عرض مشاركة واحدة
قديم 11/01/2020, 02:59 AM   #14
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي




ملاسي والغزل

اغراض الشعر خمسة (المدح و الهجاء، الوصف، الرثاء، الغزل ) وهناك من يضيف إليه غرضا سادسا وهو ( الشكوى ) وإن كان البعض يدخل هذا تحت بند ( الوصف ) أي وصف الشاعر لحالته التي يشكو منها، والملاحظ أننا عندما نورد دواوين شعرائنا ( شعراء الجنوب ) نتحاشى المرور على ما اوردوه في الغزل أو أننا نشير إليه عن بعد وعلى استحياء وكأننا عن قصد نوسمهم بما لم يوسم به البشر مع أن المأثور عن الشعراء في الجاهلية والإسلام أنهم طرقوا هذا الجانب وتوسعوا فيه حتى نُسب بعضهم إلى معشوقته ـ ككثيّر عزّة، وجميل بثينة، ومعشوق ليلى ـ وغيرهم، وقد صرّح بعض الشعراء في نظمه بإسم المعشوقة ولم ينكر عليه أحد ذلك، فكعب بن زهير مثلا أنشد أمام النبي صلى الله عليه وسلم قصيدته المشهورة :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * * * متيم اثرها لم يفد مكبول

فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم التصريح بإسمها ولم يلمه على ذلك ، كما ذهب غيره إلى مثل ما ذهب إليه فقال الأعشى في محبوبته هريرة :

ودع هريرة إن الركب مرتحل ... و هل تطيق وداعاً أيها الرجل

غراء فرعاء مصقولٌ عوارضها ... تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل

كأن مشيتها من بيت جارتها ... مر السحابة لا ريثٌ و لا عجل


وقال جميل بثينة :

فهلاّ تجزني أمُّ عمروٍ بودها * * * فإنّ الذي أخفي بها فوقَ ما أبدي

وكلّ محبٍ لم يزدْ فوقَ جهده * * * ِ وقد زدتها في الحبّ منيّ على الجهدِ

إذا ما دنتْ زدتُ اشتياقاً وإن نأتْ * * * جزعتُ لنأيِ الدارِ منها وللبعدِ

أبى القلبُ إلاّ حبَّ بثنة ِ لم يردْ * * * سواها وحبُّ القلبِ بثنة َ لا يجدي

تعلّقَ روحي روحَها قبل خَلقِنا * * * ومن بعد ما كنا نطافاً وفي المهدِ

فزاد كما زدنا، فأصبحَ نامياً * * * وليسَ إذا متنا بِمُنتقَضِ العهد


وروي عن كثير عزة قوله :

ألا لَيْتَنا يا عَزَّ كُنَّا لِذِي غِنًى * * * بعيرينِ نرعى في الخلاءِ ونعزُبُ

كِلانا به عَرٌّ فمَنْ يَرَنا يقُلْ * * * على حسنِها جرباءُ تُعدي وأجربُ

إذا ما وَردنا مَنْهلاً صَاحَ أهلُهُ * * * علينا فما ننفكُّ نُرمى ونُضربُ

نكونُ بعيريْ ذي غنى ً فيُضيعُنا * * * فلا هُوَ يرْعانا ولا نَحْن نُطْلَبُ

يُطّرِدُنا الرُّعيانُ عَنْ كُلِّ تلْعة ٍ * * * ويمنعُ مِنّا أَنْ نُرى فيه نَشْرَبُ

وددتُ -وبيتِ اللهِ- أنّكِ بكرة ٌ * * * هجانٌ وأنّي مُصعَبٌ ثمَّ نهرُبُ


وقال قيس بن الملوح :

تعلقت ليلى وهي ذاتُ تمائمً * * * ولم يبدُ للاتراب من ثديها حجمُ

صغيران نرعى البهم ياليت أنّنا * * * بقينا ولم نكبر ولم تكبر البهمُ


وقال قيس بن ذريح في لبنى :

يقولون لبنى فتنة كنت قبلها * * * بخير فلا تندم عليها وطلق

فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي * * * وأقررت عين الشامت المتملق

وددت وبيت اللّه أني عصيتهم * * * وحملت في رضوانها كل موثق

وكلفت خوض البحر والبحر زاخر * * * أبيت على اثباج موج مفرق

كأني أرى الناس المحبين بعدها * * * عصارة ماء الحنظل المتفلق

فتنكر عيني بعدها كل منظر * * * ويكره سمعي بعدها كل منطق


فما بالنا نحن نخفي ما قاله شعراؤنا في هذا الجانب أو نتجنب الخوض فيه مع أنه لم يؤثر عن أحد منهم أنه ذكر إسم محبوبته أو تطرق لوصف شئ منها وانما اكتفى بالرمز لها بما تطيب النفس بتذوقه ( كالتمر والعسل والبن والعنب والبُرّ وما في حكمها ) او بما ترتاح العين لرؤيته ( كالشمس والقمر ) وما شابههما ؟!

يقول دغسان رحمه الله :

يابرّ ماهو من جميع الحَبّ شبّه
راوياً ياحَب ش ارواك
غالي وجاله في بلاد الحَبّ شِيطان
مايجي للحَبّ شواني
لاسيق ضلاّ له في البقعا ترنه


وفي قصيدة أخرى يقول :


ياتمر صفري زان في ملك إنتظامي
مال غرسه ودّيش رُبّ
يزهي ويتزايد متى ما يهبط السوق
وله التجار ولما
دونه حراراً فايته وارواض مايه


ويقول الشاعر سعد بن عبد الرحمن رحمه الله :

يارازقيا بطن وادي فيق فانا
له نوامي شرّعت به
لاصد عوده بالروى له راج فيه
زاد طلعه عالمنى هيل
كلا يقل ياليت قوتي من هبوره



وفي قصيدة اخرى يقول :


ياصالبيا فا لخلي والما جرى له
في قصابه ردّ ع ألما
يازين غرسه مال بين الشمس والفي
له من الحُلَّق نبع جم
تحيي القلوب الميته يا بُنّ صدري


ويقول الشاعر حميد المحضري رحمه الله :

ياشهر ما ودّي تغيّب ليل عنّا
اولك نوراً وتاليك
واما ليالي النص ريتك في كباير
كل وادي نار به نار
نورك على الغوقه بوادي فيق هاوي


وفي قصيدة أخرى يقول :

يا جلس نحل من صدور اهل التهم جا
جاليه متولعينا
فايت ورا مزحك ومشي من رماضي
سد بيبان لحاجه
وهو دوا الروح العليل ومجار بله


اذا لاحضنا أن أحدا منهم لم يتفحش في الغزل ولم يشر إلى إسم محبوبته أو يتطرق لها من قريب أو بعيد فلم نتجنب تدوين غزلهم مع أنهم نظموه ولم يتنكر له أحد منهم ؟!

جمع محمد ملاسي انواعا ثلاثة من اغراض الشعر في قصيدة واحدة تتكون من ثلاثة أبيات فقط حيث اشتكى ووصف حالته وتغزّل فماذا قال :

يقلك إبن جهاد ما ابغي حماة البير
ورحت ما الوادي معيّل من الظما
باموت يادغسان والماء نصيّره


حماة البير : ماء من اسفل البئر مختلط بطين أسود
معيّل : حالة بين الإغمائة والإفاقة
نصيّره : نشاهده

فأي عبقرية هذه التي جمعت بين ثلاثة من اغراض الشعر في هذه الابيات الثلاثة ؟! إنها عبقرية ملاسي بلا شك فهل يسعفنا أحد برد دغسان الذي تتضح من خلاله عبقريته أيضا ؟! ارجو ذلك .


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس