31/03/2012, 02:40 PM
|
#7
|
المؤسس والمشـــرف العــــام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 2
|
تاريخ التسجيل : Aug 2004
|
أخر زيارة : 10/07/2025 (05:27 AM)
|
المشاركات :
64,171 [
+
] |
التقييم : 16605
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
MMS ~
|
SMS ~
|
|
لوني المفضل : Maroon
|
|
العين بالعين والسن بالسن
في شبه جزيرة العرب ــ الأرض المقدسة ــ لا يعرف الناس قوانين العقوبات والمرافعات وتحقيق الجنايات ، وإنما يعرفون أحكام الشريعة الإسلامية مستمدة من الكتاب الكريم(10).
في هذه الأرض المقدسة تنعدم السرقات وجرائم القتل(11) ،ولم تشهد في عشر السنوات الماضية سوى جريمة قتل واحدة للثأر ، قتل اثنان مواطنًا لهما، فقبض عليهما ، وحضر صاحب الدم ، وطلبت إليه السلطات الحاكمة أن يضرب القاتلين بالنار ، ففعل، فالقتل العمد هناك جزاؤه « الحد » يخير ولي الدم ــ الابن أو أقرب الأقرباء ــ بين أن يقتص بيده أو ينيب عنه جلاد الحكومة ، وله مطلق الخيار لانتخاب أداة القتل: السيف أو البندقية ، وفي حالة اختياره البندقية يوثق أمامه الجاني ، ويتقدم فيصوب فوهة البندقية إلى نافوخه ، ويطلق النار فيضمن أن يصيب مقتلاً ، وفي كلتا الحالتين تترك الجثة ملقاة مكانها على الأرض عند أحد أبواب المدينة من الصباح حتى الغروب، ليراها جميع أهل المدينة ، ويتحقق الزجر والردع ، وإن كان الجاني من العتاة الأشرار تفصل رأسه عن عنقه ، وتعلق على الباب أربعًا وعشرين ساعة ، أما إذا كان صاحب الدم غلامًا ، فتعلق القضية إلى أنْ يبلغ رشده ، ويختار بين أن يقتص بيده أو ينيب عنه الجلاد ، ويبقى الجاني طوال هذا الأعوام في السجن حتى يحين موعد القصاص.
وتتحدث الجزيرة العربية في معرض القصاص بقصة الفتاة البدوية التي قتل أبوها في ثأر ، ودعي أخوها اليافع ــ صاحب الدم ــ ليقتص لدم أبيه . وفي اليوم المحدد تقدم يحمل بندقية أبيه ليقتل قاتله . ولكن خارت قواه ، وارتعشت يداه،وتخاذل على نفسه ، وإذا بأخته تخترق صفوف الناس، وتتقدم إلى أخيها،فتتناول البندقية من يده ، وتتقدم إلى الجاني ، وتطلق عليه النار بيدها ، وتقتص لأبيها ،وكان ذلك من أكثر من عشرين عامًا ، ومع ذلك مازالت القصة على كل لسان ، تجري مجرى الأساطير.
والأمر مع ذلك لا يخلو من محاكمة . إن الحادث يبلغ للشرطة ، ويحرر به محضر يحول للقاضي ، فيقيم الحد على الجاني . ويرفع الحكم في حالة الإعدام فقط للملك فيصدق عليه ، ويحق بعد ذلك القصاص لصاحب الدم.
هذا عن القتل العمد ، أما القتل الخطأ فيحكم فيه بالدية . مائة من الإبل، أو ما يقابلها حسب اختيار ولي الدم . أما السرقة فيطبق عليها الحد ، وهو قطع اليد إن كانت قيمة المسروق تزيد على ربع دينار . ويختار يوم الجمعة لتنفيذ الحكم ؛ليشهده المصلون أثناء خروجهم من المساجد ؛ ويتولى قطع اليد (جزار) مخصوص خبير ، يسلك اللحم من العظم ببراعة وخفة ؛ ثم يحمل الجاني إلى (الصحية) أي مكتب الصحة لإسعافه.
وإن كانت قيمة المسروق تقل عن ربع دينار، فعقوبتها الحبس أو الجلد حسب تقدير الوالي . ويتم الجلد علنًا عند باب من أبوب المدينة أيضًا ، ويندر أن يقل عدد الجلدات عن أربعين جلدة.
والضرب الذي لا يخلف إصابات عقوبته الغرامة ، ومايحدث إصابات عقوبته الحبس ، وإن كان شديدًا وإصاباته بالغة فعقوبته النفي خارج بلده.
والخمر محرم ، إذا ما ضبط متعاطيها فعقوبته السجن ستة أشهر وثمانون جلدة ،وإن كان من الأجانب وضبط في الطريق العام في حالة سكر ، فإنه يبعد خارج البلاد ،والحشيش محرم ، وعقوبة محرزه أومتعاطيه السجن ستة شهور، والجلد في كل شهر 80 جلدة على ملأ من الناس ،وغرامة تعادل ثمن الحشيش المضبوط ، والنفي خارج البلاد.
وبالجملة فإنك لا تشم رائحة الخمر أو أنفاس الحشيش في أي بقعة من بقاع المملكة.
ومن أروع ما تشاهده في الأسواق والشوارع بالمدن والبلدان بالمملكة العربية السعودية ساعة أن يؤذن المؤذن للصلاة ، حيث ترى عساكر الدورية ينطلقون بين المتاجر في الطرقات يصيحون بصوت مرتفع « الصلاة .. الصلاة» ، فينبهون أصحاب المتاجر لأداء الفريضة ، فيغلقون متاجرهم لا بالحديد والسياج والأقفال كما نفعل في مصر، وإنما بإسدال شبكة خفيفة من «الغزل» على واجهة الدكان. إن أحدًا لا يفكر في السرقة وهو يعلم أن جزاءها قطع يده . بل إن بعض أصحاب المتاجر يتركون متاجرهم كما هي بدون أن يغطوها حتى بتلك الشبكة الخفيفة.
وقد أعربت للجهات الرسمية عن رغبتي في زيارة إحدى المحاكم هناك، فقالوا لي :
ــ لا بأس . فلتزر المحكمة الكبرى ، ولتقابل رئيسها « فضيلة الشيخ عبدالحميد الحديدي» .
وهي محكمة تقابل محكمة النقض عندنا . وفي فجر اليوم الذي تحدد لهذه الزيارة ، توجهت إلى الكعبة الشريفة لأؤدي الفريضة ،وعند باب السلام ضايقني شحاذ عجوز أعمى ،وألح في السؤال فنهرته فانصرف ، ودخلت الكعبة ، وانغمرت في غمار المصلين . وبعد أن انتهيت من الصلاة، وتوجهت للخروج بحثت عن حذائي فلم أجده ،وتذكرت أنني تركته خارج الباب ، ونسيت أن أحمله معي ،أو أسلمه للحارس من فرط ضيقي بالشحاذ وسؤاله . وتوجهت إلى مقر الشرطة داخل الحرم فإذا بي أجد حذائي هناك . وكانت المفاجأة التي أذهلتني في أن الذي عثر علي الحذاء وسلمه إلى الشرطة هو الشحاذ العجوز الأعمى نفسه. وأنه عثر في الوقت نفسه على ريال سعودي فضي قريبًا من الحذاء سقط من أحد المصلين فسلمه أيضًا للشرطة .
وبعد الإفطار ذهبت لزيارة المحكمة الكبرى ، وسار بي مرافقي حتى دخلنا الكعبة ، واجتزنا ساحتها إلى جناح ملحق بها . ودخل بي قاعة واسعة كان يجلس في صدرها رجل أشيب مهيب الطلعة يلبس منظارًا ، وأمامه على منضدة صفان من الكتب الكبيرة الضخمة . وقدمني إليه مرافقي ، وقال لي :
ــ فضيلة الشيخ عبدالحميد الحديدي رئيس المحكمة العليا. وتحدثت مع قاضي القضاة (12) ،فإذا به بحر فائض من العلم في الدين والفقه . وأبديت له رغبتي في أن أشهد إحدى جلسات المحكمة ،فأدخلني القاعة المجاورة . كانت الدائرة منعقدة ، ويرأسها قاض متوسط العمر،ومعه عضوان آخران ، وكاتب الجلسة ، وهم يجلسون جميعًا على مكتب متواضع ، وجلس أمامهم الخصمان متجاورين على كنبة وثيرة، وكان النزاع على ملكية أرض، ثم ترافع كل منهما عن نفسه ، وقدم مستندات بنفسه. فليس هناك محامون،وناقشتهما المحكمة ، ثم أصدرت حكمها لصالح أحدهما ، فلم يعارضه الآخر، بل قال له، وهو يبتسم راضيًا.
حلال عليك الأرض .
وخرجا معًا . وكانت صلاة الظهر قد حلت ، فأدياها في الحرم متجاورين. وخرجا معًا متلازمين في الطريق ، وكأنه لم تكن بينهما خصومة أو نزاع.
هذا هو حكم الشرع في أرض السلام ، الأرض المقدسة ، حيث لا مكان للشيطان.
جدة .. ميناء الحجاج
ما نظن العمران الحديث قد تحدث عن عمران مدينة تم بهذه السرعة المعجزة الفائقة ،كما لو كان بسحر ساحر أو رؤيا في الأحلام ، كما تم عمران « جدة » ميناء الحجاج في الجزيرة العربية.
إن كل من زار جدة منذ عامين ،ويزورها اليوم يكاد لا يصدق أنه عاد إليها، وأن حالها قد تبدل إلى هذا الحال ، فأصبحت مدينة من مدن العالم الحديث العصرية، وميناء من عرائس موانىء البحار.
لم يكن هناك ماء نقي للشرب ، فكانت أول خطوة خطتها حكومة جلالة الملك ابن السعود توفير هذا الماء . فأنشأت عملية مياه تغذي جدة بمليون جالون من الماء النقي في كل 24 ساعة ، ثم لم تكتف بهذا ، بل نظرت للمستقبل ،وما ينتظر المدينة من اتساع العمران ، وضغط أيام الحجيج والأيام الحارة ، فتقرر إنشاء عملية إضافية تنتج نفس الكمية ، وفي الوقت نفسه تسمح للماء بالارتفاع إلى أعلى طبقة ينتظر أن يرتفع إليها البناء في جدة . وبالرغم من أن الحكومة تنفق 000،100 ريال سعودي سنويًا ، وبالرغم من أنها قد خصصت لها أرضًا في عدة نواح تغل زرعًا طيبًا لتستقر مواردها ، فإن إيرادات المياه في جدة قد بلغت أخيرًا نصف مليون ريال قابلة للزيادة ، وسيصرف هذا الإيراد على مشروعات المدينة ، فلا يدخل خزينة الحكومة شيءُ ُ منها ، فإن لأسد الجزيرة مبدأ في مشروعاته العامة لا يحيد عنه ولا يتحول هو « العين للأمة ، والذي يدخل العين للأمة» .
ثم كانت المعجزة الثانية .. ميناء جدة الجديد .. الميناء الذي يعد باب قبلة المسلمين .. هذا الميناء الذي تم إعداده ، واستقبل الحجاج منذ موسم العام الماضي، يعد في مقدمة موانئ العالم وأكبر ميناء في الشرق الأوسط . كان بواخر الحجاج تقف في عرض البحر أمام ساحل جدة، ثم تنقل السنابك الحجاج منها إلى الشاطئ ، أما اليوم فترسو البواخر على الشاطئ نفسه، ولا يكلف الحجاج جهدًا ، إذ تكون في انتظارهم سيارات أعدتها الحكومة،حمولة الواحدة منها 60 طنًا ،وتسع 100 راكب ، فتنقلهم في أمان وراحة، بينما ترفع رافعات الأثقال حوائجهم من فوق ظهر المراكب إلى سيارات أخرى خاصة تتبع سياراتهم .
وفي الميناء الجديد خزانات للوقود تمون البواخر بما تحتاج إليه ، وفيها مخازن حرة تخزن فيها بضائع الترانسيت دون أ ن تؤخذ عنها رسوم ، فالرسوم لا تجبى عنها إلا إذا دخلت البلاد .وفيها خزانات للمياه العذبة تغذي البواخر بحاجتها من المياه الصالحة للشرب ، وفيها فنارات وأنوار كشافة تهيء للبواخر سبيل دخولها ليلاً .
وللدلالة على عظمة مشروع ميناء جدة يكفي أن أذكر أن آلاتها وعددها وحدها تكلفت مليونًا ونصف مليون دولار.
وقد تقاولت الحكومة مع شركة ميشيل كوتس على تمهيد طريق عظيم بالإسفلت طوله 500 كيلو متر ما بين جدة والمدينة ؛ليهيء للحجاج والزائرين سبيل زيارة مسجد رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ بالسيارات، إن كانت لا تروقهم أو تخيفهم الطائرات، وسيكلف هذا الطريق الحكومة 4 ملايين جنيه مصري ، ومقدر له أن ينتهي بعد ثلاثة أعوام.
وازدهرت حركة العمران ببناء المباني الحديثة في جدة،حتى إذا ماسرت الآن في طرقاتها الممهدة العظيمة ،ورأيت على جانبيها العمارات والفيلات الضخمة الشاهقة ، ورأيت نور الكهرباء المنبعث من محطة كهرباء جدة وقوتها 1600 كيلووات يغمر الشوارع ، ويشع من نوافذ هذه البيوت وشرفاتها خلت نفسك في مصر الجديدة أو في الزمالك في القاهرة.
وقد أنشئت في جدة مصانع وورش ومتاجر ومطاعم وفنادق على أحدث طراز. وأصبحت تجد اليوم في جدة مالا تجده إلا في القاهرة أو في نيويورك أو في لندن أو في باريس وقد لاتجده في إحداها..
هذه هي جدة .. المدينة التي نشأت نشأة الإعجاز والتفوق .
المدينة المنورة
تبدأ قصة المدينة المنورة .. بداية حياتها من يوم أن استقبلت النبي محمدًا ــ عليه الصلاة والسلام ــ وعند هجرته إليها قادمًا من مكة ، وهاربًا من اضطهاد الكفار المشركين .. استقبلته باسمة الثغر ، مهللة مكبرة . وعندما أهل على مدخل المدينة خرجت لاستقباله ، فأول من استقبله بنات النجار صاحب أول بيت في مدخل المدينة ، وأنشدن في استقباله نشيدهن المعروف:
طـلــع البـــدرُ عـــلـينا مــن ثنياتِ الـوداعْ
وجب الشكر عـــلـينا مــــا دعــا للــهِ داعْ
جئْتَ شرَّفْتَ المدينهْ مـــرحبًا ياخـيرَ داعْ
واستقر الرسول بالمدينة ، وبدأ يثبت دعائم الدين الذي أرسل للدعوة إليه، وشهدت المدينةُ أعظم مواقعه الحربية وأوج رسالته، ثم قدر لها التكريم والتشريف الخالدان بأن ضمت جثمانه الطاهر بعد موته.
وفد دُفن النبيُ في فناء بيته الذي كان يقم فيه .. في قبر هو أبسط القبور وأكثرها تقشفًا وتواضعًا ... كومة من الرمال الحمراء مسنمة فوق الجدث . وحول هذا القبر أقامت السيدة عائشة ــ رضى الله عنها ــ زوج النبي سورًا عاليًا. وبعدها أقام عمر بن عبد العزيز سورًا أخر حول هذا السور . وليس في السورين باب أو نافذة . وحول القبر بقي المسجد الذي بناه النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ بقي بجدرانه وأعمدته المصنوعة من الطوب اللبن وسعف النخيل حتى عهد السلطان قايتباي(13) سلطان مصر عندما أراد عمارة القبر والمسجد فعمرهما بالصورة التي تراها اليوم(14) . أقام حول السورين ــ وكانا قد ضما مع قبر النبي قبرين آخرين .. قبر الصديق أبي بكر وسيدنا عمر بن الخطاب، صاحبي الرسول وخليفتيه(15) ــ أقام قايتباي حول السورين سياجًا من النحاس المزخرف تعلوه الستائر الحريرية المخملية . وجدد عمارة المسجد كله ، وأقام فوقه قبة كبيرة طلاها باللون الأزرق وسماها « القبة الزرقاء » ... وعندما أراد تجديد الأعمدة ويسمونها « الأسطوانات » تمسك أهل المدينة ببقائها كما هي .. فاضطر أن يبني أعمدة جديدة مفرغة حولها ويبقيها بداخلها، وكتب على كل أسطوانة اسمها القديم الذي كان تعرف به في عهد النبي . فهذه « أسطوانة الوفود » في الموضع الذي كان النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يستقبل فيه وفود المسلمين . و« أسطوانة الحرس » حيث كان يقف حرس النبي .. و« أسطوانة السيدة عائشة » التي أقامتها السيدة عائشة.
وأقام قايتباي صحنًا كبيرًا للمسجد ، وتفنن في زخرفته وعمارته ، كان ذلك في سنة 892هجرية . وفي سنة 1233 هجرية أجريت عمارة جديدة للمسجد والمقام على يدي السلطان محمود بن السلطان عبدالحميد سلطان تركيا (16). عمارة جعلت من المسجد أول مساجد العالم ، وجعلته يتفوق في زخرفته وعظمته على مسجد أيا صوفيا الفريد . وهدم القبة وبناها من جديد، وغير طلاءها إلى اللون الأخضر الذي مازال إلى اليوم ، ومن يومها عرفت باسم «القبة الخضراء»، وفرشه بالسجاد العجمي النادر(17) .
سافرت إلى المدينة من جدة بالطائرة . إحدى طائرات الخطوط السعودية العربية. وأنت تدفع في هذه السفرة ما بين جدة والمدينة ذهابًا وإيابًا مائتي ريال سعودي، أي ما يعادل 17 جنيهًا مصريًا، ولا تستغرق من الوقت أكثر من ساعة وربع في رحلة سهلة مريحة،وطول الطريق بين مكة والمدنية 400 كيلو متر ، وطول الطريق بين المدينة وجدة 450 كيلو مترًا ، والحكومة ماضية في تمهيد الطريقين وتعبيدهما بالإسفلت ،كالطريق ما بين جدة ومكة؛لتسهل الاتصال بين العاصمة والمدينة وجدة والمدينة.
وصلنا إلى مطار المدينة بعد أن اجتزنا قمم الجبال المحيطة بالبلدة الجبال السوداء لا طبيعة وخلقة ، بل من آثار حرق اليهود للمدينة في تاريخها القديم(18) . وكان في استقبالي في المطار الأخوان الشقيقان « علي حافظ» و«عثمان حافظ» صاحبًا جريدة المدينة المنورة (19) مندوبين عن الحكومة ، فرحبا بمقدمي ودعياني إلى ركوب السيارة المعدة لتنقلاتي في المدينة .. وسرنا .. وأشرفنا على المدينة .. ، وطالعتنا الأسوار الضخمة الهائلة الحصينة الصخرية التي أنشاها الأتراك لحماية المدينة والدفاع عنها.
ومررنا بمبان ضخمة جديدة أشار إليها الأستاذ عثمان ،وقال :
ــ هذا هو مستشفى فاروق ، تذكار جلالة الملك فاروق لبلادنا . مستشفى حديث كامل أنشئ تذكارًا لتلاقي الملكين... فاروق وابن السعود وتعانقهما في «رضوى» .
وإذا توغلت في المسير في المدينة . ومررت بشارعها الرئيسي رأيت قضبانًا حديدية تمتد إلى محطة سكة حديد ضخمة البناء فخمة أقرب شبها إلى محطة الإسكندرية .. ، وسألت الشيخ عثمان :
ــ ما هذا ؟
فأجاب :
ــ هذه سكة حديد الحجاز التي أنشأها السلطان عبدالحميد(20)،خط طوله 1307 كيلومترات يمتد بين دمشق والمدينة. وبعد امتداد الخط اكسبريس الشرق السريع . كان ينوي أن يمده إلى جدة ، ومنها يمده جنوبًا حتى صنعاء في اليمن لييسر الحج على الراغبين فيه ، ويوفر عليهم مشقة السفر بحرًا ، هذا من جهة ،ومن جهة أخرى كان يرمي إلى تأمين الإمبراطورية التركية التي اتسعت رقعتها في ذلك العهد . لقد خربها لورنس (21) ومهندسوه. سياسة إنجليزية لمنع اتصال البلاد العربية الواحدة بالأخرى . وخربها معه الأشراف لقطع الإمداد التركي عن المدينة في الحرب السعودية.
ــ خسارة .
ــ خسارة عظيمة . إن أجزاءً طويلة من الخط مازالت صالحة،تعال لأرك داخل المحطة.
ودخلنا المحطة الكبيرة ، فرأيت في فنائها قاطرات ومركبات مازالت صالحة للاستعمال منها ما صنع في سنة 1912م ، وعندنا في مصر قاطرات من سنة 1889م، مازالت تجري على القضبان ، وقال الشيخ علي :
ــ لقد كان الملك ابن السعود يتنزه إلى عهد قريب في هذه القطارات مسافة طويلة من الخط.
ــ ولم لا تصلحه الحكومة، وتعيد تسيير القطارات عليه ؟
ــ السياسية الدولية هي السبب . إننا لا نمانع أبدًا وحكومتنا لا تتردد في إصلاحه لحظة واحدة لولا ذلك . لقد عرضت شركة دولية كبيرة على وزير ماليتنا الشيخ عبدالله السليمان شراء مخلفات الخط الحديدي بثمن مغر في وقت كانت ماليتنا فيه مرهقة بنفقات الإصلاح والتعمير ، فلما رفع معاليه الأمر لجلالة الملك رفض ، وقال : هذا لن يكون أبدًا . لقد أنشئ هذا الخط لخدمة المسلمين في جميع بقاع الأرض . إنه ملكهم جميعًا وليس لنا حق فيه وحدنا، وسيبقى كذلك حتى يقدر له أن يصلح ويعود لخدمتهم».
نرجو أن تتحقق هذه الأمنية ، أمنية العالم الإسلامي كله قريبًا .
ورأيت أيضًا في فناء المحطة أطلال سيارة من أول طراز لسيارات فورد ، قال لي الشيخ عثمان :
ــ هذه سيارة فخري باشا حاكم المدينة التركي العسكري ، كل ما بقي من آثار جبروته وطغيانه .
وخرجنا من المحطة ، ومررنا ببناء ضخم بسور عظيم ،وقال صاحبي : هذه هي التكية المصرية كانت قشلاق العساكر بناها إبراهيم باشا لإيواء جنوده بعد انتصاراته في الحروب الوهابية ، وأقام الخديوي عباس مسجدًا إلى جانبها.
وأشار إلى باب المسجد ، وقرأت فوقه هذه الكتابة :
ذا مســــــجـــدُ ُ أســســـــه وأيـــــــده
مــن بجــــنودِ النصـــرِ ربــي أيــــــده
خديو مصـــر الــــوزير المجــــتبى
عباس حلمي ذو المعالي المسنده
فـي بلـــدةِ المخـــــتارِ أحــــيا أثــرًا
مــثل الـــذي سلـــفه قــــد أخـــــلدا
أضحت تقام الخمسُ في أرجائه
بالتـكـــية الفيـــحاِء مـع ما أرصـــده
لما تتــنـــاهى وتبـاهــى أرخــــــت
« عزيز مصـــر للـصــــلاة شيــــــده»
وزرنا التكية ، واستقبلنا ناظرها « الأستاذ محمد المرسي ، وطبيبها الدكتور سعيد مصطفى ، وقالا: إن التكية تساهم في علاج فقراء المدينة، وتصرف لهم الدواء بالمجان . وفي صباح كل يوم تصرف للمحتاجين 1200 وجبة طعام قوامها الأرز والخبز ، وفي كل يوم خميس وطوال شهر رمضان يضاف إليهما اللحم وعشرون درهما لكل محتاج ، وقالا إن في التكية حكيمة تتولى علاج السيدات الفقيرات في بيوتهن.
وقد نزل جلالة الملك فاروق في التكية المصرية بالمدينة المنورة،بات فيها ليلة ، ولجلالته جناح خاص بها.
وفي التكية المصرية طلبت كوب ماء فنادى طبيبها خادمًا ،وقال له :
ــ هات للبك « شربة » ساقعة.
فذعرت وقلت له :
ــ شربة ؟! . ليه ؟ (22)
فضحك وقال :
ــ ماتخافش « شربة » هنا يعني قلة المياه عندنا.
وطفنا بعد ذلك بباقي شوارع المدينة في طريقنا إلى الحرم النبوي ، وأشرفنا على الحرم ، وطافت بنا نفحة من نفحات النبي الكريم ــ عليه صلوات الله وسلامه ــ واستولت علينا الروعة والرهبة .
دخلنا من الباب الرئيسي ، باب السلام وصادفنا في صحن المسجد الحمام الأليف الذي يحط على كتفك وحجرك دون أن يرهبك أو يخافك ، وينتظر منك أن تبسط له يدك بحبات الغلة فيلتقطها منها ، فقد اعتاد الزائرون للمقام النبوي أن يحملوا إليه حبات الغلة . ومن العجب أن هذا الحمام لايلقي بفضلاته داخل الحرم أبدًا ، بل يطير إلى خارجه ويتخلص منها ثم يعود.
إن هذا الحمام الأليف حريص على طهارة الحرم النبوي ونظافته ، أمين عليه حرص وأمانة الأغوات خدم الحرم الذين تلقاهم هناك جالسين إلى جوار المقام النبوي على دكة طويلة تعرف باسم « دكة الأغوات » ،لا يسمحون لأحد بالاقتراب من المقام النبوي إلا بحساب. ومعهم مفاتيح المقام يتولون وحدهم كنسه ونظافته . وهم لا يسمحون أبدًا بدخول آلة التصوير إلى الحرم النبوي ، لذلك كانت مهمتي شاقة وصعبة من تحايلي على التصوير هناك . وهؤلاء الأغوات الآن قلة لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدين ، إذ أخذوا طريقهم إلى الانقراض . وهم في الأصل هدية السلاطين الأتراك للحرم ، ليتولوا تنظيم صفوف السيدات الزائرات وخدمتهن.
ويروى عن أحد هؤلاء الأغوات أنه كان أثيرًا عند حاكم المدينة التركي ، وكان يستغل هذه الخطوة لخدمة أطماعه والإضرار بزملائه فحقدوا عليه . ولما كانو يعرفون فيه ضيق العقل والفكر رأوا في ذلك طريقًا للخلاص منه .. فلما اقترب شهر رمضان تجمعوا حوله ، ورجوه أن يذهب إلى الحاكم التركي ويطلب منه تأجيل شهر رمضان ثلاثة أشهر أخرى حتى يشفى ثلاثة منهم كانوا مرضى ويقوون على الصوم. ومازالوا به حتى قبل رجاءهم وذهب إلى الحاكم، وما كاد يعرض عليه الاقتراح العجيب حتى ثار في وجهه وأمر بدق عنقه في الحال.
ودرنا بأنحاء الحر م . كان هناك تلاميذ مدرسة من الأطفال يتلقون دروس الدين في دار رسوله . وكان هناك أناس من كل أمة وكل جنس .. كلهم جالسون يقرأون في المصاحف الكبيرة الموقوفة على الحرم والتي تراها مكدسة على الموائد في صحن المسجد،واقتربنا من المقام النبوي الكريم .. أي بهاء ،وأي جمال ،وأي سحر.!! عندما زار جلالة ملك الأفغان هذا المقام في شتاء سنة 1950م (23)،وقف زمنًا طويلاً يبكي في عنف وشدة من فرط تأثره وشعوره .
وطفنا بأبوا ب الحرم الخمسة .. الرحمة والمجيدي في الشمال .. والسلام في الغرب .. وجبرائيل والنساء في الشرق . ثم أذن المؤذن فوق مآذن الحرم الخمس داعين للصلاة ،فأديناها كلنا .. نحن الشعوب والأمم المختلفة المشتتة من بقاع الأرض.. أديناها حول مقام أشرف الخلق ــ عليه صلوات الله وسلامه ــ ثم رأينا حلقات الدرس تعقد حولنا ، يعقدها المتفقهون في الدين ويتجمع حولهم الزائرون .. مظهر رائع آخر من مظاهر العبادة والتقوى.
وفي المساء دعانا « الدكتور عبدالله الشواف » مدير صحة « صحية » المدينة المنورة إلى حفلة شاي في بستانه بضواحي المدينة . وفي طريقنا إلى ذلك البستان مررنا بآثار النبي الكريم وأثار آله وصحبه .. هذ ا جبل « أحد المشهور الذي سمي « الصحابي العائش» ،الجبل الذي اهتز تحت أقدام النبي والمقاتلين معه في معركة أحد المشهورة ،فضربه بقدمه ،وقال يخاطبه(24):
ــ اثبت .. أحد ما عليك إلا نبي ، وصديق (أبو بكر)،وشهيدان (عمر وعثمان) فثبت الجبل. ومن يومها سماه النبي « الجبل الذي يحبنا ونحبه » (25)، وفي موقعة أحد أيضًا نزل المسلمون الرماة من فوق الجبل ، وتركوا مراكزهم التي تركهم فيها النبي طمعًا في غنائم المشركين ، فأحاط بهم المشركون وأفنوهم، واستشهد معهم «سيدنا حمزة» عم النبي وقائد المعركة ، وأكلت (هند) بنت عتبة ــ وكانت في صفوف المشركين ــ من كبده ، ولذلك سميت (آكلة الكبد) .. إنك ترى قبر سيدنا حمزة هناك في سفح الجبل في نفس الموضع الذي استشهد به . قبر بسيط متواضع كقبر النبي.
ومررنا (بمسجد قباء ) أول مسجد صلى فيه النبي بعد هجرته إلى المدينة. ثم زرنا (مسجد الفتح) الذي كان الرسول يدعو فيه على المشركين ، وبعده (مسجد بلال) مؤذن الرسول .. ثم مساجد أبي بكر وعمر وعلي .
ووصلنا إلى بستان مضيفنا .. وللقادرين من أهل الجزيرة العربية بساتين في أطراف المدن يقضون فيها وقت القيلولة . ويسمونها بلغتهم (الجيجة) .. أو يبيتون فيها هربًا من حر الصيف في بيوتهم ، وتعرفنا على أعيان المدينة . وانهال عليَّ سيل من الدعوات ، كان من بينها دعوة للغذاء في الغد على مائدة أمير المدينة (الأمير عبدالله السديري) من أصهار جلالة الملك ، وقبلت ممتنًا دعوة الأمير ؛ وقبلت معها دعوة أخرى للعشاء في نفس اليوم مع المدرسين المصريين هنالك ، واعتذرت عن باقي الدعوات باضطراري للسفر بعد ذلك..
ودار الحديث على مائدة الدكتور الشواف حول النخيل.
إن عمره يقاس بعدد الدوائر حول ساقه . كل دائرتين بسنة .. وتمر المدينة المنورة أعظم تمر في العالم وأحلاه .. وأعلى أصنافه (البرني) الذي ورد في حديث النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ (خير تمركم البرني ) (26) ثم (الشلبي) و( السكري ) ، ويباع المد ــ والمد يعادل 16 أقة عندنا ــ بثمن يتراوح بين 28 ، 24 ريالاً سعوديًا ،أي جنيهين مصريين وثلث جنيه مصري .
وعلى مائدة الأساتذة المصريين في العشاء أكلت (اللحمة المندية) خروف أو تيس يدس في الفحم المتوهج حتى يستوي ــ وهو طعام المدينة التقليدي .
وحدثوني عن تعلق المصريين بمدينة الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ وكيف تطيب لهم الإقامة فيها ... وحدثوني عن مصنع السجاد الذي أنشأه الشيشيني باشا ،وجلال بك حسين ،ومحمد بك سالم في المدينة يتعلم فيه الغلمان من سن 12 حتى 16 سنة نسج السجاد ورفوه مع مبادئ العلوم . ويصرف لهم أجر شهري يتراوح بين جنيه وستة جنيهات للواحد منهم ، وتتكفل التكية المصرية بطعامهم ،وتصرف لهم إدارة المصنع كساويهم . وحدثوني عن ماكينتي الإنارة الكبيرتين اللتين تبرع بهما معالي أحمد باشا حمزة وزير التموين لإنارة الحرم . وحدثوني عن الدار التي بناها نديم باشا مدير البوليس الأسبق،لينزل فيها هو وأسرته خلال موسم الحج في كل عام، وتؤجر باقي السنة للزائرين كأي فندق ،على أن يصرف إيرادها على طعام فقراء المدينة وكسوتهم.
وفي فجر اليوم التالي ذهبت إلى الحرم النبوي ، فأديت الصلاة،وتوجهت بدعوتي وأماني خالصة لله.
وتشرفت وسعدت بتناول الغداء على مائدة أمير المدينة . مائدة إفرنجية على الطريقة العربية ــ أي على السجاد ــ وكانت مائدة فاخرة عظيمة شهية .. وكأنما لحظ الأمير مدى إعجابي بالطعام فقال لي :
ــ الحق معك .. فإن طباخي مصري..
وبعد الغذاء استأذنت الأمير في الرحيل . وتركت مدينة الرسول عائدًا إلى «جدة » ،وقـد عمـر صـدري بالطمأنينة والإيمان .. الإيمان الذي قال عنه النبي ــ عليه الصلاة والسلام ــ في حديث شريف « إن الإيمان ليَأرِزُ إلى المدينة كما تَأرِِزُ الحية إلى جحرها » (27).
الهوامش
1) البلاد العربية السعودية : 39 : 41 ، وانظر شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز : 1011 ــ 1014.
(2) توفي عام 1385هـ = 1965م ، وترجم له خير الدين الزركلي في الأعلام : 4/91-92 ، وشبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز ص: 909 - 911 ومحمد علي مغربي في أعلام الحجاز في القرن الرابع للهجرة ، ص : 111 ــ 124،وانظر تذكرة أولي النهى والعرفان : 4/292، وتحدث عنه المؤلف حديثًا مسهبًا في ص : 176 ــ 180.
(3) في الطبعة السابقة (يستكين).
(4) في الطبعة السابقة (أخويه).
(5) صحة العبارة (ومطالب العيش كافةً).
(6) صحة العبارة ( بتوجيه جلالة الملك عبدالعزيز وإرشاده).
(7) توفي عام 1391هـ = 1972م ، انظرترجمته في الأعلام : 6/136، ومجلة المنهل ، المجلد: 27 ، الجزء السابع ، ص : 710، ومعجم الكتاب والمؤلفين في المملكة العربية السعودية : 89 ، وأعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة ، ص : 223 ــ 234.
(8) لوكاندة كلمة تركية معناها (فندق) ، ولا تزال تستعمل في اللهجة المصرية.
(9) توفي عام 1360هـ = 1941م ، يوصف بأنه زعيم مصر الاقتصادي ، يرجع له الفضل في إنشاء أول بنك مصري عام 1920م ، وله مؤلفات في التربية والتاريخ والاقتصاد.
(12) مضى في ص : 36 أنه لا يجوز إطلاق هذا اللقب إلا على الله عز وجل.
(13) من سلاطين المماليك في مصر ، ولد عام :815 هـ ، وتوفي عام:901هـ ، له كثير من آثار العمران في مصر والحجاز والشام . الأعلام : 5/188.
(14) من المعلوم أن الخليفة العباسي المهدي (ت169هـ) زاد في عمارة المسجد النبوي ، وزاد فيه أيضًا الخليفة المأمون ، وأتقن بنيانه عام:202هـ .انظر وفاء الوفا للسمهودي : 1/540.
(15) عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ كان خليفة بعد أبي بكر الصديق ــ رضي الله عنه ــ خليفة رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ، فقوله « خليفتيه» أتى به من باب التغليب.
(16) كان يتولى السلطنة حينما قدم الإمام عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود إلى إستانبول بعد سقوط الدرعية عام 1233هـ، وقتل ــ رحمه الله ــ شهيدًا في ساحة أيا صوفيا في شهر صفر من عام 1234 هـ الموافق لشهر نوفمبر من عام 1818م. انظر تاريخ البلاد العربية السعودية (الدولة السعودية الأولى) : 4 /142.
(17) لقد فاقت التوسعة السعودية الحديثة للحرمين الشريفين كل توسعة حظيا بها في تاريخهما الطويل ، فتضاعفت مساحة كل منهما عدة أضعاف ، بحيث يستوعب عشرات الألوف من المصلين ، واستخدمت في العمارة والتوسعة أرقى ما وصل إليه فن العمارة من مقاييس ومواصفات ، وأنفقت حكومة خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ آلاف الملايين من الريالات في توسعة الحرمين وعمارتهما ، وتطوير المشاعر المقدسة.
(18) ما ذكره أسطورة لا تصح ، فلا يعقل أن يشمل الحرق هذه الأراضي الواسعة، وبيقى أثره إلى الوقت الحاضر ، وما رآه عبارة عن الحرار التي تحيط بالمدينة ، وهي نتيجة لبراكين قديمة.
(19) أصدراها عام 1356هـ = 1935م ، وانظر ترجمتيهما في معجم الكتاب والمؤلفين : 35.
(20) هو عبدالحميد بن عبدالمجيد بن محمود ، ولد عام 1258هـ = 1842م في تركيا ، وتولى السلطنة عا م:1876م ، وخلع عنها عام: 1909م ، وتوفي عام:1336هـ = 1918م ، الأعلام الشرقية في المائة الرابعة الهجرية : 1/29 ــ 30 .
وصدر عنه عدد من المؤلفات ما بين ناقد ومدافع عنه.
(21) هو المعروف بلورنس العرب ، ولد عام:1888م ، وتعلم في أكسفورد ، وانضم إلى المخابرات في الجيش الإنجليزي ، وعمل على إشعال الثورة ضد الحكم العثماني ، وخرب سكة الحديد بين المدينة ودمشق ، ووعد العرب بأمان ووعود ذهبت أدراج الرياح ، من آثاره: ثورة في الصحراء ، وأعمدة الحكمة السبعة ، وترجم الأوديسا للشاعر الإغريقي هوميروس إلى الإنجليزية ، مات عام 1935م، في حادث اصطدام سيارة بدراجته النارية . الموسوعة العربية الميسرة : 1574.
(23) الموافقة لعام 1369هـ انظر ص : 25 ، 162 ، من هذا الكتاب.
(24) أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ (62) ج : 4 ، ص 197 ، وانظر وفاء الوفا : 928.
(25) روى البخاري في صحيحه ( كتاب المغازي) ، (باب أحد يحبنا ونحبه ) 5/39 ــ 40 عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ــ قال : « هذا جبل يحبنا ونحبه» . وفي رواية أخرى عن أنس أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ــ طلع له أحُدُُ، فقال : «هذا جبل يحبنا ونحبه ، اللهم إن إبراهيم حرّم مكة، وإنِّي حرمت المدينة ما بين لابَتَيْها» . واللابتان : مثنى لابة ،وهي الحرّة ، وجمعها : لابُُ ُ ،ولو بُ ُ، ولابات. اللسان (لوب).
وانظر مزيد رواية وتخريج للحديث في كشف الخفاء للعجلوني : 1/56 الحديث رقم : 137.
(26) قال ابن الجوزي في الموضوعات : 3/22:هذا الحديث غير صحيح ؛ لأن في رجال سنده من لا تقبل روايته.
(27) حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم ، صحيح البخاري ( كتاب فضائل المدينة ) ، (باب الإيمان يأرز إلى المدينة ) : 1/0222 ، و انظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (البخاري ومسلم ) :1/9. ويأرز : ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض.
الطائف مصيف الجزيرة العربية
الطائف مصيف الجزيرة العربية .. واحة في وسط الصحراء وواد بين سلاسل الجبال .. جنة صغيرة من جنات الأرض ، يهرع إليها أفراد الأسرة المالكة والشعب معًا في أشهر الصيف (القيظ)،فينعمون فيها بعليل النسيم وخيرات أرضها المباركة ، ويجدون هناك ما ينشدونه من راحة واستجمام.
وليست شهرة الطائف بقاصرة فقط على أنها مصيف الجزيرة العربية ، بل إنها قبل هذا معقل الجيش العربي السعودي الباسل .. مدينة الجيش .. فيها يتدرب أشباله حتى يخرجون أسودًا ضواريَ يحملون راية الإسلام خفاقة عالية، ويشهرون سيوفهم البتارة في وجوه أعدائه وخصومه.
وللطائف فوق هذا كله شهرة أخرى في ميدان العلم ، ففيها معهدان من أشهر المعاهد العلمية في الجزيرة العربية وأعظمها : « المدرسة النموذجية » ، و« دار التوحيد».
والمدرسة النموذجية أمر بإنشائها سمو الأمير فيصل ؛ليتعلم فيها أبناؤه مع أبناء الشعب جنبًا إلى جنب دون فوارق أو فواصل ،وهي تشغل دارًا فخمة كبيرة ، مكونة من حوالي الأربعين غرفة ، منها صالون كبير للاستقبال ، وعنابر لنوم طلبة القسم الداخلي والأساتذة والمدير ، ثم غرف للدراسة ومخازن . ونظام المدرسة داخلي وخارجي ،وفيها 24 في القسم الداخلي، و26 في القسم الخارجي . ويتبع الجميع نظامًا واحدًا ومنهجًا واحدًا في الدراسة هو منهج الدراسة الابتدائية في مصر نفسه مع زيادات في علوم الدين. ويقبل في هذه المدرسة الطلبة من سن السادسة حتى سن الثانية عشرة من أبناء الشعب كافة ، دون تمييز بين طبقة وأخرى ،لتغرس في الجميع روح المحبة والإخاء والمساواة والديمقراطية الحقة . وجميع تلاميذ هذه المدرسة متساوون في تطبيق نظم المدرسة عليهم سواء في الطعام أو النوم أو العقاب ، لا فضل لتلميذ على الآخر إلا بالجد والاجتهاد والأخلاق الكريمة.
أما دار التوحيد فمؤسسة منذ سنة 1365هـ للتخصص في تدريس العلوم الدينية والقضائية ، ويديرها مدير المعارف « فضيلة الشيخ محمد بن مانع (1)» بنفسه ، وهي مدرسة ممتازة في أساتذتها وتعليمها .
وللطائف منزلتها ومحبتها في قلب كل سعودي .. نفس المنزلة التي تحتلها الإسكندرية في قلوبنا نحن المصريين .. ويقضي فيها أسد الجزيرة أحيانا بعض أشهر الصيف للراحة والاستجمام.
|
|
|