عرض مشاركة واحدة
قديم 26/12/2007, 12:02 PM   #3


الصورة الرمزية حمودددد الزهراني
حمودددد الزهراني âيه ôîًَىà

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8017
 تاريخ التسجيل :  Dec 2007
 العمر : 31
 أخر زيارة : 30/10/2009 (01:53 PM)
 المشاركات : 142 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



بسم الله الرحمن الرحيم

وكان من الطبيعي أن يستغل الصليبيون حاجة صلاح الدين إليهم أحسن استغلال فطالبوا صلاح الدين بأن يعيد إليهم ما أخذه منهم من مدن فلسطين فاستجاب صلاح الدين لطلبهم وأعاد إليهم المدن ما عدا القدس ، وكان من الطبيعي ألا يعيد القدس لأن في إعادتها إليهم فضيحة لا يمكن سترها. سيذهل القارئ من هذا القول، ولكننا نريد منه الاستماع إلى ما رواه المؤرخون استماعا هادئا بعيدا عن الذهول والانفعال وسيكون اعتمادنا على ما جرى بين الخليفة الناصر وبين صلاح الدين على ما سجله عماد الدين الأصفهاني في كتابه: (الفتح القسي في الفتح القدسي) وعماد الدين هذا كان بمنزلة سكرتير لصلاح الدين، وأشبه بما نسميه اليوم ملحقا صحفيا يرافق السياسيين ليتخذوا من قلمه داعيا لهم مشيدا بهم.

إن عماد الدين هذا سجل أحداث تلك الفترة بما فيه مصلحة صلاح الدين، لذلك كان لا يبرز نصوص رسائل الخليفة إبرازا واضحا، بل يحرص على إبراز هذا الوضوح في رسائل صلاح الدين، ومع ذلك فقد كان الأمر واضحا كل الوضوح، لأن مثل هذه الأمور لا يمكن سترها!...

لن نطيل على القارئ بالحديث عن الرسائل التي توالت بين الخليفة الناصر وبين صلاح الدين، وما كان يبديه الخليفة من غضب على عدم استجابة صلاح الدين لطلباته، بل نصل بالقارئ في النتيجة الحاسمة فقد أراد صلاح الدين أن يتنصل من رفض طلب الخليفة وأن يحيل ذلك على قواده، لذلك سجل عماد الدين الأصفهاني رفض صلاح الدين بهذا النص:

"جمع السلطان الأمراء على المشورة ووقفهم على المعنى والصورة، وقال لهم: استدعيت عسكره المنصور وربما قدم إلينا الحضور فيكمل لنا النصر والحبور".

فالعماد الأصفهاني يوهم بهذا النص أن صلاح الدين قبل طلب الخليفة وأنه على وشك الحضور.

ثم يتم العماد هذا النص بنص آخر يزعم أنه جواب من شاورهم صلاح الدين وهو أنهم قالوا: "هذا رأي رائب وشأو شائب".

ومع هذا الجواب أرسل صلاح الدين إلى الخليفة رسالة تشاؤمية أراد منها توهين عزم الخليفة عن انهيار قواه المقاتلة وعجزها عن الصمود. ولكن صلاح الدين الذي أبرز للخليفة جيشه بهذا المظهر الهزيل الضعيف العاجز عن القتال، كان يتشاور مع أهله ليغزو بهذا الجيش بلادا إسلامية تحقيقا لمطامعه الشخصية. أما مستشاروه الحقيقيون فليسوا كما زعم العماد الأصفهاني (الأمراء)، بل كانوا ولده الأفضل عليا وأخاه الملك العادل أبا بكر أحضرهما وقال: قد تفرغنا من الفرنج وليس لنا في هذه البلاد شاغل فأي جهة نقصد؟ فأشار ولده الأفضل بقصد بلد الروم التي بيد أولاد قليج أرسلان وأشار أخوه العادل بقصد (خلاط).

يقول صلاح الدين: لقد تفرغنا من الفرنج. وليته كان قد تفرغ باستئصالهم مستعينا عليهم بجيش الخلافة، ولكنه تفرغ منهم بمصـالحتهم وترك البلاد لهم لإعادة ما أخذ منهم إليهم.

سيقول ابن شداد في كتابه (الأعلاق الخطيرة في أمراء الشام والجزيرة) - يقول وهو يتحدث عن حيفا (ص 177-178): لم تزل بأيدي الفرنج إلى أن فتحها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب سنـة ثلاث وثمانين، فلم تزل في يده إلى أن نزل عنها للفرنج فيما نزل عنه لهم في المهادنة التي وقعت بينه وبينهم ولم تزل بعد في أيديهم.

ويحدد المقريزي في الخطط (ص 235ج 1) ما تركه صلاح الدين للصليبيين: من يافا في عكا إلى صور وطرابلس وأنطاكية.

ويقول الدكتور حسين مؤنس في احد مقالاته: تنازل صلاح الدين للصليبيين عن جزء من الساحل يمتد من صور في حيفا.

وكان السبب في رفض صلاح الدين إنجاد الخليفة له على الصليبيين، هو نفس السبب الذي جعله يحتمي بالصليبيين من نور الدين، وهو أنه إذا انتصرت جيوش المسلمين فسيصبح تابعاً للخليفة، وهو يريد أن يظل مستقلاً ولو متحالفا مع الصليبيين على المسلمين، مسلماً بلاد المسلمين للصليبيين.

ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن صلاح الدين لم يستسلم للصليبيين ويتحالف معهم، ودخل جيش الخلافة إلى فلسطين وطرد الصليبيين منه.

الذي كان سيحدث هو توحيد البلاد العربية في حكم واحد يضم ما في يد صلاح الدين الواصل إلى اليمن وما في حكم الخلافة العباسية.

وأكمل صلاح الدين فعلاته بأن اعتبر ما يحكمه من بلاد ملكاً شخصيا له كما يمتلك القرى والمزارع لذلك قسمه بين ورثته، وجعل كل واحد منهم مستقلاً بما يملك، فأصبحت المملكة الواحدة تسع ممالك، فراحوا بعده يتنازعون ويستعينون بالصليبيين على بعض حتى أعادوا للصليبيين القدس نفسها مع ما أعادوه من بلاد.

----------
* المقال للكاتب حسن الأمين (عام 1995)


 
 توقيع : حمودددد الزهراني





رد مع اقتباس