إهداءات |
منتدى الخواطر والنثر والخطابة والثقافة العامة ابداع اعضاء المنتدى ( يمنع وضع المنقول هنا ) |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||||||
|
||||||||||||
نماذج من الخطب العربية قديما وحديثا
نماذج من الخطب العربية قديما وحديثا د. إبراهيم عوض تعريف الشعر بين القدماء والمحدثين (19) والآن مع بعض الخُطَب العربية من العصور المختلفة: فمن ذلك هذه الخطبة التي ألقاها قس بن ساعدة في سوق عكاظ: "أيها الناس، اسمعوا وعُوا: من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تَزهر، وبحار تَزخر، وجبال مُرساة، وأرض مُدحاة، وأنهار مجراة، إن في السماء لخبرًا، وإن في الأرض لعِبرًا، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا؟ يقسم قُس بالله قسمًا لا إثم فيه، إن لله دينًا هو أرضى له، وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكرًا"، ويروي أن قُسًّا أنشأ بعد ذلك يقول: في الذاهبين الأوَّلينَ مِن القرون لنا بصائرْ لَمَّا رأيتُ مواردًا للموت ليس لها مصادرْ ورأيتُ قومي نحْوها تَمضي الأكابر والأصاغرْ لا يَرجع الماضي إليْيَ وَلا مِن الباقين غابرْ أيْقَنْتُ أنِّي لا مَحالةَ حيْث صار القومُ صائرْ ومنها كذلك الخطبة التالية المنسوبة لأبي بكر، قال بعد أن حمِد الله: "إن الله - عز وجل - لا يقبل من الأعمال إلا ما أُريد به وجهه، فأريدوا الله بأعمالكم، واعلموا أن ما أخْلَصتم لله من أعمالكم، فطاعة أتيتموها، وحظٌّ ظفِرتم به، وضرائب أدَّيتموها، وسلفٌ قدَّمتموه من أيام فانية لأخرى باقية، لحين فقركم وحاجتكم. اعتبروا عباد الله بمَن مات منكم، وتفكَّروا فيمن كان قبلكم: أين كانوا أمس؟ وأين هم اليوم؟ أين الجبارون؟ وأين الذين كان لهم ذكر القتال والغَلبة في مواطن الحروب؟ قد تَضعضع بهم الدهر، وصاروا رميمًا قد تُرِكت عليهم القالات الخبيثات، وإنما الخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، وأين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمَروها؟ قد بَعِدوا ونُسِي ذِكرهم، وصاروا كلا شيءٍ، ألا وإن الله قد أبقى عليهم التِّبعات، وقطَع عنهم الشهوات، ومَضوا، والأعمال أعمالهم، والدنيا دنيا غيرهم، وبقينا خلفًا من بعدهم، فإن نحن اعتبرنا بهم نجَونا، وإن اغتَررنا كنا مثلهم، أين الوُضَّاء، الحَسنة وجوهُهم، المُعجبون بشبابهم؟ صاروا ترابًا وصار ما فرَّطوا فيه حَسرةً عليهم، أين الذين بنوا المدائن وحصَّنوها بالحوائط، وجعلوا فيها الأعاجيب؟ قد ترَكوها لمن خلفهم، فتلك مساكنهم خاوية، وهم في ظلمات القبور، هل تُحسُّ منهم من أحد، أو تسمع لهم رِكزًا؟ أين مَن تعرفون من أبنائكم وإخوانكم؟ قد انتهت بهم آجالهم، فورَدوا على ما قدَّموا، فحلُّوا عليه، وأقاموا للشِّقوة وللسعادة فيما بعد الموت. ألا إن الله لا شريك له، ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يُعطيه به خيرًا، ولا يصرف عنه به سوءًا إلا بطاعته واتِّباع أمره، واعلموا أنكم عبيد مَدينون، وأن ما عنده لا يُدرك إلا بطاعته، أما وإنه لا خير بخير بعده النار، ولا شرَّ بشرٍّ بعده الجنة". ولما دانَت بلاد المغرب لموسى بن نصير، وكان واليًا عليها من قِبَل الوليد بن عبدالملك، طمَح بصرُه إلى فتح بلاد الأندلس، فبعَث مولاه طارق بن زياد على جيش جلُّه من البربر، فعبَر بهم البحر، ونما خبره إلى لُذريق ملك القُوط، فأقبل لمحاربته بجيش جرَّار، وخاف طارق أن يستحوذ الرعب على جنده لقِلَّتهم، فأحرق السفن التي أقلَّتهم؛ حتى يَقطع من قلوبهم كلَّ أملٍ في العودة، وقام فيهم، فحمِد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم حثَّهم على الجهاد، ورغَّبهم في الشهادة، فقال: "أيها الناس، أين المَفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيعُ من الأيتام في مآدِب اللئام، وقد استقبلكم عدوُّكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وَزَرَ لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوِّكم، وإن امتدَّت بكم الأيام على افتقاركم ولم تُنجزوا لكم أمرًا، ذهبَت رِيحكم، وتعوَّضت القلوب من رُعبها منكم الجُرأة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خِذلان هذه العاقبة من أمركم، بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقتْ به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمَحتم لأنفسكم بالموت، وإني لم أُحذركم أمرًا أنا عنه بنَجوة، ولا حمَلتكم على خطة - أرخصُ متاع فيها النفوس - أربَأ فيها بنفسي، واعلموا أنكم إن صبَرتم على الأشق قليلاً، استمتعتُم بالأرْفَهِ الألذِّ طويلاً، فلا تَرغبوا بأنفسكم عن نفسي فيما حظُّكم فيه أوفرُ من حظي. واعلموا أني أوَّل مُجيب إلى ما دعوتكم إليه، وأني عند ملتقى الجمعين حاملٌ بنفسي على طاغية القوم لذريق، فقاتِله إن شاء الله، فاحمِلوا معي: فإن هلَكت بعده فقد، كُفِيتم أمره، ولن يُعْوِزَكم بطلٌ عاقل تَسندون أموركم إليه، وإن هلَكت قبل وصولي إليه، فاخلُفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكْتفوا الهمَّ من فتْح هذه الجزيرة بقتْله؛ فإنهم بعده يُخذَلون". ثم هذه خطبة المنذر بن سعيد أمام الخليفة الناصر بالأندلس، حين أتته رُسل ملوك الفرنجة في عاصمة البلاد قرطبة: "أما بعد حمْد الله والثناء عليه، والتَّعداد لأسمائه، والشكر لنَعمائه، والصلاة والسلام على محمد صفيِّه وخاتم أنبيائه - فإن لكل حادثة مقامًا، ولكل مقام مقالاً، وليس بعد الحق إلا الضلال، وإني قد قمت في مقام كريمٍ بين يدي ملك عظيم، فأصْغوا إليّ معشر الملأ بأسماعكم، وافْقَهوا عني بأفئدتكم، وإن من الحق أن يقال للمحق: صدَقت، وللمبطل: كذَبت، وإن الجليل - تعالى في سمائه، وتقدَّس بصفاته وأسمائه - أمَر كليمه موسى - صلى الله على نبينا وعليه وعلى جميع أنبيائه - أن يذكر قومه بأيام الله - جل وعز - عندهم، وفيه وفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُسوة حسنة، وإني أُذكِّركم بأيام الله عندكم، وتلافيه لكم بخلافة أمير المؤمنين التي لَمَّت شَعَثكم، وأمَّنت سِربَكم، ورفعت قوَّتكم، كنتم قليلاً فكثَّركم، ومستضعفين فقوَّاكم، ومستذلين فنصَركم، ولاَّه الله رعايتكم، وأسند إليه إمامتكم أيام ضرَبت الفتنة سُرادقها على الآفاق، وأحاطت بكم شُعَل النِّفاق، حتى صِرتم في مثل حَدقة البعير من ضيق الحال ونَكَد العيش، فاستبدلتُم بخلافته من الشدة الرخاء، وانتقلتم بيُمن سياسته إلى تمهيد كَنف العافية بعد استيطان البلاء. أنشدكم الله معاشر الملأ: ألم تكن الدماء مسفوكةً، فحقَنها؟ والسبل مَخوفةً، فأمَّنها؟ والأموال مُنتهبَة، فأحرَزها وحصَّنها؟ ألم تكن البلاد خرابًا فعمَرها، وثغور المسلمين مُهتضمَة، فحماها ونصَرها؟ فاذكروا آلاءَ الله عليكم بخلافته، وتَلافِيه جَمْعَ كلمتكم بعد افتراقها بإمامته؛ حتى أذهبَ الله عنكم غيظكم، وشفى صدوركم، وصِرتُم يدًا على عدوِّكم، بعد أن كان بأْسكم بينكم، فأُنشدكم الله: ألم تكن خلافته قَفْلَ الفتنة بعد انطلاقها من عِقالها؟ ألَم يتلافَ صلاح الأمور بنفسه بعد اضطراب أحوالها، ولم يَكِل ذلك إلى القُوَّاد والأجناد، حتى باشَره بالقوة والمُهجة والأولاد، واعتزل النسوان، وهجَر الأوطان، ورفَض الدَّعة وهي محبوبة، وترَك الركون إلى الراحة وهي مطلوبة؛ بطَوِيَّة صحيحة، وعزيمة صريحة، وبصيرة نافذة ثاقبة، ورِيح هابَّة عالية، ونُصرة من الله واقعة واجبة، وسلطان قاهر، وجِد ظاهر، وسيف منصور تحت عدل مشهور، متحملاً للنَّصَب، مستقلاًّ لِما ناله في جانب الله من التَّعَب؛ حتى لانَت الأحوال بعد شِدتها، وانكسَرت شوكة الفتنة بعد حِدَّتها؟ فلم يبقَ لها غارب إلا جبَّه، ولا ظهَر لأهلها قرْنٌ إلا جدَّه، فأصبحتُم بنعمة الله إخوانًا، وبِلَمِّ أمير المؤمنين لشَعَثكم على أعدائه أعوانًا، حتى تواتَرت لديكم الفتوحات، وفتح الله عليكم بخلافته أبواب الخيرات والبركات، وصارت وفود الروم وافدةً عليه وعليكم، وآمال الأقْصَين والأَدْنَين متجهةً إليه وإليكم، يأتون من كل فَجٍّ عميق، وبلد سحيق؛ للأخْذ بحبلٍ بينكم وبينه جُملةً وتفصيلاً، ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً، ولن يخلف الله وعده، ولهذا الأمر ما بعده، وتلك أسباب ظاهرة بادية، تدلُّ على أمور باطنة خافية، دليلها قائم، وجَفنها غير نائم؛ ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [النور: 55]. وليس في تصديق ما وعد الله ارتيابٌ، ولكل نبأ مُستقر، ولكل أجَلٍ كتاب، فاحمَدوا الله أيها الناس على آلائه، واسألوا المزيد من نعمائه؛ فقد أصبحتم بين خلافة أمير المؤمنين - أيَّده الله بالسداد، وألهَمه التوفيق إلى سبيل الرشاد - أحسنَ الناس حالاً، وأنعمهم بالاً، وأعزَّهم قرارًا، وأمنَعهم دارًا، وأوثقهم جَمعًا، وأجملهم صنعًا، لا تهاجمون ولا تُذادون، وأنتم بحمد الله على أعدائكم ظاهرون، فاستعينوا على صلاح أحوالكم بالمناصحة لإمامكم، والتزام الطاعة لخليفتكم وابن عمِّ نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم - فإن من نزَع يدًا من الطاعة، وسعى في تفريق الجماعة، ومرَق من الدين، فقد خسِر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. وقد علمتُم أن في التعلُّق بعِصمتها، والتمسُّك بعُروتها - حفظَ الأموال وحقْنَ الدماء، وصلاح الخاصة والدَّهْماء، وأن بقيام الطاعة تُقام الحدود، وتُوفَّى العهود، وبها وُصِلت الأرحام، ووضَحَت الأحكام، وبها سدَّد الله الخَلل، وأمَّن السُّبل، ووطَّأ الأكناف، ورفَع الاختلاف، وبها طاب لكم القَرار، واطمأنَّت بكم الدار، فاعتصموا بما أمركم الله بالاعتصام به؛ فإنه - تبارك وتعالى - يقول: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]. وقد علمتُم ما أحاط بكم في جزيرتكم هذه من ضروب المشركين، وصنوف المُلحدين، الساعين في شقِّ عصاكم وتفريق مِلَّتكم، الآخذين في مخاذلة دينكم، وهَتْك حَريمكم، وتَوهين دعوة نبيِّكم - صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع النبيين والمرسلين - أقول قولي هذا، وأختم بالحمد لله ربِّ العالمين، مستغفرًا الله الغفور الرحيم، فهو خير الغافرين". ومن خُطب ابن نُباتة[1] - الخطبة التالية: "الحمد لله الذي علا في ارتفاع مجده عن أعراض الهِمم، وخلا باتِّساع رِفده عن اعتراض التُّهم، وجلا قلوب أوليائه بينابيع الحِكَم، وهداهم بنور اجتبائه لأرشد نِعَم، أحمده على صنوف النِّعم، حمدًا تضيق بإحصائه الكلِم، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تَشفي القلوب من السَّقم، وتكفي المرهوب من النِّقم، وأشهد أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله، نقَله في أطهر صُلب ورَحِمٍ، واختصَّه بأحمد الأخلاق والشِّيَم، وأرسله إلى العرب والعجَم، وجعَل أُمته خير الأُمم، فشفى الأسماع من الصَّمم، ووفَّى بالعهود والذِّمم، ونفى بنوره حَنادسَ الظُّلَم، صلى الله عليه وعلى أهل بيته أهلِ الفضل والكرم. أيها الناس، ما أسْلَس قِياد من كان الموت جَريره، وأبعد سَداد من كان هواه أميره، وأسرع فِطام من كانت الدنيا ظَئيره، وأمنع جَناب من أصبحت التقوى ظهيره. فاتقوا الله عباد الله حقَّ تقواه، وراقِبوه مراقبة مَن يعلم أنه يراه، وتأهَّبوا لوثَبات المَنون؛ فإنها كامنة في الحركات والسكون، بينما المرء مسرور بشبابه، مغرور بإعجابه، مغمور بسَعة اكتسابه، مستور عنه ما خُلِق له بما يُغرى به؛ إذ سعَّرت فيه الأسقام شِهابها، وأعلَقت به ظُفرَها ونابَها، فسَرت فيه أوجاعه، وتنكَّرت عليه طباعه، وأظلَّ رحيلُه ووداعه، وقلَّ عنه منعُه ودفاعه، فأصبح ذا بصرٍ حائر، وقلبٍ طائر، ونفَس غابر، في قُطْب هلاكٍ دائر، قد أيقَن بمفارقة أهله ووطنه، وأذعَن بانتزاع رُوحه من بدنه، فأومَأ إلى حاضر عُوَّاده، مُوصيًا لهم بأصغر أولاده، والنفس بالسياق تُجذَب، والموت بالفواق يَقرُب، والعيون لهول مصرعه تَسكُب، والحامَّة تُعدِّد عليه وتَندُب، حتى تجلَّى له ملك الموت - صلى الله عليه - من حُجُبه، فقضى فيه قضاءً أمَر به، فعافَه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وزوَّد من ماله كَفنًا، وحصل في الأرض بعمله مُرتهنًا، وحيدًا على كثرة الجيران، بعيدًا على قُرب المكان، مقيمًا بين قوم كانوا فزالوا، وجرت عليهم الحادثات فحالُوا، لا يُخبرون بما إليه آلوا، ولو قدَروا على المقال لقالوا، قد شرِبوا من الموت كأسًا مُرَّة، ولم يَفقدوا من أعمالهم ذرَّة، وآلَى عليهم الدهر أَلِيَّةً برَّة، ألاَّ يَجعل لهم إلى دار الدنيا كَرَّة، كأنهم لم يكونوا للعيون قُرة، ولم يُعَدُّوا في الأحياء مرَّة، أسكَتهم واللهِ الذي أنطَقهم، وأبادهم الذي خلَقهم، وسيُجِدُّهم كما أخْلَقهم، ويَجمعهم بعدما فرَّقهم، يوم يعيد الله العالمين خَلقًا جديدًا، ويجعل الظالمين لنار جهنم وقودًا، يوم تكونون شهداءَ على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدًا، يوم تجد كل نفسٍ ما عملت من خير مُحضرًا، وما عملت من سوءٍ، تَوَدُّ لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا، جعلنا الله وإياكم ممن قدَر قَدْره، فقَبِل أمره، وأدامَ في الخَلوات ذكره، وجعل تقوى عالم الخَفيَّات ذُخره، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين". والآن مع هذه الخطبة القصيرة والعنيفة لعبدالله النديم، خطيب الثورة العرابية، يحض المصريين على الجهاد ضد المحتلين والمُستبدين، وقد قُدِّمت في أحد المواقع المشباكية على النحو الآتي: "تأمَّلوا معي إحدى خُطَب عبدالله النديم، وهو واحد من أخلص أبناء وأبطال مصر على مَرِّ العصور..، تأمَّلوا ما الذي قاله النديم في بضع كلمات، فأيقظ بها حماسة العشرات، بل المئات الذين تدافَعوا زَرافات خلفه، ثائرين، حانقين، مُطالبين بحقٍّ لا يضيع ووراءه مطالب، بعد أن تصاعَدت الامتيازات الأجنبية كالسرطان تَنتهب خيرات البلاد، وحُرِم منها الشعب الراكد؛ قال النديم: "أيها المصريون، لا حيَّاكم الله ولا بيَّاكم ما دُمتم تعيشون كالسائمة تأكل من حشائش الأرض، وتُقبِّلون أيديكم المتشقِّقة ظهرًا لبطن، أيها المصريون، شمُّوا رائحة أجسادكم، إنها نَتِنة، ونيل الله يجري بأرضكم! استمعوا إلى أنين أمعائكم، وواديكم يَملؤه الخير! مع أنَّكم حفَظة كتاب الله، وحمَلة رسالته! أيها المصريون، لعَن الله مَن يكره الحرية! لعَن الله من منَع عن نفسه أطايبَ الطعام وهي حِلٌّ له! لعن الله من يقعد متفرِّجًا مَلُومًا محسورًا! لعَن الله من لا يَتبعنا"،وبعد تلك الكلمات النارية تَبِعه الألوف المؤلفة برباط الحق، وكانت لحظات من أمجد تاريخ الكنانة على الإطلاق". ثم هذا الجزء من خطبة سعد زغلول التي قالها بسُرادق "بيت الأمة" في وفود من المهنئين بعودته، بعد قطْع المفاوضات مع الإنجليز في يوم 21 أكتوبر لسنة 1924م: "إنهم طلبوا أن تكون لهم قوة عسكرية في أرض مصر، على شرط ألا تتدخَّل في شؤوننا، ولنا الحرية التامة أن نَشترط ما نشاء من الشروط، ونطلب ما نريد من الضمانات؛ لئلا تتمكَّن هذه القوة من التدخُّل في شؤوننا، فرفَضنا، رفضنا؛ لأننا نعلم أن وجودَ عسكري واحد على الأرض المصرية، مُخِلٌّ بالاستقلال، رفَضت ذلك، وما أظن أن رفضي هذا عملٌ من الأعمال الجليلة؛ لأن المرء لا يُعتبر فاضلاً ولا ذا عمل جليل، بمجرَّد كونه امتَنع عن خيانة وطنه؛ ولهذا كلما رأيت منكم مبالغةً في إكرامي، تخيَّلت أنكم تتوهَّمون أني أَخونكم، إني لم أعمل شيئًا أكثر من عمل خفيرٍ على جُرنٍ دفَع عنه العادِيَة، هذا هو العمل الذي عمِلته، ولكنكم كِرام تعوَّدتم الكرَم والإكرام، ورأيتم كثيرين وعَدوا وأخلَفوا، ورأيتموني وعَدت فوفَّيت، فأكْبَرتم عملي، لكني - والوطنية وحبها - لا أُقِركم على هذا التقدير؛ لأن عملي لا يستحقُّ هذا الإكرام، إنما العمل المجيد والعمل الجليل والعمل الخالد في التاريخ - هو التضحية، وإني لمُضحٍّ بنفسي قبلكم". [1] ابن نباته صاحب هذه الخطبة، هو عبدالرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة، المتوفَّى سنة 374، عاش أيام سيف الدولة الحمداني، كان شاعرًا وخطيبًا؛ انظر "التذكرة الحمدونية"، و"وفيات الأعيان".
•
رحلة في ذاكرة الشاعر جريبيع رحمه الله
• أهالي رباع : الخير في مقدمكم يانسل الكرام ( عكاظ ) • رسائل واتس اب جديدة كل يوم .. شاركونا بكل جديد |
اخر 5 مواضيع التي كتبها صقر الجنوب | |||||
المواضيع | المنتدى | اخر مشاركة | عدد الردود | عدد المشاهدات | تاريخ اخر مشاركة |
دهاء الشيخ محمد بن يحيى العسيري شيخ رباع | تاريخ قرية رباع بين الماضي والحاضر | 0 | 1652 | 20/10/2024 02:27 PM | |
وقفات ودروس من حروب بخروش بن علاس ضد جحافل... | تاريخ زهران وغامد | 2 | 5648 | 17/09/2024 11:11 PM | |
الشعراء بن حوقان وعبدالواحد | منتدى القصائد الجنوبية ( المنقولة) | 0 | 14623 | 04/01/2024 11:35 AM | |
القصة (مورد المثل) | منتدى القصص و الروايات المتنوعة | 0 | 10382 | 02/01/2024 09:28 AM | |
الله لايجزي الغنادير بالخير | منتدى القصائد النبطية والقلطة ( المنقولة) | 1 | 11005 | 28/12/2023 05:06 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 1 : | |
|
|
الإعلانات النصية ( أصدقاء الأكاديمية ) |
|||||