عرض مشاركة واحدة
قديم 18/07/2016, 11:44 AM   #3
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



(تابع) شرح المعلقات العشر للخطيب: محمد بن عبد الله التبريزي
21- أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي = وأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي الْقَلْبَ يَفْعَلِ؟
َغَرَّكِ)؛ أيْ: أَحَمَلَكِ على الغِرَّةِ، وهوَ فِعْلُ مَنْ لم يُجَرِّبِ الأمورَ. و(أنَّ حُبَّكِ) في موضِعِ رَفْعٍ، كأنَّكَ قُلْتَ: أَغَرَّكِ منِّي حُبِّيكِ؟ و(تَأْمُرِي) في مَوْضِعِ جَزْمٍ بـ(مَهْمَا). قالَ الخَلِيلُ: الأصلُ في (مَهْمَا) مَامَا، فـ(مَا) الأُولَى تَدْخُلُ للشرطِ في قولِكَ: ما تَفْعَلْ أَفْعَلْ، و(مَا) الثانيَةُ زائدةٌ للتوكيدِ.
وقالَ الفَرَّاءُ: كانَ الأصلُ في (مَهْمَا) ما، فحَذَفَت العربُ الألفَ منها، وجَعَلَت الهاءَ خَلَفاً مِنها، ثُمَّ وُصِلَتْ بـ(مَا)، فدَلَّتْ على المعنَى، وصارَتْ هيَ كأنَّها صِلَةٌ لـ(مَا)، وهيَ في الأصلِ اسمٌ. وكذلكَ (مَهْمَنْ). قالَ الشاعِرُ:
أَمَاوِيَّ مَهْمَنْ يَسْتَمِعْ في صَديقِهِ =أَقَاوِيلَ هذا النَّاسِ مَاوِيَّ يَنْدَمِ
وقيلَ: معنى (مَهْ)؛ أيْ: كُفَّ، كما تقولُ للرجلِ إذا فعَلَ فِعْلاً لا تَرْضَاهُ مِنهُ: مَهْ؛ أيْ: كُفَّ.
والمعنى: فإنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي قَلْبَكِ يَفْعَلْ؛ لأنَّكَ مَالِكَةٌ لهُ، وأنا لا أَمْلِكُ قَلْبِي. وقالَ قومٌ: المعنى: مَهْمَا تَأْمُرِي قَلْبِي يَفْعَلْ؛ لأنَّهُ مُطِيعٌ لكِ.
22- وما ذَرَفَتْ عَيْنَاكِ إِلاَّ لِتَضْرِبِي = بِسَهْمَيْكِ فِي أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ
َرَفَتْ): دَمَعَتْ.و(مُقَتَّلٌ): مُذَلَّلٌ مُنْقَادٌ. وقولُهُ: (إِلاَّ لِتَضْرِبِي بِسَهْمَيْكِ) يقولُ: ما بَكَيْتِ إلاَّ لِتَجْرَحِي قَلباً مُعَشَّراً؛ أيْ:مُكَسَّراً، مِنْ قولِهم: بُرْمَةٌ أَعْشَارٌ، وقَدَحٌ أَعْشَارٌ، إذا كانَ قِطَعاً، ولم يُسْمَعْ للأعشارِ بواحِدٍ.
يقولُ: بَكَيْتِ لِتَجْعَلِي قَلْبِي مُقَطَّعاً مُخَرَّقاً، كما يُخَرِّقُ الجابِرُ أعشارَ البُرمةِ، والبُرمةُ تَنْجَبِرُ والقلبُ لا يَنْجَبِرُ. ومثلُهُ:

رَمَتْكَ ابْنَةُ البَكْرِيِّ عنْ فَرْعِ ضَالَةٍ = وهُنَّ بِنَا خُوصٌ يُخَلْنَ نَعَائِمَا

أيْ: نَظَرَتْ إليكَ، فأَقْرَحَتْ قَلْبَكَ، ليسَ أنَّها رَمَتْكَ بسَهْمٍ.
وقيلَ: معناهُ:أنَّ هذا مَثَلٌ لأَعْشَارِ الجَزُورِ، وهيَ تُقَسَّمُ على عَشَرَةِ أَنْصِبَاءَ، ثمَّ يُجَالُ عليها بالسِّهامِ، التي هيَ: الفَذُّ والتَّوْءَمُ والرَّقِيبُ والحِلْسُ والنافِسُ والمُسْبِلُ والمُعَلَّى، فالفَذُّ لهُ نصيبٌ إذا فازَ، والتوءَمُ لهُ نَصِيبَانِ، والرَّقِيبُ لهُ ثلاثةُأَنْصِبَاءَ، والحِلْسُ لهُ أربعةٌ، والنافِسُ لهُ خَمْسَةٌ، والمُسْبِلُ لهُ سِتَّةٌ، والمُعَلَّى لهُ سبعةٌ.فقولُهُ: (بِسَهْمَيْكِ) يُرِيدُ: المُعَلَّى، ولهُ سبعةُ أَنْصِبَاءَ، والرَّقِيبَ ولهُ ثلاثةُ أَنْصِبَاءَ، فأرادَ أنَّكِ ذَهَبْتِ بقَلْبِي أَجْمَعَ.
ورَوَى أبو نَصْرٍ عن الأَصْمَعِيِّ أنَّهُ قالَ: معناهُ: دَخَلَ حُبُّكِ في قلبي كما يَدْخُلُ السَّهْمُ، يقولُ: لم تَبْكِي لأنَّكِ مظلومةٌ، وإنَّما بَكَيْتِ لِتَقْدَحِي في قلبي، كما يَقْدَحُ القادِحُ في الأعشارِ. وأَجْوَدُ هذهِ الوجوهِ أنْ يكونَ المرادُ بالسهميْنِ المُعَلَّى والرقيبَ؛ لأنَّهُ جَعَلَ بُكاءَها سَبَباً لِغَلَبَتِها على قَلْبِهِ، فكأنَّها حينَ بَكَتْ فازَ سَهْمَاهَا، شَبَّهَهَا باليَسَرِ - وهوَ المُقَامِرُ - إذا اسْتَوْلَى بقَدَحَيْنِ على أعشارِ الجَزُورِ؛ وذلكَ أنَّهُ لا يُسْتَوْلَى على الجَزُورِ كُلِّها بأَقَلَّ مِنْ سَهْمَيْنِ.
23- وَبَيْضَةِ خِدْرٍ لا يُرَامُ خِبَاؤُهَا = تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ
أيْ: رُبَّ بَيْضَةِ خِدْرٍ، يعني امرأةً كالبَيْضَةِ في صِيَانَتِها، وقِيلَ: في صفائِها ورِقَّتِها، (لا يُرَامُ خِبَاؤُها)؛ لِعِزِّها. و(الخِبَاءُ): ما كانَ على عَمُودَيْنِ أوْ ثلاثةٍ، والبيتُ: ما كانَ على سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ إلى التسعةِ، والخَيْمَةُ: ما كانَ على الشَّجَرِ.
يقولُ: رُبَّ امْرَأَةٍ مُخَدَّرَةٍ مَكْنُونَةٍ، لا تَبْرُزُ للشمسِ ولا تَظْهَرُ للناسِ، ولا يُوصَلُ إليها، وَصَلْتُ إليها وتَمَتَّعْتُ منها؛ أيْ: جَعَلْتُها لي بمنزلةِ المتاعِ، (غَيْرَ مُعْجَلِ): غيرَ خائفٍ؛ أيْ: لم يَكُنْ ذلكَ ممَّا كُنْتُ أَفْعَلُهُ مَرَّةً ومَرَّتَيْنِ.
24- تَجَاوَزْتُ أَحْرَاساً إِلَيْهَا ومَعْشَراً = عَلَيَّ حِرَاصاً لوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلِي
(أَحْرَاسٌ): جمعُ حَرَسٍ، ويُرْوَى: (تَخَطَّيْتُ أَبْوَاباً إِلَيْهَا)، و: (أَهْوَالاً إليها).و(مَعْشراً) يُرِيدُ قَوْمَها، ويُرْوَى: (يُسِرُّونَ) بالسينِ غيرَ مُعْجَمَةٍ، و(يُشِرُّونَ) بالشينِ معجمةً. فَمَنْ رَوَاهُ بالسينِ غيرَ معجمةٍ احْتَمَلَ أنْيكونَ معناهُ: يَكْتُمُونَ، ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ معناهُ: يُظْهِرُونَ، وهوَ من الأَضَّدادِ. وقيلَ في قَوْلِهِ تعالى: َأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ}:إنَّ معناهُ: أَظْهَرُوا، وقِيلَ: كَتَمُوها ممَّنْ أَمَرُوهُ بالكفرِ.
وأما (يُشِرُّونَ) فمعناهُ: يُظْهِرُونَ لا غيرُ، يُقَالُ: أَشْرَرْتُ الثوبَ إذا نَشَرْتَهُ، ومعنى البيتِ: أنِّي تَجَاوَزْتُ الأحراسَ وغيرَهم حتَّى وَصَلْتُ إليها، وهم يُهِمُّونَ بقَتْلِي ويَفْزَعُونَ مِنْ ذلكَ؛ لنَبَاهَتِي ومَوْضِعِي مِنْ قَوْمِي.
وقولُهُ: (لوْ يُشِرُّونَ مَقْتَلِي) يُريدُ: أنْ يُشِرُّوا، و(أنْ) تُضَارِعُ (لَوْ) في مثلِ هذا الموضعِ. يُقَالُ: وَدِدْتُ أنْ يقومَ عبدُ اللَّهِ، ووَدِدْتُ لوْ قامَ عبدُ اللَّهِ. إلاَّ أنَّ (لَوْ) يَرْتَفِعُ المستقبَلُ بعدَها، و(أنْ) تَنْصِبُ الفعلَ المستقبَلَ.قالَ اللَّهُ تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ}، فجاءَ بـ(أنْ). وقالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}، والمعنى: وَدُّوا أنْ تُدْهِنَ فيُدْهِنُوا. و(إلى) تَتَعَلَّقُ بـ(تَجَاوَزْتُ) و(عَلَيَّ) بـ(حِرَاصٍ)، و(مَقْتَلِي) منصوبٌ بـ(يُشِرُّونَ).
25- إذَا مَا الثُّرَيَّا في السماءِ تَعَرَّضَتْ = تَعَرُّضَ أَثْنَاءِ الوِشَاحِ المُفَصَّلِ
العامِلُ في (إذَا) قولُهُ:َجَاوَزْتُ) في البيتِ الذي قبلَهُ، والمعنَى: تَجَاوَزْتُ أَحْرَاساً إليها عندَ تَعَرُّضِ الثُّرَيَّا في السماءِ، في وَقْتِ غَفْلَةِ رُقَبَائِها. وقولُهُ:َعَرَّضَتْ) مَعْنَاهُ: أنَّ الثُّرَيَّا تَسْتَقْبِلُكَ بأَنْفِهَا أَوَّلَ ما تَطْلُعُ، فإذا أَرَادَتْ أَنْ تَسْقُطَ تَعَرَّضَتْ، كما أنَّ الوِشَاحَ إذا طُرِحَ تَلَقَّاكَ بِنَاحِيَتِهِ. و(الوِشَاحُ): خَزَرٌ يُعْمَلُ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ. و(المُفَصَّلُ): الذي قدْ فُصِّلَ بالزَّبَرْجَدِ. و(أثناءُ الوِشاحِ): نَوَاحِيهِ ومُنْقَطَعُهُ. والأثناءُ: واحِدُها ثِنْيٌ وثِنًى وثَنًى.وواحِدُ آلاءِ اللَّهِ: إِلْيٌ وإِلًى وأَلًى. وواحِدُ آناءِ الليلِ: إِنْيٌ وإِنًى وأَنًى.
وأَنْكَرَ قومٌ: ِذَا ما الثُّرَيَّا في السماءِ تَعَرَّضَتْ)، وقَالُوا: الثُّرَيَّا لا تَعَرُّضَ لها. وقَالُوا: عَنَى بالثُّرَيَّا الجَوْزَاءَ؛ لأنَّ الثُّرَيَّا لا تَعَرَّضُ. وقدْ تَفْعَلُ العربُ مثلَ هذا، كما قالَ زُهَيْرٌ: (كَأَحْمَرِ عَادٍ)، والمرادُ: أَحْمَرُ ثَمُودَ، فجَعَل عاداً في موضعِ ثَمُودَ لضرورةِ الشِّعرِ.
وقالَ أبو عمرٍو: تَأْخُذُ الثُّرَيَّا وسطَ السماءِ كما يَأْخُذُ الوِشاحُ وسَطَ المرأةِ،شَبَّهَ اجتماعَ كواكِبِ الثُّرَيَّا، ودُنُوَّ بَعْضِها منْ بعضٍ بالوشاحِ المُنَظَّمِ بالوَدَعِ المفصَّلِ بينَهُ.ويقالُ: إنَّها إذا طَلَعَتْ طَلَعَتْ على استقامةٍ، فإذا اسْتَقَلَّتْ تَعَرَّضَتْ.
26- فجِئْتُ وَقَدْ نَضَتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا = لَدَى السِّتْرِ إِلاَّ لِبْسَةَ المُتَفَضِّلِ
َضَتْ): أَلْقَتْ. والواوُ في (وَقَدْ نَضَتْ) واوُ الحالِ. و(المُتَفَضِّلُ): الذي يَبْقَى في ثوبٍ واحدٍ؛ لِيَنَامَ أوْ لِيَعْمَلَ عَمَلاً.واسمُ الثيابِ الفُضُلُ، ويقالُ للرَّجُلِ والمرأةِ: فُضُلٌ أيضاً. والمِفْضَلُ: الإِزَارُ الذي يُنَامُ فيهِ. يُخْبِرُأنَّهُ جَاءَها وَقْتَ خُلْوَتِها ونومِها؛ لِيَنَالَ مِنها ما يُرِيدُ.
27- فَقَالَتْ: يَمِينَ اللَّهِ مَا لَكَ حِيلَةٌ = وما إنْ أَرَى عَنْكَ الغَوَايَةَ تَنْجَلِي
ويُرْوَى: (وما إنْ أَرَى عَنْكَ الْعَمَايَةَ). والعَمايَةُ: مصدرُ عَمِيَ قَلْبُهُ يَعْمَى عَمًى وعَمايَةً.
و(الغَوَايَةُ) والغَيُّ واحدٌ. و(تَنْجَلِي): تَنْكَشِفُ، وجَلَيْتُ الشيءَ كَشَفْتَهُ.و(يَمينَ اللَّهِ)، منصوبٌ بمعنَى: حَلَفْتُ بيمينِ اللَّهِ، ثمَّ أَسْقَطَ الحرفَ فتَعَدَّى الفعلُ.ويُرْوَى:(يَمِينُ اللَّهِ) بالرفعِ، ورَفْعُهُ على الابتداءِ، وخَبَرُهُ محذوفٌ، والتقديرُ: يَمِينُ اللَّهِ قَسَمِي، أوْ: عَلَيَّ.
و(إنْ) في قَوْلِهِ: (ما إنْ أَرَى عَنْكَ الغَوَايَةَ) توكيدٌ للنفيِ. ومعنى البيتِ: أنَّها خافَتْ أنْ يُظْهَرَ عَلَيْهِمَا، ويُعْلَمَ بأَمْرِهِما، فالمعنى: ما لَكَ حِيلةٌ في التخلُّصِ.ويَجُوزُ أنْ يكونَ المعنَى: مالَكَ حِيلةٌ فيما قَصَدْتَ لهُ. وقالَ ابنُ حبيبٍ: إنِّي لا أَقْدِرُ أنْ أَحْتَالَ في دَفْعِكَ عَنِّي.
28- فَقُمْتُ بِهَا أَمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَا = عَلَى إِثْرِنَا أَذْيَالَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ
ويُرْوَى: (على أَثَرَيْنَا ذَيْلَ مِرْطٍ)، والمِرْطُ: إزارُ خَزٍّ مُعْلَمٌ.و(المُرَحَّلُ): الذي فيهِ صُوَرُ الرِّحَالِ مِن الوَشْيِ.وقولُهُ: (أَمْشِي) في موضعِ النصبِ على الحالِ.
ومعنى البيتِ: أنَّها لَمَّا قالَتْ لهُ: مَالَكَ حِيلَةٌ هنا،خَرَجَ بها إلى الخَلْوَةِ، ومعنى جَرِّها أَذْيَالَهَا: أنَّها تَفْعَلُ ذلكَ لِتُعَفِّيَ أَثَرَهُما؛ لِئَلاَّ يُقْتَفَى أَثَرُهما فيُعْرَفَ مَوْضِعُهما.
29- فلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى = بِنَا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي قِفَافٍ عَقَنْقَلِ
َجَزْنَا) وجُزْنَا بمعنًى واحدٍ.وقالَ الأَصْمَعِيُّ: (أَجَزْنَا): قَطَعْنَا وخَلَّفْنَاهُ، وجُزْنَا: سِرْنَا فيهِ. و(السَّاحَةُ) والبَاحَةُ والفَجْوَةُ والعَرْوَةُ والنَّالَةُ كُلُّها فِناءُ الدارِ، ويُقالُ: هيَ الرَّحْبَةُ كالعَرْصَةِ. و(انْتَحَى): اعْتَرَضَ.و(الخَبْتُ): بَطْنٌ مِن الأرضِ غَامِضٌ.ويُرْوَى: (بَطْنُحِقْفٍ)، والحِقْفُ: ما اعْوَجَّ مِن الرملِ وانْثَنَى، وجمعُهُ أَحْقَافٌ.و(القُفُّ): ما ارْتَفَعَ مِن الأرضِ وغَلُظَ ولم يَبْلُغْ أنْ يكونَ جَبَلاً. ويُرْوَى: (ذِي رُكامٍ)، والرُّكَامُ: ما يَرْكَبُ بَعْضُهُ بعضاً مِن الكثرةِ. و(العَقَنْقَلُ): المُتَعَقِّدُ الداخِلُ بعضُهُ في بعضٍ. وعَقَنْقَلُ الضَّبِّ: بَطْنُهُ المُتَعَقِّدُ، وهوَ كُشْيَتُهُ وبَيْضُهُ.والكُشْيَةُ: شَحْمُهُ منْ أصلِ حَلْقِهِ إلى رُفْغِهِ.
وجوابَُلَمَّا أَجَزْنَا) قولُهُ:
30- هَصَرْتُ بِفَوْدَيْ رَأْسِهَا فَتَمَايَلَتْ =عَلَيَّ هَضِيمَ الكَشْحِ رَيَّا المُخَلْخَلِ
وذَكَرَ بعضُهم أنَّ جوابََمَّا) قولُهُ:(انْتَحَى بِنَا)، والواوُ مُقْحَمَةٌ.ويَجُوزُ أنْ تكونَ الواوُ غيرَ مُقْحَمَةٍ، ويكونَ الجوابُ محذوفاً، ويكونَ التقديرُ: فلَمَّا أَجَزْنَا ساحةَ الحيِّ أَمِنَّا.وعلى هذا الوَجْهِ تكونُ رِوايَةُ البيتِ الذي بعدَهُ:

إذَا قُلْتُ: هَاتِي نَوِّلِينِي تَمَايَلَتْ =عَلَيَّ....البيتَ.

ويُرْوَى: (مَدَدْتُ بِغُصْنَيْ دَوْمَةٍ). ودَوْمَةٌ: شَجَرَةٌ. و(الفَوْدَانِ): جَانِبَا الرَّأْسِ. ومعنى (هَصَرْتُ): جَذَبْتُ وثَنَيْتُ.و(الكَشْحُ): ما بَيْنَ مُنْقَطَعِ الأضلاعِ إلى الوَرِكِ.و(المُخَلْخَلُ): موضِعُ الخُلْخَالِ، يَصِفُ دِقَّةَ خَصْرِها وَعَبَالَةَ سَاقَيْهَا. و(هَضِيمُ الكَشْحِ) منصوبٌ على الحالِ، وكذلكَ (رَيَّا المُخَلْخَلِ).
ومَنْ رَوَى: (إذا قُلْتُ: هَاتِي نَوِّلِينِي) فمعنى التنويلِ التَّقْبِيلُ، وهوَ من النَّوَالِ: العَطِيَّةِ.ويكونُ (إذَا) ظَرْفََمَايَلَتْ)، وهوَ الجوابُ.
و(إذا) تُشْبِهُ حُرُوفَ الشرطِ، وشَبَهُها بها أنَّها تَرُدُّ الماضِيَ إلى المستقبَلِ، ألا تَرَى أنَّكَ إذا قُلْتَ: إذا قُمْتَ قُمْتُ، فالمعنى: إذا تَقُومُ أَقُومُ. وأيضاً فلأنَّهُ لا بُدَّ لها منْ جوابٍ كحروفِ الشرطِ، ولأنَّهُ لا يَلِيها إلاَّ فِعْلٌ، فإنْ وَلِيَها اسمٌ أَضْمَرْتَ معَهُ فعلاً؛ كقولِ الشاعِرِ:

إذا ابْنَ أَبِي مُوسَى بِلالاً بَلَغْتِهِ = فقامَ بفَأْسٍ بَيْنَ وَصْلَيْكِ جَازِرُ

والتقديرُ: إذا بَلَغْتِ ابنَ أبي مُوسَى. ورَوَى سِيبَوَيْهِ: إذا ابنُ أَبِي موسَى، بالرَّفْعِ. وزَعَمَ أبو العبَّاسِ أنَّ هذا غَلَطٌ، أنْ يُرْفَعَ ما بعدَ إذا بالابتداءِ، ولَكِنَّهُ يَجُوزُ الرَّفْعُ عِنْدَهُ على تَقْدِيرِ: إذا بَلَغَابْنُ أَبِي مُوسَى. والخليلُ وأصحابُهُ يَسْتَقْبِحُونَ أنْ يُجَازُوا بـ(إذَا)، وإنْ كانَتْ تُشْبِهُ حروفَ المُجازاةِ في بعضِ أحوالِها؛ فإنَّها تُخَالِفُهُنَّ بأنَّ ما بعدَها يَقَعُ مُؤَقَّتاً؛ لأنَّكَ إذا قُلْتَ: آتِيكَ إذا احْمَرَّ البُسْرُ، فهوَ وَقْتٌ بعينِهِ. وكذلكَ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ِذَا السَّمَاءُانْشَقَّتْ} وقتٌ بعينِهِ. فَلِهَذَا قُبِّحَ أنْ يُجَازَى بها إلاَّ في الشعرِ،قالَ الشاعِرُ:

تَرْفَعُ لِي خِنْدِفٌ واللَّهُ يَرْفَعُ لِي =ناراً إذَا مَا خَبَتْ نِيرَانُهم تَقِدِ

و(هَضِيمٌ) عندَ الكُوفِيِّينَ بمعنى مهضومةٍ؛ فلذلكَ كانَ بلا هاءٍِ، وهوَ عندَ سِيبَوَيْهِ على النَّسَبِ.وأرادَ بـ(الكَشْحِ) الكشحيْنِ، كما تقولُ: كَحَلْتُ عَيْنِي، تُرِيدُ: عَيْنَيَّ. و(رَيَّا): فَعْلَى مِن الرِّيِّ.والرِّيُّ: انتهاءُ شُرْبِ العَطشانِ، فهوَ عندَ ذلكَ يَمْتَلِئُ جَوْفُهُ، فقيلَ لكلِّ مُمْتَلِئٍ مِنْ شَحْمٍ ولَحْمٍ: رَيَّانُ.
ومعنى البيتِ: أنَّهُ إذا قالَ لها: نَوِّلِينِي، تَمَايَلَتْ عليهِ بِيَدَيْهَا مُلْتَزِمَةً لهُ.
31- مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفاضةٍ =تَرَائِبُها مصقولةٌ كالسَّجَنْجَلِ
(المُهَفْهَفَةُ): الخَفيفةُ اللَّحْمِ التي لَيْسَتْ برَهِلَةٍ، ولا ضَخْمَةِ البطنِ. و(المُفَاضَةُ): المُسْتَرْخِيَةُ البَطْنِ، وكأنَّهُ مِنْ قَوْلِهِم: حديثٌ مُسْتَفِيضٌ.
و(الترائِبُ): جمعُ تَرِيبَةٍ، وهوَ مَوْضِعُ القِلادةِ من الصَّدْرِ.و(السَّجَنْجَلُ): الِمرآةُ، وقيلَ: سَبِيكَةُ الفِضَّةِ، وهيَ لَفْظَةٌ رُومِيَّةٌ. وروايَةُ أبي عُبَيْدَةَ: (مَصْقُولَةٌ بالسَّجَنْجَلِ).وقيلَ: (السَّجَنْجَلُ): الزَّعْفَرَانُ. وقيلَ: ماءُ الذَّهَبِ.
و(مُهَفْهَفَةٌ) مرفوعةٌ على أنَّها خَبَرُ مبتدأٍ محذوفٍ.والكافُ في قَوْلِهِ: (كالسَّجَنْجَلِ) في موضِعِ رفعٍ نعتٍ لقولِهِ: َصْقُولَةٌ).ويَجُوزُ أنْ يكونَ في موضِعِ نَصْبٍ على أنْ يكونَ نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ، كأنَّهُ قالَ: مصقولةٌ صَقلاً كالسَّجَنْجَلِ. وإنَّما يَصِفُ المرأةَ بحَداثةِ السِّنِّ. ويُجْمَعُ السَّجَنْجَلِ: سَجَاجِلَ.ومَنْ رَوَى (بالسَّجَنْجَلِ) فالجارُّ والمجرورُ في موضِعِ النَّصْبِ.
32- تَصُدُّ وتُبْدِي عَنْ أَسِيلٍ وتَتَّقِي =بِنَاظِرَةٍمِنْ وَحْشٍ وَجْرَةَ مُطْفِلِ
أيْ: تُعْرِضُ عَنَّا، وتُبْدِي عنْ خَدٍّ (أَسِيلٍ) ليسَ بِكَزٍّ، وتَلْقَانَا (بناظِرةٍ)؛ يعني عَيْنَها. و(وَجْرَةُ): مَوْضِعٌ، وأرادَ بـ(وحشِ وَجْرَةَ) الظباءَ.ويُرْوَى: (تَصُدُّ وتُبْدِي عنْ شَتِيتٍ)؛ أيْ: عنْ ثَغْرٍ شَتِيتٍ.والشَّتِيتُ: المُتَفَرِّقُ.
و(مُطفِلٌ): ذَاتُ طِفْلٍ. قالَ الفَرَّاءُ: لم يَقُلْ مُطْفِلَةً؛ لأنَّ هذا لا يكونُ إلاَّ للنِّسَاءِ، فصارَ عندَهُ مِثْلَ: حائضٍ.وهوَ على مذهَبِ سِيبَوَيْهِ على النَّسَبِ، كأنَّهُ قالَ: ذاتِ أطفالٍ. والدليلُ على صِحَّةِ قولِهِ أنَّهُ يُقَالُ: مُطْفِلَةٌ، إذا أَرَدْتَ أنْ تَأْتِيَ بهِ، على قولِكَ: أَطْفَلَتْ فهيَ مُطْفِلَةٌ.ولوْ كانَ ما يَقَعُ للمؤنَّثِ، لا يَشْرَكُهُ فيهِ المُذَكَّرُ، لا يَحْتَاجُ إلى الهاءِ فيهِ ما جازَ: مُطْفِلَةٌ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: َذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}.
وقولُهُ: (بناظرةٍ)؛ أيْ: بعينٍ ناظرةٍ.قالَ ابنُ كَيْسَانَ: وتَتَّقِي بناظرةِ مُطْفِلٍ، كأنَّهُ قالَ: بناظرةِ مُطْفِلٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ، ثمَّ غَلِطَ فجاءَ بالتنوينِ، كما قالَ الآخَرُ:
رَحِمَ اللَّهُ أَعْظُماً دَفَنُوهَا =بِسِجِسْتَانَ طَلْحَةِ الطَّلَحَاتِ
تقديرُهُ: رَحِمَ اللَّهُ أَعْظُمَ طَلْحَةِ الطَّلَحَاتِ، فنوَّنَ ثمَّ أَعْرَبَ (طَلْحَةَ) بإعرابَِعْظُمٍ).والأجودُ إذا فُرِّقَ بينَ المضافِ والمضافِ إليهِ ألاَّ يُنَوَّنَ؛ كقولِهِ:

كأنَّ أَصْوَاتَ مِنْ إيغالِهِنَّ بِنَا = أَوَاخِرِ المَيْسِ إِنْقَاضُ الفَرَارِيجِ

كأنَّهُ قالَ: كأنَّ أصواتَ أَوَاخِرِ المَيْسِ.
وفي بَيْتِ امْرِئِ القَيْسِ تقديرٌ أَحْسَنُ منْ هَذَا، وهوَ أنْ يكونَ التقديرُ: بناظرةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ نَاظِرَةِ مُطْفِلٍ، وتَحْذِفُ (نَاظِرَةً) وتُقِيمُُطْفِلاً) مُقَامَهُ. وكذلكَ قولُهُ: (طَلْحَةِ الطَّلَحَاتِ)، كأنَّهُ قالَ: أَعْظُمَ طَلْحَةِ الطَّلَحَاتِ، ثمَّ حَذَفَ أَعْظُماً وأقامَ طَلْحَةَ مُقَامَها.
ومعنى البيتِ: أنَّها تُعْرِضُ عنَّا اسْتِحْيَاءً، وتَبَسَّمُ فيَبْدُو لنا ثَغْرُها. و(تَتَّقي)؛ أيْ: تَلَقَّانَا بعدَ الإعراضِ عَنَّا بمُلاحَظَتِها، كما تُلاحِظُ الظَّبْيَةُ طِفْلَها. وذلكَ أَحْسَنُ مِنْ غُنْجِ المرأةِ.
33- وَجِيدٍ كَجِيدِ الرِّيمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ =إِذَا هِيَ نَصَّتْهُ ولا بِمُعَطَّلِ
(الجِيدُ): العُنُقُ، و(الرِّيمُ): الظبيُ الأبيضُ الخالِصُ البَيَاضِ. شَبَّهَ عُنُقَها بعُنُقِ الظَّبْيَةِ.و(نَصَّتْهُ): رَفَعَتْهُ.و(المُعَطَّلُ): الَّذِي لا حَلْيَ عليهِ، ومِثْلُهُ العُطُلُ.وقولُهُ: (ليسَ بفاحشٍ)؛ أيْ: ليسَ بكَرِيهِ المَنْظَرِ.و(إذا) ظَرْفٌ لقولِهِ: (لَيْسَ بفاحِشٍ).
34- وفَرْعٍ يَزِينُ المَتْنَ أَسْودَ فاحِمٍ = أَثِيثٍ كَقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ
(الفَرْعُ): الشعَرُ التَّامُّ. و(المَتْنُ) والمَتْنَةُ: ما عنْ يَمِينِ الصُّلْبِ وشِمالِهِ من العَصَبِ واللَّحْمِ.و(الفاحِمُ): الشديدُ السوادِ. و(أَثِيثٌ): كثيرُ أصلِ النباتِ. و(القِنْوُ) والقُنْوُ والقَنَا: العِذْقُ، وهوَ الشِّمْرَاخُ.و(المُتَعَثْكِلُ): الذي قدْ دَخَلَ بعضُهُ في بعضٍ لِكَثْرَتِهِ، مِن العِثْكَالِ والعُثْكُولِ، وهوَ الشِّمْرَاخُ. وقِيلَ: (المُتَعَثكِلُ): المُتَدَلِّي.
35- غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إِلَى الْعُلا = تَضِلُّ العِقاصُ في مُثَنًّى ومُرْسَلِ
(الغَدَائِرُ): الذَّوَائِبُ، واحِدَتُها غَدِيرَةٌ. و(مُسْتَشْزِرَاتٌ): مَرْفُوعَاتٌ. وأَصْلُ الشَّرْزِ: الفَتْلُ على غيرِ جِهَةٍ؛ لِكَثْرَتِها.
وقولُهُ: (إِلَى الْعُلا): إلى ما فَوْقَها.و(العِقَاصُ): جَمْعُ عَقِيصَةٍ، وهوَ ما جُمِعَ مِن الشَّعَرِ ففُتِلَ تحتَ الذَّوَائبِ، وهيَ مِشْطَةٌ معروفةٌ، يُرْسِلُونَ فيها بعضَ الشعَرِ، ويُثَنُّونَ بعضَهُ، فالذي فُتِلَ بعضُهُ على بعضٍ هوَ (المُثنَّى).و(المُرْسَلُ): المُسَرَّحُ غيرَ مفتولٍ. فذلكَ قولُهُ: (مُثَنًّى ومُرْسَلِ).وروايَةُ ابنِ الأعرابِيِّ: ُسْتَشْزِرَاتٌ) بكسرِ الزايِ؛ أيْ: مُرْتَفِعَاتٌ. ويُرْوَى: َضِلُّ العِقاصُ) بالياءِ، على أنَّ العِقَاصَ واحدٌ.
قالَ ابنُ كَيْسَانَ: هوَ المِدْرَى، فكأنَّهُ يَسْتَتِرُ في الشَّعَرِ لكثرتِهِ. ويُرْوَى: (تَضِلُّ المَدَارِي)؛ أيْ: منْ كثافةِ شَعَرِها. والمِدْرَى: مثلُ الشَّوْكَةِ، يُصْلَحُ بها شَعَرُ المرأةِ.
36- وكَشْحٍ لَطِيفٍ كالجَدِيلِ مُخَصَّرٍ = وَسَاقٍ كأُنبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّلِ
(الكَشْحُ): الخَصْرُ. و(اللَّطِيفُ) أرادَ بهِ الصغيرَ الحسَنَ. والعربُ إذا وَصَفَت الشيءَ بالحُسْنِ جَعَلَتْهُ لَطِيفاً. و(الْجَدِيلُ) زِمَامٌ يُتَّخَذُ مِن السُّيُورِ، فيَجِيءُ حَسَناً لَيِّناً يَتَثَنَّى، وهوَ مُشْتَقٌّ من الجَدْلِ، وهوَ شِدَّةُ الخَلْقِ.ومِنهُ الأَجْدَلُ: الصَّقْرُ. ومنهُ المُجَادَلَةُ.
و(الأُنْبُوبُ): البَرْدِيُّ، و(السَّقِيُّ): النخلُ المَسْقِيُّ، كأنَّهُ قالَ: كأُنْبُوبِ النخلِ المَسْقِيِّ. و(المُذَلَّلُ) فيهِ أقوالٌ: أَحَدُها: أنَّهُ الذي قدْ سُقِيَ وذُلِّلَ بالماءِ، حتَّى يُطَاوِعَ كُلَّ مَنْ مَدَّ إليهِ يَدَهُ.وقيلَ: المُذَلَّلُ: الذي يُفَيِّئُهُ أَدْنَى الرِّياحِ لِنَعْمَتِهِ.وقيلَ: يُقالُ: نَخْلٌ مُذَلَّلٌ، إذا امْتَدَّتْ أَقْنَاؤُهُ فاسْتَوَتْ. شَبَّهَ سَاقَهَا ببَرْدِيٍّ قدْ نَبَتَ تحتَ نَخْلٍ، فالنخلُ يُظِلُّهُ من الشمسِ، وذلكَ أحسَنُ ما يكونُ منهُ.
وقيلَ: المعنى: المُذَلَّلُ لهُ الماءُ.
وقيلَ: (المُذَلَّلُ): المَاءُ الذي قدْ خَاضَهُ الناسُ.
37- ويُضْحِي فَتِيتُ المِسْكِ فَوْقَ فِرَاشِهَا = نَؤُومَ الضُّحَى لم تَنْتَطِقْ عنْ تَفَضُّلِ
َتِيتُ المِسْكِ): ما تَفَتَّتْ منهُ؛ أيْ: تَحَاتَّ عنْ جِلْدِها في فراشِها. وَقِيلَ: كَأَنَّ فِرَاشَها فيهِ المِسْكُ مِنْ طِيبِ جَسَدِها، لا لأنَّ أَحَداً فَتَّ لَهَا فيهِ مِسكاً، واحْتَجَّ بقولِهِ:
وَجَدْتُ بِهَا طِيباً وإنْ لَمْ تَطَيَّبِ
وقولُهُ: (يُضْحِي)؛ أيْ: يَدْخُلُ في الضُّحَى، كما يُقالُ: أَظْلَمَ، إذا دَخَلَ في الظلامِ.
ولا يَحْتَاجُ في هذا إلى خَبَرٍ.و(نَؤُومَ الضُّحَى) منصوبٌ على (أَعْنِي)، وفيهِ مَعْنَى المَدْحِ. ولا يَجُوزُ أنْ يكونَ منصوباً على الحالِ، ألا تَرَى أنَّكَ إذا قُلْتَ: جاءَنِي غلامُ هِنْدٍ مُسرعةً، لم يَجُزْ أنْ تَنْصِبَ مُسْرعةً على الحالِ مِنْ هِنْدٍ، إلاَّ على حِيلةٍ بَعيدةٍ. والعِلَّةُ في هذا أنَّ الفعلَ لم يَعْمَلْ في الثاني شيئاً، والحِيلةُ التي يَجُوزُ عليها أنَّ معنى قولِكَ: جاءَنِي غلامُ هِنْدٍ، فيهِ معنى (تَحُثُّهُ)، فتنصِبُهُ بهِ.
وقدْ رُوِيَ: (نَؤُومُ الضُّحَى) على معنى: هيَ نَؤُومُ الضُّحَى.ويَجُوزَُؤُومِ الضُّحَى) على البدلِ مِن الضميرِ الذي في (فِراشِها). والضُّحَى مُؤَنَّثةٌ تَأْنِيثَ صِيغَةٍ، وليسَت الألفُ فيها بألفِ تأنيثٍ، وإنَّما هيَ بمنزلةِ مُوسَى الحَدِيدِ. وتصغيرُ ضُحًى: ضُحَيٌّ، والقياسُ: ضُحَيَّةٌ، إلاَّ أنَّهُ لوْ قِيلَ: ضُحَيَّةٌ لأَشْبَهَ تصغيرَ: ضَحْوَةٍ.والضُّحَى قبلَ الضَّحَاءِ.
ومعنى (عَنْ تَفَضُّلِ): بعدَ تَفَضُّلٍ. وقالَ أبو عُبَيْدَةَ: (لم تَنْتَطِقْ عنْ تَفَضُّلٍ)؛ أيْ: لم تَنْتَطِقْ فتَعْمَلَ وتَطُوفَ، ولكنَّها تَتَفَضَّلُ ولا تَنْتَطِقُ. وقيلَ: التفضُّلُ: التوَشُّحُ، وهوَ لُبْسُها أَدْنَى ثِيابِها، والانتطاقُ: الائْتِزَارُ للعملِ.
38- وتَعْطُو بِرَخْصٍ غيرِ شَثْنٍ كأنَّهُ = أَسَارِيعُ ظَبْيٍ أَوْ مَسَاوِيكُ إِسْحِلِ
َعْطُو): تَنَاوَلُ، (بِرَخْصٍ)؛ أيْ:بِبَنَانِ رَخْصٍ، (غَيْرِ شَثْنٍ)؛ أيْ: غيرِ كَزٍّ غليظٍ. و(ظَبْيٌ): اسمُ كَثِيبٍ، و(الأَسَارِيعُ): جمعُ أُسْرُوعٍ ويُسْرُوعٍ، وهيَ دَوَابُّ تكونُ في الرملِ.وقيلَ: في الحشيشِ، ظُهورُها مُلسٌ. و(الإِسْحِلُ): شَجَرٌ لهُ أغصانٌ ناعمةٌ. شَبَّهَ أَنَامِلَها بأَسَارِيعَ أوْ مَسَاوِيكَ؛ لِلِينِهَا.
39- تُضِيءُ الظَّلامَ بِالعِشَاءِ كأنَّها =مَنَارَةُ مُمْسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ
(المُتَبَتِّلُ): صفةُ الراهِبِ، وهوَ المنفَرِدُ.وقيلَ: إنَّهُ المنقطِعُ عن الناسِ، المشغولُ بعبادةِ اللَّهِ.وقولُهُ: (بالعشاءِ) معناهُ: في العِشاءِ.وقولُهُ: (كأنَّها * مَنَارَةُ)؛ أيْ: كأنَّها سِرَاجُ مَنارةٍ. وقيلَ: هوَ علَى غيرِ حذفٍ، والمعنى: أنَّ مَنَارَةَ الراهبِ تُشْرِقُ بالليلِ، إذا أَوْقَدَ فيها قِنْدِيلَهُ.
و(المَنَارَةُ): مَفْعَلَةٌ من النُّورِ. وخَصَّ الراهبَ؛ لأنَّهُ لا يُطْفِئُ سِرَاجَهُ.
و(مُمْسَى رَاهِبٍ): إِمْسَاءُ رَاهِبٍ. ومعنى البيتِ: إنَّها وَضِيئَةُ الوَجْهِ، إذا ابْتَسَمَتْ بالليلِ رَأَيْتَ لِثَنَايَاهَا بَريقاً وَضَوْءاً، وإذا بَرَزَتْ في الظلامِ اسْتَنَارَ وَجْهُها، وظَهَرَ جَمالُها، حتَّى يَغْلِبَ ظُلْمَةَ الليلِ.
40- إلى مِثْلِها يَرْنُو الحَلِيمُ صَبابةً =إذا مَا اسْبَكَرَّتْ بَيْنَ دِرْعٍ ومِجْوَلِ
َرْنُو)؛ أيْ: يُدِيمُ النظرَ. و(الصَّبَابَةُ): رِقَّةُ الشوقِ، وهوَ مصدرٌ في موضِعِ الحالِ. ويَجُوز أنْ يكونَ مفعولاً لأجلِهِ.
و(اسْبَكَرَّت): امْتَدَّتْ، والمرادُ تمامُ شَبَابِها.و(الدِّرْعُ): قَميصُ المرأةِ الكبيرةِ. و(المِجْوَلُ): للصغيرةِ؛ أيْ: أنَّها بَيْنَ مَنْ يَلْبَسُ الدِّرْعَ وبينَ مَنْ يَلْبَسُ المِجْوَلَ؛ أيْ: لَيْسَتْ بصغيرةٍ ولا بكبيرةٍ، هيَ بينَهما.
إنْ قِيلَ: كيفَ قالَ: (بينَ دِرْعٍ ومِجْوَلِ)، وإنَّما هيَ تحتَهما؟ فالجوابُ عنْ هذا أنَّهُ يقالُ: إنَّ المِجْوَلَ الوِشَاحُ، فهوَ يُصِيبُ بعضَ بَدَنِها، والدِّرعُ أيضاً يُصِيبُ بعضَ بَدَنِها، فكأنَّها بينَهما، والوجهُ الجيِّدُ هوَ الأوَّلُ.
و(إلَى) تَتَعَلَّقُ بـ(يَرْنُو)، و(بينَ) بـ(اسْبَكَرَّتْ).
41- كَبِكْرِ الْمُقَانَاةِ البَياضَُِ بِصُفْرَةٍ =غَذاهَا نَمِيرُ الماءِ غَيْرَ مُحَلَّلِ
(البِكْرُ) ههنا: أوَّلُ بَيْضِ النعامةِ. و(المُقاناةُ): المُخَالَطَةُ، يُقالُ: ما يُقَانِينِي خُلُقُ فُلانٍ؛ أيْ:ما يُشَاكِلُ خُلُقِي.
و(غَيْرَ مُحَلَّلِ): لم يُحْلَلْ عليهِ فَيَكْدَرَ.
و(النَّمِيرُ) من الماءِ: الذي يَنْجَعُ في الشَّارِبَةِ، وإنْ لمْ يَكُنْ عَذْباً؛ لأنَّهُ لَيْسَ كُلُّ عَذْبٍ نَمِيراً.
ومَنْ رَوَى (غَيْرَ مُحَلِّلِ) بكسرِ اللامِ أرادَ أنَّهُ قليلٌ ينقطِعُ سريعاً. و(غَيْرَ) منصوبٌ على الحالِ.
وقولُهُ: (كَبِكْرِ المُقَانَاةِ) التقديرُ: كبِكْرِ البَيْضِ المُقَانَاةِ، وأَدْخَلَ الهاءَ لتأنيثِ الجماعةِ، كأنَّهُ قالَ: كبِكْرِ جَمَاعةِ البَيْضِ. ونصَبَ (البَيَاضَ) على أنَّهُ خَبَرُ ما لم يُسَمَّ فاعلُهُ، واسمُ ما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ مُضْمَرٌ. والمعنى: كبِكْرِ البَيْضِ الذي قُونِيَ هوَ البياضَ، كما تَقُولُ: مَرَرْتُ بالمُعْطَى الدِّرْهَمَ.
ومَنْ رَوَى (البَيَاضَ) بالجرِّ شَبَّهَهُ بـ(الحَسَنِ الوَجْهِ).وفيهِ بُعْدٌ؛ لأنَّهُ مُشَبَّهٌ بما لَيْسَ مِنْ بابِهِ. وقدْ أَجَازُوا بالمُعْطَى الدِّرْهَمِ.وقالَ ابنُ كَيْسَانَ: ويُرْوَى: (كبِكْرِ المُقاناةِ البَيَاضُ)، وزَعَمَ أنَّ التقديرَ: كبِكْرِ المُقاناةِ بَيَاضُهُ، وجَعَلَ الألفَ واللامَ مَقَامَ الهاءِ.ومثلُهُ قولُهُ عَزَّ وجَلَّ: َإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}؛ أيْ: مَأْوَاهُ.
وهذا كأنَّهُ مَقِيسٌ على قولِ الكُوفِيِّينَ؛ لأنَّهم يُجِيزُونَ: مَرَرْتُ بالرَّجُلِ الحَسَنِ الوَجْهُ؛ أي: الْحَسَنِ وَجْهُهُ، يُقِيمُونَ الألفَ واللامَ مقامَ الهاءِ.
وقالَ الزَّجَّاجُ: هذا خطأٌ؛ لأنَّكَ لوْ قُلْتَ: مَرَرْتُ بالرَّجُلِ الحسنِ الوَجْهُ، لم يَعُدْ على الرجلِ مِنْ نَعْتِهِ شيءٌ. فأمَّا قولُهم: (إنَّ الألفَ واللامَ بمنزلةِ الهاءِ) فخطأٌ؛ لأنَّهُ لوْ كانَ هذا هكذا، لجازَ: زيدٌ الأبُ مُنْطَلِقٌ، تُرِيدُ: أَبُوهُ مُنْطَلِقٌ.
وأمَّا قولُهُ: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}، فالمعنى واللَّهُأعلمُ: هيَ المَأْوَى لَهُ، ثمَّ حُذِفَ ذلكَ لعِلْمِ السامعِ.
ومعنى البيتِ: أنَّهُ يَصِفُ أنَّ بياضَها تُخَالِطُهُ صُفْرَةٌ، وليسَتْ بخالصةِ البَيَاضِ، فجَمَعَ في البيتِ مَعْنَيَيْنِ:
أحَدُهما: أنَّها لَيْسَتْ بخالصةِ البياضِ.
والآخَرُ: أنَّها حَسَنَةُ الغِذاءِ.
وقيلَ: إنَّهُ يُرِيدُ بالبِكْرِ هنا الدُّرَّةُ التي لم تُثَقَّبْ، وهكذا لونُ الدُّرَّةِ، ويَصِفُ أن هذهِ الدُّرَّةَ بينَ الماءِ المِلْحِ والعَذْبِ، فهيَ أحسَنُ ما يكونُ. فأمَّا على القولِ الأوَّلِ فإنَّ (غَذَاهَا) يكونُ راجعاً إلى المرأةِ؛ أيْ: نَشَأَتْ بأرضٍ مَرِيئَةٍ.
42- تَسَلَّتْ عَمَايَاتُ الرِّجَالِ عن الصِّبَا = وليسَ فُؤَادِي عنْ هَوَاهُ بمُنْسَلِي
ويُرْوَى: (عنْ هَوَاكِ)، و(عَنْ صِباهُ). والصِّبا: أنْ يَفْعَلَ فِعْلَ الصِّبيانِ، يُقَالُ: صَبَا إلى اللَّهْوِ يَصْبُو صَباءً وَصُبُوًّا. و(العَمَايَاتُ): جمعُ عَمايَةٍ، وهيَ الجَهَالَةُ. و(مُنْسَلِي): مُنْفَعِلٌ مِن السُّلُوِّ. و(عَن) الأُولَى تَتَعَلَّقُ بـ(تَسَلَّتْ)، والثانيَةُ بـ(مُنْسَلٍ).

43- أَلا رُبَّ خَصْمٍ فِيكِ أَلْوَىرَدَدْتُهُ = نَصِيحٍ على تَعْذَالِهِ غَيْرِ مُؤْتَلِي
(الخَصْمُ): يكونُ وَاحِداً وجَمعاً ومؤنثاً ومذكَّراً.و(الأَلْوَى) الشَّدِيدُ الخُصومَةِ، كأنَّهُ يَلْتَوِي على خَصْمِهِ بالحُجَجِ.و(التَّعْذَالُ) والعَذْلُ واحدٌ. و(مُؤْتَلٌ)؛ أيْ:مُقَصِّرٌ. ومعنى (رَدَدْتُهُ)؛ أيْ: لَمْ أَقْبَلْ مِنهُ نُصْحَهُ.ومعنى (غَيْرِ مُؤْتَلٍ)؛ أيْ:غَيرِ تارِكٍ نُصْحِي بِجُهدِهِ.
44- وَلَيْلٍ كَمَوْجِ الْبَحْرِ مُرْخٍ سُدُولَهُ = عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الْهُمُومِ لِيَبْتَلِي
َمَوْجِ البحرِ)؛ يعني: في كَثافةِ ظُلْمَتِهِ.و(سُدُولُهُ): سُتُورُهُ. واحِدُهُ: سَدْلٌ. وسَدَلَ ثَوْبَهُ، إذا أَرْخَاهُ ولمْ يَضُمَّهُ. وقولُهُ: (بأنواعِ الهُمُومِ)؛ أيْ: بِضُرُوبِ الهمومِ. (لِيَبْتَلِي)؛ أيْ: لِيَنْظُرَ ما عندِي من الصبرِ والجَزَعِ.ويَبْتَلِي بمعنى: يَخْتَبِرُ.
ومعنى البيتِ: أنَّهُ يُخْبِرُ أنَّ اللَّيْلَ قدْ طَالَ عليهِ.
و(سُدُولَهُ) يَنْتَصِبُ بـُرْخٍ)، وَ(عَلَيَّ) تَتَعَلَّقُ بـ(مُرْخٍ)، وكذلكَ البَاءُ في (بأنواعِ الهُمُومِ).
45- فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ = وأَرْدَفَ أَعْجَازاً وَنَاءَ بِكَلْكَلِ
ورَوَى الأَصْمَعِيُّ: (لَمَّا تَمَطَّى بِجَوْزِهِ)، ومعناهُ: لمَّا تَمَدَّدَ بوَسَطِهِ. وقولُهُ: (وأَرْدَفَ أَعْجَازاً) قالَ الأصمعيُّ: معناهُ: حينَ رَجَوْتُ أنْ يَكُونَ قدْ مَضَى أَرْدَفَ أَعْجَازاً؛ أيْ: رَجَعَ، و(نَاءَ بِكَلْكَلِ)؛ أيْ: تَهَيَّأَ لِيَنْهَضَ.
و(الكَلْكَلُ): الصدرُ.وقالَ بعضُهم: معنى البيتِ: ناءَ بكَلْكَلِهِ وتَمَطَّى بِصُلْبِهِ، وأَرْدَفَ أَعْجَازاً فقَدَّمَ وأَخَّرَ.
46- أَلا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلا انْجَلِي = بِصُبْحٍ وَمَا الإِصْبَاحُ فِيكَ بِأَمْثَلِ
(ألا انْجَلِي) في موضِعِ السُّكُونِ، وشَبَّهُوا ثَبَاتَ الياءِ فيهِ بإِثْبَاتِ الألِفِ، في قَوْلِهِ تعالى: َنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى}، وبإثباتِ الألفِ أيضاً في قَوْلِهِ:

إذَا الْجَوْزَاءُأَرْدَفَت الثُّرَيَّا = ظَنَنْتُ بِآلِ فاطِمَةَ الظُّنُونَا

وبإثباتِ الياءِ في قَوْلِهِ:

أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمِي =بِمَا لاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيادِ؟

وبإثباتِ الواوِ في قَوْلِهِ:

هَجَوْتَ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِراً =مِنْ سَبِّ زَبَّانَ لم تَهْجُو ولَمْ تَدَعِ

ومعنى البيتِ: أَنَا مُعَذَّبٌ؛ فالليلُ والنهارُ عَلَيَّ سَوَاءٌ. و(الانجلاءُ): الانشكافُ.ويُرْوَى: (وما الإصباحُ مِنْكَ بأَمْثَلِ)، والتقديرُ: وما الإصباحُ بأمثلَ مِنْكَ. فـ(مِنكَ) يُنْوَى بها التأخيرُ؛ لأنَّها في غيرِ مَوْضِعِها؛ لأنَّ حَقَّ (مِن) أنْ تَقَعَ بعدََفْعَلَ)، والمعنى: إذا جاءَ الصبحُ فإنِّي أيضاً مَغْمُومٌ. وقيلَ: معنى (فيكَ بأَمْثَلِ): إذا جاءَنِي الصبحُ وأَنَا فيكَ فليسَ ذلكَ بأَمْثَلَ؛ لأنَّ الصبحَ قدْ يَجِيءُ والليلُ مُظْلِمٌ بعدُ. و(فيكَ) تَتَعَلَّقُ بـ(أَمْثَلِ).
47- فَيَا لَكَ مِنْ لَيْلٍ كَأَنَّ نُجُومَهُ = بِكُلِّ مُغَارِ الفَتْلِ شُدَّتْ بِيَذْبُلِ
معناهُ: كَأَنَّ نُجُومَهُ شُدَّتْ بِيَذْبُلَ، وهوَ جبلٌ. و(المُغَارُ): المُحْكَمُ الفَتْلِ.
وقولُهُ: َا لَكَ مِنْ ليلٍ) فيهِ معنى التعجُّبِ، كما تقولُ: يا لكَ مِنْ فارسٍ.
48- كأَنَّ الثُّرَيَّا عُلِّقَتْ في مَصَامِهَا =بأَمْرَاسِ كَتَّانٍ إِلَى صُمِّ جَنْدَلِ
ويُرْوَى: (كأَنَّ نُجُوماً عُلِّقَتْ في مَصَامِهَا). و(الأَمْرَاسُ): الحِبَالُ. و(الجَنْدَلُ): الحِجَارَةُ. وفيهِ تفسيرانِ: أمَّا أَحَدُهما فإنَّهُ يَصِفُ طولَ الليلِ يقولُ: كأنَّ النجومَ مَشْدُودَةٌ بحِبَالٍ إلى حِجارةٍ، فلَيْسَتْ تَمْضِي. و(مَصَامُهَا): مَوْضِعُ وُقُوفِهَا.
و(فِي) و(الباءُ) و(إلَى) مُتَعلِّقَةٌ بقولِهِ:ُلِّقَتْ).
والتفسيرُ الثاني على روايَةِ مَنْ يَرْوِي هذا البيتَ مُؤَخَّراً عندَ صِفَتِهِ الفرسَ، فيكونُ شَبَّهَ تَحْجِيلَ الفرسِ في بياضِهِ بنُجُومٍ عُلِّقَتْ في مَقامِ الفَرَسِ بحِبَالِ كَتَّانٍ إلى صُمِّ جَنْدَلِ، وشَبَّهَ حوافِرَهُ بالحِجارةِ.و(الثُّرَيَّا): تَصْغِيرُ ثَرْوَى مَقْصُورَةً.
ورَوَى بعضُ الرُّوَاةِ ههنا أربعةَ أَبْيَاتٍ، وذَكَرَ أنَّها منْ هذهِ القصيدةِ، وخَالَفَهُ فيها سَائِرُ الرواةِ، وزَعَمُوا أنَّها لِتَأَبَّطَ شَرًّا، وهيَ:
49- وقِرْبَةِ أَقْوَامٍ جَعَلْتُ عِصَامَهَا =على كاهِلٍ مِنِّي ذَلُولٍ مُرَحَّلِ
ِصَامُ القِرْبَةِ): الحبلُ الذي تُحْمَلُ بهِ، ويَضَعُهُ الرجلُ على عَاتِقِهِ وعلى صَدْرِهِ. و(الكاهِلُ): مَوْصِلُ العُنُقِ والظهرِ، يَصِفُ نَفْسَهُ بأنَّهُ يَخْدِمُ أصحابَهُ.
50- وَوَادٍ كَجَوْفِ العَيْرِ قَفْرٍ قَطَعْتُهُ =بهِ الذِّئْبُ يَعْوِي كالخَلِيعِ المُعَيَّلِ
فيهِ قَوْلانِ:
أَحَدُهُمَا: أنَّ جوفَ العَيْرِ لا يُنْتَفَعُ منهُ بشيءٍ، يعني العَيْرَ الوَحْشِيَّ.
والقولُ الآخَرُ: أنَّ العَيْرَ هنا رَجُلٌ مِن العمالِقَةِ، كانَ لهُ بَنُونٌ وَوَادٍ خَصِيبٌ، وكانَ حَسَنَ الطريقةِ، فسَافَرَ بَنُوهُ في بعضِ أسفارِهِم، فأَصَابَتْهُم صَاعِقَةٌ فأَحْرَقَتْهم، فكَفَرَ باللَّهِ وقالَ: لا أَعْبُدُ رَبًّا أَحْرَقَ بَنِيَّ. وأَخَذَ في عبادةِ الأصنامِ، فسَلَّطَ اللَّهُ على وَادِيهِ ناراً - و(الوَادِي) بلُغَةِ أهلِ اليمنِ يُقالُ لهُ: الجَوْفُ – فأَحْرَقَتْهُ، فما بَقِيَ منهُ شيءٌ، وهوَ يُضْرَبُ بهِ المَثَلُ في كلِّ ما لا بَقِيَّةَ فيهِ.
و(الخَلِيعُ): المُقَامِرُ، ويقالُ: هوَ الذي قدْ خَلَعَ عِذَارَهُ فلا يُبالِي ما ارْتَكَبَ. و(المُعَيَّلُ): الكثيرُ العِيَالِ، والكافُ منصوبةٌ بـ(يَعْوِي).


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس