المدارس والصحف في الحجاز
قال لي مدير لوكاندة مصر بمكة بعد أن مضت على إقامتي فيها أيامًا :
ــ هل بقي شيء لم تره في مكة ؟
قلت :
ــ المدارس ودور الصحف.
فقال :
ــ إنها تستحق الزيارة،لأن فيها من مظاهر النهضة الحديثة عندنا الكثير .. تعال أعرفك بالسيد محمد أحمد شطا ،وكيل المعارف السعودية ليرتب لك هذه الزيارة .. إنه هو الجالس أمامنا في الشرفة يحتسي الشاي.
وذهبنا إلى الشرفة ، وتم التعارف .. ووجدتني مع شاب في أوائل الحلقة الرابعة ، أتم علومه بالأزهر الشريف ، ولما أفصحت له عن رغبتي رحب بها ، وتواعدنا للالتقاء صاحب الغد.
ومر عليّ السيد شطا ، بالفندق في موعدنا ، وخرجنا سويًا ، وما كدنا نسير بضع خطوات حتى وصلنا إلى بناية ضخمة مبنية على الطراز التركي القديم ذي (المشربيات) الذي مازالت آثار منه في أحياء القاهرة الوطنية القديمة.
ودخلنا البناية الكبيرة وصعدنا سلمها ، وقال لي السيد شطا :
ــ هذه مديرية المعارف التي تقابل وزارة المعارف عندكم في مصر .. سأعرفك بمدير المعارف عندنا .. هو في مركز وزير المعارف عندكم.
ووصلنا إلى الطابق الثاني ، ودلفنا من بابه ، فرأينا رجلاً شيخًا وقورًا مهيبًا يتوضأ في جانب من الردهة الخارجية ولاحظت بساطة ملابسه .. وكان قد انتهى من وضوئه،فقام يلقانا ،وقدمه السيد شطا إليّ :
ــ الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع مدير المعارف السعودية . وجفف الرجل يديه ، وصافحني مرحبًا ، ثم دعاني لمكتبه .. غرفة صغيرة متواضعة، فرشت أرضها بالسجاد ، وبها مكتب صغير متواضع وبضعة أرائك وكراس ، وعلى الحائط صورة أسد الجزيرة ونتيجة هجرية .. وبينما أنا أقارن في نفسي بين هذا المكتب ومكتب وزير المعارف عندنا ، قال لي الشيخ ابن مانع في حياء:
ــ اعذرنا لمظهرنا.
ووجدتني أجيبه بقولي :
ــ ولم ؟ ! إن التفوق في العلم والمعرفة لا يأتيان إلا من طريق الزهد والتقشف ، أما الجاه والترف فيؤديان بصاحبهما إلى الجهل والمفسدة.
قال : صدقت يا أستاذ .. كان في إمكاننا أن نأخذ بمظاهر المدنية الحديثة الضخمة التي دخلت بلادنا هنا في مديرية المعارف وفي مدارسنا، ولكننا أبينا القشور والبريق الخاطف حتى لا نذهب بالجوهر والمعدن . كل ما فعلناه أن اقتبسنا من برامج مدارسكم ، واستعنا بمعلمين مصريين أفاضل ، ولم ننس مع ذلك الدين .. جعلنا المادة الأولى في برامجنا.
وأطل « ابن نافع » من نافذته التي تشرف على الكعبة الشريفة ،واستطرد يقول :
ــ إننا حفظة تراث الإسلام ، فمن منا أولى بدراسة الدين والتبحر في دراسته ؟
ومضي يحدثني عن نهضة التعليم في المملكة العربية السعودية ، ففيها اليوم 182 مدرسة ، ما بين ابتدائية وثانوية يتعلم فيها 000،21 تلميذ ، و75 مدرسة حرة يتعلم فيها 8000 تلميذ آخرين ، وفيها ( المعهد العلمي السعودي) في مكة والمدينة وعنيزة والرياض ؛ لتخريج مدرسين لهذه المدارس، ويقابل معهد التربية في مصر ،وفيها ( كلية الشريعة ) لتخريج القضاة،وفيها مدرسة « تحضير البعثات » لإعداد البعثات لمصر والخارج .. وفيها مدرسة للتجارة المتوسطة في مكة ،وأخرى للصناعات الميكانيكية والكهربائية في جدة ، وفي مكة أيضًا مدرسة ليلية لتعليم اللغتين الإنجليزية والفرنسية ، وأخرى لتعليم الكتابة على الآلة الكاتبة العربية والإفرنجية . والتعليم في كل هذه المدارس بالمجان ، بل يتقاضى طلبة بعض المدارس مرتبات،كطلبة المعهد العلمي السعودي الذين يتقاضى الواحد منهم 160 ريالاً شهريًا ، وطلبة كلية الشريعة الذين يتقاضى الواحد منهم 245 ريالاً شهريًا،وطالب التعليم الثانوي يتقاضى 60 ريالاً ، والريال السعودي قيمته ثمانية قروش مصرية تقريبًا ، وبحسبة بسيطة تدرك أن الطالب السعودي يتقاضى مرتبًا له اعتباره وقيمته تشجيعًا من الحكومة للإقبال على التعليم.
وقد أنشأت الحكومة أيضًا مدرسة لتحسين الخطوط.
أما التعليم العسكري ففي الطائف ــ قاعدة الجيش السعودي ــ بعثتان إنجليزيتان للتدريب على جميع أسلحة الجيش.. وفي الظهران بعثة أمريكية لتدريب طلبة الطيران الحربي الذين يتعلمون على نفقة الحكومة ،ويتقاضى الواحد منهم 200 ريال سعودي مرتبًا شهريًا ، وفي مكة مدرسة للبوليس لتخريج الضباط اسمها « مدرسة الشرطة » ، مدة الدراسة فيها سنة واحدة ، ويمنح الطالب فيها 185 ريالاً سعوديًا مرتبَّا شهريًا .
والمدارس الأولية كثيرة ومنتشرة في كل مكان ، وفي الطائف نواة الأزهر.. مدرسة ثانوية اسمها دار « التوحيد » تعد طلابها لدراسة الأزهر العليا.
قلت للشيخ ابن مانع :
ــ وتعليم البنات ؟ أليست عندكم مدارس البنات؟
فأجاب :
ــ هذا لن يكون .. البنت مكانها البيت ؛ ولا بأس من تعليمها القراءة والكتابة في بيتها على يدي أولياء أمورها .. ويوم تخرج البنت من البيت إلى المدرسة والحياة العامة تخرج الأم الصالحة ، وربة الدار المثلى.
ونسبة التعليم في الجزيرة العربية كبيرة بالنسبة لعدد السكان ، فالعلم في البيوت في الحضر وفي الخيام ، وفي البادية منتشر انتشاره في المدارس .. كل يتعلم ليتبصر بأمور دينه ودنياه.
ودعانا ( ابن مانع ) لزيارة بعض المدارس .. وكان منها خمسة في نفس البناء الكبير الموجودة فيه مديرية المعارف .. كلية الشريعة والمعهد العلمي السعودي ، ومدرسة تحضير البعثات ، والمدرسة المنصورية ، ومدرسة ابتدائية . والتحية التي يستقبلك بها مدرس كل فصل أن ينادي تلاميذه بقوله :
ــ تكريم .
فيقفون ، ثم يجلسون إذا ما ناداهم قائلاً:
ــ استرح.
وأتممنا جولتنا بالمدارس ثم قصدنا مطبعة الحكومة ، واسمها (مطبعة أم القرى) نسبة إلى جريدة الحكومة الرسمية (أم القرى) المقابلة لجريدة الوقائع الرسمية في مصر. وهذه المطبعة تطبع الجريدة الرسمية كما تطبع جميع مطبوعات الحكومة .
وذهبنا إلى جريدة (البلاد السعودية) وهي أهم جرائد الحجاز وأوسعها انتشارًا وهي تصدر الآن ثلاث مرات في الأسبوع (2).
وفي مكة أيضًا مجلة شهرية اسمها (الحج) تصدرها إدارة الحج في الحكومة السعودية . وتطبع في مطبعة الحكومة ، وتحرر باللغات العربية والأوردية والملايوية والإنجليزية للدعوة إلى الدين الإسلامي والتعريف به في العالم كله.
وتهيأت لي وأنا أزور (المدينة المنورة ) فرصة زيارة جريدة الجزيرة العربية الثانية(3) ، ويملكها و يحررها شابان أخوان (الشيخ على حافظ والشيخ عثمان حافظ).. وهما ــ في الوقت نفسه ــ موظفان في الحكومة ، أولهما مدير الحج ، والثاني مدير الزراعة(4).
وفيما يلي مختارات طريفة من مواد الصحف السعودية . كتبت إحداها ملاحظة لأحد محرريها يقول فيها :
« كلما مررت بطريق أجدها وسخة قذرة ،تتقزز منها النفس. فياعمال التنظيفات أخلصوا في عملكم ، ولا تهنوا ولا تهملوا ، فمن أخذ الأجر حوسب بالعمل » . وكانت جريدة منها نشرت شكر مريض لطبيب عالجه ، فاحتج الطبيب،وطلب من الجريدة عدم نشر مثل هذا الشكر مستقبلاً ، فنشرت الجريدة خطاب احتجاجه وعلقت عليه بقولها :
« الجريدة تحترم حضرة الدكتور ،وتقدر مجهوده الطيب في خدمة الإنسانية،وترجوه ألا يحول بينها وبين نشر مثل هذه الإعلانات التي تتقاضى عليها أجرًا إلا إذا تعهد بتعويضها عنها . وخل في عينك نظر يادكتور ، الجريدة ما فيها إعلانات » .
والخبر المهم في الجريدة السعودية هو خبر (الأمطار) حياة الصحراء وروحها .. وكثير ما تقرأ مثل هذا الخبر.
«نزلت في الغاط أمطار غزيرة توالت عليها فسالت كل أوديتها ، وقد أخذ الماء يسيل نبعًا من الأودية إثر ذلك . وفي الجهة الشرقية من المدينة يشاهد البرق يلمع عن بعد . نسأل الله المزيد من فضله».
ومتاعب التموين في الجزيرة العربية هي نفس متاعبه في مصر، قرأت في إحدى الصحف السعودية بعنوان « العيش » ما يأتي :
«بعض العيش يأتي نظيفًا ناضجًا يلتذ آكله ، وبعضه غير نظيف وعجبًا فلماذا ؟ إن الإخلاص والنظافة تزيد الاستهلاك وتدعو للشهرة وحسن السمعة وزيادة الربح الحلال ، وإن توفير درهمين في قرص العيش العجين مع الغش لايفيد،وصاحبه دائمًا منتوف الريش . جرب تعرف ».
وللفكاهة نصيبها في الجرائد السعودية ، قرأت بتوقيع (شاطر) شعرًا فكاهيًا بعنوان ، سل نفسك ، أنقل منه هذه الأبيات :
تعلمت العلومَ وصرت شخصًا
عـظــــيـــمًا لا يشــق لــه غـــــبـارُ
فمـن كــثرةِ التجاربِ قـد عـرفنا
بأن الــلــــيـلَ يــتبــــعه الــــنهــــارُ
وأن الفـــــواكــــهَ مـــــا يســــمّــى
بقــتا و« مــا يـــدعــــى خــــيــارُ»
وأن التــــين ( يشــمــــطه) أنـاسُ ُ
وللجـــمــــــــيـزِ أقـــــوامُ ُ كــــثــارُ
ولأخبار مصر مكانها دائمًا في الصحف السعودية . حتى أخص الأخبار وأتفهها.
وكانت كلمة فضيلة الشيخ ابن مانع مدير المعارف السعودية عن البنت السعودية وتعليمها ،مازالت تطن في أذني عند ما قرأت في جريدة سعودية الخبر الآتي :
« توفيت في يوم الأحد الماضي المربية الفاضلة والأستاذة المحترمة الخوجة فاطمة هانم عن عمر تجاوز الثمانين سنة . قدمت هذه المرأة الفاضلة من بلدها حلب إلى المدينة المنورة حوالي سنة 1341هـ ، وامتهنت التدريس وتعليم البنات ــ مهنتها في بلدها حلب ــ ولإخلاصها وحسن نيتها وإتقانها لأساليب التربية والتعليم المغرية، فقد وفقت في مهمتها توفيقًا عظيمًا، ونجحت نجاحًا باهرًا . قصدها البنات من كل الطبقات فاحتشد مكتبها بهن ، وكثيرًا ما تعلم عليها الأولاد الصغار مع البنات إلى أن يفكوا الحرف.
وقد بلغ عدد تلميذاتها في بعض السنين 200 تلميذة ،وتوفيت وفي مكتبها نحو 150 طالبة ، باشرت التعليم منذ وصولها للمدينة مدة تقرب من 27 سنة ،فعلمت تلميذات صرن أمهات ، ثم علمت بناتهن وتزوجن بعدئذ ، ولا تكاد توجد دار بالمدينة فيها ابنة أو امرأة تقرأ القرآن أو تكتب بقلم ، إلا ولها عليها فضل التربية والتعليم والتهذيب ، وقد تستغرب كيف يمكنها وهي واحدة أن تعلم 150 تلميذة ، وسيزول هذا الاستغراب إذا علمت أنها تسخر طالباتها المتفوقات في التدريس معها ،وتسميهن عريفات ، كما أنها تستخدم الطالبات في تعليم أخواتهن ،وتبث في نفوسهن روح التسابق والتنافس ، والمتخرجات من مدرستها يستطعن قراءة القرآن ، ويحفظن جزءًا منه،ويكتبن ويقرأن بقدر الحاجة ،ويحطن بمبادئ الحساب والفقة والتوحيد ،وكانت لا تشترط على طالباتها أداء أجر معلوم ، فهي تأخذ من التلميذة في الشهر ريالاً أو ريالين ويزيد بعضهن ، كما تعلم الفقراء واليتيمات لوجه الله تعالى ».
ولكن هذا لم يكن تعليم بنات بالمعنى المفهوم .. بل كان روضة أطفال كرياض الأطفال في مصر .. وقد انتهى بوفاة الخوجه فاطمة.
الصحة في الجزيرة العربية
لم تكن الحالة الصحية في أنحاء الجزيرة العربية بصفة عامة في الزمن الغابر ــ أيام الحكم التركي وما تلاه من حكم الأشراف بالحالة المرضية ، وكانت سمعة الصحة فيها سيئة جدًا ، مما حدا بالبلاد الأجنبية التي تتصل بالحج إلى فرض حصار صحي شديد ورقابة أشد على البواخر التي تقل الحجاج . ولم يكن المحجر الصحي في جزيرة قمران في جنوب البحر الأحمر ومحجر الطور في شماليه إلا نتيجة تلك الرقابة.
ولكن الحالة الصحية في الجزيرة العربية الآن وفي عهد أسد الجزيرة مرضية من الوجوه كافة ، وأصبحت تتمشى مع الوعي الصحي العالمي الحديث ، وتطورات العلوم الطبية والصحية وتقدمها . فقد أنشئت في أنحاء البلاد المختلفة مؤسسات صحية ومستشفيات ومستوصفات ومعامل للتحليل ووحدات صحية متنقلة في السيارات .
وقد قسمت المملكة إلى ست مناطق صحية : مكة المكرمة ، والمدينة المنورة ، وجدة ، والرياض ،وعسير ، والأحساء . ويدير كل منطقة طبيب يعرف « بمدير المنطقة » ،وهو مطلق السلطة في إدارة منطقته من الوجهتين الوقائية والدوائية . وتعنى الحكومة السعودية عناية خاصة بالطب الوقائي ، ومكافحة الأمراض الوبائية ، وتلزم السكان بقبول اللقاح الإجباري ضد هذه الأمراض كالجدري والكوليرا ونحوها.
وفي كل منطقة من المناطق الست تجد المستشفيات والمستوصفات ووحدات متنقلة بالسيارات ، ويقوم الأطباء ومعاونوهم بالعمل فيها مجانًا لخدمة جميع الأهالي بلا استثناء، ويتضاعف عملهم في مناطق الحجاز وفي أيام موسم الحج ، إذ يجد الحجاج في تلك المؤسسات الصحية المجهزة بأحدث الآلات والأدوات الطبية والأدوية ووسائل الإسعاف كل ما يطلبونه ويحتاجون إليه للإسعاف والتداوي . زد على هذا محطات الإسعاف المنتشرة على الطريق ما بين جدة ومكة وعرفات ، وما بين جدة والمدينة المنورة.
وتتمشى مصلحة الحجر الصحي في المملكة مع الأنظمة التي تقتضيها الاتفاقيات الدولية الصحية . وهناك مشروع ضخم سيبدأ العمل فيه قريبًا في ميناء جدة ، وهو بناء محاجر صحية على أحدث طراز ، تساهم في الإشراف الفني عليها منظمة الصحة الدولية ، وبعد الانتهاء من هذا المشروع سيجد الحجاج في المحجر الجديد الراحة ، وتوفير الوقت ، ويستغنون عن المرور والحجر بمحجر الطور عند أوبتهم من الحج.
وفضلاً عن كل هذا يتبرع عدد كبير من سَرَاة الجزيرة العربية لبناء مستشفيات ، يهبونها لخدمة مواطنيهم ويبتغون بها مرضاة الله وفضله.
النهضة الزراعية في الجزيرة العربية
منذ حوالي ثلاثة أعوام تأسست « مديرية الزراعة العامة » في المملكة العربية السعودية ، وأنشئت لها فروع في جميع أنحاء المملكة على أن يكون مقرها الرئيسي في جدة ،ويتولى الإشراف عليها سعادة « الشيخ محمد سرور الصبان » ، ويتولى إدارتها « الشيخ صالح قزاز» .
وأمر أسد الجزيرة بأن تساعد هذه المديرية المزارعين ببيع طلمبات للمياه إليهم ، تتحرك على الآبار وتخرج منها ما يقدر بثلثمائة وستين بوصة،لري النخيل ومختلف المزروعات،على أن تحصل منهم أثمانها على أقساط سنوية، وتقرضهم في الوقت نفسه تقاوي الحنطة والشعير سنويًا . وقد صدر أمر كريم في أوائل هذا العام بإعفاء المزارعين كافة ،كبيرهم وصغيرهم مما عليهم من أقساط ، وقد بلغ المبلغ الذي تنازلت عنه الحكومة السعودية عشرة ملايين ريال سعودي ، أي ما يعادل مليون جنيه مصري.
ويقوم بالإرشاد الزراعي الفني في أنحاء المملكة خبراء مختصون ، وقد أنشئت عدة مزارع نموذجية ، منها مزرعة مديرية الزراعة عند الكيلو 5 في طريق مكة ــ جدة من ناحية مكة ، ومزرعة الكيلو 10 من ناحية جدة ، ومزرعة وزير المالية « حداء » في الطريق نفسه،ومزرعة الشيخ محمد سرور الصبان عند الكيلو 3 من هذا الطريق ، وفي حداء حظائر نموذجية لتربية الدواجن.
ومن الروايات التي تروى هناك عن مبلغ العناية بالزراعة أن عزَّ الحصول على السماد للأرض خلال الحرب ، وهددت الزراعة لهذا السبب ، وحدث أن كان وزير المالية في إحدى جولاته التفتيشية ، فاكتشف في جزيرة تقابل ساحل الظهران كميات هائلة من السماد الطبيعي من مخلفات الطيور المائية.. اكتشفها وهو يمر فوقها بطائرته .. وصدر الأمر بتوزيع هذه المخلفات بعد نقلها على نفقة مديرية الزراعة على المزارعين بالمجان ، وكفتهم سنين طويلة.
وللوزير في الدمام مزرعة نموذجية ، وكذلك للدكتور مدحت شيخ الأرض طبيب خاص جلالة الملك(5)، ويشرف على المزرعتين خبير مصري من خريجي كلية الزراعة .. « الأستاذ حسين بدوي » ،وقد نجحت زراعة جميع فصائل أشجار الخضر والفاكهة والفصائل من النخيل هناك ، بحيث أصبحت المزرعتان معهدًا زراعيًا ومشتلاً يستفيد منهما كل طالب زراعة، ويحصل كل مزارع على الشتل والفصائل التي يريدها لزراعته.
البعثات السعوديةالعلمية في مصر
عندما أنشئت مديرية المعارف السعودية أرادت أن تعمم التعليم وتكثر من فروعه ؛ لشدة حاجة البلاد إلى المتعلمين في مختلف فروع العلوم والفنون ، لذلك أرسلت في سنة 1346 هـ أول بعثة إلى مصر مكونة من 14 طالبًا، معظمهم في سن مبكرة من العمر ، وكانت هذه البعثة خير عنوان على ذكاء أبناء السعوديين الفطري ، وحبهم للعلم والفن ، وتوالت بعد ذلك البعثات ، وكان معظمها يتجه اتجاهًا دينيًا محضًا ، فيلتحق أفرادها إما بالجامعة الأزهرية أو بدار العلوم ، ثم رؤي أن البلاد تطلب غير ذلك من العلوم كالطب والكيمياء والهندسة والميكانيكا ، فتقرر في سنة 1356هـ فتح مدرسة ثانوية بمكة تعد المتخرجين فيها للالتحاق بالجامعة المصرية.
وتخرج أول فوج في هذه المدرسة 1360هـ ، ثم حالت ظروف الحرب العالمية الثانية دون إرسالهم إلى مصر حتى العام الذي تلاه ، فأوفدتهم الحكومة السعودية إلى مصر ، وكان عددهم 15 طالبًا ، التحقوا جميعًا بجامعة فؤاد الأول في مختلف كلياتها ، وضم إليهم من كان بمصر من بقية الطلاب.
ولما تولى فضيلة الشيخ محمد بن مانع مديرية المعارف أخذ بتوجيه جلالة الملك ابن سعود السامي بنشر التعليم بشتى الطرق ومختلف الوسائل ، وجلالته يحثه على المضي في هذه السياسة الحكيمة الرشيدة ،حتى تضاعف عدد المدارس الثانوية في مكة، وفتحت مدارس ثانوية أخرى بالمدينة ، وجدة ،والطائف،والأحساء ، ولما تكاثر عدد المتخرجين في هذه المدارس، وارتفعت نسبة البعثات الموفدة من المتخرجين فيها إلى مصر فكرت حكومة أسد الجزيرة في وضع نواة جامعة بالمملكة العربية السعودية، وبدأت الدراسة فعلاً في كليتين من كلية هذه الجامعة منذ عام 1369هـ ، وهي « كلية الشريعة » و« كلية اللغة العربية »(6).
وفي مصر الآن بعثات سعودية عدد أفرادها يصل إلى الخمسمائة ، موزعين على جامعاتها ومدارسها المختلفة ، ومقرهم الرئيسي في عمارة ضخمة بشارع عبدالمنعم بالدقي ، ومدير البعثات هو « الأستاذ عبدالله عبد الجبار (7)» رجل علم متين وخلق فاضل كامل ، يبذل جهده وقواه في سبيل خدمة طلبات البعثات ، ولا يترك صغيرة أو كبيرة من شؤونهم إلا وتوفر عليها بنفسه دون أن يعتمد على أحد من مساعديه ومعاونيه . ومراقب البعثات «الأستاذ هاشم برادة » من خيرة الشباب السعودي المثقف الفاضل الذين يرفعون رأس بلادهم عاليًا في كل مكان وكل زمان.
وقد تفوق من أعضاء البعثات السعودية في مصر « الدكتور عمر أسعد » . وهو طبيب جراح ، اشتهر بالورع والأمانة في عمله مع القناعة ، وينظر إليه السعوديون نظرة إجلال وإكبار ، ويعتمدون عليه في أن يكون حجر أساس الطب الجراحي في الجزيرة العربية ، ومنهم أيضًا « السيد صالح جمال الحريري» (8) شاعر أديب يدعو لبلاده في مصر دعاية قد تعز على إدارة ضخمة فيها المئات من الموظفين وتحت يدها المال والوسائل والتيسير.
الإذاعة العربية السعودية
افتتحت الإذاعة الرسمية للحكومة السعودية في شهر ذي الحجة سنة 1368هـ، بمشهد يوم عرفات ، ثم أقيمت له حفلة افتتاح ألقى فيها سمو الأمير فيصل كلمة ، كما ألقيت كلمات أخرى من بعض الخطباء وقصيدة من شعر السيد إبراهيم فودة (9).
وفي أول عهد الإذاعة السعودية تولى المساهمة فيها الأستاذ عبدالرحمن نصر مدير وكالة الأنباء العربية والأستاذان علي الراعي ، وعبدالحميد يونس من الإذاعة المصرية مع الشباب السعودي . ثم عين « الشيخ إبراهيم الشورى»(10) مديرًا للإذاعة السعودية ، وبعد فترة عاد إلى مصر لمواصلة عمله بها ، وانتدب « السيد محمد شطا» مساعد مدير المعارف السعودية ليقوم بأعمال مدير الإذاعة.
والإذاعة أصلاً لم توجد للتسلية ، وإنما تنشأ ــ وقبل كل شيء ــ للدعاية ، ولهذا الغرض أنشئت الإذاعة السعودية ، وإلى جانب هذا تتولى جانبًا هامًا من برنامج حكومة أسد الجزيرة لتثقيف الشعب السعودي وتوجيهه إلى كل ما يعود عليه بالنفع والمصلحة.
ولما كانت حكومة جلالة الملك ابن السعود يهمها أن تكون العلاقة بينها وبين دول العالم كله ودية وطيبة ــ وخاصة الدول الإسلامية ــ وأن تقف في كل مسائلها الموقف الذي تفرضه عليها ظروف المكان المقدس الطاهر الذي تشغله ، فلهذا كان أمر جلالته الكريم بإنشاء الإذاعة السعودية يقضي بأن تقف الخطوط الرئيسية الأولى لبرامجها من النواحي السياسية موقف الحياد التام ، وأن تكون بالنسبة لداخل البلاد صورة صحيحة لواقعها دون تهويل أو إفراط في الدعاية ، وأن تكون من الناحية الأخرى أداة تثقيف سواء من الناحية العلمية أو التربوية أو الدينية أو الصحية أو الزراعية ، ولهذا خصصت الإذاعة السعودية برامج لكل ناحية من هذه النواحي ينظمها ويقدمها أخصائيون ، ففي الناحية الدينية يتحدث بعض علماء الحجاز ونجد وبعض أفراد البعثة العلمية الأزهرية المنتدبة للتدريس هناك ، وبرنامج التربية يقدمه أساتذة يتولون شؤون التربية في المدارس ،ومنهم من تخرج في دار العلوم . وفي الناحية الزراعية والطبية يتحدث الزراعيون والإخصائيون والأطباء.
أما الجانب المرغوب عند الناس ــ وهو جانب التسلية ــ فإن كل إنسان متزن لا يمكن أن ينتظره من الإذاعة السعودية باعتبار أنها إذاعة من البلاد المقدسة ، ومع ذلك فإن الإذاعة السعودية تقدم في هذا الجانب تمثيليات تاريخية،كما أنها تقدم برامج خاصة للأطفال وطلبة المدارس ، كما تقدم قصصًا ذات مرمى ومغزى وبرامج شعرية من الحديث والقديم من الشعراء السعوديين النابهين ، وتقدم أيضًا أناشيد وطنية ودينية وقومية.
وقد عين السيد إبراهيم فودة أخيرًا مديرًا عامًا مساعدًا للإذاعة السعودية ، وهو من الشباب السعودي النابه الذي تولى الكثير من وظائف الحكومة من قبل ، وأثبت في كل منها جدارة وتفوقًا .. تلقى علومه في المعهد العلمي السعودي ، ثم كانت أول وظيفة حكومية تولاها هي « محرر بديوان التفتيش»، ثم عين مفتشًا ماليًا بوزارة المالية ، ثم سكرتيرًا أول لإدارة وزارة المالية ، ثم سكرتيرًا لمستشار المالية سعادة الشيخ محمد سرور الصبان ، ثم عين مديرًا عامًا مساعدًا للإذاعة السعودية في جدة . وفي مكة أستوديو فرعي، وتتبع المحطة سيارات للإذاعة الخارجية.
المفوضية السعودية في مصر
المفوضية السعودية في مصر من أبرز هيئات السلك السياسي الأجنبي فيها ، وذلك بفضل كفاية ونشاط « الشيخ عبدالله إبراهيم الفضل » المندوب فوق العادة والوزير المفوض والقنصل العام للمملكة العربية السعودية بمصر.
وقد عرف سعادة الشيخ عبدالله إبراهيم الفضل في الحياة العامة السعودية منذ فجر عهد أسد الجزيرة المظفر .. عرف مثالاً للحركة والنشاط . وقضى الشطر الأكبر من حياته الأولى في جدة يشتغل بالأعمال المالية ، وهو عازف عن الأعمال والمناصب الحكومية ، حتى سعت إليه هذ المناصب ، إذ رأت حكومة جلالة الملك في صفاته ومؤهلاته ما يجعله خير سفير لبلاده في الخارج ، فعين في سنة 1935م قنصلاً عامًا لبلاده في هولندا ، ثم وقع اختيار جلالة الملك عليه ليمثل حكومته في الظهران حيث شركة الزيت ، وهذا المنصب منصب دقيق لبق ، وكان الشيخ عبدالله خير من يحتل هذا المنصب، فبقي فيه حتى عين في منصبه الحالي في مصر ، وأتيح له العمل في وكالة وزارة المالية في غياب الشيخ حمد السليمان ، فتدرب على شؤون الاقتصاد والمالية ، وبذلك يعد من كفايات السياسة والمال النادرة في بلاده.
وهو في مصر شخصية لامعة محبوبة من أفراد السلك السياسي ، ومن رجالات الحكومة ومن أفراد الشعب المصري الذين يتعرفون عليه . ويمتاز بالدراية الواسعة بأصول الأدب والعلم.
وفي المفوضية العربية بمصر شخصية ممتازة هي شخصية « السيد جواد ذكري » مستشار المفوضية ، رجل دبلوماسي من الطراز الأول ، وكتلة من الإتيكيت(11) والكياسة ، على شفتيه ابتسامة رقيقة هادئة لا تفارقهما ، وفي حديثه رنة عظمة واعتداد وثقة بالنفس تشعرك بأنك أمام رجل عظيم له مستقبل لامع مجيد ، وفي مقابل هذا تدهش من فرط تواضعه وديمقراطيته.
ومن الشباب السعودي الناجح الموفق « السيد حسين فطاني » نائب القنصل في المفوضية العربية السعودية ، وهن من المتخرجين في دار العلوم، ومن نجوم البعثة السعودية الثانية في مصر التي أوفدت في سنة 1355هـ.
ومن شخصيات المفوضية السعودية البارزة في مصر « السيد إبراهيم السويل » السكرتير الأول بالمفوضية ، وهو من الشخصيات اللامعة في السلك السياسي العربي السعودي ، وينتظر له فيه مستقبل زاهر مجيد (12).
الذهب الأسود في الظهران
عند مادارت بنا الطائرة فوق مطار الظهران على شاطئ الجزيرة العربية الشرقي المطل على الخليج العربي أشار مرافقي ــ وهو طبيب أمريكي من أطباء شركة البترول السعودية الأميركية ــ من نافذة الطائرة إلى أنابيب البترول الممتدة هنا وهناك بطول الصحراء وعرضها ،وقال :
ــ قبل أن نكتشف آبار البترول هنا كانوا يسمون هذا المكان « وادي الأفاعي » ،لأنه كان مملوءًا بالثعابين ، ألا ترى معي أن هذه التسمية مازالت تصدق إلى اليوم.. لقد ذهبت الثعابين حقًا ، ولكن حلت محلها أنابيب البترول هذه.
وهبطنا في المطار ، ونزلنا من الطائرة ، وأشار الطبيب إلى ألسنة من اللهيب تتصاعد في الجو حولنا من بعيد ، وقال : إنهم يحرقون الغازات السامة الخارجة من آبار الزيت .. ستظل هذه النار مشتعلة 250 عامًا.
وفغرت فاي دهشة ، وسألته :
ــ أهكذا تقدرون أمد استغلال هذه الآبار ؟!
ــ بالتأكيد . ، إنها أغنى آبار عرفها التاريخ . . لقد كسبت الديمقراطية بها الحرب الماضية ، وستكسب بها كل حرب مقبلة.
وقضيت خمسة أيام في الظهران أبحث وأدرس ، وأنا أتجول وأزور .. لقد كتب الكثير عن البترول في الجزيرة العربية ،ولكن ما أكتبه اليوم لم يسبق نشره .
إن قصة البترول في الجزيرة العربية ترجع إلى عام 1926م ، عند ما حصلت «شركة كالتكس الأميريكية» على امـتياز للتنقيب عن البترول في جزيرة البحرين ــ الجزيرة المتاخمة لشاطئ الجزيرة العربية الشرقي في الخليج العربي ــ ووفقت الشركة إلى العثور على حقول غنية بالزيت في البحرين . وفي الحال اتجه تفكيرهم إلى تخمين وجود الزيت أيضًا في الشاطئ الغربي المقابل الذي لا يفصله عن الجزيرة أكثر من كيلو مترين من ماء الخليج . وحصلت الشركة على امتياز التنقيب في الجزيرة العربية في سنة 1933م، وبدأت البحث في نفس الأعماق التي حفرتها في البحرين ــ 3000 قدم ــ وحتى سنة 1937م كانت قد حفرت ستة آبار دون أن تعثر على قطرة واحدة من الزيت . وأدرك الباحثين عن الذهب الأسودِ اليأسُ، ولكن أحد خبرائهم .قال لهم ــ وهم يتأهبون للانسحاب بخفى حنين ــ لم لا نحفر أعمق؟ وأعمق.
وسخروا منه ، ولكنه طلب منهم إمهاله بضعة أيام .. وأخذ يحفر أعمق وأعمق في البئر رقم 7 حتى عمق 6500 قدم ، عند ذلك انبثق الزيت كالنافورة، وأغرق وجه الخبير الأمريكي ، فلم يتبين من حوله وصاح صيحة الظفر والانتصار.
وحط الباحثون أمتعتهم ، وعادوا إلى الحفر أعمق وأعمق.
وكان اكتشاف آبار البترول في الجزيرة العربية ..وغيرت الشركة اسمها إلى « أرامكو ARAMCO » اختصار شركة الزيت العربية الأمريكية ، وتحرر عقد الامتياز بينها وبين الحكومة العربية السعودية في صيغته النهائية .. يبدأ من 14 يوليو سنة 1933م ، وينتهي بعد ستين عامًا.
واليوم تستغل هذه الشركة سبعة حقول من آبار الزيت يبلغ مجموع الآبار المنتشرة فيها على مدى 000،440 ميل مربع 121 بئرًا ، ويبلغ متوسط إنتاج هذه الآبار في اليوم الواحد 000،445 برميل من الزيت الخام ، وقد يرتفع هذا الرقم إلى نصف مليون ، والطن ما بين خمسة وسبعة براميل.
وابتدأ الإنشاء والتعمير حتى بلغت تكاليف منشآت الشركة اليوم ملايين الدولارات . ويبلغ صافي أرباح هذه الشركة في اليوم الواحد 625000 دولار بعد خصم المصاريف . ويبلغ دخل الحكومة العربية السعودية في اليوم الواحد نصف هذه الأرباح ،تتقاضاها من الشركة ذهبًا كنص الامتياز.
وكانت الشركة تصادف صعوبة في التصدير ، إذ لم يكن هناك طريق سوى السفن حاملة البترول من ميناء الدمام وميناء رأس تنورة ــ مينائي الظهران- أو عن طريق الأنبوبة الممتدة في أعماق البحر.ولم يكن هذان الطريقان كافيين لتصدير الإنتاج كله أولاً بأول أو يسمحان باستغلال الآبار كلها. ولكن تهيأت فرصة التصدير الكامل بعد أن انتهى العمل من مدة قريبة في خط التابلاين Tapline ، وهو أكبر خط أنابيب بترول من نوعه في العالم ، يبدأ من «بقيق» في ضواحي الظهران ومن حقول المنطقة الكبيرة ، وينتهي عند ميناء صيدا على البحر الأبيض المتوسط في لبنان ، أي يصل ما بين البحر الأبيض والخليج العربي .. مسافة 1160ميلاً ، معظمها في الجزيرة العربية ، ماعدا 200 ميل تمر في شرق الأردن وسورية ولبنان . ويمر بهذا الخط في كل يوم 000،300 برميل من الزيت يمكن زيادتها إلى 000،500 إذا احتاج الأمر . وقد تكلف إنشاؤه 510 ملايين دولار . ويتبع الشركة برميل الزيت الخام تسليم ميناء رأس تنورة بمبلغ 75،1 دولار.
ولا يقتصر ما تأخذه الحكومة على 4 شلنات عن كل طن من البترول الخام، بل تتقاضى من معمل التكرير التابع للشركة برأس تنورة في كل شهر 5 ملايين جالون بنزين ، ونصف مليون جالون كيروسين ، ونصف مليون جالون ديزل.
ويبلغ عدد موظفي الشركة وعمالها 20554 موظفًا موزعين حسب جنسياتهم كالآتي:
12226 سعوديًا ( حوالي 60% من المجموع).
4184 أمريكيًا. 1222 إيطاليًا .
1073 باكستانيًا وهنديًا . 969 عدنيًا.
398 سودانيًا. 300 فلسطيني .
183 من جنسيات مختلفة.
ولموظفي الشركة وعمالها مدينة فخمة يعيشون فيها .. قطعة من مدن أميركا.. نفس البيوت ونفس وسائل الراحة والترفيه ، وملحق بها مستشفيان ضخمان مزودان بمجموعة من الأطباء الأميركيين الأخصائيين ، وفيهما أحدث آلات الطب وأدويته.
زرت مكاتب الشركة المزودة ــ وكذلك المساكن والمستشفيين ــ بآلات تكييف الهواء . ورأيت كل شيء هناك .. كتابة وحسابات ورسم وتصوير .. تقوم به الآلات كما هو الحال في الشركات الأميركية في أميركا ، والأيدي العاملة الكاتبة أو الحاسبة أو الراسمة أوالمصورة محددة وقاصرة على الإشراف على الآلات دون العمل . وفي قسم التصوير اكتشفت اكتشافًا أميركيا عجيبًا . جميع الخارطات والتقارير تصور على أفلام صغيرة ، وترسل للإدارة العامة في أميركا في يسر وسهولة، فتطبع هناك مكبرة ليطلع عليها المديرون.
وقد بنت الشركة في مدينتها « استراحة ملكية » .. ولكن أسد الجزيرة عند مازار الظهران ــ وقد زارها مرتين، المرة الأولى منذ 11 عامًا ،والثانية منذ 3 سنوات أبى أن ينزل في هذه الاستراحة،وآثر أن ينزل في خيام الركب الملكي في الفضاء . وبقيت الاستراحة الملكية مغلقة إلى اليوم .
وآية أخرى لابن السعود أن جعل عطلة الشركة الجمعة، لا الأحد؛ احترامًا لتقاليد الإسلام وبلد المسلمين . وآية آياته هناك أنك لا تجد أثرًا للبوليس أو الخفراء سواء حول منشآت الشركة أو بيوت موظفيها وعمالها .. إن أمن الجزيرة العربية يظل الظهران ،وحكم أسد الجزيرة .. حكم الشرع.. يؤمنها من كل شر أو عدوان .