شعراء ومثقفون ينعون " ابن مصلح " ويسطّرون مناقبه وأهم المواقف معه

ابن مصلح في سطور : هو الشاعر محمد بن مصلح الزهراني شاعر الجنوب الأول ولد في منطقة الباحة قرية بني سار العريقة عام 1352 هـ وقد تتلمذ على يد خاله لامه صالح بن دخيل الله بن مسيفر أحد أهم الشعراء وكان يرحمه الله لماحا وكان يقول الشعر بجزالة من بداية عمره وقد كان شعره وراثيا عن عرف صقله بالتجربة والتخصص بدأت علاقته مع الشعر في سن مبكرة في حدود السابعة من عمره يتمتع بقدر عالٍ من الثقافة بالرغم من عدم التحاقه بالتعليم النظامي والذي لم يكن متاحاً في المنطقة في زمنه.
- ميز شعره بالقوة والجزالة وعمق المعاني مع غزارة الإنتاج وجمال الجرس الموسيقي.
- أوتي صوتاً حسناً ولحناً أخاذاً ميّزه عن غيره من الشعراء .
- حظي بشهرة اجتماعية واسعة ومكانة في نفوس الجماهير .
- تبلورت خبراته خلال أكثر من خمسين عاماً حتى أصبح مدرسة شعرية استفاد منه كثير من الشعراء.
- شارك في مئات المناسبات والأمسيات والاحتفالات الشعبية والرسمية في عمره الفني الطويل.
- تناول شعره كافة أغراض الشعر لكنه تميّز كثيراً بإبداعاته في الشعر الوجداني والعاطفي.
- له مشاركات فاعلة في المهرجانات الوطنية بالجنادرية ومهرجانات التنشيط السياحي.
- توسعت مشاركاته لتصل العديد من محافظات ومدن المملكة في مناسبات مختلفة.
- له صلات وثيقة بأبرز رموز الشعر والعرضة بالمنطقة الجنوبية والمناطق المجاورة.
- يعده النقاد والجماهير سيداً من سادات الشعر الجنوبي والعرضة الجنوبية وقامة من قاماته
- يلقبه الكثير من المتابعين بـ ( بسيّد المرحلة وبصوت الجنوب ).
بدا مشواره الحقيقي الملفت للنظر وعمره خمسه عشر عاماً اشتهر بين كل القبائل شاعر له ميزه في انتقاء الكلمة والقافية ويطرب جمهوره بأعذب الألحان
لاجلهم ولا يمكن ان يترك ضيفه دون ان يقدم له واجبه وقال في زهران أجمل ابيات المدح وهو شاعر متمكن وبطل .
" أنباء الباحة " استطلعت بعض آراء الشعراء والمثقفين لينعوه ويذكروا أهم مناقبه يرحمه الله وأهم المواقف التي جمعتهم به .....



الشاعر د. عبدالواحد الزهراني


بداية يقول الدكتور الشاعر عبد الواحد الزهراني :
تثبت بعض الأحداث عجز اللغة عن استيعاب ما يختلج في النفس من المشاعر , عندما تذيب مرارة الفقد طعم كل الأحرف , و يضرب الذهول كل مراكز الذهن فيصيبها بحال من الشتات , عندما لا تصدق أن الدنيا تعطيك عطاء سخيا , ثم تنتزعه منك في غفلة . كل ذلك و أكثر ينطبق على شعوري عند تلقي خبر وفاة شاعر الجنوب العظيم محمد بن مصلح رحمه الله , ذلك الرجل الذي جاء ليكون استثناء في كل شيء , في شخصه , في تفاصيل حياته , في موهبته , و في موته وجنازته أيضا .
منذ أن فتحت عيني على الدنيا كان هذا الرجل حاضرا في حياتي كأحب و أقرب أصدقاء والدي حفظه الله , بينهما صداقة تليق بهما كرجلين عظيمين , كان جمع الرجل بين البساطة و الهيبة , أمر يدعو لحبه إلى ما لا نهاية , و تقديره إلى مالا نهاية .
كنت أعرض عليه بعض محاولاتي الطفولية في الشعر , و كنت أكتب بالفصحى عندما كنت طالبا في الابتدائية ثم المتوسطة , كان يقبلها بكل عطف , رغم افتقادها لكل مقومات الشعر , كتبت قصيدة في رثاء الملك خالد رحمه الله , ناقشني حولها , و منحني الشعور الذي جعلني أتجرأ عليه لأول مرة في حياتي بأن استغل وجوده في حفل كبير و أطلب منه الرد على قصيدة من قصائده , و ليست أي قصيدة , بل قصيدة من قصائده المعروفة التي تملآ الدنيا و تشغل الناس , ليعتذر مني و يطلب مني بناء قصيدة أخرى , عرضتها عليه و وقف إلى جواري و عرض و احتفى بي لتكون تلك اللحظات جواز عبوري إلى ميدان العرضة .
مواقفي معه أكثر من أن يحصيها مقال , هذا الرجل العجيب الذي كان يثبت أن حضوره لا يضاهى , و غيابه لا يعوض , فالحفلة التي يحضرها تضمن البقاء في ذاكرة من حضر و من لم يحضر , و الحفلة التي يغيب عنها تظل مثار حسرة . هذا الرجل الذي ينبغي أن يدرس أسلوبه في الإلقاء حتى لذوي المناصب المرموقة , فحضوره الطاغي , و ثقته الراسخة , و قدرته على التواصل مع كل الحضور في لحظة واحدة , أمور ضمنت له تميزا يفتقده كثيرين يمتلكون مواهب شعرية جبارة تتضاءل أمام حضور بن مصلح رحمه الله .
كل جانب من حياة بن مصلح مثير للإعجاب , فهو كريم بحيث لا يفوق كرمه كرم أحد من معاصريه , و شجاع إلى الدرجة التي يحسم فيها المواقف كما يشاء هو دون أن تكسر له كلمة أويخفض له جناح , متواضع للدرجة التي يندر فيها أن تجده لوحده خال من دائرة كبيرة من المحيطين من شرائح مختلفة من الناس , صاحب انتماء و حمية , و مروءة و شهامة , ربما رمى خلافاته الشخصية مع أكثر من شخص وراء ظهره قائلا : وش أقول لزهران بكره ؟؟
تعكس كثير من قصائده انتمائه لمنطقته , أرضا و سكانا , و تثبت ذلك كثير من قصائده التي تحاكي أفلاما وثائقية لسرد وقائع تاريخيه , أو لتأكيد تجذر الأصل و التفرع التدريجي للقبائل , أما في عرضه للأرض فلا أظن القول بأن قصائده تمثل (قوقل إيرث )لمنطقة الباحة خاطئا ة .تأتي قصة مرضه رحمه الله , كواحدة من الشواهد على تفرده واستثنائيته , فبالرغم من أن عمره امتد إلى ما يقارب التسعين عاما , إلا أنه عانى الأمراض منذ أكثر من أربعين عاما , صابرا , محتسبا , مؤمنا أن للموت ساعته التي كتبها الله , ممارسا لتفاصيل حياته الجميلة بكل شموخ , مستغلا كل لحظة من حياته ليؤكد أنه بن مصلح , الذي لا يشبهه أحد .
رحل أخيرا رحمه الله , تاركا وراءه تراثا من الإبداع و الرجولة و الشهامة , و مثلما امتلأت قصائده بزهران و شدا و نيس , فهو باق في الذاكرة ما بقيت تلك الأسماء , إنا على فراقك سيدي لمحزونون.




الشاعر علي بن خميس البيضاني

ويضيف أيضا مدير جمعية الثقافة والفنون بالباحة : بدايةً نسأل الله عز وجل ان يرحم ابا نايف ويغفر له ويسامحه فقد كان علم للشعر وللكرم وللشهامة ، اعاد للعرضة توهجها ومكانتها في الوقت الذي أنشغل فيه الناس بالأسفار للبحث عن فرص العمل والتجارة مع بداية التنمية الألى للمملكة ، حتى اصبح الرقم الأول لفترة طويلة ، يعتبر المجدد الحقيقي للعرضة وسفيرها اللذي دمج طريق الاداء ووحد اختيار المفردة الشعرية لجميع قبائل الجنوب ،

ابن مصلح رحمه الله إذا حضر اصبح الرقم الأول ينطبق عليه تماماً بيت الشاعر محمد بن فطيس ( ماني بمن يحضر ولا يدرى به )
أخذ بيد اسماء كثيرة وله فضل على الجميع فقد كان مسانداً ومشجعاً وداعماً للمواهب الجديدة لي وللجميع معه مواقف كثيرة في الشعر وفي الحياة اذكر منها ،
كنا في طريقنا لحفل في غميقة واثناء مرورنا مع طريق الساحة قبل الوسقة شاف على يمين الخط عجوز ومعها غنم عددها لا يتجاوز الـ ١٥ راس وكأنها لفتت نظرة قال جنب جنب ، وعند توقف السيارة قام بإنزال الزجاج ورفع صوته يدعي العجوز ويقول هذي الغنم وش تاكل من هنا ؟؟؟ وبالفعل كان وقت صيف وفي غبار ومافي شي في الارض الا الرمل المهم انها اقتربت من السيارة وكان يظهر عليها وضع التردد والخوف وكأنه يريد يطمنها قال بصوت مرتفع عرفتيني ؟ انا محمد بن مصلح شاعر زهران واخرج من جيبه مبلغ من المال واعطاها فكان موقف إنساني اعجبني منه يرحمه الله ، من المواقف الشعرية ، كنا في قصر المصيف بالباحة وكانت الحفلة كبيرة وفيها ٨ شعراء كلهم من الشعراء المحسوبين وحضروا بدعوة رسمية من صاحب الحفل الشيخ محمد ال ظافر من قرية نعاش ، ومن ضمن الشعراء بن مصلح وبن طوير رحمهما الله فكان هناك تلميح من أحد الشعراء ان كذا ليس وقتكما ،
فقلت
حفلة الليلة تجمع نخبة النخبة في شعر الجنوب
كلهم سطروا تاريخ يشهد به القاصي والادنى
من جزالة وسبك وحبك ومحاورة خصم وحضور
لكن ، مع احترامي للجميع ان للتاريخ وقفة
واحترامي لمن قال ان ما فوق بعض الروس روس
ابن مصلح هو استاذ المعاني وشيخ القارعة
وعندما انهيت القصيدة وعدت للجلوس قال مازحاً انت ماقد صدقت يكون اليوم ،،
رحم الله الشاعر محمد بن مصلح وغفر له مات ومثله لا يموت فهو حاضر بتاريخه واسمه



ولكن رئيس النادي الأدبي بالباحة الأديب الشاعر حسن الزهراني
رغب أن يرثي بن مصلح بنص شعري يبكيه وينعيه وأسماه ب ( سيّد المرحلة)
(أول القول ذِكْر الله يبدّا وصلّوا (ع) النبي )
.
.قولُ من ذا الذي ألبسَ الرّوح
بالذّكِر والطُّهر والأمنياتْ؟!!!....
قول مَن ذا الذي أطعمَ البيدَ بالشعر؟!!.......
ماست لِموّالهِ قِمم الراسيات؟...
وتغنّت بهِ الغانيات؟!!...
إنه يارحيق المواويل قول (ابن مصلح)
هذا الذي لاشبيه له في الأساطير إلاّ الأساطير
والشعرُ ينساب من فيه مثل النّدى
حين يعبر في الصُّبح خَدّ الزهور..
شااااعرٌ
حفظتْ صوته الشمس واليوم
والأمس
واخضّر سفح المدى من صداهْ....
أدهش الكون .
أشجى جميع الرواةْ....
وتغنّت بإبداعهِ العذب ألحانَ كل الحُداة....
* * *
(يا سلامي عليكم عِدّ ما هلّ همّال النّشايا )
.
حين ألقى علينا السلام (ابن مصلح) :
ردّ الجنوب
وردّ الشمال : السلام.
والتلقى الشرق والغرب في ظلّ أنفاسه البِيض
في ألفةٍ وانسجام...
هزّ تسليمهُ العذب صدر الغمامْ...
ثم آبَ إلى روض أسماعنا
في المساءات سِرب الحمامْ.....
* * *
قال ( ابن مصلح في بديع المعاني )
.
وماذا يقول ابن مصلح غير الحكمْ !!
ماذا يقول؟؟؟
يقول ابن مصلح نحن الذين رسمنا على صفحة
الدهر أسمى القيمْ...
بَدَعَ النُّبلَ في كل(طرقٍ) تغنّى به
واستحثّ الهِمم...
إن هذا الشجاع
الحكيم
الكريم
الذي صاغه الشعر
إذْ صاغهُ كوكباً من شيمْ...
* * *
( يااااونّتي ونّيتها…. )
.
أنّتِ الأرضُ
إذْ أنّ هذا المُعتَّقُ بالشعر
في عنفوان الوَلهْ...
إنّهُ العندليب الذي أطرب الصخر
والبحر
والبدر
والفجر
ماسَت على لَحنِ أشجانهِ كل أشواقنا المُقْبلهْ...
أنَّ هذا المُضمّخ بالشّوق أنّت لِأنّاتهِ البييييد...
والصِّيدُ
قال الضحى لِلبساتين : ماااااا أجمله...!!!
ماااااا أجمله...!!!
…
قُلتُ :
هذا(ابن مصلح) يا سادتي سيّد المرحلةْ !!!
قلت :
هذا ( ابن مصلح)
يا سادتي سيّد المرحلة..
فإلى جنّة الخلد
يا سيّد المرحلة



الأديب القاص جمعان الكرت


ويكمل الأديب القاص جمعان الكرت :
وقفت كثيراً أمام الإبداع الأدبي للشاعر الراحل محمد بن مصلح شاعر الجنوب حيث تميز عن الكثيرين بجزالة اللفظ وفرادة المعنى وروعة الحس الجمالي (وديرة الهيل ما كنه مضى الليل منها) هذا الوصف الجميل المشبع بالعاطفة قلّما يصل إليه غيره من الشعراء بل أجزم بأن ابن مصلح تميز بأشياء كثيرة الصوت الجهوري (صوت الجبل الشامخ )الطروق المبتكرة لتكون مسجلة باسمه، ملامسة أحاسيس مجتمعه، الفخر بمزايا قبيلته من كرم ونخوة وشهامة فضلا عن قدرته الفائقة في إشعال حماس المشاركين في أداء العرضة بمداعباته وطرائفه وتعليقاته الساخنة ذلكم ابن مصلح الذي يقول:
قال ابن مصلح ريت نور القمر وضاح
واحس في قلبي كما طعنة الرماح
لا عاد تشهويني بموز ولا تفاح
ما هو بواجب اموت في صحية
وإذا سلم قلبي كـتب له دوا سنة
جزالة في اللفظ وانسيابية في اللحن مما ذاع صيته ليكون في المربع الأول والدليل ما يحظى به من حضور عارم من مختلف الشرائح
أذكر أن صديقي خضران الزهراني دعاني لنقابل ابن مصلح في بيته العامر في بني سار حيث يعتزم خضران اعداد ديوان شعري يضم معظم قصائد ابن مصلح ويود عرض ما قام بجمعه عليه بهدف تصويب الأخطاء نتيجة اختلاف نقلها من الرواة وبالفعل كان هاشا باشا عند استقبالنا ولم تغب عنه روح المرح والتعليق والنكتة، ودوّن خضران الكثير من النتاج الشعري البهي لابن مصلح يضمها الكتاب والذي أظن أن من الواجب إخراجه بشكل يتناسب وحجم هذا الشاعر البارز الذي يحظى بشعبية جارفة وقدرة شعرية مميزة.
وممّا أذكره مشاركاته الشعرية في المناسبات التي تُقام في سوق رغدان حيث كان ركيزة في احياء العرضة بجوار الشاعر خرصان والغويد والبيضاني وغيرهم. رحم الله ابن مصلح فقد ترك إرثا من الشعر الشعبي الجميل الذي نتغنى به ونصدح بكلمات قصائدة.



عبدالعزيز بن حمود الشريف

ويضيف أخيرا عبدالعزيز بن حمود الشريف شاعر واعلامي ورئيس منتدى عبقر الشعري بنادي جدة الادبي.
برحيل الشاعر الكبير : محمد بن مصلح العامري الزهراني فقدت الساحة الشعرية الشعبية فارساً من فرسانها المشهود له بالتميز الرفيع وعلى مدى عقود من الزمن حيث يمثل امتداد طببعي هو وابناء جيله لسلسة الشعراء العظام من شعراء الجنوب وقبائل زهران خاصة لقد رسموا لنا خلال شعرهم هم ومن سبقهم من الشعراء العظام تاريخ الانسان في تلك الفترة وحفظوا بشعرهم الرفيع تاريخهم وايقاع يومهم وفرحهم وحزنهم ومجدهم وحياتهم بكل تفاصيلها لقد تركوا لنا ارثاً حضارياً انساناً فريداً غاب او اريد له ان يغيب وغابت الدراسات الحقيقية في تأصيل هذا الشعر الملحمي الذي يكاد ان يندثر برحيل رموزه واحداً اثر الاخر وكاننا لا نتعض باهمالهم والاحتفاء بهم احياً فيلحقهم الاهمال بعد موتهم .
رايت الفقيد رحمه اول مرة في احد المناسبات في الجنوب تم عدة مرات في جدة كمتابع له هو ورموز الشعر الشعبي في هذا البلد رايته شاعراً عملاقا وخاصة في شعر " الشقر " الذي برع فيه .
رحم الله الراحل ابن مصلح وعوض اسرته واهله محبيه فيه خيرا .وبمناسبة هذا الحدث الجلل ادعوا الاصدقاء في جمعية الثقافة والفنون في الباحة الي ليلة تأبين لهذه الشخصية الهامة وان تقدم عنه قراءات لاثره وجمع نتاجه كاملاً في كتاب مميز تخليدا وعرفاناً بدوره في اثراء الساحة الشعبية في وطننا ولعدة عقود .
رحمه الله الشاعر الرائد : محمد بن مصلح واسكنه فسيح جناته وانا لله وانا اليه راجعون .