السيد صدقة . .
والسيد سراج الكعكي
شخصية السيد صدقة الكعكي في الجزيرة العربية كشخصية عبود باشا في مصر. فهو يجدد في أعماله التجارية بالاشتراك مع شقيقة السيد سراج تجديدًا، يهدفان به إلى مسابقة ركب الحضارة في العالم ببلاده . ولذلك كانت أكثر أعمالهما وأغلب تجارتهما متصلة بالمصانع والشركات الأمريكية، وإنك لا تمر ببيته في القاهرة في حدائق القبة إلا وتراه عامرًا بشخصيات المال والأعمال الأمريكيين ، يستقبلهم الشيخ صدقة على الطريقة العربية في الطعام والمقام ؛ فهو حريص على قوميته وتقاليد أهله قبل كل شيء ، وآخر ابتكاراته أنه أنشأ في جدة معملاً للكوكاكولا يغني بلاده عن استيرادها من الخارج.
وللسيدين صدقة وسراج محلات ومصارف مالية وتجارية كبيرة في جميع أنحاء العالم.
والسيد صدقة كريم كرم عبود باشا ، وله باع طويل في المشروعات الخيرية الإنسانية في بلاده ، ومفخرة أعماله المستشفى الخيري الكبير الذي أنشأه في مكة،والذي يضارع في بنائه واستعداده أعظم مستشفيات العالم الحديثة.
ويوم تألفت اللجنة العليا لإنقاذ فلسطين ، وبدأت تجمع التبرعات من أعيان العرب ، كان أسبقهم السيد صدقة الكعكي إذ تبرع بمبلغ 000،250 ريال مفتتحًا القائمة بأضخم رقم فيها.
ويعاون السيد صدقة في أعماله الواسعة شقيقه « السيد سراج» . وترى الاثنين في جميع أعمالهما وتصرفاتهما وكأنهما رجل واحد ورأس مدبرة واحدة .. مثل رائع جميل للتعاون والإخلاص الأخويين النادرين.
المصريون في
المملكة العربية السعودية
هذا الباب عن المصريين في المملكة العربية السعودية الشقيقة ، وقبل أن أبدأ الحديث فيه أعود فأقتبس من حديث أسد الجزيرة لي الذي نشرته في صدر هذا الكتاب قول جلالته لي :
ــ أرجو أن يكون الفاروق أخونا ومصر العزيزة بخير وسعادة . ليس هناك فارق بين مصر والمملكة العربية السعودية ، أنتم هنا في بلادكم ونحن عندكم في بلادنا . لما شرفنا الفاروق بالزيارة في « رضوى » سألوني عن برنامج الزيارة،فقلت لهم : «الفاروق» هو الذي يضع البرنامج كما يشاء .. إنه في بلاده ، وما يريده يكون .
ثم قول جلالته لي في ختام الحديث بعد أن سألني عن مصر ، وتحدثت إلى جلالته عنها :
ــ عظيم .. أرجو لكم كل خير وسعادة ، فمصر تهمني كما تهمني بلادي، وأسر لخيرها سروري لخير بلادي.
هذا هو الدستور القويم العظيم الذي رسمه أسد الجزيرة للعلاقات ما بين بلاده ومصر .. وكل سعودي يشعر نحو مصر وأبناء مصر نفس شعور مليكه العظيم..
وفي المملكة العربية السعودية عدد كبير من المصريين ، منهم من يتولى وظائف حكومية ، ومنهم من يمارس التجارة أو الأعمال الحرة . وكلهم يتمتع بنفس المزايا والحقوق والحرية والتسهيلات في العمل التي يتمتع بها المواطن السعودي نفسه.
وأغلب المصريين هناك الموظفين في الحكومة من الأساتذة والمدرسين الذين تستعين بهم مديرية المعارف السعودية في تدعيم أسس نهضة التعليم الحديثة المباركة الثمرات التي تنهض بها الآن في المملكة الشقيقة . ومن بين الموظفين المصريين هناك أيضًا خبراء وفنيون في شتى مرافق العمل والإصلاح الحكوميين ، ولهم كلهم منزلتهم وقدرهم عند أسد الجزيرة وحكومته وشعبه.
ولا يتسع كتابي للحديث عن جميع المصريين في الجزيرة العربية ، وأقصر الحديث لهذا السبب على شخصيتين من الشخصيات المصرية الجليلة التي لها خطرها ومنزلتها هناك.
معالي أحمد حمزة باشا
معالي أحمد حمزة باشا هو دون منازع أحب شخصيات رجال مصر إلى السعوديين . نفس الحب الذي يحبه إياه المصريون . ومنزلته في قلوبهم نفس منزلته في قلوبنا .. منزلة الرجل الطيب الصالح النزيه العادل الكفء العامل، الذي يراقب ربه ،ويرعى ضميره والناس في كل عمل يأتيه وكل خطوة يخطوها.
وأحمد حمزة يجمع النادر من صفات الرجال ، ترى في مظهره الهدوء والوقار، ويطالعك في مخبره بالرجولة الرزينة المتئدة الحكيمة ، وذلك كله في رقة وحياء وروعة واتزان ومهابة وتواضع . وتجلس إليه فلا يشعرك بأنه يسمو عليك ، وأنه خريج جامعة برمنجهام ، ووزير وعضو مجلس الشيوخ، وصاحب ومدير الشركة المصرية للآلات الزراعية والصناعية،ومدير شركة ثلج غمرة ،وصاحب مجلة لواء الإسلام . لا يشعر ك بأنه قطب من أقطاب ساسة مصر وحكامها ،من أعمدة كيانها الاقتصادي والمالي ، وصاحب المجلة الإسلامية الأولى في العالم العربي التي ينفق عليها بسخاء وإغداق من جيبه الخاص؛لتؤدي رسالة الدين ومكارم الأخلاق بين شعوب الإسلام، وتدعو لدين الله الحق.
وتاريخ أحمد حمزة الوطني وجهاده السياسي منشور الصحيفة،وأعماله كوزير مشهورة مشكورة ،فهو لا يختار وزيرًا للتموين إلا في الأوقات العصيبة التي يعز فيها على الشعب الحصول على القوت والكساء ، بسبب اضطراب الحالة الدولية وسوء الحالة الاقتصادية الداخلية ، فيجيء هو كالملاك المنقذ الحارس ، ويضرب بأيد من حديد على التجار الجشعين، ويقفل أبواب السوق السوداء ،ويفتح باب مكتبه لكل شاك مظلوم أو مغبون في حقه فينصفه بنفسه . ولا تلبث سبل العيش أن تتيسر لجميع الناس، ويتوافر الغذاء والكساء لهم ويفيض عن حاجتهم.
وأحمد حمزة في تعصبه لدينه وتمسكه بفروضه وسننه مثل أعلى قل نظيره، فهو حريص على أداء فريضة الحج وزيارة قبر الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ في كل عام مهما كانت مشاغله ومهامه (1). وقد أهدى أخيرًا للحرم النبوي ماكينتين كبيرتين لإنارته ،سيكونان هناك أثرًا باقيًا له،ودليلاً ناطقًا على إخلاصه لربه ولدينه..
الشيخ عبدالسلام غالي
لا أجد ما أقدم به هذا الرجل خيرًا من هذه التقدمة التي قدمه بها أستاذنا الصحفي الديبلوماسي الكبير « الدكتور محمود بك عزمي» (8)في مقال نشره في إحدى الصحف تحت عنوان « أزهري ديبلوماسي » ، قال فيه :
« هو عالم مصري تخرج من(9) الأزهر وحمل ذروة شهادات عصره ، هبت على قلبه ريح الحجاز ، فنضا عنه نفسه حنان الأهل ، وعزة البيئة ، وحنان الوطن . وطار حيث هبت هذه الريح مثقلاً بالذكريات . منحنيًا لوطأة ما يطيف به حول البيت الحرام، تمنت نفسه على الله (10)لو تطول به إقامته تحت هذا الأفق الذي وطئ ثراه إبراهيم وإسماعيل ومحمد ، وعطروه بضراعتهم وحلق في أجوائه جبريل الأمين يحمل قرآن ربه ، فامتدت يد العناية الإلهية إليه ،ووفدت به إلى حيث يطيب له المقام مديرًا لفنادق الدولة السعودية في العواصم الكبرى ، فتلاقت أنباء الثناء على نشاطه ولباقته عند معالي وزير المالية، فأدناه منه وقربه إليه ، فألفاه يحمل قلبًا ذهبيًا ولسانًا فضيًا فأحبه بدوره واتخذ منه مستسرًا له ، وأمينًا لبعض أسراره، ومندوبًا عنه لمرافقة كبار أضياف الدولة الوافدين عليها . فيستقبلهم عند أمواج البحر، وينساب بهم إلى مدرج الرسالة ومطاف التوحيد إن كانوا مسلمين. أو يشق بهم الطريق إلى ربا «نجد» وذراها إن كانوا غير ذلك».
وقد صحب ابن عم ملك الإنجليز في زيارته معالم الجزيرة ، وأشرف على رحلته وراحته ،حيث حل أو قام مما جعله موضع حبه وتقديره ، وصحب كثيرين غيره ، وهيأ حفلات الضيافة الكبرى للوزراء والقناصل المفوضين حتي غلبت صفته الدبلوماسية « مرافق سياسي » على صفته الأخرى كمدير(11) لفنادق الدولة ، ولا شك أن روحًا كروحه ، وذكاء كذكائه ، ونشاطًا كنشاطه،وخلقًا كخلقه ، ولسانًا كلسانه،هو أعظم ما تستقبل به دولة أضيافها، وتمنحهم عنها صورة من صور الإسلام الكريم».
« فحبذا العالم الأزهري الدبلوماسي الرابح في سوق القلوب،الناجح في عمله، الموفق في إثارة الأفئدة . والألسنة تلهج بالثناء على الدولة السعودية في حسن اختيارها وجميل توفقها إلى مثل الشيخ عبد السلام غالي ».
الخطوط الجوية العربية السعودية
لعل من أروع صفحات الفخار في تاريخ المملكة العربية السعودية تلك الصفحة التي تحمل شارة الطيران ،والتي تسجل في الأجواء العالمية أن في الجزيرة العربية رجالاً يسيرون في موكب الحضارة ، لم تفتهم فرصة إلا انتهزوها، فأعلوا اسم بلادهم خفاقًا فوق السحاب ،حتى أصبح متلألئًا مع النجوم.
ويرجع الفضل في ذلك إلى المغفور له سمو الأمير منصور آل سعود وزير الدفاع السابق الذي أنشأ الخطوط الجوية السعودية ، وأبرزها للعالم في الصورة التي أجبرت الأمم الغربية وأمريكا على احترامها وتقديرها.
وقد بدأت طائرات هذه الخطوط تقل الحجاج في الذهاب والعودة ما بين مصر ودمشق وبيروت والمملكة العربية السعودية في سنة 1948م ، وبلغ عدد من نقلتهم في تلك السنة 20000 حاج ،وفي البداية كان عدد طائرات هذه الخطوط 17 طائرة ، وقد ارتفع عددها اليوم إلى الثلاثين ، وكانت طائراتها تسير ثلاثة مرات في الأسبوع فأصبحت تسير الآن يوميًا .
وهذه الطائرات علاوة على ربطها الجزيرة العربية بالعالم الخارجي تربط مدنها الداخلية بعضها ببعضها الآخر في خطوط منتظمة السير ، وبذلك تكون المملكة السعودية قد تقدمت إلى حد استعمال الطائرات في مواصلاتها الداخلية بدل القطارات ، واللاسلكي بدل التليفون .
وكان لرعاية المغفور له سمو الأمير منصور واهتمامه بهذه الخطوط ، ونشاط ودقة السيد عبداللطيف الجزار مديرها في إدارته لأعمالها ،أن أصبحت طائراتها من أضخم طائرات الركاب في العالم وأعظمها، والراحة فيها متوافرة والخدمة بالغة .. وقبل هذا كله سلامة الركاب فيها موفورة ، فلم يقع لها حادث واحد منذ أن أنشئت خطوطها.. من أربع سنوات مضت ..(12) وكيف يحيق لها وبركابها سوء وشعارها المنقوش على جانبها :
{ لا إله إلا الله محمد رسول الله}
الهوامش
(1) كان ينبغي للمؤلف أن يقتصد في الثناء ، فالمبالغة فيه غير مقبولة.
(2) مضت ترجمته في حاشية ص : 127 من هذا الكتاب.
(3) ترجم له الزركلي في الأعلام : 5/162 ،وذكر أنه ولد نحو عام : 1275هـ ،وتوفي عام 1373هـ= 1954م، وله آثار مطبوعة ، ولما رزق بابن وهو في نحو الثمانين من عمره ، أبرق إليه الملك عبد العزيز « { سبحان من يحيي العظام وهي رميم}.
(4) انظر ترجمة موجزة له في حاشية، ص : 116.
(5) من أسرة يعود نسبها إلى عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي ــ رضى الله عنه ــ هاجر والده من إيران إلى جدة عام 1840م ، واحتلت أسرته مكانة سياسية واجتماعية واقتصادية ، وعرف محمد على بمشروعاته الخيرية والتعليمية ، أنشأ مدارس الفلاح في جدة ، ومكة المكرمة ، ودبي ، والبحرين، وبومباي ، وكان يصرف عليها من تجارته الواسعة في اللؤلو، ويتفقد أحوالها ، واستمر في ذلك حتى كسدت تجارة اللؤلؤ الطبيعي ، وأمضى بقية حياته في بومباي حتى وفاته في بداية السبعينات الميلادية . الشيخ محمد نور رائد التعليم في الإمارات ، لإبراهيم محمد بو ملحة : 33 ــ 34.
(6) من كبار الأثرياء والتجار ، شغل منصب قائمقام (محافظ) مدينة جدة ، وكان من الذين تولوا تسليم جدة إلى الملك عبدالعزيز عام : 1344هـ = 1925م ، واستمر في منصبه ، وتوثقت صلته بالملك عبدالعزيز بقية حياته ، حتى وفاته عام : 1352هـ في الطائف . أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة، ص : 139 ــ 146.
(7) التوجه إلى المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ بدعة نهى عنها الشرع، والأحاديث الواردة في الحث على هذه الزيارة موضوعة لا يصح شيء منها ، والزيارة المشروعة هي زيارة مسجده ــ عليه الصلاة والسلام ــ والصلاة فيه ، ثم السلام عليه، وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
(8) محمود عزمي ، قانوني ، صحفي ، رأس تحرير عدة صحف مصرية ، ونشر بعض المؤلفات ، عين وكيلاً لكلية الحقوق في بغداد عام :1936م ، وتعرض هناك لإطلاق الرصاص مع زميل له اسمه الدكتور حسن سيف ، أطلقه عليهما أحد طلبة الكلية ، فشفي من إصابته ، وعاد إلى مصر ، وتنقل في عدة وظائف إلى أن أصبح رئيسًا لوفد مصر في الأمم المتحدة في نيويورك ، توفي وهو يخطب في مجلس الأمن عام :1374هـ = 1954م ، وكانت ولادته عام :1306هـ = 1889م.الأعلام : 7/177، وانظر قصة الاعتداء عليه في حديث طويل في كتاب ليلى المريضة في العراق ، لزكي مبارك: 218 ــ 238.
(9) الصحيح (في).
(10) «تمنت نفسه على الله» تعبيرلا يليق ، وفي صياغته لا يتفق مع قواعد اللغة ، والمناسب أن يقول: «وكثيرًا ما دعا الله عز وجل أن تطول إقامته » .
(11) الكاف هنا لا معنى لها ، فاستعمالها في هذا المقام تأثر باستعمالها في اللغة الإنجليزية ، والصحيح أن يقول : « على صفته الأخرى مديرًا لفنادق الدولة»، وقد شاع هذا الاستعمال الخاطئ على ألسنة الأدباء والكتاب والمتحدثين.
(12) البداية التاريخية للخطوط الجوية العربية السعودية كانت في يوم الأحد 16/6/1364هـ الموافق 27/5/1945م ، حينما وصلت أول طائرة ، وهي من طراز داكوتا دي سي 3 ، قدمها الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت هدية إلى الملك عبد العزيز ــ رحمه الله ــ عقب الاجتماع التاريخي للزعيمين في البحيرات المرة في شهر ربيع الأول عام 1364هـ ، الموافق لشهر فبراير (شباط) عام 1945م ، وحينما أنشئت وزارة الدفاع في 1/4/1365هـ = 6/3/1946م ، وعين الأمير منصور بن عبدالعزيز ــ رحمه الله ــ أصدر الملك عبدالعزيز أمره بتأسيس الخطوط الجوية العربية السعودية ، وجعلها إدارة حكومية تابعة لوزارة الدفاع، وأصبحت في يوم الثلاثاء 25/9/1382هـ الموافق 19/2/1963م مؤسسة مستقلة بموجب المرسوم الملكي رقم 45 الصادر عن الملك فيصل ــ رحمه الله ــ وأول مدير عام للخطوط هو معالي اللواء إبراهيم الطاسان الذي تسلم إداراتها من عام 1365هـ / 1946م إلى عام 1380هـ/1960م.
مجلة أهلاً وسهلاً ، السنة : 19 ، العدد : 5 ، ذو الحجة 1415هـ / مايون 1995م ، وتاريخ مصور لأعظم شركة طيران في الشرق الأوسط ( السعودية) بقلم : د. ديفيز ، ورسالة من مدير عام العلاقات العامة ، ورئيس تحرير مجلة أهلاً وسهلاً في الخطوط السعودية الأستاذ يعرب عبدالله بلخير مؤرخة بتاريخ 10/1/1419هـ تتضمن معلومات عن تاريخ الخطوط ونشأتها.