأساة لم يشعر بمرارتها إلا من اكتوى بنارها أو بنار مثيلاتها فالنار على رأي المثل ( ما تحرق إلا رجل واطيها )

في خضم تلك الأمواج المتلاطمة والعواصف العاتية كان شبح مركب لأرملة مسكينة يطل بمقدمته بين الفينة والأخرى متلمسا طريقه بصعوبة بين الأمواج للبحث عن مؤنة تكفيها وأبنائها حتى يأتي الفرج الذي وعد الله به عباده الصابرين .

وفجأة لاح لتلك الأرملة في الأفق بارقة أمل لملمت قواها الخائرة لتدفع بمركبها المتهالك باتجاهه علّها تجد ضالتها لديه وكأني بلسان حالها يردد في تلك اللحظة ( الله كريم برق يلوح . .. اليوم أبا اغسل هالجروح ) لكن ذلك البارق لم يكن سوى سحابة صيف عابرة أو سرابا حسبته ماءً حتى إذا جاءته لم تجده شيئا .

الفرج ( السراب ) تمثل في مُزَارع جاء من قرية مجاورة إلى الوادي على دابته ليسوّق منتوج بلاده من (حُنْطة ) احتفظ بها قبل الكارثة بسنوات وكأنه تعلم من درس نبي الله يوسف لأهل مصر عندما قال لهم ( فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ) فأصبحت سلعة ذلك الرجل رائجة وبالثمن الذي يريد .
لكن ألم أقل لكم بأنه كان بالنسبة لتلك الأرملة سرابا ؟! فقد امتنع المزارع عن تزويدها بما تحتاجه لأنها لم تكن تمتلك الثمن ولم يكن هو يعرفها أو يتعامل معها من قبل فماذا ستفعل ؟ !


هل تدعه يذهب دون أن ينقذها وهي غرقى ترى بأم عينيها طوق النجاة متدليا بين يديه يقلِّبه كيف يشاء ؟ أم انها تتشبث به حتى وإن تكبدت في سبيل ذلك شتى أنواع المشاق ؟!

أُسقط في يد تلك المرأة العصاميِّة بعدأن رفض المزارع طلبها لكنها لم تستسلم ولم تكن لتدع أطفالها يتضورون جوعا وفيها رمق من حياة . . ولذا لم تيأس من روح الله وازدادت إصرارا على تحقيق ما تصبو إليه فأخذت تفاوض الرجل وتجادله حتى وافق على مضض أن يبيعها ما تحتاجه من مؤنة شريطة أن تحضر له كفيلا غارما معروفا لديه وتحدد له الفترة الزمنية التي يمكن أن تسدد خلالها ثمن ما تشتريه، فوافقت المسكينة على شرط الرجل ثم ذهبت على عجل غير مصدقة نفسها لتبحث عن كفيل غارم قبل أن يغادر البائع القرية فتفقد ما بقى لها ولأبنائها من أمل ، لكنها اصطدمت بشي آخر لم يدر بخلدها إلا بعد أن أعطت لساقيها العنان في طرقات القرية الضيقة والتي خلت من المارة وهي تجوبها على غير هدى إذ قفز إلى ذهنها سؤال منطقي . .يقول . . من سيكفل أرملة لا حول لها ولا قوة ؟ من سَيَمُد لها يد العون من جيرانها وهم انفسهم لا يملكون لأنفسهم نفعا وليست أحوالهم بأحسن من حالها ؟! . .

تزاحمت الأفكار في ذهنها وتواردت عليها الخواطر من كل حدب وصوب ومع ذلك لم يسعفها أيٌّ من تلك الخواطر والافكار بإسم الشخص القادر على السداد عنها في حال حان وقت الدفع ولم تستطع الوفاء بما هو مطلوب منها . . مضت في طريقها بين البيوت تقلب أفكارها ذات اليمين وذات الشمال ولم يخطر ببالها اسم محمد ملاسي لأداء ذلك الدور الذي تنشده مع أنه نسيب زوجها ورجل يعرفه البعيد قبل القريب بحكم شهرته وذلك لأنها أعرف الناس بأحوال محمد ملاسي المادية والتي لم تكن تؤهله لكفالتها أو دفع قيمة ما تشتريه . . لكن لعل قدرها وقدره ساقاها إليه فلم تشعر بنفسها إلا وهي واقفة ببابه فلم يخذلها بحكم شهامتة ومروءته وانطلق معها إلى تاجر الحنطة الذي اتضح أنه ( أي التاجر ) على معرفة بملاسي فنالت ما كانت تصبو إليه .

عندما حان موعد السداد.. لم تكن الظروف قد تعدلت بعد ولم تكن الأيام قد جادت بما هو متأمل ولذا لم تجد تلك المرأة ما تدفعه لدائنها ولم يستجب هو لقول الله تعالى ( فنظرة إلى ميسره ) ومن أجل هذا بقى ( الدائن ) يتردد على الكفيل للمطالبة بحقه والكفيل يزيد من ضغوطه على الأرملة لنفس الغرض،

وفي يوم من الأيام قابل الدائن الكفيل في أحد الأسواق وهو يرتدي جُبَّةٌ له تقيه من برد الشتاء فأخذ جٌبَّته مقابل دينه ولما عاد الكفيل إلى بيته والبرد يكاد يفتك به ذهب مباشرة إلى تلك المرأة ولعلّه كان منفعلا حينها فألح عليها في طلب تسديد ماعليها وطال بينهما النقاش حتى ضاقت به ذرعا لعدم تقديره لظروفها فعيَّرته بِحَوَلٍ في عينه اليسرى قائلة له ( أندر من فوق بيتي يا شتيح ! ) وعندها لم يجد ( شتيح ) بدا من النزول عن ظهر البيت والعودة أدراجه إلى منزله وكل امله عدم وصول الخبر إلى دغسان حتى لا ينصب له الأخير فخا يخلد من خلاله أحداث تلك الواقعة فما في ملاسي يكفيه من ذهاب جبَّتة وتجرعه مرارة برد الشتاء . . لكن الخبر سرعان ما انتقل حتى انتهى إلى دغسان لأن الناس لم يكن لهم مفر من التسامر ليلا لقضاء الوقت وتداول أخبار المجتمع في ظل عدم وجود وسائل الاتصالات المتوفرة حاليا وعندها قال دغسان :-

لابد تشرب من الأعداد يا ضامن {1}
من سد حبس(ن) وله ممضى عتل جبه {2}
حبس(ن) صليب(ن) وراه الجم يتجمّل {3}
يسوق زرعٍ(ن) ورا أسوار(ن) طال بناها {4}
يمــون حـبّه وفي وقـت الشّتــــي حنـدر {5}


معاني الكلمات :-
( 1 ) الأعداد – جمع عِِِِذّ وهو البئر ، والضامن ( الضامئ ) .
( 2 ) من سد :- من خلف ، حبس :- المكان الذي يحبس فيه الماء سواء أكان قُفّ البئر اوالبِرْكَة التي كانت تحفر بجانب القف لتجميع الماء .
الممضى هو الطريق الذي يمضي منه الماء أو ينتقل عبره من البئر إلى المزرعة ويسمى الفلج ،
العتل _ جمع ( عتله ) وهي أداة حديدية تستخدم لقطع الصخر .
َََََجبَّه :- بفتح الجيم أي قطعه . .والمعنى أن ماء البئر الذي يشرب منه الضمآن محبوس في ممر أستخدم العتل في قطعه أو شقِّه
( 3 )صليب : قوي ، والجم هو الماء . . ويتجمل : يصبح جميلا في نظر العطشان .
( 4 ) يسوق : يروي ( من الري ) ورا _ أي خلف
اسوار(ن) _ جمع سور ، طال بناها _ أي طال بنيانها والمعنى أن الماء يروي زرعا خلف أسوار استغرق بنيانها وقتا طويلا
( 5 ) يمون حبه _ أي تتكاثر حبوبه
في وقت الشتي حندر _ الحندرة _ فتح العين بقوة والقصد ان عذوق الحب ( حب الذرة ) تتفتح في فصل الشتاء بسبب وفرة المياة حتى يخيل لمن يراها أنها محندرة .


( الرد _ من ملاسي )

والله لتشكي النّدم والبرد ياضامن
لولا الضمانه يكن ماضاعت الجبة
لكن هذا جزا من عاد يتجمّل
صٌفَّه قبيحه تداوس لا طلبناها { 1 }
بـعــد الجمــيلة تقــل لي ياشتيــح أُنـــْدر

معاني الكلمات :

( 1 ) صُفّة _ ( بضم الصاد وتشديد الفاء ) أي الجيل الذي كان على قيد الحياة آنذاك ، والضامن هو الكفيل .

رحم الله ملاسي ودغسان ورحم تلك الأرملة التي أخّرت ابنا بارا بها وبأبناء قريته وبالقرية نفسها فقد عاش مع والدته تلك الظروف الصعبة لكنهما أي ( الوالدة والظروف ) خلقا منه رجلا مكافحا خلوقا محبوبا حفر الصخر بيديه وتعلم في وقت لم يكن فيه التعليم متيسرا وتسنّم بعد ذلك مركزا هاماً في الدولة لم يصل إليه على حد علمي أحد من أبناء قريته حتى الآن وهو المثل الأعلى لكاتب هذه السطور، أسأل الله له دوام الصحة والعافية وأن يجازيه عن والدته خير الجزاء فقد عوضها عن كل لحظة حرمان وامتد خيره بعد ذلك ليشمل البعيد قبل القريب .


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 11/01/2020, 02:57 AM   #12
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي





تنويه


مساء يوم السبت الموافق 3ـ4/8/1430هـ قابلت عمي الفاضل مسفر بن عطية أبوعالي في مدينة جدة في معرض جهدي لتوثيق ديوان الشاعر محمد ملاسي رحمه الله فعرضت عليه جزءا مما اوردته فيه فصحح لي جزاه الله خيرا خطأً وجده في الجزء الذي إطلع عليه، ومن باب الأمانة ورد الفضل لأهله ورغبة مني في حفظ تراث الشاعر نقيا من التشويه فإني أورد ملاحظة العم مسفر كما هي مرددا قول الله تعالي ( وفوق كل ذي علم عليم ) :


في البيت الثالث من رد الشاعر على قصيدة ( الغبن ) ـ في شارع المدّعى لا مر ضي ماغبن ـ أوردت البيت كما وصلني :

ياكل محزون ما صيرت حزن الصدر

والصحيح حسب رواية العم مسفر ـ وكل محزون يبقى سد حُزْنََه صَدَرْ

ومعنى البيت على هذا يكون كما ذكر العم أيضا أن كل حزين صَدَرَهُ حُزْنُه عن الناس أي صدّه وابعده عنهم فبقى محبوسا خلف اسوار حزنه قابعا في ثنايا همه وغمه بعيدا عن مخالطة الآخرين ومشاركتهم افراحهم ومثاله ( كمن غيب الموت عزيزا لديه ) وخاصة في ألايام الأولى من فقدان ذلك العزيز، أ.هـ

ولهذا فإني أجزم أن صحة البيت هو ما أورده العم مسفر لأن الشاعر لايمكن أن يبدأ بكلمة ( يا كلَّ ) في البيت الثالث ويبدأ البيت الذي يليه مباشرة ب( ياكم ) كما أن ذلك يدعونا لمراجعة مايقابل هذا البيت في البدع وهو ـ درجت في الأرض ماشي مثل حزن الصدر ـ ليتضح لنا أنه لايستقيم إلا كما يلي :

درجت في الأرض ماشي مثل حُزْنَة صُدُر

وهو ما يوافق إسم القرية ( حزنة ) وصُدُرُها الذي عرف ب( صُدُرِ حزنة ) ويتماشى أيضا مع ما جاء في الرد .

جزى الله أبا سعيد عني خير الجزاء فله يعود الفضل بعد الله في فهمي لكثير من مفردات تراثنا الشعري وخصوصا ما جاء في موروث والدي العزيز علي دغسان رحمه الله وهو الذي الجأ إليه كثيرا عندما تشتد بي كربات تفسير بعض أقوال شعراء المنطقة الجنوبية من المملكة فله الشكر وعظيم الإمتنان .

البدع

يقــل محــمد ملاسـي من رضي ما غبن
لا تعــذلون العــرب كــلاً برشـــده يعيـش
درجت في الأرض ماشي مثل حـزنه صدر
تطـــلـع فــواكـه و فـيـدتـها لغـيـر أهلـــها


الرد

فـي شــارع المـدعــى لامـرّ ضي ما غبن
يعـيونه الحضر واللي فالبر أشده يعي ايش
و كـل محـزون يبقى سد حــزنه صَـَدرْ
يـا كـم قـلـوبـاً عـيال إبليس غـيـره لـهــا


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 11/01/2020, 02:58 AM   #13
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي




منين لي كل جمال(ن) ملاسي معه



قصة هذه القصيدة تظهر مدى ما كان يكابده الشاعر ومعاصروه من صعاب في سبيل الحصول على القرش فضلا عن الريال وتوضح حجم المعاناة التي كانوا يحتملونها لتوفير لقمة العيش فضلا عن تحقيق الحد الأدنى من متطلبات الحياة الأخرى كالمسكن والمركب والزوجة وما في حكمها وقد أشرنا فيما سبق إلى أن ملاسي شأنه شأن معظم من كان يتردد على مكة من آهالي وادي العلي وغيرهم من أهالي الجنوب لم يكن يتقن حرفة يدوية يتكسب منها سوى نقل البضائع من المستودعات أو ما يسمى ( بالمغالق ) إلى المتاجر أو من الأمكنة التي يضع فيها الجمّالة حمولة جمالهم إلى مستودعات التجار، وبالمناسبة فإن الجمال كانت هي الوسيلة الوحيدة لنقل البضائع من ميناء جدة إلى مكة المكرمة وإلى سوق المدعى بالذات بصفته السوق الوحيد تقريبا في مكة في ذلك الوقت ولذا فإنه ( أي المدعى ) كان مقر تمركز الحمالين وما أكثرهم فقلما تجد بيتا في قرى الجنوب لم يمتهن أحد أفراده التحميل في سوق المدعى أو ( الجُواد ) لدى المطوفين وأبنائهم اثناء موسم الحج لخدمة الحجاج ونصب الخيام وهو ما يطلق عليه ( بالطلعة ) نسبة إلى الطلوع إلى المشاعر .

لم يكن يسمح لأصحاب الجمال بالدخول إلى المدعى لإنزال حمولة جمالهم إلا بعد أن يقفل السوق أبوابه أمام المتبضعين وذلك منتصف الليل أو دونه بقليل وله شاهد في عصرنا الحاضر وهو عدم السماح لسيارات النقل أوقات الذروة بالدخول إلى الأماكن المزدحمة داخل المدن.

كان لدى كل تاجر من كبار التجار في ذلك الوقت عمالته الخاصة به والتي يستخدمها في تنزيل وتحميل بضائعه ولها رئيس يقال له ( مقدم ) ومنهم تاجر التمور ( الصنيع ) الذي سيرد ذكره وذكر المسؤل عن عمالته ( بن عمر) في قصيدة ملاسي وبما أن لكل تاجر كما قلنا عمالته الخاصة فإن معظم أولئك التجار لم يكن في حاجة للاستعانة بعمالة أجنبية إلا فيما ندر وهذا ما جعل سوق ملاسي وسوق أكثر الحمالين في المدعى في كساد إذ قد يمر على بعضهم بضعة أيام دون أن يحتاج لخدماته أحد ، فمن أين له حق أكله وشربه ؟ وكيف له توفير ما يستأجر به سريرا ينام عليه في أحد المقاهي القريبة من المدعى ومنها ( قهوة الكندرة ) ؟ وكيف له أن يشتري ملابسه وحذائه وبقية متطلباته ؟ ثم من أين له بعد ذلك أن يوفر مصروفا لأهله الذين تغرب عنهم وتركهم ينتظرون ما يبعث به إليهم أو يعود به بعد سفر قد يمتد لعدة شهور ؟!


رئيس العمال أو ( المقدم ) كان يتقاضى قرشين تسمى ( بِرَازة ـ من التبريز والفرز ) عن كل طرد يشرف على إخراجه من مغلق التاجر أو متجره وتسليمه للزبون فكم ياترى كان يتقاضى العامل الذي يحمل الطرد ؟! لاأعتقد أنه يتجاوز ما يحصل عليه المقدم بأي حال من الأحوال .



في ظل هذه الظروف كان محمد ملاسي يقضي عدة أيام لا يجد فيها من يطلبه أو يحتاج لخدماته فهل يمد يده يستجدي الناس فإما أن يعطى وإما أن يمنع ؟!
لم يكن ملاسي ليفعل ذلك ولم تكن أخلاقه لتسمح له بمجرد التفكير فيه ! إذا فهل له أن يسرق ليسد رمقه ثم يعلن التوبة بعد ذلك ؟!
هذه أكبر من الأولى وما كان لأقل منه تديُّنا وشهرة أن يلجأ لمثل ذلك فما هو المخرج ياترى ؟


لم يكن لملاسي إلا الحيلة ولا أرى إلا أنه كان محقا فيما فعل، فكيف فعل ؟!


جاءت قافلة بضائع من جدة آخر الليل لتاجر من تجار المدعى فلما وصلت منتهاها لم تجد في ذلك الشارع سوى محمد ملاسي فسأله قائدها بصفته غريبا عن المنطقة عن مغلق ذلك التاجر لإنزال الحمولة أمامه فأشار له ملاسي إلى مغلق تاجر آخر وذلك لكي يضطر صاحب البضاعة لإستئجار من ينقل الحمولة في الصباح الباكر إلى حيث مغلقه قبل أن تقوم البلدية بتغريمه، وهذا يعني أنه لا مفر للتاجر من الاستعانة بحمالين آخرين غير العاملين لديه في سباق مع الزمن لنقل البضاعة قبل حضور موظفي البلدية وحينئذ سيجد ملاسي فرصة عمل تكفيه مؤنة ذلك اليوم .


هذا كلما في الأمر وسواء أكان ملاسي محقا أو لم يكن محقا فيما فعل وسواء أكرر ذلك أم لم يكرره فليس هذا موضوع نقاشنا , موضوعنا يتلخص في أن الخبر وصل إلى دغسان فلم يدعه ليذهب ولم يكن ملاسي في شجاعتة التي عرف بها ليتجنب صراحة القول أو الإبتعاد بالرد عن الهدف الذي من أجله أنشئ البدع فهو أعمق فهما ممن يعذله على التصريح ويحثه على التعريض حتى قال ذات مرة لناصح يعد نفسه أمينا
( يا ولد أنا شاعر وأفهم ماذا يطلبه مني الشاعر الآخر وأعرف ماذا أقول )

وصل الخبر كما قلنا إلى دغسان فمهّد لملاسي ببدع خلد من خلاله فصول تلك الحادثة فماذا قال :

بعض العرب لو تحطه شار علم ادعا
ولوتحطه على كرسي ملك اندره
لو كان يعرف يكن على الحق يابا بقي
لكن ما يعرف المعروف هو والصنيع
يجهر بسده على روس الملا سيمعه


يقول من الناس من يحمل لؤما قد تبلغ به درجته إلى أن يداعيك في المال أو الشئ الذي طلبت منه وضعه أمام عينيه وحراسته لك مدعيا أنه صاحبه، ومن شدة مكره أنك لو أجلسته على كرسي مسؤول لأبعده عن كرسيه وادعى أنه له وأن المنصب منصبه حتى وإن كان ذلك الكرسي لملك من الملوك، وفي معرض لومه لذلك الشخص يقول دغسان لو أنه يعرف الحق يا أبي لبقي عليه ولم يحد عنه لكنه لايعرف معروفا ولا يشكر صنيعا والدليل أنه لايحتفظ بسرّه بل يجاهر به على رؤوس الخلائق ويسمعهم إياه وهو ممن ينطبق بحقه قول الشاعر :

إذا المرء افشى سرّه بلسانه * * * ولام عليه غيره فهو احمق


وفي الرد يقول محمد ملاسي :


امسى ملاسي يساهر شارع المدعى
والرزق ماقد ظهر من قهوة الكندره
ولا معي فايدة لا عزَّل البابقي
ولا معي مصلحة من بن عمر والصنيع
منين لي كل جمَّال(ن) ملاسي معه


قضى ملاسي ليله ساهرا ينتظر الرزق ويبحث عنه في شارع المدعى فهو على يقين أن من يقضي ليله في قهوة الكندرة يدخن الشيشة ويلعب الضومنة ثم ينام وقت توزيع الأرزاق ( بعد صلاة الفجر ) لن يأتيه الرزق فقد روى الإمام الترمذي بإسناده عن صخر الغامدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اللهم بارك لأمتي في بكورها )، قال وكان إذا بعث – أي النبي صلى الله عليه وسلم – سريةً – أي طائفة من الجيش - أو جيشاً بعثهم أول النهار، وكان صخر رجلاً تاجراً وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار فأثرى وكثر ماله، قال الإمام الترمذي: - حديث صخر الغامدى حديث حسن. ولا نعرف لصخر الغامدي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث. سنن الترمذي 3/517.

ويضيف ملاسي قوله : ستنقطع فائدتي إذا عزّل البابقي أو أفلس وهو أحد تجار المدعى ، أما تاجر التمور ( الصنيع ) وهو من القصيم ومقدمه أو رئيس عُمّاله ( بن عمر ) وهو بالمناسبة من قرية ( عراء ) فليس لي عندهما مصلحة لأن تحميل التمور يحتاج إلى متخصصين يجيدون التعامل مع أوعيته التي توسخ خياش العمال بالرّب وهو السائل اسفل وعاء التمر،والصنيع عنده من أولئك ما يكفيه . وفي آخر بيت يقول ملاسي من أين لى مع كل جمّال يقدم إلى المدعى بمثل ملاسي يدلُّه على مستودع غير الذي يسأل عنه لنسترزق من ورائه ؟!!!!! .


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 11/01/2020, 02:59 AM   #14
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي




ملاسي والغزل

اغراض الشعر خمسة (المدح و الهجاء، الوصف، الرثاء، الغزل ) وهناك من يضيف إليه غرضا سادسا وهو ( الشكوى ) وإن كان البعض يدخل هذا تحت بند ( الوصف ) أي وصف الشاعر لحالته التي يشكو منها، والملاحظ أننا عندما نورد دواوين شعرائنا ( شعراء الجنوب ) نتحاشى المرور على ما اوردوه في الغزل أو أننا نشير إليه عن بعد وعلى استحياء وكأننا عن قصد نوسمهم بما لم يوسم به البشر مع أن المأثور عن الشعراء في الجاهلية والإسلام أنهم طرقوا هذا الجانب وتوسعوا فيه حتى نُسب بعضهم إلى معشوقته ـ ككثيّر عزّة، وجميل بثينة، ومعشوق ليلى ـ وغيرهم، وقد صرّح بعض الشعراء في نظمه بإسم المعشوقة ولم ينكر عليه أحد ذلك، فكعب بن زهير مثلا أنشد أمام النبي صلى الله عليه وسلم قصيدته المشهورة :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * * * متيم اثرها لم يفد مكبول

فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم التصريح بإسمها ولم يلمه على ذلك ، كما ذهب غيره إلى مثل ما ذهب إليه فقال الأعشى في محبوبته هريرة :

ودع هريرة إن الركب مرتحل ... و هل تطيق وداعاً أيها الرجل

غراء فرعاء مصقولٌ عوارضها ... تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل

كأن مشيتها من بيت جارتها ... مر السحابة لا ريثٌ و لا عجل


وقال جميل بثينة :

فهلاّ تجزني أمُّ عمروٍ بودها * * * فإنّ الذي أخفي بها فوقَ ما أبدي

وكلّ محبٍ لم يزدْ فوقَ جهده * * * ِ وقد زدتها في الحبّ منيّ على الجهدِ

إذا ما دنتْ زدتُ اشتياقاً وإن نأتْ * * * جزعتُ لنأيِ الدارِ منها وللبعدِ

أبى القلبُ إلاّ حبَّ بثنة ِ لم يردْ * * * سواها وحبُّ القلبِ بثنة َ لا يجدي

تعلّقَ روحي روحَها قبل خَلقِنا * * * ومن بعد ما كنا نطافاً وفي المهدِ

فزاد كما زدنا، فأصبحَ نامياً * * * وليسَ إذا متنا بِمُنتقَضِ العهد


وروي عن كثير عزة قوله :

ألا لَيْتَنا يا عَزَّ كُنَّا لِذِي غِنًى * * * بعيرينِ نرعى في الخلاءِ ونعزُبُ

كِلانا به عَرٌّ فمَنْ يَرَنا يقُلْ * * * على حسنِها جرباءُ تُعدي وأجربُ

إذا ما وَردنا مَنْهلاً صَاحَ أهلُهُ * * * علينا فما ننفكُّ نُرمى ونُضربُ

نكونُ بعيريْ ذي غنى ً فيُضيعُنا * * * فلا هُوَ يرْعانا ولا نَحْن نُطْلَبُ

يُطّرِدُنا الرُّعيانُ عَنْ كُلِّ تلْعة ٍ * * * ويمنعُ مِنّا أَنْ نُرى فيه نَشْرَبُ

وددتُ -وبيتِ اللهِ- أنّكِ بكرة ٌ * * * هجانٌ وأنّي مُصعَبٌ ثمَّ نهرُبُ


وقال قيس بن الملوح :

تعلقت ليلى وهي ذاتُ تمائمً * * * ولم يبدُ للاتراب من ثديها حجمُ

صغيران نرعى البهم ياليت أنّنا * * * بقينا ولم نكبر ولم تكبر البهمُ


وقال قيس بن ذريح في لبنى :

يقولون لبنى فتنة كنت قبلها * * * بخير فلا تندم عليها وطلق

فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي * * * وأقررت عين الشامت المتملق

وددت وبيت اللّه أني عصيتهم * * * وحملت في رضوانها كل موثق

وكلفت خوض البحر والبحر زاخر * * * أبيت على اثباج موج مفرق

كأني أرى الناس المحبين بعدها * * * عصارة ماء الحنظل المتفلق

فتنكر عيني بعدها كل منظر * * * ويكره سمعي بعدها كل منطق


فما بالنا نحن نخفي ما قاله شعراؤنا في هذا الجانب أو نتجنب الخوض فيه مع أنه لم يؤثر عن أحد منهم أنه ذكر إسم محبوبته أو تطرق لوصف شئ منها وانما اكتفى بالرمز لها بما تطيب النفس بتذوقه ( كالتمر والعسل والبن والعنب والبُرّ وما في حكمها ) او بما ترتاح العين لرؤيته ( كالشمس والقمر ) وما شابههما ؟!

يقول دغسان رحمه الله :

يابرّ ماهو من جميع الحَبّ شبّه
راوياً ياحَب ش ارواك
غالي وجاله في بلاد الحَبّ شِيطان
مايجي للحَبّ شواني
لاسيق ضلاّ له في البقعا ترنه


وفي قصيدة أخرى يقول :


ياتمر صفري زان في ملك إنتظامي
مال غرسه ودّيش رُبّ
يزهي ويتزايد متى ما يهبط السوق
وله التجار ولما
دونه حراراً فايته وارواض مايه


ويقول الشاعر سعد بن عبد الرحمن رحمه الله :

يارازقيا بطن وادي فيق فانا
له نوامي شرّعت به
لاصد عوده بالروى له راج فيه
زاد طلعه عالمنى هيل
كلا يقل ياليت قوتي من هبوره



وفي قصيدة اخرى يقول :


ياصالبيا فا لخلي والما جرى له
في قصابه ردّ ع ألما
يازين غرسه مال بين الشمس والفي
له من الحُلَّق نبع جم
تحيي القلوب الميته يا بُنّ صدري


ويقول الشاعر حميد المحضري رحمه الله :

ياشهر ما ودّي تغيّب ليل عنّا
اولك نوراً وتاليك
واما ليالي النص ريتك في كباير
كل وادي نار به نار
نورك على الغوقه بوادي فيق هاوي


وفي قصيدة أخرى يقول :

يا جلس نحل من صدور اهل التهم جا
جاليه متولعينا
فايت ورا مزحك ومشي من رماضي
سد بيبان لحاجه
وهو دوا الروح العليل ومجار بله


اذا لاحضنا أن أحدا منهم لم يتفحش في الغزل ولم يشر إلى إسم محبوبته أو يتطرق لها من قريب أو بعيد فلم نتجنب تدوين غزلهم مع أنهم نظموه ولم يتنكر له أحد منهم ؟!

جمع محمد ملاسي انواعا ثلاثة من اغراض الشعر في قصيدة واحدة تتكون من ثلاثة أبيات فقط حيث اشتكى ووصف حالته وتغزّل فماذا قال :

يقلك إبن جهاد ما ابغي حماة البير
ورحت ما الوادي معيّل من الظما
باموت يادغسان والماء نصيّره


حماة البير : ماء من اسفل البئر مختلط بطين أسود
معيّل : حالة بين الإغمائة والإفاقة
نصيّره : نشاهده

فأي عبقرية هذه التي جمعت بين ثلاثة من اغراض الشعر في هذه الابيات الثلاثة ؟! إنها عبقرية ملاسي بلا شك فهل يسعفنا أحد برد دغسان الذي تتضح من خلاله عبقريته أيضا ؟! ارجو ذلك .


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 11/01/2020, 03:00 AM   #15
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي




اخي ابو عبدالله 00 طرحت موضوع في غاية الاهميه والروعه 0 ولاثراء 0 موضوعك اقدم لك وللمتداخلين هذه الرائعتين لدغسان وحميد والزرقوي وحميد رحمهم الله جميعا وربما كانت هذه المشاعر الطيبه لا تتحدث الا عن الصوره البلاغيه والتصوير الدقيق لاحاسيسهم وقد قلت سابقا ان حميد رحمه الله 0 اقسم 0 انه لم يتعامل مع الحرام الا ما قاله بلسانه عفا الله عنهم جميعا ونفعهم بدعأنا لهم وجزاك الله خير ولولا الحب ما ابدع الشعراء ولما وصلت الينا هذه الصور البلاغيه 00 وقد كان حميد شديد الحرص على الاناقه 0 حتى ان بعض اقرانه ساله في سوق الغشامره عندما لمح اناقته 0 بعد 0 يطري عليك يا حميد 0 اجاب بابيات محفوظه عندي منها 00
( انا لو اشوى صفتي يزرو عليه
للمحبه اهبط السوق
ما ردني عنها سيوف ولا مشاعيب )
بدع من دغسان

يا برك راوي والدني ما تمنشاه
برعه ودنه براعي
في الخلي من دونه اشتاب حيا الصيف
عنه برا المذي ابات
تصبح شعوبه تتمايل مرياذيب

الرد من حميد

يا خي علي وسط الخلا ما تامن الشاه
ما تسير الا براعي
لو كان ترعى من البقول ومن حيا الصيف
ما بتامن من الذيابات
الا يقل راعي المنيمس مر يا ذيب

بدع من الزرقوي
بعيد عن خبت البقر يا خبت عدنا
يا مودي ود في بيش
الوادي المذكور ما تسني عطاريه
فيه جم زرقواني
يصلح لغرس الرازقي وعلي بله

الردمن حميد
قربك سلبنا ليتنا يا اخ ابتعدنا
خذت ثوبي وادفي بيش
ليته بعيدا ما يجي تسنيع طاريه
خذتنا يا زرقواني
كم لي مريض ماا تقول علي با لله

ودمتم بخبر


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 11/01/2020, 03:02 AM   #16
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



ملاسي والقدس

البدع ( من دغسان )


اهلك ياشوقبي(ن) زارعه قِدْ سَرَح
يوم تصبح وهوّه بالروى ماليهود
مايجي للمريري من فلس طينهم
مايجي الا في ارض(ن) ضاريه بالعمار
بُرّ في تالبه مزروع يابن جهاد
في بلاد(ن) كذا عن قرية الجادية


معاني الكلمات :ـ

اهلك : هنيئا لك .
الشوقبي : القمح ( الحُنْطة )والمخاطب هنا المقصود بالتهنئة هو زارع القمح وليس القمح نفسه .
ماليهود : يتهاود أي يتمايل على بعضه بعضا بهدوء إذا هبت الريح من شدة الرواء .
المريري : إسم موقع شمال رهوة البر .
فلس طينهم : الطين المفلس أي غير الصالح للزراعة .
ضارية بالعمار : معتادة على إهتمام الفلاّح بها وجهوده المميزة لاستصلاحها .
بُرّ : إسم آخر للقمح .
تالبه : إسم موقع شمال قرية الجادية ورغدان مشتهر بانتاج القمح الجيد .

والقصيدة غزلية البُنْيَة رمز الشاعر فيها بالشوقبي للشخصية المخاطبة المعجب بها وهي واضحة المعاني والمدلولات لاتحتاج لشرح قد يضر بتركيباتها وما ترمي إليه .

الرد ( لملاسي )

يامحمد ملاسي جهة القدس رُحْ
جا على المسجد الاقصى خطا ما اليهود
يا وُجْد المسلمين على فلسطينهم
ديرة لو نفادي دونها بالعمار
والذي ينقتل في معركات الجهاد
رابح (ن) جا خلاص(ن) فيه وان جا دية


استهل الشاعر رده بحرف النداء الموجه لذاته آمرا نفسه بالتوجه إلى فلسطين للدفاع عن القدس التي تستحق التضحية والجهاد بعد أن اعتدى اليهود على مسجدها الأقصى موضحا بأن من يُقتل في تلك المعركة رابح في كلا الحالتين سواء أقتل مقابله أحد المعتدين أو سلمت لأهله الديّةُ مقابل فقده ، وعلى كل حال فقد أبدع ملاسي في رده سواء اكان مقصده الجهاد بعينه على وجه الحقيقة في فلسطين أم أنه عنى بالقضية كلها بما فيها القدس والمسجد الأقصى محبوبته والأرض التي انجبتها ولا غرو في ذلك فهو لم يتمثل سوى قول الشاعر العربي الذي سبقه إلى ذلك حيث قال :

فرشوا على قبري من الماء واندبوا **** قتيــل كعـاب لاقتيـل حروب

رحم الله ملاسي ودغسان وجمعنا بهما في جنات عدن .


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 11/01/2020, 03:03 AM   #17
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



الرد ( لملاسي )

يامحمد ملاسي جهة القدس رُحْ
جا على المسجد الاقصى خطا ما اليهود
يا وُجْد المسلمين على فلسطينهم
ديرة لو نفادي دونها بالعمار
والذي ينقتل في معركات الجهاد
رابح (ن) جا خلاص(ن) فيه وان جا دية



ربما يكون هذا الشاعر يشعر بالأسى ويتمنى أن يكون مجاهداً في سبيل الله وهاهو يعلنها على الملاْ ويخبرهم أنه سيتوجه إلى القدرس لكي يدافع عن المقدسات .

لكن هل فينا االيوم من فكر فقط بأن يكون مجاهداً دون المقدسات


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 11/01/2020, 03:03 AM   #18
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



تنويه واعتذار
بعد أن تم ايراد القصيدة أدناه وتوضيح معاني الكلمات ومن بينها كلمة ( ماليهود )

اهلك ياشوقبي(ن) زارعه قِدْ سَرَح
يوم تصبح وهوّه بالروى ماليهود
مايجي للمريري من فلس طينهم
مايجي الا في ارض(ن) ضاريه بالعمار
بُرّ في تالبه مزروع يابن جهاد
في بلاد(ن) كذا عن قرية الجادية

ماليهود : يتهاود أي يتمايل على بعضه بعضا بهدوء إذا هبت الريح من شدة الرواء .
اتصل بي أخونا الفاضل علي بن جاهمة وقال بأن معنى ( ماليهود ) الأودية المليئة بالحنطة ( مليه أود ) فأصررت على أن المعنى ماذكرته بعاليه خصوصا وأنه كان لي مؤيد على ذلك وهو عمي الفاضل مسفر أبوعالي لكن بعد هذا باسابيع اتصل بي العم مسفر حفظه الله وذكر لي بأن الحق مع أبي حمدان فقد ذهب والدنا العزيز يحي بن صوهد أطال الله عمره إلى ماذهب إليه الأخ علي بن جاهمة في هذا السياق فوجب التنويه والأعتذار وتقديم الشكر له وللعم مسفر ولأبي صالح حفظهم الله من كل سوء ، مع تحياتي للجميع .


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 11/01/2020, 03:04 AM   #19
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



بسم الله الرحمن الرحيم

{ الحج وملاسي }


كان العمل لدى المطوفين في موسم الحج أو مايسمّى ( بالطلعة ) أحد أهم مصادر الدخل السنوي عند شريحة عريضة من مواطني المملكة ومن بينهم أبناء الجنوب وخاصة ( الغمّد ) الذين برعوا في هذا المجال حتى أصبح عددا منهم من أبرز المطلوبين لدى أشهر المطوفين في مكة كالفطاني والبشناق وغيرهما وماذاك إلا نتيجة لامانتهم وجلدهم وتفانيهم في أداء ماهو موكل إليهم من خدمة الحجاج والسهر على راحتهم والحفاظ على اموالهم واعراضهم وقد كان شاعرنا أحد أولئك العاملين في تلك المواسم طوال حياته بما في ذلك العام الذي توفي فيه فقد ثبت من رواية إبنه أحمد أنه وجد في ( كمره ) بعد وفاته مائتي ريال هي كامل مستحقاته عن ذلك الموسم الذي لم يكمله رحمه الله نتيجة للوعكة الصحية التي المت به في المشاعر وتوفي على اثرها قبل أن ينتهي من مهمته .

وفي موسمين من تلك المواسم خلّد الشاعر تجربة مشاركته فيهما شعرا تداولته الألسن وحفظته الأجيال فكان دليلا على قوة شاعريته واسلوبه الفذ في تصوير الأحداث ونقلها بأدق تفاصيلها لمن لم يشهدها وفي كلمات معدودات لو كتبت نثرا لم يف بجزئياتها عشرات الصفحات ومئات الكلمات فانظروا ماذا يقول :


في حج عام 1369 هـ ونتيجة لقلة الوعي وضعف الوازع الديني لدى بعض الاشخاص الذين اُبتلي بهم ذلك الموسم فقد اصطحب عدد منهم وخصوصا الأثرياء من المطوفين العاملين على خدمة الحجاج وكنوع من الترفيه عن النفس في اوقات الفراغ آلآت تسمى باللغة الأنجليزية ( بي كام ) واشتهرت لدى العامة ( بالبكم ) اختصارا وهي صناديق خشبية تحوي الآت تعمل على تشغيل أشرطة أغاني دائرية الشكل شبيهة بالسيدهات الحالية إلا أنها أكبر حجما ويعلو الجهاز أو الصندوق الذي يلف تلك الألآت مكبر صوت تنطلق منه المادة المسجلة على تلك الاصطوانات بصوت مرتفع ، وفي مشعرعرفات كان الله لأولئك بالمرصاد فهبت قبل إنتهاء اليوم ريح شديدة إقتلعت الخيام وبعثرت الحاجيات وشتت الجموع اعقبها في لحظات معدودات مطر قوي مصحوب باصوات رعد مخيف وبَرَدٌ لم يشهد الناس له مثيلا في تلك الحقبة فكان الجزاء فوريا ومن جنس العمل فماذا يقول الشاعر في وصف تلك النازلة :

البدع


ياتاجر التهم يبغى لك في الحجره عود
راعي المواتر كسب لاتاع منها بِرَد
الى سلم هرجة النمام والراديو
والمنعوج يعرفه قلبي وقرّ نعرفه


(1) تاجر التهم : نسبة إلى تهامة
(2) الحجر : المقصود – سوق الحجرة - والحجرة قرية في تهامة زهران لها سوق معروف مسمى باسمها
(3) عود : أي خيمة تنصب لممارسة التجارة
وقد يكون المقصد عودة إلى السوق ( اي رجعة إليه ) أو عود بمعنى جمل محمّل بالبضائع والمعنى في بطن الشاعر
(4) المواتر : السيارات المعدة لنقل البضائع
(5) تاع : كلمة تهامية بمعنى جاء - يقول شاعر تهامة في قصيدته المشهورة التي القاها بمناسبة قيام أهالي وادي العلي باعادة ابلهم المسروقة ( ابلنا تعتم بها لكن نبغي منكم البيان ) واستخدام الكلمة هنا ينم عن سعة اطلاع الشاعر والمامه بلهجات المناطق الأخرى وحسن انتاقائه للالفاظ إذ أنه من المناسب طالما أن المخاطب تاجرتهامي أن يأتي له بمفردة تهامية بحته .
(6) برد : يقصد حملة السيارة لمرة واحدة
(7) الى سلم : إذا تفادى ، هرجة : كلام
(8) النمام والراديو : النمام معروف والراديو يقصد به الانسان الرّدي الذي لاخير فيه .

وفي بيت واحد هو البيت الأخير لخّص الشاعر تجربة مخالطته للناس طوال حياته كلها ومعرفته باحوالهم - برّهم وفاجرهم غثهم وسمينهم صديقهم وعدوهم - حيث يقول – المنعوج يعرفه قلبي وقرّ نعرفه – أي انني اعرف الأعوج والسّويّ وهو ماعبر عنه بكلمة عامّية من لهجتنا المحليّة المتداولة وهي ( القارّ ) لتتفق مع ماخطط له في الرد عندما أتى بمفردة ( قرن عرفه ) كناية عن جبل الرحمة في مشعر عرفات ، وهذا البيت لاتقلّ قيمته الفنّية في نظري عن البيتين الذين اُشتهربهما الشاعر وهما ( يقل محمد ملاسي من رضي ماغبن – لاتعذلون العرب كلا برشده يعيش ) حيث اطلق عليه بعدهما شاعر الحكمة وهو للحق كذلك في كل اقواله التي وصلت إلينا.

الرد


يقل محمد ملاسي جا في الحج رعود
وجا نشايا من المولى وفيها برد
هذا جزا راعي الصندوق والراديو
لو مارحمنا هِلِكنا عند قرن (ا) عرفه


(1) نشايا : سُحُب ممطرة - يقول المولى عزّ وجلّ ( وينشئ السحاب الثقال )
(2) راعي الصندوق : صاحب البيكام
(3) قرن عرفة : كناية عند العوام عن جبل الرحمة .

هذا ما خلدّه الشاعر في ابيات اربعة لاخامس لها تجسد ما قد يحتاجه اديب في عدة فصول لتصل فكرته إليك أيها المتلقي فقل اللهم ارحم ملاسي واعف عنه فإنه يستحق منا الدعاء نظير ماقدّمه .( اللهم ارحم محمد ملاسي واعف عنه ، اللهم اكرم نزله ووسع مدخله وعافه واعف عنه ، اللهم وكما خلّدت ذكراه بيننا فخلّد جسمه واسمه في جناتك جنات الخلد يارب العالمين )

في الحلقة القادمة نكمل بحول الله تجربة الشاعر الثانية مع مواسم الحج والتي خلدها باشعار تفوح منها رائحة الصبر وطول المعاناة فالى أن نلتقي نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله .




 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
قديم 11/01/2020, 03:05 AM   #20
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



ومع شاعرنا الفذ محمد ملاسي ومواسم الحج نتواصل فنقول :

سافر ملاسي ذات مرة إلى مكة للبحث عن عمل في موسم الحج ، والعمل في الموسم آنذاك يعد مصدر رزق هام لأغلب أبناء المنطقة الجنوبية من الطائف إلى نجران لأن معظمهم مزارعون أٌمّيون ليس لهم وظائف ولا مصدر رزق خلاف المزارع التي قد تجود بقدرة الله في بعض الأعوام وفي أغلبها لاتجود وكان الرجل اذا وجد عملا أو مايسمى ( بالطّلعة ) خلال الموسم يعتبر محظوظا لكثرة العرض وقلة الطلب ، وعندما نقول (سافر فلان ) فإننا نعني أنه تكبد من المشاق ماالله به عليم فقد ودّع أهله وأبناءه وأحبابه واتجه نحو المجهول فليس هناك وسائل اتصال يستطيع المسافر بواسطتها الإطمئنان على أهله غير الرسائل التي تحمل يدويا مع المسافرين من أبناء القبيلة ، والسفر في حدّ ذاته يعتبر قطعة من العذاب وخصوصا في تلك الأزمنة التي كانت المسافة من الباحة إلي مكة تستغرق سبعة أيام بلياليها ومثلها في العودة مشيا على الأقدام .

المهم عمل ملاسي لدى مطوف يدعى ( الحويت ) وكان معه أحد أبناء الوادي من قرية المردد وهو المرحوم ( سعيد الدميني ) جد الأخ الفاضل والزميل العزيز ( أحمد حامد الدميني ـ مدير عام التأمينات الإجتماعية بمنطقة مكة المكرمة حاليا ) ، والعمل لدى المطوف لايقل عما لاقاه المسافر من الباحة إلى مكة من مشقة فمطلوب منه العمل ( كصبي ) لمدة لاتقل عن شهر { يطبخ للحجاج طعامهم ( في حرّ مكة الشديد ) ويحمله إلي مقر سكناهم ويتولى توزيعه بينهم ويجلب لهم الماء للشرب والوضوء والإستحمام فليس هناك مايعرف حاليا ( بالوايتات ) ثم يشارك في حمل ونقل الخيام من مكة إلى المشاعر في منى وعرفات ونصبها هناك وإعادتها بعد المناسك إلى المستودعات ، فضلا عن نقل ما تحتاجه تلك المخيمات وأهلها من مستلزمات بدءا بالطعام والماء والكساء وانتهاء بالحراسة والبحث عن المفقودين من الحجاج ومعالجة المريض منهم ومساعدة العاجز وما إلى ذلك }.

خلاصة القول أن ملاسي كٌلّفَ إلى جانب ماهو موكل إليه باستلام الخيام التي تم جردها ( عذّها ) عليه في بداية المشوار وعليه أن يسلّمها كاملة في نهاية الموسم والا فقد بذلك إستحقاقه عن ( الطّلعة ) برمتها ، وهل تدرون كم كان إستحقاقه عن كامل الموسم ؟ إنه في أحسن الأحوال لايزيد عن مائتي ريال !!!!! ( رحم الله آباءنا وأجدادنا كم عانوا من المشقة والإذلال ).

إنتهى الموسم وعند عدّ الخيام اتضح أن إحداها لم تكن موجودة وربما أخذت من قبل أحد المطوفين المجاورين في الموقع عن طريق الخطاء أو أن شخصا ما من اللصوص ( وما أكثرهم في تلك المواقع ) استولى عليها دون علم ملاسي ورفاقه ؟ المهم أنها فقدت ، وبناء عليه لم يعط المطوف لملاسي أجرته ! ومع أن المصاب جلل والخطب فادح إلا أن شاعرنا لم يكن أشد إكتراثا بالذي حدث له مما سيناله من شماتة رفيق دربه ( دغسان ) الذي لو علم بالامر لم يدع له ( أي لملاسي ) جنبا يتكئ عليه ولهذا كانت ردة فعله الفورية صرخة مدويّة في المكان مضمونها ( دغسان لايدري ) ! لكن هيهات !! فدغسان يتصيد مواقع إيلام ملاسي ويأيته بالأخبار من لم يزود !

فماذا ياترى قال دغسان ليرغم ملاسي على تدوين تجربته المريرة تلك بنفسه لتكون شاهدا على قسوة الإنسان على أخيه الإنسان ؟!يقول رحمه الله :

نزّالة الأحسبة عالخطر والموسم
تسمع لهم ياملاسي فالجوا دلجن
درب القوافل تحصلهم حوي توّه
والشيخ ساعد يقولون ضاع تلخيمه


ولشرح البدع ليتفهمه القرّاء الكرام نقول :

كانت قوافل الحجاج قبل الحكم السعودي تتعرض للسلب والنهب وكان اللصوص يعترضون طرقها زرافات ووحدانا بل إن الحال وصل بهم ( أي باللصوص وقطاع الطرق ) إلى أن بعضهم يعرف منطقة البعض الآخر فلا يجرؤ على الإقتراب منها ومن تلك الأمكنة وادي يسمى وادى الأحسبة في تهامة حيث يتم اقتناص الحجاج القادمين من القرى الجنوبية للمملكة ومن اليمن فيه ، وكان الموقع يهيمن عليه مجموعة من الأفراد تحت إمرة رجل يقال له ( ساعد ) ولأجل أن يخلد دغسان ذكرى ملاسي هذه عبر التاريخ كان لابد له أن يأتي بمفردات تتناول الحدث مباشرة ( كالموسم ، والحويت وهو { إسم المطوف } وضاعت الخيمة )


فيقول في بدعه ـ نزّالة الاحسبة ـ أي النازلين والمتمركزين فيه من اللصوص وقطاع الطريق ، عالخطر والموسم ـ أي مقيمين على الأخطار منهم وعليهم ، والموسم يريد به ( التوسيم ) وهي لفظة ديروية بحته ترمي إلى مايحصل عليه شخص من آخر بدون رضاه ـ فيقال فلان وسّم في فلان أي كسب منه أموالا طائلة بغير وجه حق .

تسمع لهم ياملاسي فالجوا دلجن ، أي أن ضجيجهم علا وارتفع في الجو فاصبح مسموعا ـ وبلهجتنا المحليّة لهم إدّلاجة


درب القوافل تحصلهم حويّ ـ توّه / أي أخذوا أماكنهم السريّة وتمركزوا مقابل وعلى طول الطريق الذي تسلكه القوافل ، وشيخهم المدعو ساعد يقال بأن ماجمعه قد ضاع ، واللخم كلمة حضرمية تطلق في الأصل على اللحم الذي يجمعه الحجاج من بقايا الأضاحي ويقومون بتجفيفه ( في ظل عدم وجود البرادات ) حتى لايتعرض للتلف ليمكن اصطحابه معهم إلى بلدانهم فكنّى دغسان به هنا عن الغنائم التي حصل عليها شيخ اللصوص المدعو / ساعد من ضحاياه ضيوف بيت الله الحرام وكأنه يقول يذهب الحرام من حيث أتى .


وقد كان رد ملاسي رحمه الله على النحو التالي :

سافرت من بيتنا باحاضي الموسم
وزدت جاودت لاوانه جواد الجن
واش قرّبك ياملاسي ما الحويت أوّه ؟
لا قلت حاسب يقللي ضاعت الخيمة


باحاضي ـ أي بأشهد الموسم ، اما أوّه ـ فهي لفظة تقال للتحسّر

رحم الله ملاسي ودغسان وجمعنا بهما وجميع موتانا وموتى المسلمين في جنات النعيم .




 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس
إضافة رد


(مشاهدة الكل عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 1 :
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الإعلانات النصية ( أصدقاء الأكاديمية )

انشر مواضيعك بالمواقع العالمية من خلال الضغط على ايقونة النشر الموجودة اعلاه

الساعة الآن 04:21 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظة © لأكاديمية العرضة الجنوبية رباع

a.d - i.s.s.w