رحل شيخ الاقتصاديين القابض على الحكمة.. وهيب بن زقر

رحل شيخ الاقتصاديين القابض على الحكمة.. وهيب بن زقر


محمد سمان ـ جدة
مثلما للحرفة والحرفيين «شيخ» هو مرجعيتها الرسمية، فإن للاقتصاد علما وتطبيقا، محترفين وحرفيين، مايعني أنه بحاجة أيضا إلى "شيخ" وإن كان لقبا اعتباريا. وجازما القول، إن بلدا مثل المملكة تزخر بكثير من الحرفيين الاقتصاديين القدامى والمعاصرين، لكنهم يتفقون تماما، أن لهم «شيخين»، الأول الأكبر سنا وقدرا وعلما فقدوه قبل أعوام وهو الدكتور محسون جلال، والآخر فقدناه أمس، وهو وهيب بن زقر. والمثير أنهما ـ أي محسون جلال وبن زقر ـ عملا معا في القطاع الحكومي وتنافسا في القطاع الخاص، وأخيرا اختارا «المنفى»، إن جاز التعبير، بعد التقاعد وقضيا نحبهما فيه، فكانت تونس للأول، والبرازيل للثاني.
في التنافس على لقب «شيوخ الحرفة» يترشحون بناء على عوامل عدة، مثل: الأقدمية وتراكم الحرفية وربما التوريث، وكثيرون تنطبق عليهم هذه الشروط، أما علم الاقتصاد، فميدانه دقيق جدا، فهو علم ونظريات وتجارب تطبيقية.
قبض الحكمة الاقتصادية باكرا، فهو ابن عائلة بارزة، ورجل أعمال مغموس في الفكر الاقتصادي، وكانت بلاده والتنمية الاقتصادية أهم عناوين سني حياته الـ75. تقاعد بن زقر من العمل الحكومي، لتكون أهم محطة في حياته، فانطلق في آفاق اقتصاد تنافسي، وأسس وساهم في وضع لبنات ثقافة الشركات المساهمة والعمل المصرفي والتصنيع، وهذه الأخيرة، كان له فيها شأن، فهو واحد من أهم مؤسسي الثورة الصناعية السعودية في حقبتها الأولى. في تجارة العائلة، طبق مبدأ (لا تضع البيض في سلة واحدة)، فأخرجها من حصن أعمال الميناء والتفريغ التي اشتهرت بها، ونوع أعمالها، وفي القطاع الخاص، حول النظريات الاقتصادية إلى تجربة تراكمية في التنمية في بلاده. كان صاحب فكر تقدمي في التنمية الاقتصادية، بشكل لم نستوعبه، فهاجمناه وانتقدناه حينما أعلن تأسيس شركة لصناعة الورق، في بلد يشكو ندرة المياه وقلة الأشجار. هو شخص براجماتي حتى النخاع، رفض مناصب حكومية عدة، منها مرتبة وزير، في حين أسهم في صياغة ومراجعة وإعداد قوانين وأنظمة تخص تلك الوزارة. وكسب اصدقاء كانوا خصوما له بوجبة «صيادية السمك» المشهورة في منزله. أجريت يوما مقابلة معه، فوافقني على عنوانه الرئيس، «نعم استغليتكم أيها الصحافيون» رغم أنه يسيء إليه كثيرا.
قضى السنوات الأخيرة من حياته متفرغا للعمل الاجتماعي والتطوعي، قبل أن يصارع المرض دون أن يرقص معه في بلد «السامبا»، فقضى نحبه هناك.