نشيد «هلت ليالي القمر»!

كنت أغني في الحفلات المدرسية.. صغير يغني للصغار.. ولم يدخل في حسابي أن هناك كبارا يسمعون: المدرسون والآباء والأمهات.. فقد اعتدت أن أغني.. أقف وأنظر أمامي ولا أرى أحدا.. وإنما هي مساحات من الضوء مع بعض الهمهمة. وأحيانا أسمع من يقول: يا ناس أسكتوا..

ومعنى ذلك أن هناك همسا وكلاما لم يتوقفا رغم أنني واقف وأغني.. كما انني لا أتبين وجها واحدا من الجمهور فلا أتبين كلمة واحدة مما يقال.. فهناك أصوات وألوان تواجهني أو تأتي من حولي.. وأمضي في الغناء بدون أن أعرف كيف بدأت وكيف مضيت ولا كيف انتهيت، ولا إن كان أحد قد قابل ذلك بالتصفيق فالتصفيق والصفافير في أذني.. ولا أعرف إن كنت أنا مصدر كل ذلك: خوفا وخجلا وحرجا..

ولم أجد الموقف غريبا عندما حضرت مهرجان الشباب في فيينا، ولم أكن طالبا وإنما شابا مدرسا للفلسفة في الجامعة. وحضرت ولم يخطر على بالي أنني سوف أشارك بشيء.. اللهم إلا بالحضور وتسجيل ذلك في مقال أبعث به إلى مصر.. وسمعت من يقول: مطلوب من أحد المصريين أن يغني لنا النشيد القومي..

واندفعت.. ووجدت نفسي أمام الميكروفون. وكانت فضيحة. فأنا قد نسيت النشيد القومي وكان الصمت رهيبا. أو أنني سمعت الصمت الرهيب.. ووجدت حلا سريعا فغنيت: هلت ليالي القمر لأم كلثوم.. غنيتها على أنها نشيد حماسي.. ولا أعرف كم غنيت من هذه الأغنية وكم حفظت وكم نسيت.. وكان التصفيق. وعندما ذهبت الى مكاني وجدت وجوها شرقية مصرية غارقة في الضحك.

ولما حكيت لأم كلثوم. قالت: يعني فضحتني وفضحت مصر.. أما ما يخصني من الفضيحة فأنا قد سامحتك.. وعليك ان تتولى الدفاع عن نفسك.. وعن أن مصر ليس لها نشيد قومي!

وقد ظننت أن الغناء في المدرسة مثل الغناء وسط الأجانب الذين لا يعرفون اللغة العربية ولا يعرفون نشيدنا القومي.. فأنا غنيت لمن لا يسمع، وإذا سمع فلن يفهم. كأنني غنيت لنفسي. لولا أنني عندما أغني لنفسي فأنا معجب بالذي أسمعه عندما أقوله!