هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أصبحت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الآونةالأخيرة وجبة دسمة وطبقاً شهياً يقتات عليه من لا قوت له ، فغدت شغلاً لكلمن يثور بلا قضية وينوح بلا عزاء من خلال تضخيم حادث أو اختلاق آخر ، ومازالت (متلازمة الهيئة) تتملك قلوب البعض وتطغى على عقولهم لتؤكد لنـا أنمن السهل أن ينال الناس الحرية لكن من الصعب أن يكونوا أحراراً..!! فلوتحررت العقول لما قرأنا في بعض الصحف أخباراً لا فائدة منها إلا سد مايملؤها من فراغ ..!! وبما أن تلك الأخبار ترتبط بأرواح المواطنين وحرياتهموهي من أخص واجبات أمراء المناطق حيث نصت الفقرة الثالثة من المادةالسابعة من نظام المناطق على " كفالة حقوق الأفراد وحرياتهم، وعدم اتخاذأي إجراء يمس تلك الحقوق والحريات، إلا في الحدود المقررة شرعاً ونظاماً "فقد بدا لي مقدار الحاجة للحديث عن الوجه النظامي لهذه الحوادث بغض النظرعن صحتها من عدمه .



فالنظام لا يُجيز – بشكل عام – القبض على أي شخص كما ورد في المادة الثانية من نظام الإجراءات الجزائية الآتي نصها " لا يجوز القبـض على أيِّ إنسـان أو تفتيشه أو توقيفه أو سِّجنه إلا فيالأحوال المنصـوص عليها نِظاماً " ومن الأحوال المنصوص عليها نظاماً حالاتالتلبس حيث يجوز لرجال الضبط القبض على المتهم وتفتيشه دون إذن استناداًللمادة الثالثة والثلاثون من ذات النظام الآتي نصها " لرجُل الضبط الجنائي في حال التلبُس بالجريمة، القبض على المُتهم الحـاضِر الذي توجد دلائل كافية على اتِهامِه " وللمادة الخامسة والثلاثون ونصها " في غير حالات التلبُس، لا يجوز القبضعلى أيِّ إنسان أو توقيفُه إلا بأمر من السُلطة المُختصة بذلك "





ثمإن رجال الضبط الذين يجوز لهم القبض والتفتيش محصورون كما بينت ذلك المادةالسادسة والعشرون من ذات النظام حيث نصت في الفقرة السادسة منها على "رؤساء مراكِز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، في حدود اختِصاصِهم" مما يدل على أن أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليسوا منرجال الضبط الذين يخول لهم النظام القبض والتفتيش .





لذلك فأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهيعن المنكر ليس لهم – بمفردهم – القبض على أي متهم ولا تفتيشه ، إلا إذاكان يرافقهم رئيس المركز أو أحد رجال الضبط الجنائي الآخرين ، وهذا لاينفي كونهم من رجال السلطة العامة الذين يجب عليهم الإمساك بأي متهم حالالتلبس في جريمته ثم تسليمه فوراً لرجال الضبط كما لهم تفتيشه التفتيشالوقائي كخشية أن يكون معه سلاح مثلاً .



أما الوجه الآخر للمشكلة والذي بقي بعيداً عن الإضاءات الصحفية هو ما تكشفه هذه الحوادثحين ترفع القناع عن واقعنا المؤلم في انعدام الوعي الأمني وانتشار الفهمالخاطئ لمفهوم الحرية .. يتجلى ذلك بأوضح صوره في عدم قدرة البعض علىالتكيف مع ما نشهده من تطور في الإجراءات الجزائية والقضائية ، ومع حمايةالنظام للحرية الشخصية والحقوق الفردية ، مما انعكس سلباً على شخصية رجلالأمن وهيبته وتسبب في إضعاف قدرته عن المستوى المأمول ..



وليس تناقضاً أن نرى الغرب الذي يتغنىبرفع لواء الحرية الفردية يتترس بنظام صارم يحمي أمن المجتمع ولا يراعيحال المشتبه به إن ارتكب الفرار أو قاوم رجال الأمن أو لم يذعن لأوامرهم .



ورغم أن هذا التنظيم الغربي لا تستغربهالعقول وهو من باب التكامل في التشريع ، إلا أن الغريب هو ضعف قدرة أكثرناعلى الاستمداد من شريعتنا السماوية الكاملة والتي نصت القاعدة الفقهيةفيها على ( وجوب ارتكاب أهون الضررين لدفع أعلاهما) فالواجب على أعضاءالهيئة وغيرهم من رجال الأمن تقدير المصالح والمفاسد قبل الإقدام أوالإحجام ، ولعل في نص المادة العاشرة من نظام هيئة الأمر بالمعروف والنهيعن المنكر ما يضبط العلاقة بين طرفي المعادلة (الحزم والمصلحة) حيث جاء فينصها " على الهيئات القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر بكُلحزم وعزم مُستنِدة إلى ما ورد في كتاب الله وسُنة رسوله ومُقتدين بسيرته –صلى الله عليه وسلم – وخُلفائه الراشدين من بعدِه والأئمة المُصلحين فيتحديد الواجِبات والممنوعات، وطُرق إنكارِها وأخذ الناس بالتي هي أحسن، معاستهداف المقاصِد الشرعية في إصلاحِهم. "

محمد بن عايد القاسمي باحث قانوني

المزيد...