صلاح بن سعيد أحمد الزهراني-أمانة منطقة الرياض عن الملك سعود يرحمه الله

سعود بن عبدالعزيز (يرحمه الله) سطور على صفحات الزمن
صلاح بن سعيد أحمد الزهراني-أمانة منطقة الرياض





لكل منا فلسفته الخاصة في تفسير الأحداث والحكم على بواطن الأمور، بل ويختلف حكم المرء منا على الحدث الواحد باختلاف الوقت ومستوى المعرفة نتيجة للخبرات التراكمية التي اكتسبها على مر الزمن، لكن يتفق الجميع على أن الدنيا دار ممر وليست هي المستقر، كلنا ضيوف على الله في هذا الكون، أو في هذه الدنيا باختلاف عوالمها، ومهما كان المستوى العلمي أو التعليمي للإنسان يظل في حاجة إلى المزيد من المعارف ما لم يصبه الغرور، فللعلِّم سلطانه، وسبحان المعلم الأكبر، علَّم الإنسان ما لم يعلم.

ولا يفوتنا أن نذكر بكل الخير رجلاً احترم العلّم فأجلَّه العلّم والمتعلمون الذين كان سبباً في بروزهم إلى ما وصلوا إليه من مكانة علمية أو مواقع قيادية في الشركات والمؤسسات والمصالح الحكومية، إنه الراحل الملك (سعود بن عبدالعزيز) يرحمه الله.

ولد الملك سعود يرحمه الله في مدينة الكويت في نفس العام الذي استرد فيه الملك المؤسس ملك أبيه، قاد بعض حملات توحيد المملكة، أدى اليمين كولي للعهد عام 1933م، ثم تولى مقاليد الأمور بعد وفاة والده الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - عام 1953م.

كان في مثل حماسة والده، أدرك أثر العلم والتدين في بناء الدولة وتثبيت أركانها فعني بالتعليم، أنشأ الوزارات مثل التعليم، والزراعة، والتجارة، والاتصالات، أمر ببناء دواوين الوزارات ونقلها إلى الرياض باعتبارها عاصمة المملكة بعد أن كانت في جدة، وافتتح المعاهد العلمية الدينية الزاهرة لتعليم أركان وقواعد الدين الحنيف، وتحفيظ القرآن الكريم لتكون منارة للقلوب والعقول، وأمر بطباعة الكتب الدينية، وقام بتوسعة المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، ثم بدأ في توسيع المسجد الحرام في مكة المكرمة، كذلك عني بتكوين الجيش وتزويده بالأسلحة والعتاد، وأدرك أن عصب الاقتصاد لا بد أن يستند إلى شبكة متقدمة من الطرق، فاهتم بسفلتة الطرق، ثم أسس جامعة الملك سعود كأول جامعة سعودية لتخريج الكوادر المدنية اللازمة لدفع الحياة المدنية قدماً، وكذلك كلية الملك عبدالعزيز الحربية في الرياض لتخرج الكوادر العسكرية اللازمة للذود عن حمى الوطن، ثم الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقدم الحوافز المادية لطلبة العلم بصرف مكافأة تشجيعية شهرية كان لها أكبر الأثر في الإقبال على التعليم.

ورغم ما اكتنف المنطقة العربية من المد القومي ومحاربة الاستعمار وما تبع ذلك من الرياح العاتية إلا أنه استطاع بتوفيق من الله وبحسن رؤيته ورويته أن يقود السفينة السعودية إلى شاطئ الهدوء والسلام بفضل تلاحم العقيدة الإسلامية مع حكامنا المخلصين الذين أرسوا قواعد الدين وحكموا بشرع الله.

استطاع بحنكته التي ورثها عن أبيه - يرحمه الله - أن ينتقل من نظام إداري متعدد بعدد الأقاليم والأنشطة التي تمارسها الوزارات والأجهزة الحكومية المستقلة إلى نظام إداري موحد تشرف عليه سلطة عليا هي مجلس الوزراء، وبذلك يعتبر الملك سعود هو أول من وضع لبنات التطور بعد والده الموحد فقد ركز على إعادة تنظيم الدولة وبعثها، وحدد لذلك أهدافه المتمثلة في تنظيم هياكل العمل الحكومية، وتنظيم مؤسسات القضاء الشرعي، والإصلاح الاجتماعي والقضاء على تجارة الرقيق، وبناء القوة العسكرية للبلاد، وقد شكلت هذه الأهداف الإطار البارز لأهم إنجازات عهده الميمون، ويصدق الباحثون إذا أطلقوا عليه مؤسس الإصلاحات الإدارية للدولة السعودية الثالثة.

كان للملك سعود - يرحمه الله - دوره المؤثر على صعيد الأحداث العربية والعالمية، فقد كان فكره السياسي عميقاً، دافع عن فلسطين، ووقف مع مصر إبان العدوان الثلاثي عليها عام 1956م، وكان له دوره الفاعل في قيام جامعة الدول العربية كهيئة لتوحيد الصف العربي في وجه الاستعمار والمستعمرين الذين تكالبوا على خيرات الوطن العربي، جمع التبرعات لنصرة ودعم ثورة الجزائر، واستمر الدعم إلى أن حصلت الجزائر على استقلالها عام 1962م.

ومما أستطيع أن أتذكره في الصغر إقامة عرضات واحتفالات في أنحاء الرياض كلما عاد جلالته إلى الرياض سواء من داخل الوطن أو خارجه، وقد كان جلالته يشارك المواطنين هذه العرضات ويتناول معهم العشاء ويغدق عليهم من فضل الله، فكان كرمه - رحمه الله - لا يوصف، عطوف رقيق القلب والمشاعر، ديوانه كان مفتوحاً للجميع، ولم يبخل - رحمه الله - بوقته ولم يدخر جهداً في مساعدة ذوي الحاجة، فكل هذه سوف تكون في موازين أعماله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ومن عايش الثمانينيات الهجرية وما قبلها يذكر هذه الأحداث.

توفي الملك سعود عام 1969م، ودفن في مقابر العود بالرياض، وخلفه أخوه الفيصل - رحمه الله - الذي سار على خطى الإصلاح والتعمير الذي يصب في مصلحة مواطني هذه البلاد - رحم الله المؤسس ورحمك الله يا أبا فهد ومن لحقك من إخوانك الذين حكموا البلاد بشرع الله، فحققوا أحلام البلاد والعباد في وطن مزدهر، أخلصوا لله دينهم ففتح الله عليهم أبواب الأرزاق حلالاً طيباً، فأكلوا من طيبات ما رزقهم الله وشكروا فنعم أجر الشاكرين.

وما أرى ما تنعم به البلاد من الأمن والرقي والتطور وسعة الأرزاق إلا بسبب الالتزام بشرع الله، وطاعة الله والرسول وأولي الأمر.

رحم الله الجميع، وحفظ لنا مليكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز ووفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.