عرض مشاركة واحدة
قديم 18/07/2016, 11:48 AM   #3
المؤسس والمشـــرف العــــام


الصورة الرمزية صقر الجنوب
صقر الجنوب ٌهé÷àٌ يà ôîًَىه

افتراضي



شرح المعلقات العشر للخطيب: محمد بن عبد الله التبريزي
وقالَ طَرَفَةُ بنُ العَبْدِ

ابنِ سُفْيَانَ بنِ سَعْدِ بنِ مَالِكِ بنِ ضُبَيْعَةَ بنِ قَيْسِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُكَابَةَ بنِ صَعْبِ بنِ عَلِيِّ بنِبَكْرِ بنِ وَائِلِ بنِ قاسِطِ بنِ هِنْبِ بنِ أَفْصَى بنِ دُعْمِيِّ بنِ جَدِيلَةَ بنِ أَسَدِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ:
1- لِخَوْلَةَ أَطْلالٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَدِ = تَلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ في ظَاهِرِ الْيَدِ
َوْلَةُ): امرأةٌمِنْ كَلْبٍ. و(الأطلالُ) وَاحِدُها طَلَلٌ، وهوَ ما شَخَصَ مِنْ آثارِ الدارِ. و(ثَهْمَدُ): اسمُ مَوْضِعٍ. و(البُرْقَةُ) والأبرقُ والبَرْقَاءُ: كُلُّ رَابِيَةٍ فيها رَمْلٌ وطِينٌ، أوْ حِجَارَةٌ وطِينٌ يَخْتَلِطَانِ، فمَنْ أَنَّثَ ذَهَبَ إلى البُقْعَةِ، ومَنْ ذَكَّرَ ذَهَبَ إلى المكانِ. و(أطلالٌ) يَرْتَفِعُ بالابتداءِ، وإنْ شِئْتَ بالظَّرْفِ، وتَعَلَّقُ الباءِ إنْ شِئْتَ بـ(أَطْلالٌ)، وإنْ شِئْتَ عَلَّقْتَ الباءَ والكافَ بـ(تَلُوحُ).و(تَلُوحُ): تَبْدُو، يُقالُ: لاحَ؛ إذاظَهَرَ، وأَلاحَ إذَا لَمَعَ، وأَلاحَ الرَّجُلُ بثَوْبِهِ وسَيْفِهِ، إذا لَمَعَ بهِما.وإذا عَلَّقْتَ الباءَ بـ(أَطْلالٌ) كانَ (تَلُوحُ) في موضِعِ نَصْبٍ على الحالِ مِن الذِّكْرِ الذي في الباءِ من الأطلالِ. والكافُ في قَوْلِهِ: (كَبَاقِي الوَشْمِ) في مَوْضِعِ نَصْبٍ.و(الوَشْمُ) أنْ يُغَرَّزَ بالإِبِرِ في الجلدِ، ثمَّ يُذَرَّ عليهِ الكُحْلُ والنَّؤورُ، فيَبْقَى سَوَادُهُ ظَاهِراً.
ويُرْوَى: (ظَلِلْتُ بها أَبْكِي، وَأُبْكِي، إلى الغَدِ). يُقالُ: ظَلَّ يَفْعَلُ كَذَا، إذا فَعَلَهُ نَهاراً، ويقالُ: ظَلْتُ وظِلْتُ بمعنى ظَلِلْتُ، فمَنْ قالَ: ظَلْتُ بفتحِ الظاءِ، حَذَفَ إحدَى اللاَّمَيْنِ لالتقاءِ حرفيْنِ منْ جنسٍ واحدٍ. ومَنْ قالَ: ظِلْتُ بكسرِ الظاءِ، حَذَفَ إحدَى اللاَّمَيْنِ وكسَرَ الظاءَ؛ لِيَدُلَّ على المحذوفةِ.
2- وُقُوفاً بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ =يَقُولُونَ: لا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَلَّدِ
(وُقُوفاً): منصوبٌ على الحالِ، وهوَ جَمْعُ وَاقِفٍ، كما يُقَالُ: جالِسٌ وجُلُوسٌ. والعاملُ في الحالَِلُوحُ) أوْ (ظَلِلْتُ) في الروايتيْنِ. و(تَجَلَّدِ)؛ أيْ: كُنْ جَلِيداً. وجَلْدٌ وجَلِيدٌ بمعنًى.
3- كَأَنَّ حُدُوجَ المَالِكِيَّةِ غُدْوةً =خَلايَا سَفِينٍ بالنواصِفِ مِنْ دَدِ
(الحُدُوجُ): جَمْعُ حِدْجٍ، وهوَ مَرْكِبٌ منْ مراكِبِ النساءِ، ويُقالُ: حَدَجَ إذا رَكِبَ الحِدْجَ.
و(المالكيَّةُ): منسوبةٌ إلى مالِكِ بنِ سَعْدِ بنِ ضُبَيْعَةَ. و(الخلايا): جمعُ خَلِيَّةٍ، وهيَ السفينةُ العظيمةُ. و(النواصِفُ): جمعُ ناصفةٍ، وهيَ الرَّحْبَةُ الواسِعَةُ، تكونُ في الوادي. و(دَدٌ) هنا: مَوْضِعٌ. وقالَ أبو عُبَيْدَةَ: لا يُقالُ للسفينةِ خَلِيَّةً، حتَّى يكونَ معَها زَوْرَقٌ، كأنَّهُ شَبَّهَهَا بالخَلِيَّةِ من الإِبِلِ.
فإنْ قيلَ: كيفَ يَجُوزُ أنْ يكونَ بالنواصِفِ السَّفينُ، وإنَّما النَّوَاصِفُ رِحابٌ تكونُ في الأوديَةِ؟ فالجوابُ عنْ هذا: أنَّ في البيتِ تقديماً وتأخيراً، والتقديرُ: كأنَّ حُدُوجَ المالكيَّةِ غُدوةً بالنواصفِ مِنْ دَدٍ خَلايا سَفِينٍ. والباءُ في موضِعِ الحالِ؛ أيْ: كأنَّ حُدُوجَ المالكيَّةِ وهيَ بالنواصِبِ. و(مِن) صلةُ (النواصِفِ).
4- عَدَوْلِيَّةٍ أوْ مِنْ سَفِينِ ابنِ يَامِنٍ = يَجُورُ بها المَلاَّحُ طَوْراً ويَهْتَدِي
أحمدُ بنُ عُبَيْدٍ: َدَولِيَّةٌ) منسوبةٌ إلى جزيرةٍ مِنْ جَزَائِرِ البحرِ، يُقَالُ لها: عَدَوْلَى أسفلَ مِنْ أَوَالٍ، وأوالٌ أسفلَ مِنْ عُمانَ. وقالَ غيرُهُ: العَدَوْلِيَّةُ منسوبةٌ إلى قومٍ كَانُوا يَنْزِلُون بِهَجَرٍ، لَيْسُوا من رَبِيعَةَ ولا مِنْ مُضَرَ ولا من اليمنِ. و(ابنُ يَامِنٍ): مَلاَّحٌ منْ أهلِ هَجَرٍ أوْ تاجِرٌ.
ويُرْوَى: (أَوْ مِنْ سَفِينِ ابْنِ نَبْتَلٍ)، وهوَ أيضاً ملاَّحٌ منْ أهلِ هَجَرٍ. و(يَجُورُ)؛ أيْ: يَعْدِلُ بها ويَمِيلُ.و(يَهْتَدِي): يَمْضِي للقَصْدِ. وقالَ ابنُ الأعرابِيِّ: (عَدَوْلِيَّةٍ) منسوبةٌ إلى قِدَمٍ أوْ ضِخَمٍ. و(عَدَوْلِيَّةٍ) منْ نَعْتِ (السَّفِينِ). و(طَوْراً) منصوبٌ على أنَّهُ ظرفٌ؛ لأنَّ معناهُ: وَقْتاً وحيناً. وقِيلَ في قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: َقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً}:إنَّ معناهُ: نُطْفَةً ثمَّ عَلَقَةً ثمَّ مُضْغَةً. وقيلَ: معناهُ:اختلافُ المناظِرِ.
5- يَشُقُّحَبَابَ الْمَاءِ حَيْزُومُهَا بِهَا = كما قَسَمَ التُّرْبَ الْمُفَايِلُ بِالْيَدِ
َبَابُ المَاءِ): طرائِقُهُ. (والحَيْزُومُ): الصَّدْرُ؛ أيْ: يَشُقُّ حَيْزُومُها بها حَبابَ الماءِ؛ أيْ: يَقْطَعُهُ ويُقَسِّمُهُ كقِسْمَةِ المُفَايِلِ التُّرْبِ.و(المُفَايِلُ): الذي يَلْعَبُ لُعْبَةً لِصِبْيَانِ الأعرابِ يُقالُ لها: الفِيَالُ والمُفَايَلَةُ، وهيَ تُرَابٌ يَكُومُونَهُ، أوْ رَمْلٌ، ثُمَّ يَخْبَؤُونَ فيهِ خَبِيئاً، ثُمَّ يَشُقُّ المُفايِلُ تلكَ الكَوْمَةَ بيدِهِ فيَقْسِمُها قِسْمَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: في أَيِّ الجانبيْنِ خَبَّأْتُ؟ فإنْ أصابَ ظَفِرَ، وإنْأَخْطَأَ قُمِرَ.والكافُ في موضِعِ نصبٍ.وقولُهُ: (المُفَايِلُ): هوَ مُفَاعِلٌ مِن الفَأْلِ بالظَّفَرِ، أوْ منْ قَوْلِهم: فالَ رَأْيُهُ، إذا لم يَظْفَرْ.
6- وفي الحَيِّ أَحْوَى يَنْفُضُ المَرْدَ شَادِنٌ = مُظَاهِرُ سِمْطَيْ لُؤْلُؤٍ وزَبَرْجَدِ
َحْوَى): ظَبْيٌ لهُ خُطَّتَانِ مِنْ سَوَادٍ، وإنَّما أرادَ سوادَ مَدْمَعِ عَيْنِهِ، شَبَّهَ المرأةَ بالظبيِ الأَحْوَى.و(المَرْدُ): ثَمَرُ الأراكِ المُدْرِكُ، الواحدةُ مَرْدَةٌ. ومعنى (يَنْفُضُ): يَعْطُو لِيَتَنَاوَلَ ثَمَرَ الأراكِ، فيسقُطُ عليهِ النَّفَضُ. والنَّفَضُ: ما سقَطَ من النَّفْضِ.ويُقَالُ: (شَدَنَ) إذا قَوِيَ، والأُمُّ مُشْدِنٌ. و(السِّمْطُ): النَّظْمُ مِن اللؤلؤِ.
وقولُهُ: (مُظَاهِرُ سِمْطَيْ) يعني: أنَّهُ قدْ لَبِسَ واحداً فوقَ آخَرَ. ومنهُ: تَظَاهَرَت الأخبارُ؛ أيْ: أَتَى خَبَرٌ على إثرِ خَبَرٍ.ويَجُوزُُظَاهِرَ) بالنصبِ على الحالِ.
7- خَذُولٌ تُرَاعِي رَبْرَباً بِخَمِيلةٍ =تَنَاوَلُ أَطْرَافَ البَرِيرِ وتَرْتَدِي
(الخَذُولُ): التي خَذَلْتْ صَوَاحِبَها، وأقامَتْ على وَلَدِها، وهيَ الخاذِلُ.فإنْ قالَ قائلٌ: كيفَ قالَ: (وفي الحَيِّ أَحْوَى)، ثمَّ قالَ: َذُولٌ)، والخَذُولُ نَعْتُ الأُنْثَى؟ قيلَ لهُ: هذا على طريقِ التشبيهِ، أرادَ: وَفِي الحيِّ امرأةٌ تُشْبِهُ الغَزَالَ، في طُولِ عُنُقِها وحُسْنِها، وتُشْبِهُ البقرةَ في حُسْنِ عَيْنَيْها.
وقولُهُ: (تُرَاعِي رَبْرَباً)؛ أيْ:تَرْعَى معَ رَبْرَبٍ. و(الرَّبْرَبُ): القَطِيعُ من البقرِ والظِّباءِ وغيرِ ذلكَ. وخَصَّ الخَذُولَ؛ لأنَّها فَزِعَةٌ وَلِهَةٌ على خِشْفِهَا، فهيَ تَشْرَئِبُّ وتَمُدُّ عُنُقَهَا وتَرْتَاعُ؛ لأنَّها مُنْفَرِدَةٌ، وهوَ أَحْسَنُ لَهَا،وَلَوْ كانَتْ في قَطِيعِها لم يَبِنْ حُسْنُها. و(الخَمِيلَةُ): الأرضُ السَّهْلَةُ اللَّيِّنَةُ ذاتُ الشَّجَرِ.و(الْبَرِيرُ): ثَمَرُ الأَرَاكِ.
8- وتَبْسِمُ عنْ أَلْمَى كأنَّ مُنَوِّراً =تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّملِ دِعْصٌ لهُ نَدِي
أيْ: وتَبْسِمُ عنْ ثَغْرٍَلْمَى)؛ أيْ: أَسْمَرَ اللِّثَاتِ. وهم يَمْدَحُونَ سُمْرَةَ اللِّثةِ؛ لأنَّها تُبَيِّنُ بَيَاضَ الأسنانِ.و(المُنَوَّرُ): الأُقْحُوَانُ الذي قدْ ظَهَرَ نَوْرُهُ. و(تَخَلَّلَ)؛ أيْ: دَخَلَ في خَلَلِهِ. و(حَرُّ الرَّمْلِ): خَالِصُهُ، وكذلكَ حَرُّ كُلِّ شيءٍ.و(الدِّعْصُ): الكَثِيبُ من الرملِ. ومِمَّا يُسْأَلُ عنهُ في هذا البيتِ، أنْ يُقالَ: ما يَعُودُ على قَوْلِهِ: (أَلْمَى)، وأينَ خَبَرُ (كَأَنَّ)؛ لأنَّ الهاءَ في قَوْلِهِ: (لَهُ) تعودُ على الأُقْحُوَانِ؟
فالجوابُ عنْ هذا: أنَّ خبرَ (كأنَّ) محذوفٌ، وهوَ يعودُ على قولِهِ: َلْمَى)، والمعنى: كأنَّ مُنوِّراً، مُتَخَلِّلاً حُرَّ الرملِ دِعْصٌ لهُ نَدٍ، هذا الثَّغْرُ. فحُذِفَ لِعِلْمِ السامعِ.
9- سَقَتْهُ إِيَاةُ الشَّمْسِ إلاَّ لِثاتِهِ =أُسِفَّ ولمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإِثْمِدِ
(إِيَاةُ الشمسِ): ضَوْءُها وشُعَاعُها، ويقالُ: إِيَا الشمسِ بالقصرِ، وأَيَاءٌ.إذا كَسَرْتَ الهمزةَ قَصَرْتَ، وإذا فَتَحْتَ مَدَدْتَ.ومعنى (سَقَتْهُ): حَسَّنَتْهُ وبَيَّضَتْهُ وأَشْرَبَتْهُ حُسناً.وقِيلَ في قَوْلِهِ: َقَتْهُ إِياةُ الشمسِ): منْ قَوْلِ الأعرابِ إذا سَقَطَتْ سِنُّ أَحَدِهِم كانَ يَرْمِيهَا إلى عَيْنِ الشمسِ، ويقولُ: أَبْدِلْنِي سِنًّا مِنْ ذَهَبٍ أوْ فِضَّةٍ. ومعنى (أُسِفَّ): ذُرَّ عليهِ؛ أيْ: أُسِفَّ بإِثْمِدٍ.(ولَمْ تَكْدِمْ عليْهِ)؛ أيْ: لم تَعْضَضْ عَظْماً، فيُؤَثِّرَ في ثَغْرِها، ويُذْهِبَ أُشُرَهُ.
والهاءُ في (سَقَتْهُ) تعودُ على الثَّغْرِ، وكذلكَ الهاءُ، في (لِثَاتِهِ). و(اللِّثَاتُ) في موضِعِ نصبٍ على الاستثناءِ.والمُضْمَرُ الذي في قَوْلِهِ: ُسِفَّ) يعودُ على الثَّغْرِ أيضاً على قولِ أهلِ اللُّغَةِ، والمعنى عِنْدَهم: أنَّهُ يَعُودُ على الثَّغْرِ، وهوَ يُرِيدُ اللِّثَاتِ، وليسَ يَمْتَنِعُ أنْيعودَ على اللِّثَاتِ، وقدْ يُذَكَّرُ، يُحْمَلُ على تذكيرِ الجمعِ، وإنَّما قالُوا: إنَّهُ يُرِيدُ اللِّثَاثِ؛ لأنَّهُ يُرِيدُ أنَّ اللِّثَاتِ كأنَّها ذُرَّ عليها كُحْلٌ، وهم يَمْتَدِحُونَ النِّسَاءَ بهذا، وكذلكَ سُمْرَةُ الشِّفَةِ.
10- وَوَجْهٌ كأنَّ الشَّمْسَ حَلَّتْ رِدَاءَهَا =عَلَيْهِ نَقِيُّ اللَّوْنِ لمْ يَتَخَدَّدِ
أيْ: ولها وَجهٌ.ورَوَى بعضُهم: (وَوَجْهٍ) بالجَرِّ، عَطَفَهُ على (أَلْمَى)؛ أيْ: وتَبْسِمُ عنْ وَجْهٍ.ومعنى (حَلَّتْ رِدَاءَهَا * عليْهِ): قَلَعَتْهُ وأَلْبَسَتْهُ إِيَّاهُ. وقولُهُ: (لم يَتَخَدَّدِ) لم يَضْطَرِبُ، مُشْتَقٌّ مِن الخَدِّ؛ لأنَّهُ إنَّما قِيلَ لهُ: خَدٌّ؛ لأنَّهُ يَضْطَرِبُ عندَ الأكلِ.
11- وإنِّي لأُمْضِي الهَمَّ عندَ احْتِضَارِهِ =بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وتَغْتَدِي
يقالُ: مَضَى الشيءُ يَمْضِي مَضَاءً ومُضِيًّا، وأَمْضَيْتُهُ أنا (أُمْضِيهِ) إِمضاءً؛إذا أَذْهَبْتَهُ عنكَ. والمَضَاءُ: السُّرْعَةُ.يَقُولُ: إذا نَزَلَ بي هَمٌّ سَلَّيْتُهُ عَنِّي وأَمْضَيْتُهُ بأَنْ أَرْتَحِلَ على هذهِ الناقةِ (العَوْجَاءِ)، وهيَ الضامِرَةُ التي قدْ لَحِقَ بَطْنُها بظَهْرِها، واعْوَجَّ شَخْصُها.و(المِرْقَالُ): السريعةُ في سَيْرِها، كأنَّ في سَيْرِها خَبَباً.و(مِرْقَالٌ) على التكثيرِ، كما تَقُولُ: مِذْكَارٌ ومِئْنَاثٌ.
وقولُهُ:(بعَوْجَاءَ)، يُقالُ للمذكَّرِ: أَعْوَجُ،وكانَ يَجِبُ أنْ يُقَالَ للأنثى: أَعْوَجَةٌ، كما يُؤَنَّثُ بالهاءِ في غيرِ هذا، إلاَّ أنَّ قولَكَ: َعْوَجُ) وما أَشْبَهَهُ ضَارَعَ الفعلَ منْ جهتَيْنِ: إحدَاهُما أنَّهُ صِفَةٌ، والأُخْرَى أنَّ لفظَهُ كلفظِ الفعلِ، فَلَوْ قُلْتَ: أَعْوَجَةٌ وأَحْمَرَةٌ، لَزَالَتْ إحدَى الجهتيْنِ، فلِهَذَا أُنِّثَ بالهمزةِ؛ لأنَّ مَخْرَجَها منْ مخرَجِ الهاءِ، وأُزِيلَت الهمزةُ منْ أَوَّلِهِ؛ لأنَّهم لوْ تَرَكُوها على حالِها لكانَ في وَزْنِ أَحْمَرَةٍ.وأمَّا زِيَادَتُهم الألِفَ قبلَ الهمزةِ فِفِيهِ قولانِ:
أَحَدُهما: أنَّ هاءَ التأنيثِ يكونُ ما قبلَها مفتوحاً، والهمزةُ يَخْتَلِفُ ما قبلَها، فجَاؤُوا بالألفِ عِوَضاً من الفتحةِ.
والقولُ الآخَرُ: أنَّهُم أرادُوا أنْ يُخَالِفُوا بينَها وبينَ الهاءِ، فزَادُوا حرفيْنِ، ولم يَزِيدُوا واحداً فيكونَ بمنزلةِ الهاءِ.
12- أَمُونٍ كَأَلْوَاحِ الإِرَانِ نَسَأْتُهَا = على لاحِبٍ كأَنَّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ
(الأَمُونُ): التي يُؤْمَنُ عِثَارُها.و(الإِرَانُ): تابوتٌ كَانُوا يَحْمِلُونَ فيهِ سَادَتَهُم وكُبَرَاءَهُم دُونَ غَيْرِهم.وكلُّ خَشَبَةٍ عَرِيضَةٍ فهيَ (لَوْحٌ).و(نَسَأْتُهَا): ضَرَبْتُها بالمِنْسَأَةِ.ويُرْوَى: (نَصَأْتُهَا). وقالَ ابنُ الأعرابيِّ: نَصَأْتُهَا ونَسَأْتُهَا: زَجَرْتُها وضَرَبْتُها بالمِنْسَأَةِ، وهما واحدٌ.وقيلَ: نَصَأْتُها: قَدَّمْتُها، ونَسَأْتُهَا: أَخَّرْتُها.و(اللاَّحِبُ): طَرِيقٌ مُنْقَادٌ، ويقالُ: مَرَّ فلانٌ يَلْحُبُ، إذا مَرَّ مَرًّا سَرِيعاً. واللاحِبُ: الْبَيِّنُ المُؤَثَّرُ فيهِ.
فإنْ قِيلَ: كانَ يَجِبُ أنْ يَقولَ: َلْحُوبٌ)، فالجوابُ عنهُ أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يكونَ مثلَ قَوْلِهِ تعالى: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ}، قيلَ: معناهُ: مَدْفُوقٍ،وحقيقتُهُ أنَّهُ بمعنى: ذِي دَفْقٍ. ويَجُوزُ أنْ يكونَ (لاحِبٌ) على بابِهِ، كأنَّهُ يَلْحُبُ أَخْفَافَ الإِبِلِ؛ أيْ: يُؤَثِّرُ فيها، والهاءُ في (كأنَّهُ) تعودُ على الطريقِ، كأنَّهُ قالَ: على طَرِيقٍ لاحِبٍ.وشَبَّهَ الطرائقَ التي في الطريقِ بطرائقِ (البُرْجُدِ)، وهوَ: كِسَاءٌ مُخَطَّطٌ، وأرادَ: كأنَّهُ بُرْجُدٌ، ولم يُرِد الظَّهْرَ دونَ البطنِ.
13- تُبَارِي عِتَاقاً نَاجِيَاتٍ وَأَتْبَعَتْ =وَظِيفاً وَظِيفاً فوقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ
ُبَارِي): تُعَارِضُ، يُقالُ: هُمَا يَتَبَارَيَانِ في السَّيْرِ، إذا فَعَلَ هذا شيئاً فَعَلَ هذا مِثْلَهُ.و(العِتَاقُ): الكِرَامُ مِن الإِبِلِ البِيضُ.والعِتْقُ: الكَرَمُ، والعِتْقُ أيضاً: الحُسْنُ والجمالُ، يُقَالُ: عَتَقَ الفَرَسُ؛ إذا سَبَقَ.وبهِ سُمِّيَ بيتُ اللَّهِ العَتِيقَ؛ لأنَّهُ عَتَقَ أنْ يُمْلَكَ؛ أيْ: سَبَقَ ذلكَ.ويقالُ: سُمِّيَ العَتِيقَ؛ لأنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِن الغَرَقِ أيَّامَ الطُّوفانِ.وقيلَ: سُمِّيَ العَتِيقَ؛ لأنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِن الجَبَابرةِ، فلم يَقْصِدْهُ جَبَّارٌ إلاَّ قَصَمَهُ اللَّهُ.
و(النَّاجِيَاتُ): السِّراعُ، يقالُ: نَجَا يَنْجُو، إذا أَسْرَعَ. والنَّجْوَةُ: المكانُ المرتفِعُ، سُمِّيَ بذلكَ لأنَّهُ يُنْجَى عليهِ من السَّيْلِ. و(الْوَظِيفُ): عَظْمُ الساقِ.وقولُهُ (وَأَتْبَعَتْ * وَظِيفاً وَظِيفاً)؛ أيْ: أَتْبَعَتْ وَظِيفَ يَدِها وَظِيفَ رِجْلِها.ويُسْتَحَبُّ من الناقةِ أنْ تَجْعَلَ رِجْلَهَا في موضِعِ يَدِهَا إذا سارَتْ، ويُسْتَحَبُّ أنْ تكونَ خَرْقَاءَ اليَدِ، صَناعَ الرِّجلِ. و(المَوْرُ): الطريقُ، ويُقالُ: مَارَ يَمُورُ مَوْراً، إذا دارَ. والْمُورُ بالضَّمِّ: التُّرَابُ والغُبارُ.
وَ(المُعَبَّدُ): المُذَلَّلُ، يُقالُ: بَعِيرٌ مُعَبَّدٌ؛ أيْ: مُذَلَّلٌ قدْ طُلِيَ بالهِناءِ، وَبَعِيرٌ مُعَبَّدٌ؛ أيْ: مُكْرَمٌ، وهوَ مِن الأَضْدَادِ، قالَ الشاعِرُ:
تقولُ: أَلا أَمْسِكْ عَلَيْكَ فَإِنَّنِي = أَرَى الْمَالَ عِنْدَ الْبَاخِلِينَ مُعَبَّدَا
ومعناهُ: مُكَرَّماً، كأنَّهُم يَعْبُدُونَهُ مِنْ كَرَامَتِهِ علَيْهِم.
وَمَوْضِعُ (تُبَارِي) يَجُوزُ أنْ يكونَ نَصْباً على الحالِمن الهاءِ والألِفِ؛ أيْ: مُبَارِيَةً عِتَاقاً. ويَجُوزُ أنْ يكونَ في مَوْضِعِ جَرٍّ على الاتِّبَاعِ لـ(أَمُونٍ).
14- تَرَبَّعَت القُفَّيْنِ بالشَّوْلِ تَرْتَعِي =حَدَائِقَ مَوْلِيِّ الأَسِرَّةِ أَغْيَدِ
(القُفُّ): ما غَلُظَ من الأرضِ وارْتَفَعَ، ولم يَبْلُغْ أنْ يكونَ جَبَلاً.و(الشَّوْلُ) مِن النُّوقِ: الَّتِي قد ارْتَفَعَتْ أَلْبَانُها. و(الحدائِقُ): البساتينُ.و(المَولِيُّ): الذي أَصَابَهُ الوَلْيُ مِن المطرِ، وهوَ الذي يَجِيءُ بعدَ الوَسْمِيِّ.و(الأَسِرَّةُ): بُطُونُ الأَوْدِيَةِ، والواحدةُ سَرَارَةٌ، وهوَ أَكْرَمُ الوادي؛ لأنَّهُ يُقالُ: فُلانٌ في سِرِّ قومِهِ؛ أيْ: في صَمِيمِهِم. وقولُهُ: (بالشَّوْلِ)؛ أيْ: في الشَّوْلِ.ويُرْوَى: (في الشَّوْلِ). والشَّوْلُ: جَمْعُ شَائِلَةٍ، وكأنَّها التي قدْ شَالَ ضَرْعُها، وهيَ التي قدْ أَتَى عليها منْ وقتِ نِتَاجِها سَبْعَةُ أشهُرٍ، وهذا كَقَوْلِهم: شَالَ المِيزَانُ يَشُولُ؛ إذا ارْتَفَعَ.
وقالَ الكُوفِيُّونَ: هذا مِن الشَّاذِّ، كانَ يَجِبُ أنْ يُقالَ: شائِلٌ؛ لأنَّهُ شيءٌ لا يكونُ إلاَّ للإناثِ. وهوَ عندَ البَصْرِيِّينَ جَيِّدٌ، على أنْ تُجْرِيَهُ على الفعلِ، فَتَقُولَ: شَالَتْ فهيَ شائِلَةٌ، فأمَّا إذا شَالَتْ بذَنَبِها فإنَّما يُقالُ: شَائِلٌ بلا هاءٍ، هذا الأَكْثَرُ. ويَجُوزُ أنْ تُجْرِيَهُ على الفعلِ فَتَقُولَ: شائِلَةٌ. و(تَرْتَعِي): تَفْتَعِلُ مِن الرَّعْيِ.وكلُّ شَجَرٍ مُلْتَفٍّ أَوْ نَخْلٍ فهيَ حديقةٌ، و(الحدائِقُ) هنا: الرِّيَاضُ. و(الأَغْيَدُ): الناعِمُ؛ أيْ: ذُو النَّعْمَةِ، كأنَّهُ اللَّيِّنُ مِن النَّعْمَةِ.
15- تَرِيعُ إلى صَوْتِ المُهِيبِ وَتَتَّقِي =بِذِي خُصَلٍ رَوْعاتِ أَكْلَفَ مُلْبِدِ
(المُهِيبُ): الذي يَصِيحُ بها: هَوْبَ هَوْبَ.و(تَرِيعُ)؛ أيْ: تَرْجِعُ إلى صَوتِ الراعِي إذا دَعَا بها. و(تَتَّقِي * بِذِي خُصَلٍ) المفعولُ محذوفٌ، المعنى: وتَتَّقِي الفَحْلَ بِذَنَبِ ذِي خُصَلٍ؛ لأنَّ الناقةَ إذا كانَتْ حامِلاً اتَّقَت الفَحْلَ بحركةِ ذَنَبِها، فيَعْلَمُ الفَحْلُ أنَّها حامِلٌ، فلا يَقْرَبُها.
و(الأَكْلَفُ) مِنْ صفةِ الفَحْلِ، وهوَ الذي في لونِهِ حُمْرَةٌ إلى السَّوَادِ. و(المُلْبِدُ): الذي قدْ صارَ على وَرِكِهِ مِثْلُ اللِّبْدِ منْ ثَلْطِهِ؛ لأنَّهُ يَضْرِبُ بِذَنَبِهِ مِن الهَيَاجِ على ظَهْرِهِ. و(الرَّوْعَاتُ): جَمْعُ رَوْعَةٍ، وهوَ الفَزَعُ. ومن العربِ مَنْ يقولُ: رَوَعَاتٌ؛ لِيُفَرِّقَ بينَ الاسمِ والصفةِ، مِثْلُ: جَفْنَةٍ وجَفَنَاتٍ.إلاَّ أنَّ الأحسنَ رَوْعَاتٌ بِتَسْكِينِ الواوِ؛ لاسْتِثْقَالِهِم الحركةَ فيها.
فإنْ قِيلَ: سبيلُ الواوِ إذا كانَتْ في موضِعِ حركةٍ، وكانَتْ قَبْلَها فتحةٌ، أنْ تُقْلَبَ أَلِفاً، فيَجِبُ على هذا في لُغَةِ مَنْ حَرَّكَ، أنْ يَقُولَ: رَاعَاتٌ. فالجوابُ عنهُ أنَّهُ وإنْ حُرِّكَ فالأصلُ الإسكانُ، فصارَ بمَنْزِلَةِ قولِكَ: صَيِدَ البعيرَ، فلم تُقْلَب الياءُ ألِفاً؛ لأنَّهُ في معنى اصْيَدَّ واصْيَادَّ، أَلا تَرَى أنَّهُم يقولونَ: حَوَكَةٌ، فَيَأْتُونَ بهِ عَلَى الأصلِ.
16- كَأَنَّ جَنَاحَيْ مَضْرَحِيٍّ تَكَنَّفَا =حِفَافَيْهِ شُكَّا في الْعَسِيبِ بِمِسْرَدِ
شَبَّهَ هُلْبَ ذَنَبَها بجَنَاحَيْ (مَضْرَحِيٍّ)، وهوَ العَتِيقُ من النُّسُورِ يَضْرِبُ إلى البياضِ. و(حِفَافَاهُ): جانِبَاهُ.وقولُهُ: (تَكَنَّفَا)؛ أيْ: صَارَا مِنْ جَانِبَيْهِ عنْ يمينِ الذَّنَبِ وشِمالِهِ. و(شُكَّا): غُرِزَا وأُدْخِلا فيهِما. و(العَسِيبُ): عَظْمُ الذَّنَبِ.و(المِسْرَدُ): المِخْصَفُ وهوَ الإِشْفَى. وقالَ الأَصْمَعِيُّ: يُسْتَحَبُّ مِن المَهَارِي أنْ تَقْصُرَ أَذْنَابُهَا، وقَلَّمَا تَرَى مَهْرِيًّا إلاَّ ورَأَيْتُ ذَنَبَهُ أَعْصَلَ، كأنَّهُ أَفْعَى، وهوَ عَيْبٌ فيما يُحْلَبُ. ويُمْدَحُ في ذَوَاتِ الحَلَبِ سُبُوغُ الأذنابِ، وكَثْرَةُ هُلْبِهَا. وقالَ غيرُهُ: كلُّ الفحولِ مِن الشعراءِوَصَفَ الأذنابَ بكَثْرَةِ الهُلْبِ، مِنهم امْرُؤُ القيسِ وطَرَفَةُ وعُتَيْبَةُ بنُ مِرْدَاسٍ وغيرُهم.
17- فَطَوْراً بِهِ خَلْفَ الزَّمِيلِ وتارَةً =على حَشِفٍ كالشَّنِّ ذَاوٍ مُجَدَّدِ
يَقُولُ: طَوْراً تَرْفَعُ ذَنَبَهَا وتَضْرِبُ بهِ خَلْفَ (الزَّمِيلِ)؛ أي: الرَّدِيفِ.ولا زَمِيلَ هُنَاكَ، وإنَّما أرادَ مَوْضِعَ الزَّمِيلِ.ومَرَّةً تَضْرِبُ بهِ على ضَرْعِها.وإنَّما سَمَّاهَُشِفاً)؛ لأنَّهُ مُتَقَبِّضٌ لالَبَنَ فيهِ.و(الشَّنُّ): الْقِرْبَةُ الخَلَقُ.و(الذَّاوِي): الذَّابِلُ الذي قدْ أَخَذَ في اليُبْسِ.و(المُجَدَّدُ): الذاهِبُ اللَّبَنِ. ناقةٌ جَدُودٌ، وأَتَانٌ جَدُودٌ: ذَهَبَ لَبَنُها مِنْ غيرِ بَأْسٍ.وأصلُ الكلمةِ مِنْ قَوْلِهم: جَدَدْتُ الشيءَ إذا قَطَعْتَهُ، فالجَدُودُ: التي انْقَطَعَ لَبَنُها.و(الطَّوْرُ) والتَّارَةُ: وَقْتَانِ.
18- لَهَا فَخِذَانِ أُكْمِلَ النَّحْضُ فِيهِمَا = كَأَنَّهُمَا بَابَا مُنِيفٍ مُمَرَّدِ
(أُكْمِلَ): أُتِمَّ. والكَمالُ: التَّمَامُ. و(النَّحْضُ): اللَّحْمُ، ويُقالُ: نُحِضَ العَظْمُ، إذا أُخِذَ ما عليهِ من النَّحْضِ. ورَوَى الطُّوسِيُّ: (لَهَا فَخِذَانِ عُوِليَ النَّحْضُ فِيهِمَا).و(عُوِليَ) معناهُ: ظُوهِرَ وكَثُرَ.وقولُهُ: (بَابَا مُنِيفٍ)، يقولُ: كأنَّ الفَخِذَيْنِ بَابَا قَصْرٍ (مُنِيفٍ)؛ أيْ: مُشْرِفٍ. يُقالُ: أَنَافَ الشيءُ يُنِيفُ إِنَافَةً، إذا عَلا وأَشْرَفَ.و(المُمَرَّدُ)، قالُوا: هوَ المُطَوَّلُ. ويَكُونُ على هذا منْ قولِهم: تَمَرَّدَ؛ إذا تَجَاوَزَ في الشَّرِّ. وأَنْشَدَ الأَصْمَعِيُّ في صِفَةِ فَحْلٍ، وذَكَرَ ارْتِفَاعَ سَنَامِهِ:
* بَنَى لَهُ العُلَّفُ قَصراً مَارِدَا *
وقِيلَ: (المُمَرَّدُ): المُمَلَّسُ. ومنهُ: شَجَرَةٌ مَرْدَاءُ؛ إذا سَقَطَ وَرَقُها فصَارَتْ مَلْسَاءَ.ومنهُ سُمِّيَ الأمردُ أَمْرَدَ؛ لأنَّهُ أَمْلَسُ الخَدَّيْنِ.
19- وَطَيُّ مَحَالٍ كَالْحَنِيِّ خُلُوفُهُ =وأَجْرِنَةٌ لُزَّتْ بِدَأْيٍ مُنَضَّدِ
أيْ: لَهَا مَحالٌ مَطْوِيَّةٌ. و(المَحَالُ): فَقَارُ الظهرِ، الواحِدَةُ: مَحَالَةٌ. و(الْحَنِيُّ): القِسِيُّ، واحِدَتُها حَنِيَّةٌ، ويُرْوَى بضَمِّ الحاءِ وكسرِها، كما يُقالُ: عُصِيٌّ وَعِصِيٌّ. و(الخُلُوفُ): أطرافُ الأضلاعِ.و(الجِرَانُ): بَاطِنُ العُنُقِ، جَمَعَهُ بما حَوَالَيْهِ. و(لُزَّتْ): قُرِنَ بعضُها إلى بعضٍ فانْضَمَّتْ واشْتَدَّتْ.و(دَأْيٌ): جَمْعُ دَأْيَةٍ، وهيَ الفَقَارُ، وكلُّ فِقْرَةٍ مِنْ فَقَارِ العُنُقِ والظَّهْرِ دَأْيَةٌ.
يقولُ: مَحَالُ ظَهْرِها مُتَرَاصِفٌ مُتَدانٍ بعضُهُ منْ بعضٍ، وذلكَ أَشَدُّ لَهَا وأَقْوَى مِنْ ألاَّ تَكُونَ مُتَدَانِيَاتٍ.
20- كَأَنَّ كِنَاسَيْ ضَالَةٍ يَكْنُفَانِها =وأَطْرَ قِسِيٍّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَيَّدِ
(الْكِنَاسُ) أَنْ تَحْتَفِرَ الثِّيرَانُ في أَصْلِ الشجرةِ، كالسَّرَبِ يُكِنُّها من الحَرِّ والبَرْدِ، والجمعُ: كُنُسٌ، وقدْ كَنَسَتْ تَكْنِسُ: إذا اسْتَظَلَّتْ في كُنُسِها مِن الحَرِّ. وإنَّما قالَ: ِنَاسَيْ)؛ لأنَّهُ يَسْتَكِنُّ بالغداةِ في ظِلِّها، وبالعَشِيِّ في فَيْئِها. والضَّالُ: السِّدْرُ البَرِّيُّ،الواحِدَةُ: َالَةٌ).و(الأَطْرُ): العَطْفُ.و(المُؤيَّدُ): المُقَوَّى. والأَيْدُ: القُوَّةُ.
يقولُ: كأنَّ كِنَاسَيْ ضَالَةٍ يَكْنُفانِ هذهِ الناقةَ مِنْ سَعَةِ ما بينَ مِرْفَقَيْهَا وزَوْرِها.وإنَّما أرادَأنَّ مِرْفَقَيْهَا قدْ بَانَا عنْ إِبِطَيْهَا، فشَبَّهَ الهواءَ الذي بينَهما بكِنَاسَيْ ضالَةٍ، فَلَيْسَ بها حَازٌّ ولا نَاكِتٌ، وكأنَّ قِسِيًّا مَأْطُورَةٌ تحتَ صُلْبِها، يعني: تحتَ ضُلُوعِها.
21- لها مِرْفَقَانِ أَفْتَلانِ كَأَنَّمَا =تَمُرُّ بِسَلْمَيْ دَالِجٍ مُتَشَدِّدِ
(الأَفْتَلانِ): المُتَبَايِنَانِ، كأنَّما فُتِلا عنْ صَدْرِها؛ أيْ: عُدِلا. و(السَّلْمُ): الدَّلْوُ لها عُرْوَةٌ واحدةٌ، نَحْوُ دَلْوِ السَّقَّائِينَ.و(الدَّالِجُ): الذي يَمْشِي بينَ الحَوْضِ والبئرِ. يَقُولُ: هُما مَفْتُولانِ كأنَّهُما سَلْمَانِ بِيَدَيْ دَالِجٍ، فهوَ يُجَافِيهِمَا عنْ ثِيَابِهِ.
والروايَةُ الجيِّدَةُ: (تَمُرُّ) بفتحِ التاءِ.ويُرْوَى (تُمِرُّ) معناهُ: تَفْتِلُ وتُجَوِّدُ الفَتْلَ.وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: كأنَّما تُمِرُّ سَلْمَيْ، فَزَادَ الباءَ، أرادَ: تَبَايَنَ مِرْفَقَا الناقَةِ وتَبَاعَدَا عنْ زَوْرِها، كما يَتَبَاعَدُ عَضُدُ الدَّالِجِ عنْ زَوْرِهِ.
22- كَقَنْطَرَةِ الرُّومِيِّ أَقْسَمَ رَبُّهَا =لَتُكْتَنَفَنْ حَتَّى تُشَادَ بِقَرْمَدِ
َتُكْتَنَفَنْ)؛ أيْ: لَتُؤْتَيَنْ مِنْ أَكْنَافِها لِتُبْنَى. وَ(تُشَادَ): تُرْفَعَ. و(القَرْمَدُ): الآجُرُّ، الواحِدَةُ: قَرْمَدَةُ.وَقَصَدَ بِنَاءَ الرُّومِ لإحكامِهِ.
وقولُهُ:َتُكْتَنَفَنْ) أَقْسَمَ بالنونِ الخفيفةِ، والوقفُ عليها بالألفِ عِوَضاً من النونِ، ولا يُعَوَّضُ منها إذا كانَ قَبْلَها ضَمَّةٌ أوْ كسرةٌ؛ لأنَّهم شَبَّهُوهَا بالتنوينِ في الأسماءِ؛ لأنَّكَ تُعَوِّضُ منهُ في موضِعِ النصبِ، ولا تُعَوِّضُ في موضِعِ الرفعِ والجرِّ، إلاَّ أنَّ النونَ في الأفعالِ تُحْذَفُ لالتقاءِ الساكنيْنِ، والتنوينُفي الأسماءِ الاختيارُ فيهِ التَّحْرِيكُ؛ لأنَّ ما يَدْخُلُ في الأسماءِ أَقْوَى مِمَّا يَدْخُلُ في الأفعالِ.
23- صُهَابِيَّةُ العُثْنُونِ مُوجَدَةُ الْقَرَا =بَعِيدةُ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوَّارَةُ اليَدِ
(الصُّهَابِيَّةُ): التي يَضْرِبُ لَوْنُها إلى الصُّهْبَةِ، وهيَ بَيَاضٌ يُخَالِطُهُ حُمْرَةٌ. و(العُثْنُونُ): ما تَحْتَ لَحْيَيْهَا من الشَّعَرِ. و(المُوجَدَةُ): المُحْكَمَةُ. قالَ أبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: يُقالُ: نَاقَةٌ أُجُدٌ، إذا كانَ عَظْمُ عِدَّةٍ مِنْ فَقَارِهَا وَاحِداً.
وقولُهُ: (بَعِيدَةُ وَخْدِ الرِّجْلِ)، يُريدُ: سَعَةَ خَطْوِها. و(الوَخْدُ): ضَرْبٌ مِن السيرِ السريعِ. وقولُهُ: (مَوَّارَةُ اليَدِ)؛ أيْ: أنَّ كَتِفَيْهَا تَتْبَعَانِ يَدَيْهَا في سُهولَةٍ، يُرِيدُ أنَّها خَرْقَاءُ اليَدِ. ويُقَالُ: مَارَ يَمُورُ، إذا دَارَ.
24- أُمِرَّتْ يَدَاهَا فَتْلَ شَزْرٍ وأُجْنِحَتْ =لَهَا عَضُدَاهَا فِي سَقِيفٍ مُسَنَّدِ
ُمِرَّتْ): فُتِلَتْ.و(الشَّزْرُ): الفَتْلُ الذي يُقالُ لهُ: الدَّبِيرُ.ومنهُ يُقَالُ: فلانٌ ينظُرُ إليكَ شَزْراً، كأنَّهُ يَرْفَعُ طَرْفَهُ ثمَّ يَطْرِفُ؛ لأنَّ الشَّزْرَ الذي يُفْتَلُ بهِ عن الصَّدْرِ مُتَعَالًى، فَلِهَذَا سُمِّيَ الدَّبِيرَ.
وانْتَصَبَ (فَتْلَ)؛ لأنَّهُ نعتٌ لمَصْدَرٍ محذوفٍ، كأنَّهُ قالَ: أُمِرَّتْ يَدَاها إِمْرَاراً مِثْلَ فَتْلِ شَزْرٍ.
ومعنى (أُجْنِحَتْ): أُمِيلَتْ إلى خارِجٍ، فيقولُ: كأنَّ ظَهْرَها صَفَائِحُ صَخْرٍ لا يُؤَثِّرُ فيهِ شيءٌ.
وقيلَ: (السَّقِيفُ) هنا: زَوْرُهَا وما فوقَهُ. وأصلُ السَّقِيفِ: صفائِحُ مِنْ حِجارةٍ.و(مُسَنَّدٌ): أُسْنِدَ بعضُهُ إلى بعضٍ.
25- جَنُوحٌ دُِفَاقٌ عَنْدَلٌ ثُمَّ أُفْرِعَتْ = لَهَا كَتِفَاهَا في مُعَالًى مُصَعَّدِ
(الجَنُوحُ): التي تَمِيلُ على أَحَدِ شِقَّيْهَا في السَّيْرِ. و(الدُِّفاقُ): التي تَتَدَفَّقُ في السيرِ. و(العَنْدَلُ): الضخمةُ الرأسِ.و(أُفْرِعَتْ): عُولِيَتْ. و(في مُعالًى)؛ أيْ: معَ مُعالًى.
26- كَأَنَّ عُلُوبَ النِّسْعِ فِي دَأَيَاتِهَا =مَوارِدُ منْ خَلْقَاءَ في ظَهْرِ قَرْدَدِ
(العُلُوبُ): الآثارُ، واحِدُها عَلْبٌ. و(النِّسْعُ): حَبْلٌ مَضْفُورٌ مِنْ أَدَمٍ. و(الدَّأَيَاتُ): مُنْتَهَى الأضلاعِ.قيلَ: في الظَّهرِ، وقيلَ: في الصدرِ.و(المَوَارِدُ): طُرُقُ المِيَاهِ. و(الخَلْقَاءُ): الصخرةُ الملساءُ. و(القَرْدَدُ): الأرضُ الصُّلبةُ المستويَةُ. و(ظَهْرُ القَرْدَدِ): أَعْلاهُ. يَقُولُ: هذهِ العُلُوبُ في صَدْرِها مِثْلُ آثارِ الموارِدِ.
وقيلَ: مَعْنَى البيتِ: أنَّ النُّسُوعَ لا تُؤَثِّرُ في هذهِ النَّاقَةِ، إلاَّ كما تُؤَثِّرُ الموارِدُ في الصخرةِ المَلساءِ.وقيلَ: أرادَ بالموارِدِ: مَوَاضِعَ مَرِّ الحِبالِ على حَرْفِ البئرِ المَزْبُورَةِ، حتَّى تُؤَثِّرَ فيها أَثَراً ليسَ بالمُبَالَغِ، فكذلكَ آثارُ النُّسوعِ في جَنْبِ هذهِ الناقةِ، ليسَ بالمُبالَغِ؛ لِصَلابةِ جِلْدِهَا.
27- تَلاقَى وأَحْيَاناً تَبِينُ كَأَنَّهَا = بَنَائِقُ غُرٌّ في قَمِيصٍ مُقَدَّدِ
(تَلاقَى)؛ أيْ: تَتَلاقَى؛ أيْ:تَجْتَمِعُ. و(تَبِينُ): تَفْتَرِقُ، يعني: هذهِ الموارِدُ يكونُ بعضُها يَلِي بعضاً، ويَتَّصِلُ بعضُها ببعضٍ. و(البَنَائِقُ): جمعُ بَنِيقَةٍ، يقولُ: كأنَّها دَخَارِيصُ قَمِيصٍ.و(الغُرُّ): البِيضُ. و(المُقَدَّدُ): المُشَقَّقُ.وقالَ أحمدُ بنُ عُبَيْدٍ: (تَلاقَى) يعني: الحِبَالُ والآثارُ، إذا سَفَلَتْ إلى العُرَى الْتَقَتْ رُؤُوسُها، وإذا ارْتَفَعَتْ إلى الرَّحْلِ تَبَايَنَتْ. وخَصَّ الدَّخَارِيصَ؛ لِدِقَّةِ رُؤُوسِها وسَعَةِ أَسَافِلِها، فأرادَ أنَّ الآثارَ ممَّا يَلِي الْحَلَقَ دَقِيقَةٌ، وما عَلا مِنْ ذلكَ إلى الرَّحْلِ واسِعٌ؛ لأنَّ الحَلَقَ تَجْمَعُ الحِبَالَ فيَدِقُّ الأَثَرُ.
28- وأَتْلَعُ نَهَّاضٌّ إِذَا صَعَّدَتْ بِهِ = كَسُكَّانِ بُوصِيٍّ بِدِجْلَةَ مُصْعِدِ
يعنِي بـ(الأَتْلَعِ) عُنُقَهَا.والأَتْلَعُ: المُشْرِفُ.والتَّلَعُ: الطُّولُ. و(نَهَّاضٌ): يَنْهَضُ في السيرِ؛ أيْ:يَرْتَفِعُ إذا سَارَتْ. يُقَالُ: نَهَضَ إليهِ، إذا ارْتَفَعَ إليهِ، ونَهَضَ الفَرْخُ، إذا ارْتَفَعَ وفارَقَ عُشَّهُ، وهيَ النَّوَاهِضُ.ومعنى (صَعَّدَتْ بِهِ): أَشْخَصَتْهُ في السماءِ. و(السُّكَّانُ): الذي تُقَوَّمُ بهِ السَّفِينَةُ. و(الْبُوصِيُّ): السفينةُ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ.ويُرْوَى: (كَسُكَّانِ نُوتِيٍّ).والنُّوتِيُّ: المَلاَّحُ.وقالَ: (مُصْعِدِ)؛ لأنَّهُ يُعَالِجُ المَوْجَ.
29- وَجُمْجُمَةٌ مِثْلُ العَلاةِ كَأَنَّمَا = وَعَى المُلْتَقَى مِنْهَا إلى حَرْفِ مِبْرَدِ
(العَلاةُ): السِّنْدَانُ التي يَضْرِبُ عليها الحَدَّادُ حَدِيدَتَهُ، شَبَّهَ جُمْجُمَتَها بها في صَلابَتِها.
و(الجُمْجُمَةُ): عِظَامُ الرأسِ. و(وَعَى): اجْتَمَعَ وانْضَمَّ. يُقالُ: وَعَى عَظْمُهُ، إذا اجْتَبَرَ وتَمَاسَكَ. وَلا وَعْيَ عنْ ذَاكَ؛ أيْ: لا تَمَاسُكَ عنهُ.
و(المُلْتَقَى): يعني كُلَّ قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قبائلِ الرأسِ الْتَقَتَا، ويعني حُيُودَ رَأْسِ الناقةِ. وكُلُّ نَادِرٍ: حَيْدٌ. وإنَّما أرادَ صَلابَتَهَا، فَلَيْسَ لِمُلْتَقَى شُؤُونِها نُتوءٌ، كأنَّهُ مُلْتَئِمٌ كُلُّهُ، كَالْتِئَامِ المِبْرَدِ مِنْ تَحْتِ حُزُوزِهِ.
فيقولُ: هذهِ الجُمْجُمَةُ كأنَّها قِطْعَةٌ واحدةٌ في الْتِئَامِها.وخَصَّ المِبْرَدَ؛ لِلْحُزُوزِ التي فيهِ. فيقولُ: فيهِ نُتوءٌ غيرُ مُرْتَفِعٍ. قالَ الأَصْمَعِيُّ: لم يَقُلْ أَحَدٌ مثلَ هذا البيتِ، كما لم يَقُلْ أحدٌ مِثْلَ قولِ عَنْتَرَةَ:
غَرِدٌ يَسُنُّ ذِرَاعَهُ بِذِرَاعِهِ = قَدْحَ المُكِبِّ عَلَى الزِّنَادِ الأَجْذَمِ
30- وَخَدٌّ كَقِرْطَاسِ الشَّآمِي ومِشْفَرٌ = كَسِبْتِ اليَمَانِي قَدُّهُ لَمْ يُحَرَّدِ
شَبَّهَ بَيَاضَ خَدِّها بِبَيَاضِ القِرْطَاسِ قبلَ أنْ يُكْتَبَ فيهِ.وقيلَ: أرادَ أنَّهُ عَتِيقٌ لاشَعَرَ عليهِ.والشعَرُ في الخَدِّ هُجْنَةٌ.والمرادُأنَّهُ جُعِلَ كالقِرْطَاسِ؛ لنقائِهِ وقِصَرِ شَعَرَتِهِ.
والمِشْفَرُ مِن البَعِيرِ: كالشَّفَةِ مِن الإنسانِ. و(السِّبْتُ): جُلُودُ البقرِ إذا دُبِغَتْ بالقَرَظِ، فإنْ لم يُدْبَغْ بالقَرَظِ فليسَ بِسِبْتٍ. وأرادَ: أنَّ مَشَافِرَها طُوَالٌ، كأنَّها نِعَالُ السِّبْتِ، وذلكَ ممَّا يُمْدَحُ بهِ. وخَصَّ السِّبْتَ لِلِينِهِ. وقولُهُ: (لم يُحَرَّدِ)؛ أيْ: لم يُمَيَّلْ، يَصِفُ أنَّها شَابَّةٌ فَتِيَّةٌ، وذلكَ أنَّ الهَرِمَةَ والهَرِمَ تَمِيلُ مَشَافِرُهُمَا.
31- وَعَيْنَانِ كالمَاوِيَّتَيْنِ اسْتَكَنَّتَا =بِكَهْفَيْ حِجاجَيْ صَخْرَةٍ قَلْتِ مَوْرِدِ
شَبَّهَ عَيْنَيْهَا بِالمَاوِيَّتَيْنِ لِصَفَائِهِما.و(المَاوِيَّتَانِ): المِرْآتَانِ. و(اسْتَكَنَّتَا): حَلَّتَا في كِنٍّ. و(الكَهْفُ): غارٌ في الجبَلِ، وهوَ هَهُنَا: غارُ العَيْنِ الذي فيهِ مُقْلَتُها. و(الحِجَاجُ): العَظْمُ المُشْرِفُ على العيْنِ، الذي يَنْبُتُ عليهِ شَعَرُ الحاجِبِ.و(القَلْتُ): نُقْرَةٌ في الجَبَلِ يَسْتَنْقِعُ فيها الماءُ، مُؤَنَّثَةٌ، وجَمْعُها: قِلاتٌ.
وقولُهُ: (قُلْتِ مَوْرِدِ) بَدَلٌ مِنْ (صَخْرَةٍ)، وإذا كانَت الصخرةُ في ماءٍ كانَ أَصْلَبَ لها. والمرادُ: أنَّ صَفَاءَ عَيْنَيْهَا كصَفَاءِ ماءِ القَلْتِ.وقولُهُ: (مَوْرِدِ) أرادَ: أنَّ ماءَ المَطَرِ يَرِدُها، ولوْ وَرَدَها الناسُ لَكَدَّرُوها.
32- طَحُورَانِ عُوَّارَ الْقَذَى فتَرَاهُمَا =كَمَكْحُولَتَيْ مَذْعُورَةٍ أُمِّ فَرْقَدِ
َحُورَانِ)؛ أيْ: دَفُوعَانِ. يُقالُ: طَحَرَهُ ودَحَرَهُ؛ أيْ: دَفَعَهُ. وَ(العُوَّارُ) والعائِرُ: ما أَفْسَدَ العينَ مِن الرَّمَدِ. فَيَقُولُ: عينُها صَحِيحَةٌ، لاقَذَى فيها، كأنَّها قدْ طَحَرَتْهُ.
وقولُهُ: (فَتَرَاهُمَا * كَمَكْحُولَتَيْ مَذْعُورَةٍ)، يريدُ: كَعَيْنَيْ بَقَرَةٍ مَذْعُورَةٍ. و(فَرْقَدُهَا): وَلَدُها. وإذا كانَتْ مَذْعُورَةً مُطْفِلاً كانَ أَحَدَّ لِنَظَرِها.
33- وَصَادِقَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ لِلسُّرَى = لِهَجْسٍ خَفِيٍّ أَوْ لِصَوْتٍ مُنَدَّدِ
يَعْنِي أُذُنَيْهَا؛ أيْ: لا تَكْذِبُهَا إذا سَمِعَت النَّبْأَةَ. و(التَّوَجُّسُ): التَّسَمُّعُ بحَذَرٍ. و(الهَجْسُ): الصوتُ الخَفِيُّ. وقولُهُ: (لِلسُّرَى)؛ أيْ: فِي السُّرَى، أوْ عِنْدَ السُّرَى. ويُقَالُ: سَرَى وأَسْرَى، إذا سَارَ بالليلِ. وقِيلَ: للنَّهَرِ: سَرِيٌّ، منْ هَذَا؛ لأنَّ الماءَ يَسْرِي فيهِ. قالَ المُبَرِّدُ: خُصَّ النَّهَرُ بهذا الاسمِ، مِنْ قولِهم: (خَيْرُ المَالِ عَيْنٌ ساهرةٌ لِعَيْنٍ نائِمَةٍ)؛ أيْ: لا تَنَامُ وإنْ نِمْتَ عنها.
ويُرْوَى: (لِصَوْتِ مُنَدِّدِ) بالإضافةِ. و(المُنَدِّدُ): الذي يَرْفَعُ صَوْتَهُ. والروايَةُ الجَيِّدَةُ: (صَوْتٍ مُنَدِّدِ). والمُنَدِّدُ: صِفْةٌ للصوتِ.
34- مُؤَلَّلَتَانِ تَعْرِفُ العِتْقَ فِيهِمَا = كَسَامِعَتَيْ شَاةٍ بِحَوْمَلَ مُفْرَدِ
(المُؤَلَّلُ) المُحَدَّدُ كتحديدِ الأَلَّةِ، وهيَ الحَرْبَةُ.و(العِتْقُ): الكَرَمُ، وَيُرِيدُ هنا: الحُسْنَ والنَّقَاءَ. ويُرِيدَ بـ(الشاةِ) هنا: الثَّوْرَ الوَحْشِيَّ. وقالَ: ُفْرَدِ) بلاهَاءٍ؛ لأنَّهُ أرادَ الثورَ الوحشيَّ، وإذا كانَ مُفرداً كانَ أَسْمَعَ لهُ؛ لأنَّهُ ليسَ معَهُ ما يَشْغَلُهُ.وقيلَ: (العِتْقُ): ألاَّ يكونَ في دَاخِلِهما وَبَرٌ، فهوَ أَجْوَدُ لِسَمْعِها، وكذلكَ آذَانُ الوَحْشِ.
35- وأَرْوَعُ نَبَّاضٌ أَحَذُّ مُلَمْلَمٌ =كَمِرْدَاةِ صَخْرٍ في صَفِيحٍ مُصَمَّدِ
َرْوَعُ): يعني قَلْبَها، وهوَ الحَدِيدُ السريعُ الارْتِيَاعِ. و و(نَبَّاضٌ): يَنْبِضُ يَضْرِبُ مِن الفَزَعِ.و(الأَحَذُّ): الأمْلَسُ الذي ليسَ لهُ شيءٌ يَتَعَلَّقُ بهِ. وقالَ أبو عَمْرٍو: هوَ الخَفِيفُ. وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: (الأَحَذُّ): الذكِيُّ الخفيفُ. و(مُلَمْلَمٌ): مُجْتَمِعٌ. وقولُهم للشَّعَرِ: لِمَّةٌ، مِنْ هذا. وأَلْمِمْ بِنَا؛ أي: ادْخُلْ في جَمَاعَتِنا.وبَنُو تَمِيمٍ يقولونَ: لُمَّ بِنَا. وقولُهُ عَزَّ وجَلَّ: {الَّذِينِ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ} معناهُ:إلاَّ أَنْ يُقَارِبُوا ولا يَدْخُلُوا في مُعْظَمِ الشيءِ.
وليسَ في الكلامِ دليلٌ على أنَّهُ أَبَاحَ اللَّمَمَ؛ لأنَّهُ استثناءٌ مِن الأوَّلِ.وهوَ مِثْلُ قولِهِ: َأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ}، فليسَ فيهِ دليلٌ على أنَّهُ أَبَاحَ ما سَلَفَ، وإنَّما المعنى: ولكِنْ ما قدْ سَلَفَ فإنَّ اللَّهَ يَعْفُو عنهُ.وكذلكَ قولُهُ عَزَّ وجَلَّ: َمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً}؛ أيْ: ولَكِنْ إِنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَعَلَيْهِ ما أُمِرَ بهِ.
وقولُهم: َمَّ اللَّهُ شَعْثَكَ) فيهِ قولانِ:
أَحَدُهما: أنَّ المعنَى: جَمَعَ اللَّهُ مُتَفَرِّقَكَ.والثاني، وهوَ قَوْلُ المُبَرِّدِ: أنَّ المعنى: جَمَعَ اللَّهُ ما يُزِيلُ الشَّعْثَ عنكَ.
و(الْمِرَادَةُ): صَخْرَةٌ تُدَقُّ الصخورُ بها. والمُرَادُ: كمُرَادةٍ مِنْ صَخْرٍ.
و(الصَّفِيحُ) مِن الحِجارةِ: العَرِيضُ. و(المُصَمَّدُ): الصُّلْبُ الذي لا خَوَرَ فيهِ.
36- وإنْ شِئْتُ سَامَى وَاسِطَ الكُورِ رَأْسُهَا = وعامَتْ بِضَبْعَيْهَا نَجَاءَ الخَفَيْدَدِ
َامَى): عالَى. و(وَاسِطَ الكُورِ): العُودُ الذي بينَ مَوْرِكَةِ الرَّحْلِ ومُؤَخَّرِهِ. ومَوْرِكَةُ الرَّحْلِ: المَوْضِعُ الذي يَضَعُ عليهِ الراكِبُ رِجْلَهُ. وقيلَ: المَوْرِكَةُ: مِهَادٌ يُمَهِّدُهُ الرجُلُ لرِجْلِهِ إلى جانِبِ الواسِطِ أسفلَ منهُ، فإذا أَعْيَا مِن الغَرْزِ نَزَعَ رِجْلَهُ من الغَرْزِ، وجَعَلَها على المَورِكَةِ.وقيلَ: الواسِطُ للرَّحْلِ: كالقَرَبُوسِ للسَّرْجِ. و(عَامَتْ): سَبَحَتْ. و(الضَّبْعُ): العَضُدُ.و(النَّجَاءُ): السُّرْعَةُ. وَ(الخَفَيْدَدُ): الظَّلِيمُ، وهوَ ذَكَرُ النَّعَامِ.
37- وإنْ شِئْتُلمْ تُرْقِلْ وإِنْ شِئْتُأَرْقَلَتْ =مَخَافَةَ مَلْوِيٍّ مِن القِدِّ مُحْصَدِ
(الإِرْقَال): ضَرْبٌ مِن السَّيْرِ السريعِ. وأَرَادَ بـ(المَلْوِيِّ) السَّوْطَ. و(المُحْصَدُ): المُحْكَمُ الفَتْلِ.و(مَخَافَةَ) منصوبٌ؛ لأنَّهُ مفعولٌ منْ أجلِهِ، وإنْ شِئْتَ كانَ مَصْدراً.
38- وأَعْلَمُ مَخْرُوتٌ مِن الأَنْفِ مَارِنٌ =عَتِيقٌ مَتَى تَرْجُمْ بِهِ الأَرْضَ تَزْدَدِ
أَرَادَ بـ(الأَعْلَمِ) مِشْفَرَها. والإِبِلُ كُلُّها عُلْمٌ.والعَلَمُ: شَقٌّ في الشَّفَةِ العُلْيَا، فإنْ كانَ في السُّفْلَى قِيلَ لهُ: أَفْلَحُ. و(المَخْرُوتُ): المشقوقُ، وخُرْتُ كُلِّ شيءٍ: شَقُّهُ وثَقْبُهُ.و(المَارِنُ): اللَّيِّنُ. وقولُهُ: (مَتَى تَرْجُمْ بِهِ الأَرْضَ): إذا أَدْنَتْ رَأْسَها من الأرضِ في سَيْرِها، فذلكَ رَجْمُها إيَّاها. يقولُ: إذا أَوْمَأَتْ بِرَأْسِها إلى الأرضِ ازْدَادَتْ سَيْراً.
39- على مِثْلِها أَمْضِي إذا قالَ صَاحِبِي: = أَلا لَيْتَنِي أَفْدِيكَ مِنْهَا وَأَفْتَدِي
أيْ: عَلَى مِثْلِ هذهِ الناقةِ أَسِيرُ وأَمْضِي إذا قالَ صَاحِبِي: إنَّا هَالِكُونَ مِنْ خَوْفِ الفَلاةِ. وقولُهُ:َلا لَيْتَنِي أَفْدِيكَمِنْهَا وأَفْتَدِي)، معناهُ: مِن الفَلاةِ،فجاءَ بِمَكْنِيِّها، ولم يَجْرِ لها ذِكْرٌ؛ لدَلالةِ المعنى عَلَيْهَا. كقولِهِ تعالى: َتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}.
وقولُهُ: (أَفْدِيكَ منهَا)؛ أيْ: أَعْطِيكَ فِدَاءَكَ وتَنْجُو، و(أَفْتَدِي) أَنَا مِنْهَا؛ أيْ: أَنْجُو. وقِيلَ: معناهُ: لَيْتَنِي أَقْدِرُ على أنْ أَفْتَدِيَكَ مِنها، وأَفْتَدِيَ نَفْسِي.وعلى تَتَعَلَّقُ بـ(أَمْضِي)، وكذلكَ (إِذَا).
40- وجَاشَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ خَوْفاً وَخَالَهُ = مُصَاباً وَلَوْ أَمْسَى عَلَى غَيْرِ مَرْصَدِ
َاشَت): ارْتَفَعَتْ إليهِ مِن الخوفِ ولم تَسْتَقِرَّ، كما تَجِيشُ القِدْرُ إذا ارْتَفَعَ غَلَيَانُها. وقولُهُ: (إلَيْهِ)؛ أيْ: إلى صاحِبِهِ.وقولُهُ: (وَخَالَهُ)؛ يعني: وخالَ نفسَهُ. وإنَّما جازَ أنْ يُقالَ: (خَالَهُ * مُصَاباً)، ولم يَجُزْ (ضَرَبَهُ) إذا أَرَدْتَ: ضَرَبَ نَفْسَهُ على مذهَبِ سِيبَوَيْهِ، أنَّهُم اسْتَغْنَوْا عنْ (ضَرَبَهُ) بقولِهم: ضَرَبَ نفسَهُ. والذي يَذْهَبُ إليهِ أبو العبَّاسِ أنَّهُ لم يَجُزْ (ضَرَبَهُ)؛ لِئَلاَّ يكونَ فاعلاً مفعولاً في حالٍ. وجازََالَهُ)؛ لأنَّ الفاعلَ في المعنى مفعولٌ؛ لأنَّهُ إنَّما رَأَى شيئاً فَأَظَنَّهُ. وقولُهُ: (ولوْ أَمْسَى على غيرِ مَرْصَدِ)؛ أيْ: ولوْ أَمْسَى لا يُرْصَدُ ولا يَخافُ مِنْ أحدٍ؛ لِظَنَّ أنَّهُ هالِكٌ من العَطَشِ لِهَوْلِ المَفَازَةِ؛ أيْ: فأنا أَنْجُو منها على نَاقَتِي.


 
 توقيع : صقر الجنوب

مواضيع : صقر الجنوب



رد مع اقتباس