19/06/2005, 07:56 PM
|
#2
|
المؤسس والمشـــرف العــــام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 2
|
تاريخ التسجيل : Aug 2004
|
أخر زيارة : اليوم (02:43 AM)
|
المشاركات :
64,166 [
+
] |
التقييم : 16605
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
MMS ~
|
SMS ~
|
|
لوني المفضل : Maroon
|
|
الأجازة
مازن التويجري
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30)
خلق الله بني آدم واستخلفهم في الأرض وسخر لهم برها وبحرها وجوها ليعمروها بعبادته ويتقلبوا فيها وفق شريعته وشرعته.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة: 21 .
فأساس الخلق إنما هو العبادة، والغاية من الاستخلاف إقامة حكم الله في الأرض.
إنّ هذا الأساس وتلك الغاية ليست محدودة بحدٍ أو متعلقةٍ بزمانٍ دون زمان، كما أنها لا تختص بأرض دون أرض، أو قطر دون آخر.
إننا متعبدون لله العظيم، أذلاء بين يديه، فقراء إليه، في كل وقت وحين أياً كانت الأرض التي تحملنا أو السماء التي تظلنا: ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (الأنعام: 162- 163 . فالكون ملكه، والقلوب بيده، والخلق عبيده، فهل يصح من عبد أن يخالف أمر سيده، فيفعل ما يشاء، ويحكم كيف يشاء، ويذهب أين شاء؟
إذن فلا معنىً لعبوديته، ولا وضوح لخضوعه وذلهِ.
وها هي الإجازة قد أقبلت ، فهل يكلُّ المولى عن خدمة سيده؟ وهل يصح من صاحب المطالب العالية أن يتوقف عن سيره نحو هدفه وغايته؟
إن الإجازة استجمام للطالب بعد جهد عام دراسي، وسانحة للموظف لأخذ الراحة واستعادة الهمة من جديد. فلا يجوز أن تغدو مسرحاً للتفلت من نظام العبودية، أو سباقا محموماً نحو التجاوزات والتعديات، وولوغاً في حمأة المعاصي والنقائص، وغوصا في بحر الذنوب والعيوب الآسن.
روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ). البخاري ( 5933).
فحصول الفراغ وكمال الصحة للعبد نعمة عظيمة قل في الناس من يدركهما ويستشعر فضلهما ليستثمرهما فيما يعود عليه بالنفع في الأولى والآخرة: ( وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).سورةالعصر.
معاشر المؤمنين؛ إنّ المسلم بحاجة ماسة إلى أن يضع لنفسه ولأفراد أسرته أهدافاً يسعى لتحقيقها من خلال وسائل ومناشط متعددة تناسب جميع الأعمار، وتلبي مختلف التوجهات والرغبات، خاصة في زمن الإجازات التي تخلو من دراسة نظامية، أو عملٍ وظيفي.
ليس عدلاً في قاموس العقلاء أن تكون الإجازة عند المسلم ضياعا للأوقات واهداراً للطاقات، وركوباً لأصناف المعاصي والذنوب.
بالله عليكم... ماذا جنى أرباب السفر إلى بلاد الكفار وبلاد الفسق والمجون؟
ماذا جنوا غير ضياع الدين، وضعف الغيرة والحياء، والجرأة على معصية الخالق سبحانه، وكسب السيئات والخطايا، ثم هدر الأموال، وتبذير الثروات؟
ماذا جنى أرباب سياحة الطرب والغناء، والمسارح والعروض؟
أين العقول التي ترى أن الحياة أغلى وأعظم من أن تقضى بشهوة ساعة، أو أغنية ماجنة، أو ترحال لبلاد لا يسمع فيها لصوت الحق منادياً؟
أين من يثمن الأعمار ويدرك قصر الحياة، وهو يرى الموت يخطف الأرواح صغيرها وكبيرها، ولا يفرق بين سقيم وصحيح ليسعى لاستغلال دار فانية قصيرة، يتبعها نعيم لا ينفد وغرة عين لا تنقطع؟
نعم إننا نعلم أنه لاخلود في هذه الدار، وأن الموت مصير كل حي، ولكن مشكلتنا الحقيقية تكمن في التطبيق العملي ومجاهدة النفس.
نعم نحن نحب الله ونتمنى دخول الجنة، ونسأل الله المراتب العالية فيها، لكن أفعالنا تخالف الحقيقة التي نؤمن بها، وتضاد أمر ربنا الذي نحبه ونحب ما يقربنا إليه. ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ* مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ* لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) الانبياء 1- 3
يا أخوتي؛ إن العلم لا يكفي بمفرده، والرغبة لا تغني، والحب لا يصح، إلا أن نقيم الأعمال برهاناً على ذلك العلم وتلك الرغبة، وندلل على الحب والمحبة.
والدعاوى إذا لم يقيموا عليها بيـنات أصحابـها أدعيـاء
وإلا فكل الناس يرجون النجاة... لكن أين من سلكوا طريقها.
إننا نسأل الله الهداية في كل ركعة من صلاتنا "اهدنا الصراط المستقيم" لكن أين من يسعى لنيلها؟ وأين من يتجاوز شهواته؟ ويكسر حنين نفسه ليحصل مطلوبه وغايته، ويسابق في ميادين البر والخير؟
أما آن للآباء والأمهات أن يلتفتوا لمصالح أبنائهم في مثل هذه الإجازات؟، وأن يسعوا لتزكية نفوسهم، وغرس مفاهيم الإسلام وتعاليمه في قلوبهم؟، وهم يرون الفتن قد أقبلت بخيلها ورجلها تجوس خلال الديار.
ليس هناك أعظم من حفظ الأبناء والبنات من فتن الشهوات والشبهات، والدعاوى المضللات ولا يقوم بهذا ويهتم به إلا البيت المسلم التقي النقي، وما أروع مقالة العبد الصالح لابنه وهو يعظه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) لقمان: 17.
إننا لكي نحقق الاستفادة معاً في هذه الإجازة فلا بد من بعض المقترحات والوصايا:
أولاً: إشراك الابناء في الدورات المكثفة لحفظ القران الكريم، والبنات في دور تحفيظ القران الكريم المنتشرة ولله الحمد في مناطق كثيرة.
ففي هذه الدورات يستطيع الطالب أن يحفظ القران كاملاً في خمس وأربعين يوما أو شهر واحد، ومن أمثلة التجربة في العام المنصرم استطاع شابٌ أن يحفظ القران في ستة عشر يوماً فقط، وآخر في ثمانية عشرة يوما، وشابان في تسعة وعشرين يوماً.
إنه مشروع كبير، فلم لايشارك فيه الأب وابناؤه سوياً؟ من أجل أن يرى يرى الأبناء صورة القدوة ماثلةً أمامهم فيتشجعوا ويتنافسوا.
إنّ هذه الدورات تبدأ من حفظ خمسة أجزاء وتتدرج إلى حفظ القران كاملاً.
وبحمد الله فقد انطلقت قبل أعوام يسيرة دورة حفظ السنة النبوية في المسجد الحرام في مكة المكرمة، فهناك يحفظ طلاب العلم صغاراً وكباراً صحيح البخاري ومسلم خلال شهرين تزيد أو تنقص.
إنّه إنجازٌ كبير، وفوز عظيم.
لقد كان من جملة المشاركين في دورة حفظ السنة النبوية في العام المنصرم طلابٌ في المرحلة المتوسطة فما فوق.
أيها الأب المبارك؛ لم لا نجعل هذه الإجازة أياماً لحفظ القران الكريم بمشاركة الجميع؟ ولنتذكر على الدوام ما يحطم العقبات: ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) القمر: 17.
ثانياً: الدورات العلمية التي يأخذ فيها طالب العلم علوماً شتى في التفسير والحديث والفقه والعقيدة وغيرها في أيام قليلة وفي فترة وجيزة، مما قد لا يتيسر مثله في غير هذه الإجازات، فكم من أمر التي نجهله عن ديننا؟
لا أقول في دقائق العلم بل في مسائل من أهم المهمات، في التوحيد والفقه.
لماذا لا تجعل هذه الإجازة فرصةً لك للتزود من العلوم ولقاء العلماء والأخذ منهم. لماذا لا تجعل هذه الإجازة فرصةً لانطلاقة الأبناء في طريق العلم والمعرفة؟
يُذكر مع هذا أن تقوم في مبتدأ الإجازة بزيارة إلى مكتبة علمية مع أبنائك ليختار كل ابن وبنت مجموعةً يسيرةً من الكتب النافعة فيما يحب من فنون لتكون رفيقة دربه في هذه الأيام، ويجمل أن يكون هناك كتاب يقرأه الجميع في جلسة عائلية كل صباح أو مساء.
ثالثاً: صقل مواهب الابناء بإشراكهم في دورات صيفية في الحاسب الآلي أو تعلم السباحة أوالدفاع عن النفس، أو دورات في التفكير وفن إدارة الأوقات.
كما أنه يمكن للأبوين الالتحاق بالدورات المتخصصة في العلاقات الزوجية، وغير ذلك، وهذا وغيره ولله الحمد مطروح وبكثرة، وهو أمر يجمع بين الفائدة والترفيه في آن واحد فاجعل في جدولك منه نصيباً.
رابعاً: إشراك الأبناء في المراكز الصيفية، وهي كثيرة ولله الحمد، لا على سبيل التخلص منهم وإلقاء عبء و همّ متابعتهم على كاهل الغير، ولكن رغبة في الفائدة والنفع.
أيها الأب المبارك؛ إنّ هذه المراكز تقام فيها بعض الدورات مما سبق في المقترح السابق، وفيها يُعتني بحفظ القران الكريم، وتُقام المسابقات، ثم أنّها تفيد الشاب فتكسر الحاجز المانع من التعرف على المجتمع و الانخراط فيه، وفيها يكنشف مواهبه وقدراته وينميها، ويلقى من يعتني به من أهل الخير ليعينك في طريق تربيته وإصلاحه.
خامساً: الترفيه البرئ مطلب لإجمام النفوس وإعادة نشاطها، وهذا لا يقدر بقدر، فأنت تعطيه ما ترى كفايته من الوقت، وجميل أن يعلق الترفيه والراحة بإنجاز عملٍ أو مطلوب وواجب، فإذا حفظ الجميع ما عليه من ورد لمدة أسبوع أو أربعة أيام، قامت الأسرة برحلة خلوية يختار مكانها الأبن المتميز في الانجاز بين أخوانه.
وهنا يجدر التنبيه على أن الترفيه لابد أن يكون محاطاً بإطار الشرع، فلا يسمح فيه بالتجاوزات والمخالفات الشرعية، وإنما يكون ترفيهاً يجدد النشاط، وبيعث حياة الهمة في النفوس، دون أن يكون في معصية، وما أكثره لو تأملنا.
سادساً: السفر له طعم خاص عند الأبناء، فيجب أن يوضع في الجدول مسبقاً بعد مشاركة الجميع في تلك المناشط أو بعضها حسب ما يتفق عليه، فتكون هذه الرحلة الممتدة لأيام بمثابة الجائزة الكبرى، أو شهادة الشكر للجميع لما بذلوه وقدموه والخيارات كثيرة ولله الحمد في بلادنا.
سابعاً: المحفزات والجوائز، مطلب لنجاح برنامجك الأسري، فيكافأ من أحسن ، وأما من قصر وأخطأ فإنه يدفع برفق ليلحق الركب، مع الدعاء له بالتوفيق والتسديد، والصلاح والهداية. فالتعلق بالله تعالى والانطراح بين يدبيه والذلة له وسؤاله العون، أعظم سبيل للتيسير قبل العمل وأثناءه وبعده.
ثامناً: كيف تبدأ؟ خلال الأسبوع المقبل اجمع المطروح من تلك البرامج على الساحة، من دورات علمية، ودورات لحفظ القران الكريم، والدورات النسائية والمراكز الصيفية، والمعاهد التي تقدم الدورات المختلفة وأماكن الترفيه، ثم انظر الأصلح والأنفع مراعياً ما يلي:-
• لا تكثر البرامج على الأبناء فيملوا، فقليل دائم خير من كثير منقطع.
• لا تتخيّر مكاناً بعيداً عن منطقة سكنك، فقد يشق عليك وقد يكون سبباً في الانقطاع.
• اجعل للابناء أكثر من خيار ثم اترك لهم مساحة للتفكير والاختيار.
• بعد ذلك ضع جدولا بمشاركاتهم ليكون أبلغ في تطبيقهم له.
• لا تحدد تطبيق بعض البرامج بوقت معين من الساعة كذا إلى الساعة كذا ولكن قل من خلال شهر لابد أن تقرأ هذا الكتاب بمعدل ثلاث صفحات يومياً واترك للابن اختيار الوقت المناسب وهكذا.
وأخيرا: إنّ صلة الرحم من أهم المهمات، فاجعل لها في جدولك نصيباً وافراً.
من خلال ما مضى فإن من العدل والإنصاف أن يقال بأن أولئك الجنود الذين يقفون على تلك البرامج الهادفة من القائمين على الدورات في بيوت الله، والمراكز الصيفية، بل وحتى أولئك الذين يقيمون الدورات النافعة مقابل مردود مادي، ومن يوفرون جوّاً للترفيه البرئ الخالي من منغصات المخالفات الشرعية، كل أولئك لهم منا عاطر الثناء، وصادق الدعاء، إذ لا يستوي جهدهم المبارك مع جهد من فكر وسعى وخطط لإضاعة أوقات الناس وتهيئة جو الفتنة، وتيسير المعصية والرذيلة، مما يعود على الأمة والمجتمع وبالاً، فهذا الصنف الأخير لا يدفع إلى خيرٍ ولا ينشر معرفةً، لايرفع المجتمع ولايرقى بوعي أفراده، لا يكتشف المواهب، ولا ينمي القدرات، بل يساهم في ضياع الشباب والشابات ويشارك في هدر الطاقات.
إنّ الذي أسلفناه من مقترحات، إنما نريد أن نحفظ به أبناءنا ومجتمعنا من عبث العابثين ومن نزغات الشيطان وحزبه، و نريد من خلاله أن نربط المجتمع بدينه وأمته، ونربط الشباب بالمجتمع ونحببهم في الدين الحنيف، ونحفظ عقولهم من واردات الهوى، وأمراض الشهوات والشبهات، و أن يعرف أبناء المجتمع ماذا نريد منه؟ وماذا يريد منا؟
إننا بهذا نفتح للشاب آفاقاً لخدمة أمته وبلده. إذ أننا نكتشف المواهب والقدرات، وننميها ونحفظها ونصقلها.
وخاتمة المقال قول رب العالمين: ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) الشمس: 1-10
المصدر موقع المربي
|
|
|