أغرب إضراب في التاريخ

أغرب إضراب في التاريخ


د. حمود أبو طالب
أحيانا يثبت الفرد العربي ما يقال عنه من سوء استخدامه للحرية المتاحة له، وبذلك يقطع الطريق على المزيد الذي يطالب به، ويقدم المبررات لمصادرة ما حصل عليه. هذه الرعونة هي التي ولدت الصورة النمطية بأنه يحتاج إلى وقت طويل قبل أن يستوعب مسؤولية الحرية والتزاماتها. وتمثل حرية التظاهر والاعتصام والإضراب مثالا واضحا للممارسات الخاطئة وغير الحضارية في الشارع العربي، ولنا في ما يحدث منذ بداية الربيع العربي المشوه دليل أكيد على ذلك.
يوم أمس، نشرت الصحف خبرا عن إضراب أئمة المساجد والمؤذنين في الأردن احتجاجا على رفض الحكومة الاستجابة لمطلبهم برفع علاوة رواتبهم من 70% إلى 100%، وفوجئ المصلون في مساجد عمان بغياب الخطباء والمؤذنين عن صلاة الجمعة، ما اضطرهم لرفع الأذان لوحدهم وتأدية الصلاة دون خطيب. ويفترض أن هذه الفئة خير من يعلم خطأ تعطيل شعائر الله، وصلاة الجمعة على وجه الخصوص، فهي الشعيرة التي يحرص الناس على أدائها والاستماع إلى خطبتها، وقد كان بإمكانهم أن يعبروا بأي طريقة أخرى غير هذه الطريقة التي وصفتها وسائل الإعلام بأنها أغرب إضراب احتجاجي في التاريخ.
في مصر، ما زال الجدل محتدما حول قانون التظاهر. وباستعراض ما يحدث في الشارع المصري نجد أسوأ الأمثلة على ممارسة حق التظاهر، إذ لا نجد سوى العبارات الجارحة والألفاظ المسيئة والشتائم والصراخ وتكسير المنشآت وحرق السيارات وتعطيل الحياة وإثارة الرعب في نفوس الناس، ومؤخرا لا تخلو مظاهرة من ضحايا. الحكومة المصرية تريد وضع ضوابط تحد من الفوضى والتخريب والضرر، بينما تعلو أصوات فئة للدفاع عن هذه البدائية باسم الحريات والحقوق، وهنا تتمثل المفارقة في أسوأ تجلياتها حين يصبح تدمير الوطن حقا تحت راية الحرية والحقوق.
معظم الشوارع العربية تشهد فوضى عارمة لتسجيل مواقف سياسية معارضة لمواقف حكومية أو لممارسات أطراف سياسية، وحق التظاهر السلمي لا غبار عليه، ولكن أين هو، وهل ما يحدث يوميا من تدمير منهجي يمكن أن يقبله عقل بذريعة الحرية والحقوق؟.