مدمن فمعتلّ فقاتل لصديقه

مدمن فمعتلّ فقاتل لصديقه

إبراهيم علوي ـ جدة






جريمة غريبة أقدم عليها شاب ثلاثيني بحق أحد أصدقائه، بعد أن أقدم على قتله داخل سيارته وألقى بجثته داخل منطقة تشليح السيارات في جدة، فر بعدها إلى عدة جهات، قبل أن تنجح الأجهزة الأمنية في الإيقاع به، الغريب هو المسببات التي ساقته إلى قتل صديقه، وهو يشير إلى أنه تلقى أوامر صدرت له بقتل صديقه وحدد المصدر (بأنه من السماء).
اعترافات الشاب جعلت فريق التحقيق يتوسع في تحقيقاته، وهو يؤكد بأنه قاتل رفيقه ويدل على موقع الجريمة، وبقية متعلقات المقتول التي تركها في شقة مفروشة.
الحادثة بدأت فصولها عندما تقدم مالك مستودع تشليح للسيارات ببلاغ للجهات الأمنية، أفاد فيه أن انبعاث رائحة كريهة من موقع مجاور للتشليح، وأكد بأنه شاهد جثة رجل متوفى لفت رقبته بشماغ.
الجــــهــــات الأمنية حضرت الموقـــــع وشرعت في تحقيقاتها، واتضح أن المتـــــوفى رجل في العــقــد السادس من العمر، وظهر أن الشبهة في وفاة الرجل قد تكــــون جنائية، خصوصا مع جحوظ العــــين ووجود آثار للخــنـــق عليه، ما استدعى طلب خبراء الأدلة الجـــنــائــيــــة إلــى الموقــع، وتمت الاستعانة بفريق من الطب الشرعي لتحديد ساعة وأسباب الوفاة، وهو ما أكده التقرير الطبي أن المتوفى قد يكون دخل شجارا لوجود دماء على ملابسه، كما أن الأسباب الحقيقية للوفاة هي الخنق بواسطة اليدين والشماغ، ليشرع ضباط التحقيق في مركز شرطة السامر ومختصو مكافحة جرائم الاعتداء على النفس في شعبة البحث الجنائي متابعة وكشف غموض القضية، خصوصا أن المتوفى لم تعرف هويته ولا توجد أي بلاغات تتطابق أوصافها معه.
شرطــــة جدة أمام ضالة المعلومات شرعت في تكثيف التحـــقـيـقـــات في كافة الاتجاهات حتى نجح ضباط مكافحة جرائم الاعتداء على النفس في رصد أولى المعلومات، والتــي أشارت إلى أن المتوفى قد يكون أحد الأشخاص المعـــــروفين، وهــــو ما أشـــارت إليه بصماته والتي دلت عليه بأنه أحد المطلـــــــوبين جنائــــيا على ذمه قضايا، وكانت أولى المعلومات المهمة بعد أن أفاد ذووه أنه تعود الغياب لفترات، لذا لم يفتقدوه ولم يقدموا بلاغا حول ذلك، وأشاروا إلى أحد الأشخاص في العقد الثالث من العمر كان يرافقه تم البحث عنه ولم يعثر عليه لتأتي معلومات تشير إلى أن الشخص المطلوب يقطن في المدينة المنورة بعد أن سافر إليها موخرا لذا تم استدراجه وضبطه.
الغريب أنه بمجرد ضبطه للتحقيق معه اعترف بكل تفاصيل جريمته وهو يهذي بكلمات غريبة بأنه نفذ جريمته بناء على تعليمات وتوجيهات سماوية، وكان يهذي من فترة لأخرى بأنه جاء لينقذ البشرية من السحرة والمشعوذين، وهو يؤكد أن المقتول أحدهم، ما جعل ضباط التحقيق يشكون في سلوكه، لذا تم استجوابه بشكل مكثف وطلب منه رجال التحقيق التأكيد على أنه هو القاتل لتسقط اعترافات أكثر قوة وهو يدل على السيارة التي أقل المجني عليها، بالإضافة إلى أوراقه الـــثـبــوتــيـــة وجهاز هاتف نقال القتيل والذي وضعه كأمانة لدى إحدى الشقق المفروشة التي استأجرها عقب تنفيذ جريمته.
القــــاتـــل زعم في اعترافــــاته بأن التــعـلـيـمـــات الســــماوية أكـــدت علـــيه بأن يــقــــتــــل صديــقـــه الخمــسـيــنــــي، ودل على الطريقة التي وقعت بها الحادثة، وهو يشير إلى أنه ورفـــيـقـه كانوا يســتـقـلــــون سيارة صغيرة، وفجأة قرر التخلص من رفيقه عقب تلقيه التوجيهات، فضربه على وجهه لتسيل الدماء منه وحاول خنقه، إلا أن رفيقه تمكن منه ونجح في الإمساك من رقبته وحاول خنقه، ولكنه تخلص من قبضة رفيقه الخمسيني وأمسك هو برقبته وخنقه حتى غاب عن الوعي، ومن ثم استخدم شماغه في إكمال خنقه حتى لفظ أنفاسه ومن ثم ألقاه في منطقة التشليح.
الناطق الإعلامي لشرطة جدة العقيد مسفر الجعيد أشار إلى أن الجاني اعترف بكل تفاصيل جريمته ودل على السيارة التي استخدمت في حادثة القتل، والتي عثر بداخلها على دماء تخص القتيل جرى أخذ عينات منها من قبل المعمل الجنائي.
تابع العمل الأمني مدير شـــرطة جدة اللواء علي الغامدي، فــيـمـــا أشــرف عــليــــه مســــاعده للأمن الجنائي ومــــدير شــعـــبــــة الـتـحــريــات والبحث الجنائي، وقاده رئيس وحدة مكافحة جرائم الاعتداء على النفس المكلف.
الدكتور ياسر الطويرقي استشاري الطب النفسي في مستشفى الصحة النفسية في الطائف أشار إلى أن مرتكبي جرائم القتل تتم إحالتهم إلى لجنة جنائية مختصة في مستشفيات الصحة النفسية، عقب إجراء تقييم لحالتهم ما إذا كانت هناك شكوك حول سلوكهم، وتعمل هذه اللجنة على تقييم الحالة النفسية والعقلية للقاتل، وإذا كان مسؤولا عن تصرفاته من عدمه، وأضاف «للقتل أسباب عديدة منها إصابة القاتل بمرض الفصام، حيث يتخيل المصاب به أن ضحيته شخص آخر يتنكر له ولو كان والده ويقوم بقتله؛ كونه لديه قناعات مرضية تودي به إلى القتل».
وأشار الدكتور الطويرقي إلى أن إدمان المنشطات والمشروبات الكحــــولية قد تودي إلى خلل في وظائف الدمـــاغ وظـــهــــور أعراض نفــسـيـــة تصور له ضلالات خاطـــئـــة وهلاوس، ويكون لديه نشـــــاط زائــــد في الجسم عـــادة ويكون عادة هذا الشخص مسؤولا عن كامل تصرفـــاتـــه ويعاقــــب وفــــق الشــــرع والــعـــمــل الـــذي ارتكبه، وقال: هــنـــاك دوافع أخرى منها دوافــــع نفــســيــــة مــثـــل الشــعـــور بالظــلـــم والإهانة، ويكـــون الشـــخــص لديـــه قابلية للانــتـقـــام ممن أوقع الظـــلــم عليه حقــيـقـــة أو كما يتصــور هو في عـــقـــلــــه الباطن، والشخص الطبيــعي المتزن عادة يحل مثل هذه المشـــاكــــل بطريــقـــة ســلــمــيـــة عاديــة وعــــاقـــلـــة، قد ترفع عــنـــه الظلم أو قد تتضـــح الصورة بواسطتها، فيما يرتكــــب الشخص غير المتزن وغير الطبيعي جريمة مثل الــقـتـــل بحق الشخـــص الذي يعـــتـقـــد تجــاهـــه بـأنـــه هو من ظلمه.
وأضاف الدكتور الطويرقي «هناك أيضا العديد من الدوافع المسببة للقتل منها دوافع البحث عن المال، وهناك دوافع اجتماعية أيضا».
المحامي والمستشار القانوني أحمد عجب الزهراني أشار إلى أن شـــــريعة الإسلام جاءت بالضروريات الخمس وحرمت الاعتداء عليها، وهي الدين والنفـــس والمال والعرض والعــــقـــل، ولا يختلف المســــلمون في تحــــريم الاعتداء على الأنفس المعصومة، ومــــن ارتكب ذلك فقد ارتكـــب كـبـيـــرة من الذنوب، لذلك يقــــول عز وجل في سورة النـســـاء (ومن يقــــتل مؤمنا متعمدا فجـــزاؤه جهنم خلدا فيها وغضـــب الله عليه ولعنه)، وهذا يدل أعظم الدلالة على حرمة الدماء، كما أن دماء المسلمين محرمة فإن أموالهم محرمة، كما يقول الرسول الكريم إن دماءكم وأموالكــــم حرام عليكم كحــــرمة يومكم هذا في شـــهـــركــــم هذا في يـــومــكــم هذا)، وأضاف النقلي، وبذلك لا يجوز قتل المســـلــــم لأي سبب من الأسباب إلا ما دلت علـــيه النصـــوص الــشــــرعية، وهذا العــــمل محرم مـــن وجوه وهـــي قـــتل النفس المعصـــومة في شـــــريعـــة الإسلام، والإفساد في الأرض، وإتلاف الأموال، والاعتداء على حرمة هذا البلد وترويع الآمنين فيه.